ملخص: اعترت الشركات والمستثمرون والمستهلكون على حد سواء حالة من الإحباط نتيجة مجموعة من نظم المحاسبة المعيارية حول أداء الشركات فيما يتعلق بأهداف البيئة والمجتمع والحوكمة. لكن قد يكون ذلك الوضع على وشك التغيير، وذلك بفضل مقترح قدمته "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية"، وهي الهيئة التي تشرف على عمل "مجلس معايير المحاسبة الدولية" في وضع متطلبات إعداد التقارير المالية لمعظم الشركات في العالم. وفي حال جرى اعتماد اقتراحها، سيكون لدى المستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين نظرة متكاملة حول أداء الاستدامة لدى الشركات تماثل نظرتهم المتعمّقة لأدائها المالي. وعلى الرغم من أن معظم الشركات تصدر تقارير عن الاستدامة بالفعل، تبقى تلك التقارير منفصلة عن تقاريرها المالية، وهو ما يجعل من الصعب تحديد العلاقة بين الأداء المالي وأداء الاستدامة. في المقابل، سيتيح مقترح "مجلس معايير المحاسبة الدولية" إمكانية تقديم تقارير متكاملة.
على الرغم من أن قضية الاستدامة أصبحت مصدر قلق رئيس لدى العديد من المدراء والمستثمرين والمستهلكين، لا تزال قضايا البيئة والمجتمع والحوكمة نقطة شائكة رئيسة، حيث لا توجد حتى اليوم معايير معتمدة عالمياً حول كيفية قيام الشركات بقياس أداء استدامتها وإعداد تقارير عنها. وعلى العكس من ذلك، يوجد عدد كبير من المؤسسات غير الحكومية التي تعمل بشكل مستقل لتطوير معايير للإبلاغ عن الاستدامة، وهو ما يخلق تعقيداً وارتباكاً لدى الشركات والمستثمرين على حد سواء. لكن الأمور على وشك التغيير، وذلك بفضل ثورة صامتة في مجتمع المحاسبة.
إعداد تقارير الاستدامة
تقود "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" (IFRS) تلك الثورة، وهي الهيئة التي تشرف على عمل "مجلس معايير المحاسبة الدولية" (IASB) لوضع متطلبات إعداد التقارير المالية لمعظم الشركات في العالم من خلال أكثر من 140 ولاية قضائية. (في الولايات المتحدة، المسؤول عن وضع هذه المتطلبات هو "مجلس معايير المحاسبة المالية" FASB). اقترحت "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" في شهر سبتمبر/أيلول الماضي إنشاء مجلس مماثل لمعايير الاستدامة (SSB).
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: معايير المحاسبة الدولية
كانت "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" في وضع جيد يخوّلها تقديم ذلك المقترح، ويعود ذلك إلى خبرتها في عملية وضع المعايير، وشرعيتها أمام مجتمع الشركات والمستثمرين، وحصولها على دعم من الجهات التنظيمية في جميع أنحاء العالم. وفي حال جرى اعتماد اقتراحها، سيكون لدى المستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين نظرة متكاملة حول أداء الاستدامة لدى الشركات ومماثلة لنظرتهم المتعمّقة حول أدائها المالي. تُصدر معظم الشركات تقارير عن الاستدامة بالفعل، إلا أن تلك التقارير منفصلة عن تقاريرها المالية، وهو ما يجعل من الصعب تحديد العلاقة بين الأداء المالي وأداء الاستدامة. في المقابل، سيتيح "مجلس معايير الاستدامة" إمكانية تقديم تقارير متكاملة. وسيكون "مجلس معايير المحاسبة المالية" قادراً على دعم هذا العمل في الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، يحظى الاقتراح بدعم بعض الشخصيات ذات النفوذ الكبير في مجتمعات الاستثمار والشركات، ومن بينهم آن سيمبسون، التي تشغل حالياً منصب مديرة إدارة الاستثمار في مجلس إدارة الحوكمة والاستدامة لدى وكالة "كالبيرز" (CalPERS)، وهي عضو سابق في المجلس الاستشاري "لمؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" والمجموعة الاستشارية للمستثمرين في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.
