تقديم المشورة للنساء لا يعني محاولة “إنقاذهنّ”

4 دقائق
تقديم المشورة للنساء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نحن نعلم أنّ وجود الموجهين وأولياء العمل الذكور أمر ضروري لمساعدة النساء الموهوبات في المضي قدماً، وعندما يَتم تقديم المشورة للنساء من قبل الرجال، فإنهنّ يتمكنّ من كسب المزيد من المال والحصول على الترقية ويعبّرنّ عن رضائهنّ الحقيقي خلال مسيرتهنّ المهنية. على الرغم من أنّ هذا التوجيه ضروري لجميع الموظفين (ذكوراً وإناثاً)، إلا أنه داعم للنساء بشكل خاص ليتمكّنّ من التعامل مع العوائق الكثيرة خلال سعيهنّ لتحقيق تطورهنّ المهني. ولكن في أعقاب حركة (#MeToo) سُمع من بعض الرجال قول أنه ليس من الآمن توجيه ودعم النساء. ولقد سمعنا أيضاً من بعض الرجال الذين أظهروا ردود فعل معاكسة، بأنهم قرروا أن يكونوا موجهين للنساء وأن “ينقذوا” المزيد منهنّ. لا شك في أننا نقدّر نواياهم الحسنة، إلا أنّهم يجب أن يُدركوا أنّ هذه المواقف أيضاً لا تخدم قضيتهم.

تقديم المشورة للنساء من قبل الرجال

لنبدأ بالحديث عن ما هو واضح: إذ بالطبع يتوجب على الرجال إرشاد النساء، فمن الخطأ (وغير القانوني) استبعاد نصف سكان العالم، ولكن اتباع استراتيجية إنقاذ الموقف لن يحقق النجاح أيضاً. وحتى النهج التوجيهي النمطي الذي يتّبعه الموجه (بكونه المعلم الذي يتقن كل شيء ويشارك المعرفة ويطبق علاقة هرمية ذات اتجاه واحد) يضع هؤلاء الرجال في إطار المناصرين والأبطال وحتى المنقذين. إنّ هذا النموذج، مبني على نقل الموجه لخبرته والتغلب على التحديات وعندما يتطلب الأمر فإنه يحمي متدربته من كل القوى الخبيثة في المؤسسة، (نموذج الفارس الشهم الذي سينقذ الفتاة من الشرور المحدقة بها). إنّ ملاحظة جينيفر دي فرايز الحذقة، تُحذّر من أنّ وضع الرجال المناصرين للمرأة والموجهين بخانة الأبطال المنقذين يعزز الوضع الحالي القائم على التمييز بين الجنسين، وعن دون قصد يقوي السلطة الذكورية، في حين يؤطر دور النساء، ويبيّن أنهنّ غير مستعدات لأداء أدوار قيادية مهمة.

اقرأ أيضاً: الجداول المتقلبة تشكل أذى كبيراً لسيرة المرأة المهنية

إذاً، ماذا على الرجل أن يفعل؟ لحسن الحظ، هناك بديل واعد للنموذج التقليدي وعملية التوجيه الهرمية أحادية الاتجاه، وهو ما نسميه “التوجيه المتبادل”. تعتبر عمليات التوجيه المتبادلة بين الجنسين في الأساس عملية تشاركية يلعب فيها الرجال والنساء أدواراً مكمّلة تؤدي إلى النمو على الصعيدين المهني والشخصي لكلا الطرفين، وبالنتيجة، تحقيق قدر أكبر من المساواة بين الجنسين في مكان العمل.

وجدت بيلي روز راغينز خلال بحثها في موضوع التوجيه المتبادل أنّ الإرشادات ذات التأثير الطويل الأمد تكون بطبيعتها أكثر تبادلية. في هذا النوع من العلاقات، هناك قدر أكبر من الانسيابية في تبادل الخبرات بين الطرفين. على الرغم من أنّ الموجهين، بحكم تعريفهم، لديهم خبرة أكبر في مجال المهنة، إلا أنّ المتدربين أيضاً يضيفون أفكارهم الخاصة وخبراتهم الحياتية وكل ما يتقنونه، حيث يقيّم الموجهون في هذا التشارك الفعّال المتدربين ويتأثرون بوجهة نظرهم.

كيفية صياغة علاقة توجيهية أفضل بين النساء والرجال

من خلال تفعيل روابط التوجيه المتبادل التي لا تخلو من سمات التواضع وحب الاستطلاع، قد يجد الموجهون الذكور أنفسهم بأنهم يتعلمون المزيد عن خبرات النساء في مؤسساتهم وينّوعون شبكة علاقاتهم، ويعززون مهاراتهم الشخصية. على سبيل المثال، استنتج العديد منهم في مقابلاتنا الشخصية معهم حول علاقات التوجيه المتبادلة بين الجنسين أنهم تعلموا واستفادوا أكثر من متدرباتهم الإناث.

