تعاني الكثير من الشركات من مشكلتين لا رابط بينهما ظاهرياً: عزوف العاملين الشباب عن الانتماء لمكان العمل، وضعف الاستجابة لأحوال السوق المتقلبة. وقليل من الشركات هي التي عالجت كلتا المشكلتين في آنٍ بإنشاء "مجلس إدارة الظل" - أي مجموعة من الموظفين غير التنفيذيين يعملون على المبادرات الاستراتيجية مع كبار المسؤولين التنفيذيين. فما هو الهدف؟ إنه الاستفادة من رؤى المجموعات الشابة، وتنويع وجهات النظر التي تُعرَض على المسؤولين التنفيذيين.
ويبدو أنّ الأمر يؤتي ثماره. تأمل اثنتين من شركات الأزياء والموضة لديهما سجل إنجازاتٍ جيد في مواكبة أذواق المستهلكين أو تشكيلها، وهما شركتي "برادا" (Prada) و"غوتشي" (Gucci). فحتى وقت قريب كانت شركة "برادا" تتمتع بهوامش أرباح عالية، ومدير مبدع شهير، وفرص نمو جيدة. بيد أنه منذ عام 2014، شهدت "برادا" تراجعاً في مبيعاتها. وفي عام 2017، أقرت الشركة في نهاية الأمر أنها كانت "متباطئة في إدراك أهمية القنوات الرقمية والمدونين المؤثرين على شبكة الإنترنت مما تسبب في زعزعة الصناعة". وصرح الرئيس التنفيذي المشترك باتريزيو بيرتيلي، قائلاً: "لقد أخطأنا".
وخلال الفترة ذاتها، وتحت إدارة الرئيس التنفيذي ماريو بيزاري، خضعت "غوتشي" لتحوّل شامل جعلها أكثر صلة بالسوق الحالية. حيث شكلت الشركة مجلس ظلّ مؤلَّف من جيل الألفية الذي كان يجتمع مع الفريق الأول بشكل منتظم منذ عام 2015. ووفقاً لبيزاري، يضم مجلس إدارة الظل أشخاصاً يشغلون وظائف مختلفة، إنهم "أبرع الناس داخل المؤسسة - وكثير منهم صغار السن للغاية". يناقشون القضايا التي تركز عليها اللجنة التنفيذية، وقد كانت آراؤهم "بمثابة صيحة تنبيه للمسؤولين التنفيذيين". ومنذ ذلك الحين زادت مبيعات "غوتشي" بنسبة 136% - من 3.497 مليون يورو (للسنة المالية 2014) حتى 8.285 مليون يورو (للسنة المالية 2018) - ويرجع الفضل في هذا النمو، بدرجة كبيرة، إلى نجاح الشركة في كل من استراتيجية الإنترنت والاستراتيجية الرقمية. وفي نفس الفترة انخفضت مبيعات "برادا" بنسبة 11.5%، من 3.551 مليون يورو (للسنة المالية 2014) حتى 3.142 مليون يورو (للسنة المالية 2018).
لقد قمنا بدراسة الشركات التي تستخدم مجالس الظل في محاولة لفهم إسهاماتها الحقيقية داخل المؤسسة وكيف تبدو أفضل الممارسات. ونركز ههنا على تجارب ثلاث شركات.
تجديد نموذج العمل. احتاجت شركة "أكور هوتيلز" (AccorHotels) الفرنسية لإدارة الفنادق لنموذج أعمال جديد بعد تزايد الضغط الذي تتعرض له من قبل موقع "إير بي إن بي" (Airbnb) (موقع إلكتروني تابع لشركة بالاسم نفسه يتيح للأشخاص حول العالم تأجير واستئجار أماكن للسكن). فطلبت الإدارة العليا من إدارة التسويق تطوير علامة تجارية للموظفين من جيل الألفية. إلا أنّ إدارة التسويق، وبعد عامين، فشلت في تحقيق ذلك. فقررت أرانتسا بالسون، المدير المسؤول عن قسم المواهب والثقافة، أنْ تحوِّل المشروع إلى مجلس ظلّ. وفي عام 2018 وُلدت العلامة التجارية "جو وجو" (Jo&Joe). وتنقل العلامة التجارية، باعتبارها "مأوى حضرياً لجيل الألفية"، الإبداع والمرونة والإحساس القوي بمعنى المجتمع. ووفقاً لبالسون، فقد نجح مجلس إدارة الظلّ إلى حد ما لأنه ركز على رؤيته وطَوّر وجهة نظره "بغض النظر عن جميع العقبات الداخلية وقيود التكلفة". وبعد ذلك قام مجلس إدارة الظل بإنشاء "أكور باس" (Accor Pass)، وهو ابتكار جديد عبارة عن اشتراك فندقي يوفر مكاناً للإقامة للأشخاص الذين يبحثون عن إقامة دائمة ممن هم دون سن الخامسة والعشرين.
إعادة تصميم العملية. استخدمت شركة "ستورا إنزو" (Stora Enso)، وهي شركة فنلندية للتغليف وصناعة الورق، مجلس إدارة الظل الخاص بها (وتطلق عليهم المستكشفين وبناة الطريق) لإعادة النظر في كيفية تخصيص العمل من قِبل اللجنة التنفيذية. وقبل هذا التحوّل، كان المسؤولون التنفيذيون يسندون العمل للمجموعات التي يَعُدُّونها من الخبراء، وبالتالي فهم الأنسب للمهمة. فأقنعهم مجلس الظل بإسناد بعض المهام لغير الخبراء، بحجة أنّ وجهة النظر المحايدة ستزيد من فرصة تحقيق الإنجازات. ولقد حيّر أحدُ المشروعات، وكان يرمي إلى تقليل الفترة الزمنية لدورة إنتاج سلسلة التوريد، فريقاً من الخبراء المزعومين. فاقترح الفريق الجديد خطة عملية تستغرق ستة أشهر. ولا ينتمي أي عضو من أعضاء الفريق إلى وحدة العمل المذكورة آنفاً، كما أنهم لا يملكون أي خبرة سابقة بسلاسل التوريدات.
التحول التنظيمي. احتاج سي في إل سرينيفاس، الرئيس التنفيذي لشركة "غروب إم إنديا" (GroupM India)، إلى إجراء تحوّل رقمي وثقافي في غضون ثلاث سنوات. فأنشأ لجنة الشباب (Youth Committee)، واضعاً هذا الهدف نَصب عينيه. ولقد تولت لجنة الشباب منذ إنشائها في عام 2013 قيادة "الرؤية 3.0" الخاصة بشركة "غروب إم"، ما جعل مفهوم الرقمية هو محور القيادة للنمو في المستقبل. كذلك تولى مجلس إدارة الظل، من خلال عمله في مختلف الإدارات، قيادة مبادرة تحديد النطاق التي ركزت على رقمنة العقود. الأمر الذي عزز بيئة العمل المتكاملة لشركة "غروب إم" من خلال زيادة عدد الشراكات وتحسين طبيعتها مع مالكي وسائل الإعلام، وموفّري البيانات، والمستشارين، والمراجعين، والشركات الناشئة. إضافة إلى ذلك، لاحظت المجموعة أنه لم يكن ثمة تفاعل كبير متبادل بين الوكالات. فطوَّرت لجنة الشباب، من أجل تشجيع المحادثات الهادفة، منصة "يامر" (Yammer) على وسائل التواصل الاجتماعي، وعملت المنصة على تسهيل المحادثات بين الإدارة والموظفين في المستويات الأدنى عبر جميع الوكالات.
الظهور البارز لجيل الألفية تشير الأبحاث إلى تعطُّش جيل الألفية لمزيد من الظهور والترقّي في المناصب، وهو ما تقدمه مجالس الظلّ. وغالباً ما يفضي هذا الظهور إلى الترقي الوظيفي المرموق لأعضاء مجلس إدارة الظل. ففي شركة "ستورا إنسو" (Stora Enso)، كانت إحدى الأعضاء النساء في مجلس إدارة الظل تتولى منصب المراقب المالي على مستوى المجموعة في بداية البرنامج. وبفضل عملها الرائع في مشروع يتضمن واحدة من الأعمال التراثية للشركة (الورق)، تمت ترقيتها لتصبح مديرة المبيعات لأكبر قطاع ورقي بعد انتهاء البرنامج بعدة أشهر. وكما قال مدير الموارد البشرية لارس هاغشتروم: "ما كانت هذه [الترقية] لتحدث أبداً لولا برنامج مجلس إدارة الظل".
ما هي أفضل الممارسات لإنشاء مجلس إدارة الظل؟
انظر إلى ما وراء المجموعة "ذات الإمكانات العالية". توظِّف الكثير من الشركات مجلس إدارة الظل إما من خلال ترشيحات اللجنة التنفيذية وحدها أو وفقاً لبعض الإمكانات العالية التي تم تحديدها سلفاً. أما المشاركون من جيل الألفية فيفضلون أن تكون العملية أكثر انفتاحاً. فقام هاغشتروم مدير الموارد البشرية بشركة "ستورا إنسو" بالضغط من أجل عملية التقدم المفتوح، مما سمح لأي شخص يلبي المعايير المحددة بالتقدم. لم يسفر هذا الأمر عن تنوعٍ أكبر في المجموعة فحسب، بل أتاح للشركة أيضاً أن تميط اللثام عن كنوز مدفونة لولا ذلك لما كان لها أن تتواجد على الساحة. ومن المثير للاهتمام أنهم اختبروا أداء أعلى أربعين منصباً في الشركة من أصحاب الإمكانات العالية (الذين كانوا من الفائزين تماماً في البرنامج) في مقابل الموظفين الذين اختيروا من خلال التسجيل المفتوح. فتفوق أعضاء التسجيل المفتوح على أصحاب الإمكانات العالية فيما يتعلق بقدرات مثل مهارات تحليل البيانات والمنطق والعمل الجماعي.
اجعل البرنامج برعاية الرئيس التنفيذي يحتاج البرنامج، لكي يحظى بأقصى تأثير له، أن يستمد الدعم من أعلى شخص داخل المؤسسة (بالرغم من أنّ معظم هذا الدعم يتم تنسيقه على المستوى الإجرائي من قِبل الموارد البشرية). فمثلاً نجح برنامج مجلس إدارة الظل في شركة "أكور هوتيلز" لأن الرئيس التنفيذي سيباستيان بازين يلعب دوراً حيوياً فيه من خلال عقد مقابلات شخصية مع الأعضاء المحتملين، ويتفاعل بشكل دوري مع الأعضاء الحاليين. وفي شركة "ستورا إنسو" يقدم الأعضاء تقاريرهم مباشرة للرئيس التنفيذي حول القضايا المتعلقة بعمل المستكشفين وبناة الطريق.
الزم التقييم والتكرار إنّ جميع الشركات التي أعطينا نبذة عنها عدَّلت البرامج لأنها تعلمت ما الذي نجح وما الذي لم ينجح. فعلى سبيل المثال استعرض قادة "ستورا إنسو" البرنامج السنوي، وبناءً على ذلك أضافوا بعض الموارد من أجل الاستغلال الأمثل للتنوع داخل مجلس الظل وللتفاعلات بينه وبين اللجنة التنفيذية. وبينما أُنشئ برنامج لجنة الشباب الخاص بشركة "غروب إم" كبرنامج ممتد لمدة 12 شهراً، إلا أنّ المؤسسة قامت بتمديده لمدة عام واحد ليتسنى للجنة الشباب أن تعظم من إسهاماتها المحتملة.