أوضحت لنا سيمبسون أهمية "مجلس معايير الاستدامة" في تمكين قرارات أفضل للاستثمار قائلة: "تدرك وكالة كالبيرز بصفتها مستثمراً طويل الأجل أن عملية خلق القيمة المستدامة تعتمد على الإدارة الفاعلة لثلاثة أشكال من رأس المال، والتي تضم رأس المال المالي والمادي والبشري. يدافع المستثمرون عن قضية إعداد تقارير الاستدامة لصالح "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على حد سواء، فكلتاهما ضروريتان في أسواق رأس المال العالمية".
ومن المؤيدين البارزين الآخرين بول بولمان، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة "يونيليفر" (Unilever) والذي يعتقد أن "مجلس معايير الاستدامة" سيغير لغة الحوار بين الشركات ومستثمريها. وأضاف: "يتزايد طلب المستثمرين في الحصول على تقارير من الشركات حول أدائها في مجال الاستدامة. "وقد يُسفر وجود مجموعة من المعايير عن تحسين هذا الحوار بشكل كبير وتمكين كل من المستثمرين والشركات من فهم العلاقة بين الاستدامة والأداء المالي بشكل أفضل". بالإضافة إلى ذلك، قدمت "كلية سعيد للأعمال" بجامعة أوكسفورد خطاباً إلى "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" لدعم إنشاء "مجلس معايير الاستدامة".
وكما هو الحال في أي محاولة للترويج لفكرة جديدة، تطرح هذه الفكرة تحديات عدة في وجه "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية". على سبيل المثال، تتطلب إحدى القضايا المهمة المتعلقة بالنطاق قبول الشرط الذي يفرض ألا يكون "مجلس معايير الاستدامة" مسؤولاً عن جميع قضايا الاستدامة. لقد شُكّلت "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" و"مجلس معايير المحاسبة الدولية" لتزويد المستثمرين بالمعلومات التي يحتاجون إليها. وسيركز "مجلس معايير الاستدامة" على الهدف ذاته. وبما أن المستثمرين لا يهتمون بجميع قضايا الاستدامة، حدد "مجلس المعايير المحاسبية للاستدامة" (SASB) ماهية القضايا التي تقع ضمن نطاق اختصاصهم، وهي تختلف حسب القطاع. في المقابل، تركز "المبادرة العالمية لإعداد التقارير" (GRI) على مجموعة كاملة من قضايا الاستدامة التي تهم المجتمع ككل.
التعامل مع قضايا الاستدامة
ومع ذلك، قد يصبح المستثمرون مسؤولين عن أي مشكلة لا تقع ضمن نطاق اختصاصهم لأسباب عديدة، ومن ضمنها التأثيرات العالمية التي طالت جميع الشركات بغض النظر عن القطاع (على سبيل المثال، تغيّر المناخ وعدم المساواة)، وتغيّر التوقعات الاجتماعية لدى الزبائن والموظفين (لاسيما جيل الألفية) وتغيّر القوانين والتشريعات (مثل الضرائب المفروضة على انبعاثات الكربون ومعدلات الحد الأدنى للأجور).
ويتمثّل الحل في أن يعمل "مجلس معايير الاستدامة" ضمن نطاق اختصاصه المتمثّل في توفير المعلومات لأسواق رأس المال والتنسيق مع مجموعات أخرى تُعنى بالتنمية المستدامة وتتجاوز تركيز المستثمرين على خلق قيمة للمؤسسة على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، مثل "المبادرة العالمية لإعداد التقارير" (GRI). إن تسليط الضوء على تلك القضايا قد يوفر للمجتمع المدني القدرة على سنّ التشريعات والقوانين التي تجعل تلك القضايا مهمة بالنسبة للمستثمرين، وهو ما يدعم بالتالي مبادرات القطاعين العام والخاص الهادفة إلى التصدي لتحديات التنمية المستدامة.
ترتبط تلك المشكلات أيضاً بقضية المحاسبة المالية نفسها. على سبيل المثال، تعمل "مبادرة حساب التأثيرات المرجّحة" (IWAI)، التي جرى احتضانها كمشروع في "كلية هارفارد للأعمال"، على تطوير منهجيات للحسابات المالية التي تعكس التأثير الاجتماعي والبيئي للشركات. وقد قامت حوالي 100 شركة كبيرة بالفعل بحساب تأثيراتها المالية المرجحة، بما في ذلك عشرات الشركات في "تحالف موازنة القيمة" (VBA). ومن الضروري مراقبة هذا العمل من قبل كل من "مجلس معايير المحاسبة الدولية" و"مجلس معايير الاستدامة".
بالإضافة إلى ذلك، سيكون تأثير معايير إعداد تقارير الاستدامة هائلاً. وسيكون المسؤولون التنفيذيون أكثر قدرة على التعامل مع قضايا الاستدامة في قرارات الاستراتيجية وقرارات تخصيص رأس المال، وهو ما سيضمن استدامة الأداء المالي للشركات، لاسيما على المدى الطويل. وستدرك مجالس الإدارة أن قضية الاستدامة ليست قضية جانبية يمكن إدارتها من خلال تشكيل لجنة ما، وإنما هي قضية رئيسة يحتاج مجلس الإدارة بأكمله إلى التركيز عليها. وستكون الشركات الأكثر فاعلية في إدارة الاستدامة أكثر جاذبية في نظر المستثمرين. ونظراً لاحتمالية أن يكون أداء الاستدامة مؤشراً رئيساً للأداء المالي، سيرغب المستثمرون في أن تتمتّع تقارير استدامة الشركات بنفس الاتساق والوضوح الذي يتوقعونه اليوم من تقاريرها المالية. وسيرغب المستثمرون في الحصول على تلك المعلومات من الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية وسيرغبون في مناقشة الأداء المالي للشركة وأداء استدامتها وكيفية ارتباطهما ببعضهما البعض.
وسيجري تمكين تلك التغييرات بشكل أكبر في حال جرى ربط التعويضات بمعايير الاستدامة. في الواقع، تستند المكافآت التي يحظى بها المسؤولون التنفيذيون وأعضاء مجلس الإدارة اليوم إلى الأداء المالي للشركة. لكن يمكن للشركات استخدام معايير قياس الاستدامة الصارمة ومعايير إعداد تقاريرها في تحديد مقدار تعويضات المسؤولين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة والمستثمرين.
وعلى الرغم من أن "مجلس معايير المحاسبة الدولية" يمتلك خبرة كبيرة ومصداقية في وضع معايير المحاسبة المالية، لا يمتلك حالياً القدرات اللازمة لوضع معايير محاسبة الاستدامة. لحسن الحظ، ليس من الضروري أن تبدأ "مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية" من الصفر، فقد نشر كل من "مجلس المعايير المحاسبية للاستدامة" و"المبادرة العالمية لإعداد التقارير" و"مجلس معايير الإفصاح عن المناخ" و"المجلس الدولي للتقارير المالية المتكاملة" مؤخراً بحثاً قدّم أساساً نظرياً راسخاً حول المقترح، ولا تزال مساعي تلك الهيئات قائمة من خلال التسهيلات المقدمة لها من مشروع إدارة التأثير، وشركة "ديلويت" (Deloitte)، ومجلس الأعمال الدولي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي.
يواجه العالم تحديات هائلة في تأمين مستقبل مستدام، وتحقيق أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة. ويُعتبر تأسيس "مجلس معايير الاستدامة"، الذي يمثّل ثورة غير معروفة جيداً ولكنها مهمة للغاية في المحاسبة، خطوة مبكرة وضرورية في الاتجاه الصحيح.