إنّ لعمليات التوجيه المتبادلة الفعّالة عدة عناصر، إليك بعض الخصائص التي تميز أفضل علاقة توجيهية بين النساء والرجال:

  • الاستماع المتبادل والتأكيد: في جلسة التوجيه الفعّالة، يتعلم ويتطور كل من طرفي العلاقة، إذ أنّ هناك خبرة تتميّز بالمرونة بين الطرفين. وهذا يتطلب من الرجال التمتع بعقلية منفتحة والحفاظ على سير عملية التوجيه التعليمي والإقرار بأنّ الخبرة تنتقل بعد مرحلة معينة من عملية التوجيه. إنّ الاستماع الجيد وتجنب الافتراضات والقدرة على صياغة الذات الحقيقية للآخر واستكشاف تطلعاته هي سمات تميز التوجيه المتبادل الفعّال.
  • التواضع: يتميز مرشدو التحول الحقيقيون بالتواضع. فهم يدركون أنّ نقاط ضعفهم وعيوبهم تعمل كنموذج تمكيني للآخر وتُمهد للبدء بعملية التدريب وتفسح المجال لبناء التعاطف والخبرة الخاصة عند كلا الطرفين. على الرغم من كون هذا يُعتبر تحدياً بالنسبة لكبار الموظفين بأنْ يتخلوا عن كبريائهم، وأن يكونوا واضحين بشأن ما لا يعرفونه ويعبّروا عن فضولهم لاستكشاف تجارب المتدربين الفريدة في مكان العمل، إلا أنّ صفة التواضع هي مهارة أساسية لعملية التوجيه المتبادل.
  • تقاسم الصلاحيات: تتطلب التبادلية الفعّالة من الموجهين حتى ذوي المناصب العليا رفض مبدأ التسلسل الهرمي والتأكيد على تقاسم الصلاحيات. وبالإدراك التام للامتيازات التي يمنحها كل من الجنس والعرق، فإنّ الرجال خلال جلسات التوجيه المتبادل يتعمّدون مشاركة رأس المال الاجتماعي مع متدربيهم بما في ذلك التأثير والمعلومات والمعرفة والدعم.
  • نتائج توجيهية موسّعة: يهتم طرفا جلسة التوجيه المتبادل بمساعدة بعضهم البعض في السعي وراء النجاح في ما يتجاوز مجرد التقدم الوظيفي والمكافآت. إنّ المحادثات التوجيهية غير المباشرة والتي تكون بذات أهمية تلك المباشرة تُركّز على الاهتمامات الشخصية مثل الهوية المهنية والتنسيق بين الأسرة والعمل والثقة بالنفس. إنّ جلسات التوجيه الفعّالة تهتم بمساعدة المتدربين على صقل مهاراتهم الشخصية مثل الكفاءة الذاتية والذكاء العاطفي والقدرة على مواجهة الضغوط.

يتعلم القادة الحقيقيون أنّ النساء (والرجال) يُحسّنون من أدائهم ويتقدمون بشكل أسرع ويختارون البقاء في مؤسساتهم عندما يكون لديهم موجهون وأولياء عمل مؤثرين. ولأنّ النساء يتكلمنّ عن تفضيلهنّ لتنظيم أقل هرمية ومزيد من التبادلية في عمليات التوجيه، فإنّ الشركات تسعى لتطوير وتأهيل طرفا علاقة العملية التوجيهية.

اقرأ أيضاً: نقاش: لماذا لم تتحسن بيئات العمل إلى الآن بعد حملة #أنا_أيضاً؟

وكمثال على ذلك، أطلقت شركة غريتهارت للخدمات الاستشارية (Greatheart Consulting) مختبر التوجيه المتبادل، والذي يهدف إلى بناء استراتيجية للنهوض بالنساء ذوات الأداء المرتفع وتأهيل رجال ذوي خبرة في العلاقات ما بين الجنسين. في هذا المختبر، انضمت فرق التوجيه الحديثة والقائمة مسبقاً من كلا الجنسين إلى بعضهم البعض ولمدة يومين في جلسات من التعلّم المكثّف وتطوير المهارات المتبادلة. والهدف من ذلك هو الخروج بمخططات فعّالة أو خرائط ذهنية لعملية التوجيه هذه، والتي يُمكن إعادة نقلها لصالح الخبرات المدمجة للمؤسسة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث التغيير في الثقافة التوجيهية.

بالنتيجة، يجب أن يُبنى أي برنامج إرشادي موجه للنساء على أساس التعامل مع التغيير التنظيمي والثقافي. ومن المؤكد، قد تساعد هذه البرامج الفعّالة النساء في التغلب على التحديات الفردية حتى مع وجود التسلسل الهرمي التنظيمي الحالي وديناميكيات السلطة.

إلا أنه، إن لم يسع الموجهون أنفسهم إلى تحسين الوضع الراهن لمكان العمل، وتقديم المشورة للنساء، فسوف تستمر التحيّزات والقوالب النمطية في تعزيز عدم المساواة بين الجنسين. إنّ وجود ثقافة التوجيه التي تُمكّن الرجال والنساء الموهوبين من الانخراط في علاقات تنموية تبادلية وتطويرها، ربما ستخلق في النهاية أفراداً قادرين على التغيير ومناصرين قادرين على خلق تقدم حقيقي في المطلب لإدراج قضايا التنوع الجندري.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .