إليك هذا المقال الذي يتحدث عن أولويات شركة أمازون تحديداً. لقد كانت رسالة وارن بافيت السنوية للمساهمين في شركة "بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway) رسالة لا بد للمستثمرين من مطالعتها على مدى عقود. وتكتسب الآن رسالة جيف بيزوس السنوية، التي صدرت آخرها بتاريخ 11 أبريل/نيسان، القدر نفسه من الزخم. ويراها محللو "وول ستريت" (ومقدّم البرامج في قناة "سي إن بي سي" (CNBC) جيم كريمر) على أنها نافذة قيِّمة تُطل على التركيز الاستراتيجي لموقع Amazon.com، وهو أكبر سوق إلكترونية على الإنترنت وشركة حوسبة سحابية. ولكي نفهم إلى أين يأخذ بيزوس عمله السري الشهير والذي زعزع قطاعاً تلو الآخر، فإن العديد من المحللين يقولون إن رسالته هي الوسيلة المثلى للفهم.
أولويات شركة أمازون
من أجل معرفة أولويات شركة أمازون تحديداً، قررنا تحليل رسائل "أمازون" إلى المساهمين لنتوصل إلى فهم أفضل لرؤية بيزوس ومحركات نمو "أمازون". وبدأنا بجميع رسائل "أمازون" إلى المساهمين من السنوات 1997 - 2017، واستخدمنا أداتين لتحليل النص، وهما: "إنفيفو 12 برو" (NVivo 12 Pro) و"لنغوستيك إنكويري آند وورد كاونت" (LIWC). تخبرنا نتائج هذه التحاليل بالكثير عن أولويات الرئيس التنفيذي فيما يتعلق بشركته:
1. تركز "أمازون" على الزبون كما يقول الناس، ولكن هذا ليس محور اهتمامها الوحيد.
عادة ما يصف المحللون شركة "أمازون" على أنها واحدة من أكثر الشركات الذين صادفوها تركيزاً على الزبون، ووصفها أحدهم بأنها "شركة مبتكرة تبدأ بالتفكير حول ما يمكن أن يجعل حياة الزبائن أكثر سهولة". وبناءً على ذلك، قررنا اختبار الرسائل لمعرفة مدى تركيز "أمازون" على الزبون مع مرور السنوات، من خلال حساب عدد مرات استخدام كلمة "زبون" في كل رسالة من الرسائل إلى المساهمين. ووجدنا بالفعل أنّ كلمة "زبون" هي الكلمة المستخدمة الأكثر شيوعاً في جميع الرسائل، ويليها كلمة "أمازون" و"جديد" و"عمل".
ولكن عندما نقوم بتحليل الرسائل على أساس سنوي، فإننا نجد صورة أقل انسجاماً (راجع المخطط أعلاه). في 13 رسالة من أصل 21 رسالة حللناها، بقيت كلمة "زبون" الكلمة المستخدمة الأكثر شيوعاً، ولكن تقدمت عليها اهتمامات أخرى في الأعوام 2004-2007 و2010 و2011 و2013 و2017.
على سبيل المثال، يكشف تحليل الرسالة الموجهة إلى المساهمين بعام 2004 عن التركيز على الصحة التنظيمية. في ذلك العام، كانت الكلمات الخمس المستخدمة الأكثر شيوعاً هي "نقود" و"تدفقات نقدية" و"إيرادات" و"رأس المال" و"مجاناً"، ما يشير إلى اهتمام بالتمويل. وتعبر الجملة الأولى من كلام بيزوس عن ذلك كله: "إجراؤنا المالي النهائي، والذي نريد تحقيقه على المدى البعيد، هو تدفق نقدي حر لكل سهم".
في عام 2006، كانت أكثر الكلمات المستخدمة شيوعاً "أعمال" و"جديد" و"أمازون" و"نمو" و"ثقافة"، ما يشير إلى تركيز على التوسع والنمو. يكتب بيزوس في رسالته تلك: "في نطاق "أمازون" الحالي، فإنّ غرس بذور ستنمو إلى أعمال جديدة ومهمة يتطلب بعض الانضباط والصبر، وثقافة تشجع على النمو. فأعمالنا القائمة هي أشجار شابّة وجذورها راسخة. وهي تنمو، وتتمتع بعائدات كبيرة على رأس المال، وتعمل في قطاعات سوقية كبيرة جداً. وتضع هذه الميزات سقفاً عالياً لأي عملجديد سنقوم بإطلاقه. قبل استثمار أموال مساهمينا في عمل جديد، علينا أن نقنع أنفسنا أنّ الفرصة الجديدة من شأنها أن تحقق ما توقعه مستثمرونا من عائدات على رأس المال عند قيامهم بالاستثمار في "أمازون". كما علينا إقناع أنفسنا أنّ باستطاعة العمل الجديد أن ينمو إلى نطاق يمكن من خلاله أن يكون مفيداً بالنسبة لمجال عمل شركتنا بالكامل".
وأشار تكرار الكلمات في الرسائل إلى المساهمين في الأعوام 2007 و2010 و2011 إلى تركيز على تطوير قطاعات الأعمال، وتحديداً أجهزة القارئ الإلكتروني من طراز "كيندل" وخدمات "أمازون ويب" (AWS)، والتوجه نحو إنشاء منصة ذات وجهين للخدمات والبضائع والمحتوى. الكلمات الخمس المستخدمة الأكثر شيوعاً في 2007 هي "كتاب" و"كيندل" و"قراءة" و"تغيير" و"أدوات". الكلمات الخمس المستخدمة الأكثر شيوعاً في 2011 كانت "أمازون" و"مؤلفين" و"الحصول" و"كي دي بي" (كيندل دايركت ببلشنغ)، و"نشر"، ما يشير إلى تركيز "أمازون" على تطوير بيئة العمل المتكاملة لكتبها الإلكترونية. وبشكل خاص، فإنّ حوالي نصف رسالة بيزوس إلى المساهمين لعام 2011 تتضمن شهادات من مؤلفين، وبائعين خارجيين، وأعضاء آخرين من شبكة "أمازون". كتب بيزوس: "في أحوال كثيرة تكون أكثر الاختراعات تطرفاً وتحولاً هي تلك التي تمكّن الآخرين من إطلاق العنان لإبداعهم والسعي وراء أحلامهم. ويمثل ذلك جزءاً كبيراً مما يحدث في خدمات "أمازون ويب" و"خدمة الوفاء عبر أمازون" (Fulfillment By Amazon) و"كيندل دايركت ببلشنغ". مع هذه الخدمات الثلاثة، فإننا نقوم بإنشاء منصات خدمة ذاتية قوية تسمح لآلاف الأشخاص بتجربة أشياء وإنجازها بشجاعة. ولولا ذلك لكانت تلك الأشياء مستحيلة أو غير عملية. هذه المنصات المبتكرة واسعة النطاق لا تحقق الفوز على حساب الآخرين، بل تخلق أوضاعاً تكون فيها المنفعة من نصيب جميع الأطراف، كما تخلق قيمة كبيرة للمطورين ورواد الأعمال والزبائن والمؤلفين والقرّاء".
في عام 2010، أكّدت الرسائل إلى المساهمين على "البيانات" و"أمازون" و"خدمات" و"أنظمة" و"تكنولوجيا"، وفي ذلك إشارة محتملة إلى التركيز على عروض "أمازون" التكنولوجية والأنظمة الأساسية التي تدير منصاتها. كما أشاد بيزوس في تلك الرسائل بقدرة "أمازون" على ترجمة آخر ما توصل إليه العلم إلى ابتكارات صالحة للعرض في السوق. حيث كتب: "ربما لا يكون كل الجهد الذي نبذله في تطوير التكنولوجيا مهماً للغاية لو أبقينا التكنولوجيا مهملة في أي من أقسام البحث والتطوير، ولكننا لا نعمل بذلك النهج. تعتبر التكنولوجيا ركيزة أساسية في فرقنا وجميع عملياتنا واتخاذ القرارات لدينا، وبالنسبة لنهجنا الذي يسعى لتحقيق الابتكار في كل عمل من أعمالنا. إنها مدمجة بعمق في كل شيء نقوم به".
وبينما يثبت تحليلنا على نحو كبير النظرة الشائعة التي تقول إنّ بيزوس يضع التركيز على الزبون على رأس الأولويات، إلا أنه يشير أيضاً إلى وجود تفاصيل أكثر في عملية اتخاذ القرارات لديه. فعلى مر السنوات، أخذ بيزوس في الاعتبار ولكن بدرجات متفاوتة العوامل الداخلية والخارجية مثل الكفاءات والمنافسة والمورّدين والمستثمرين.
2. قد يكون ثمة مستوى أمثل من التركيز على الزبون.
لاحظنا أنّ عدد الإشارات إلى الزبون لم يكن منسجماً على مر السنوات، ولم يستقر سوى في الآونة الأخيرة (انظر الشكل رقم 2 أدناه). في ذروة رسالته، جعل بيزوس 40% من رسالته للحديث عن الزبائن، أما في السنوات الأخرى فقد تحدث بنسبة أقل عنهم، بما يعادل 5% من إجمالي النص. وبدءاً من عام 2013، خصّص بيزوس باستمرار أقل من 15% من رسائله للحديث عن الزبائن.
تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنّ بيزوس ربما وجد مستوى أمثل من التركيز على الزبون في الوقت الذي نضجت فيه شركة "أمازون". وبالمقارنة مع الأعوام السابقة، التي تذبذب فيها التركيز على الزبائن بشكل كبير من عام إلى عام، فقد استقرت رسائل بيزوس لتخصيص نحو 12% للزبائن. ونعتقد أنّ هذا المستوى من المحتوى ربما يسمح لبيزوس بالإبقاء على تركيزه على الزبون بينما يستكشف مواضيع أخرى بعمق.
3. يشعر بيزوس بالقلق حيال العمالة اليدوية.
كان موضوع الموظفين هو الموضوع الثاني المهم في رسائل "أمازون" إلى المساهمين، حيث وجدنا 48 إشارة منفصلة إلى "الموظفين" بشكل عام، وهو ثالث أعلى رقم من الإشارات بعد الزبائن والتجزئة. وفي المتوسط، خصّص بيزوس 4.2% تقريباً من كل رسالة للحديث عن الموظفين بمتوسط 2.4% وحد أعلى 16% في رسالته لعام 2013 (انظر المخطط أدناه). وقد أشادت معظم إشارات بيزوس إلى الموظفين بشكل عام بفريق الهندسة في "أمازون". وتنسجم هذه النتيجة مع ما أفاد به براد ستون في كتاب "متجر كل شيء" (The Everything Store)، والذي وثّق فيه مدى شراسة "أمازون" في منافستها مع شركات مثل "جوجل" لاستقطاب المواهب في مجالي الهندسة والإدارة خلال سنواتها الأولى.
وعلى أي حال، لم يكن المهندسون وحدهم محور اهتمام بيزوس في الجانب المتعلق بالموظفين. فبدءاً من عام 2013، بدأ تركيزه يتحول نحو العمالة اليدوية في "أمازون". ففي رسالة ذلك العام إلى المساهمين، عندما وصل عدد الإشارات إلى "الموظفين" إلى ذروته، قدّم بيزوس برنامجين جديدين لعمال مركز الوفاء، وهما برنامج "اختيار المهنة" (Career Choice) وبرنامج "الدفع مقابل المغادرة" (Pay to Quit). يدفع برنامج اختيار المهنة 95% من الرسوم التعليمية مسبقاً لتغطية مجموعة محدودة من مجالات الوظائف المطلوبة. وفي برنامج الدفع مقابل المغادرة، يُعرض على الموظفين مبالغ بين 2,000 دولار و5,000 دولار مقابل ترك العمل بعد انتهاء فترة التدريب المبدئية، بما يضمن بقاء الموظفين الجدد الملتزمين بالقيم الأساسية للشركة فحسب.
وقد كتب بيزوس عن هذه البرامج منذ إطلاقها في كل الرسائل التالية إلى المساهمين عدا رسالة عام 2016، وخصّص 2% إلى 4% من كل رسالة للحديث عن موظفي مركز الوفاء. وفي رسالته إلى المساهمين لعام 2015، تحدّث بيزوس عن أنّ "أمازون" كانت تقدم برامج إضافية لإشراك العمال مع عائلاتهم، ومن بين تلك البرامج برنامج "مشاركة الإجازة" (Leave Share)، الذي يسمح للأزواج بأن يتشاركوا في أيام إجازتهم، وبرنامج "الإسراع في العودة" (Ramp Back)، الذي يسمح للأمهات الجدد بتسريع عودتهن إلى العمل. كما أشار بيزوس في نفس الرسالة إلى أنّ موظفي مركز الوفاء حصلوا على نفس مزايا الرعاية الصحية التي حصل عليها كبار المسؤولين التنفيذيين في "أمازون".
ويسلط تحليلنا حول أولويات شركة أمازون الضوء على تركيز "أمازون" على الزبائن، ولكن قد يكون بنفس القدر من الأهمية النظر فيما ليس موجوداً في الرسائل. على سبيل المثال، كتب بيزوس في رسالته إلى المساهمين لعام 2013: "يأتي الفشل كجزء لا يتجزأ من الاختراع. إنه ليس خياراً. نفهم ذلك، ونؤمن بالفشل مبكراً وإعادة المحاولة حتى تسير الأمور على ما يرام". لكن لم تتطرق أي من رسائل بيزوس بشكل مباشر إلى أي فشل تعرضت له "أمازون"، بما في ذلك "فاير فون" (Fire phone) الذي يحظى بدعاية واسعة، ولا عملية إعادة المحاولة والتعلم التي يلمح إليها بيزوس. وتشير قلة التفاصيل حول هذه الموضوعات الأساسية إلى أنها تمثِّل مخاوف مهمة.
اقرأ أيضاً: