أصبح من البديهي هذه الأيام توفير أوقات عمل مرنة للموظفين. إن العمل نفسه الآن أكثر مرونة وأقل ارتباطاً بأوقات وأماكن محددة. وقد تغيرت أدوار كلا الجنسين، وهو ما يجعل من المنطقي السماح للموظفين بتغيير ساعات عملهم حتى يتمكنوا من التعامل مع جداول الحياة المحمومة. حتى أن استبياناً أظهر أن أوقات العمل المرنة تُصنّف عالياً في قائمة المزايا التي يريدها الموظفون والتي يقدّرها النساء أكثر من الرجال.
لكن دراستين حديثتين معنيتين بأوقات العمل المرنة لدى النساء تريان أن برامج الوقت المرن يمكن أن تكون مكلفة للأشخاص الذين يسجلون فيها، وخاصة النساء.
لماذا يتم معاقبة النساء عند طلب أوقات مرنة للعمل؟
تبدأ معاقبة النساء حتى قبل جدولة أوقات العمل. في دراسة أجرتها كريستين مونش من جامعة "فورمان"، تباينت ردود الفعل على الطلبات التي تقدم بها الرجال والنساء للحصول على أوقات عمل مرنة– وكانت في صالح الرجال إلى حد كبير. درست مونش أكثر من 600 عامل، جميعهم من الولايات المتحدة الأميركية. عُرض على المشاركين نصٌ لما بدا أنه حوار واقعي بين موظف وممثل عن قسم الموارد البشرية. ما لم يعرفه المشاركون أن مونش عدلت النص بطرق عديدة. في بعض النسخ منه طلب الموظف أوقات عمل مرنة للعمل 3 أيام في الأسبوع من المكتب أو العمل يومين من البيت مع إمكانية القدوم متأخراً أو المغادرة باكراً في أيام العمل من المكتب. كما كان هناك نصوص أخرى لم يطلب فيها الموظف أوقاتاً مرنة. والأهم أن مونش عدّلت النص بحيث غيّرت جنس الموظف وسبب الطلب (في بعضها كان الطلب من أجل العناية بالأطفال، وفي أخرى كان تحديداً لأسباب لا علاقة لها بالعائلة). طُلب من جميع المشاركين بغض النظر عن النص المعروض عليهم تقييم الموظف على أساس الجاذبية والموثوقية والتفاني إضافة إلى مدى احتمالية قبول طلبه.
اقرأ أيضاً: عندما تحملين مسؤولية رعاية مسنين
بمقارنة النصوص المختلفة وردود الفعل التي تولدت عنها، وجدت مونش أنه عندما طلب الموظفون الذكور أوقات عمل مرنة لتلبية متطلبات رعاية الأولاد، فإن 70% تقريباً من المشاركين كانوا من المحتمل أن يُجاب طلبهم. أما عندما تقدمت الموظفات الإناث بنفس الطلب فقد تقلصت النسبة إلى 57%. إضافة إلى هذا، كان المشاركون أكثر عرضة لتصنيف الرجال على أنهم جذابون وملتزمون أكثر من احتمال تقييمهم للنساء بهذه الصفات.
وفيما يتعلق بأوقات العمل المرنة، تعتقد مونش أن نتائجها يجب أن تكون بمثابة تحذير لأصحاب العمل. تقول مونش "في أحد السيناريوهات التي يُسهم فيها كلا الشريكين بنفس الدرجة في العمل المنزلي والدخل، كان الرجال، وليس النساء، هم من يقطفون ثمار ميزات مكان العمل". وتضيف "هناك حاجة لتحرك نحو المساواة بين الجنسين في المنزل يؤدي إلى إدامة المساواة بين الجنسين في مكان العمل".
اقرأ أيضاً: الجداول المتقلبة تشكل أذى كبيراً لسيرة المرأة المهنية
لكن حتى لو أمكن منح أوقات عمل مرنة دون انحياز، فإن أدلة من دراسة في ألمانيا تقترح أن ذلك قد يؤدي إلى مفاقمة الهوة بين الجنسين. باستخدام الهيئة الاجتماعية والاقتصادية في ألمانيا، وهي استبيان سنوي يشمل أكثر من 30 ألف شخص، تفحص الباحثان يوفون لوت وهيجونج تشانج تأثير أوقات العمل المرنة على ساعات العمل (وخاصة الوقت الإضافي) والدخل. لقد قارنت هذه الدراسة الرجال والنساء في ثلاثة سيناريوهات لجدول العمل: مجموعة ضابطة بساعات عمل عادية، ومجموعة بساعات عمل مرنة، ومجموعة مُنحت سيطرة كاملة على وقتها.
عند مقارنة المجموعات، وبعد مراعاة عوامل الضبط، بما فيها مستوى التفويض في العمل، وجد الباحثان أن الرجال والنساء الذين انتقلوا إلى الأوقات المرنة والأوقات ذات الاستقلالية قد عملوا جميعهم لساعات إضافية أكثر من الأشخاص الذين عملوا بأوقات عمل ثابتة. لكن الرجال استخدموا ساعات الوقت الإضافي لكسب مال أكثر بكثير من النساء في نفس البرنامج. وسطياً، كسب الرجال الذي عملوا بأوقات عمل ذات استقلالية 6,700 يورو بالسنة أكثر من الرجال الذين عملوا بأوقات ثابتة، في حين أن النساء اللواتي تمتعن بنفس الاستقلالية كسبوا في السنة حوالي ألفي يورو أكثر من النساء الآخريات اللواتي عملن بأوقات ثابتة.
من التفسيرات الممكنة لهذه النتيجة، أن الرجال على الأغلب يكتسبون ذلك التحكم بأوقات عملهم نتيجة لزيادة الإنتاجية أو باعتباره جزءاً من ترقية ويستخدمون ذلك التحكم لوضع جدول عمل أكثر إنتاجية، في حين أن النساء على الأغلب يستخدمون ذلك التحكم بوقتهن لتلبية برنامج حياة عائلتهن. هناك تفسير آخر، وهو أن النساء يُنظر إليهن على أنهن يستخدمن أوقات العمل المرنة لتلبية احتياجات العائلة. ويستمر هذا الانطباع عنهن حتى عندما يكنّ فعلاً يستخدمن جدول العمل المرن لتحقيق إنتاجية أكبر.
عند النظر في كل هذه الدراسات التي تحدثت عن أوقات عمل المرنة للنساء، تتشكل لدينا صورة قاتمة عن مستقبل موازنة الحياة والعمل والمساواة بين الجنسين. لكن أياً من الدراسات لا يجب أن ينظر لها على أنها تبرير لاستبعاد برامج ساعات العمل المرنة. عندما لا تُنتج هذه البرامج النتائج التي صُممت من أجلها تكون الخطوة المنطقية التالية النظر إلى التعديلات الواجب إدخالها على تصاميمها لإزالة تلك الصورة والانحيازات التي تأتي مع تلك البرامج.
اقرأ أيضاً: