يتمثل أحد الأسباب الرئيسية لخلل الأداء المؤسسي في أن المفردات والمصطلحات المستخدمة لوصف العلاقات داخل المؤسسات محدودة وغير دقيقة، فنحن نستخدم مصطلحات غامضة، مثل "الإشراف المباشر" و"الإشراف غير المباشر" أو "الفريق" ونتوقع من المدراء أن يعملوا بفعالية.
في حياتنا الشخصية، تجب علينا معرفة الشخص الذي سنقضي معه الوقت، سواء كان من أفراد العائلة أو صديقاً من الجامعة، لكي نتصرف بطريقة ملائمة ومناسبة، كذلك الأمر في العمل؛ إذ يجب على المدراء داخل المؤسسات معرفة من هو خبير التصنيع الذي سيجتمعون به، هل هو مورّد داخلي أم عضو في الفريق أم عضو مجموعة تدعم نهج "التصنيع الرشيق" (lean manufacturing).
من المؤكد أننا نفهم هذه العلاقات المختلفة، ولو ضمنياً، ولكن الأمور تلتبس علينا أو يحصل سوء فهم أو تضارب في الأهداف. إذا توافرت لدينا لغة ومصطلحات واضحة ومفصّلة وشاملة لوصف العلاقات، فسيؤدي ذلك إلى تقليل حالات الالتباس وزيادة الإنتاجية. دعونا نقدم بعض الاقتراحات.
يمكن تصنيف العلاقات إلى 7 أنواع رئيسية
النوع الأول من العلاقات هو علاقة المدير بالمرؤوس، التي يمكن تصنيفها إلى نوعين: نموذج العلاقة مع المدير المتدخل، الذي يعتمد على الرجوع إلى المدير واستشارته قبل اتخاذ أي إجراء استثنائي؛ ونموذج العلاقة مع المدير غير المتدخل والمفوّض، الذي يعتمد على مبدأ السماح للموظفين باتخاذ القرارات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة، لكنه يحدد بعض الحالات أو الظروف الاستثنائية التي يجب على الموظفين فيها أن يحصلوا على إذنه أو موافقته مسبّقاً. يكمن سر العلاقة الجيدة بين المدير والمرؤوس في تحديد القواعد بوضوح وقبولها من كلا الطرفين.
العلاقة الثانية هي علاقة العميل مع المورّد. يتحمل المورّد مسؤولية إرضاء العميل، وإذا لم ينجح في تلبية احتياجاته، فقد يتعرض لخطر فقدان هذه العلاقة التجارية معه. ما دام كل طرف يتمتع بالقدرة على إنهاء العلاقة والتعامل مع أطراف أخرى إذا لزم الأمر، فستظل العلاقة بين العميل والمورّد فعّالة ومستقرة.
العلاقة الثالثة هي علاقة واضعي السياسات مع المسؤولين عن تنفيذ تلك السياسات. يتولى أحد الأقسام، مثل قسم الشؤون المالية أو الموارد البشرية، وضع السياسات بالتنسيق مع الوحدات التشغيلية غالباً. بمجرد تحديد السياسات، يجب على الوحدات التشغيلية تنفيذها. يجب على الأقسام التي تضع السياسات التحقق من التزام الوحدات التشغيلية بتنفيذ السياسات، والإبلاغ عن أي تجاوزات ورفعها إلى السلطات العليا. ما دامت الأقسام المعنية بوضع السياسات تتلقى الدعم اللازم من السلطات العليا في المؤسسة، فستظل هذه العلاقة فعالة وناجحة. قد يظهر بعض المشكلات والخلافات، لكنّ ذلك لا يؤثر على الفعالية والكفاءة عادة.
العلاقة الرابعة المنتشرة هي العلاقة بين جهات الضغط (التي تسعى للتأثير على القرارات والسياسات) والجهات المشغّلة المسؤولة عن تنفيذ هذه القرارات. يسعى قسم معين إلى توجيه وحدات التشغيل نحو معالجة قضايا محددة والاهتمام ببعض المسائل التي قد لا تديرها بطريقة جيدة. قد يقدم هذا القسم مقترحات من أجل تطبيق تقنيات التصنيع الرشيق أو يطالب بإيلاء مزيد من الاهتمام بأحد العملاء العالميين. تتميز هذه العلاقة بمحدودية سلطة وحدة الضغط؛ إذ يمكن أن تقبل وحدة التشغيل النصيحة أو تتجاهلها. ما دامت السلطة العليا تؤكد بوضوح أن الوحدة التشغيلية هي التي تمتلك القرار النهائي والسلطة الفعلية في تنفيذ النصائح المقدمة من وحدة الضغط أو رفضها، فستظل هذه العلاقة مستقرة وجيدة. في معظم الأحيان، تواجه وحدات الضغط الإحباط، لكنّ ذلك لا يؤثر عادة على الأداء.
النوع الخامس الأكثر انتشاراً من العلاقات هو العلاقة التي تربط بين أفراد الفريق الذي يخضع للإدارة. يتطلب هذا النمط من العلاقات تضافر الجهود والتعاون الوثيق بين المشاركين لتحقيق الهدف المشترك؛ لأن أنشطتهم ومهامهم مترابطة ومتداخلة. يجب عليهم التوصل إلى قرارات مشتركة بشأن العديد من جوانب عملهم، وسيحرصون على تجنب اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب دون التشاور مع الفريق للتأكد من عدم وجود آثار سلبية جانبية. ما دام الفريق يمتلك قائداً يتمتع بالصلاحيات اللازمة لحل النزاعات، وضمان تنسيق العمل وإبعاد الأعضاء المزعزعين أو غير الأكفاء، فستظل العلاقة فعالة ومستقرة. قد لا يحب أعضاء الفريق بعضهم بعضاً. وربما يختلفون حول قضايا مهمة. على الرغم من ذلك، فإن القائد الجيد لا يزال قادراً على تحقيق أداء متميز.
النوع السادس من العلاقات هو العلاقة مع شريك الأعمال التجارية، الذي بات أحد الأنماط الأكثر انتشاراً لأعضاء الفريق في العديد من المؤسسات. يخضع هذا الفرد لإشراف قسم معين أو وظيفة محددة، لكنه مكّلف بمهمة تمثيل هذا القسم ضمن فريق عمل تجاري. تتسم هذه العلاقة بأنها محرجة وغير مريحة. على الرغم من أن هذا الشخص يُعد عضواً في فريق العمل التجاري، فإن باقي أعضاء الفريق يدركون أنه قد يكون أكثر ولاءً للقسم الذي ينتمي إليه. إذا لم يكن هذا الشخص يتمتع بدرجة عالية من النزاهة والقدرة على مناقشة الصراعات وحل المشكلات التي تنشأ نتيجة الجمع بين هاتين الوظيفتين، فسيؤدي ذلك إلى استياء الآخرين وعدم ثقتهم به.
النوع الأخير من العلاقات هو التعاون الذي لا يمكن الانسحاب منه. كل العلاقات المذكورة أعلاه هي أنواع مختلفة من التعاون. عندما تقع على عاتق المدراء مسؤولية العمل في فريق واحد دون وجود قائد يتمتع بصلاحيات وسلطة واضحة لحل النزاعات، فإنهم يصبحون جزءاً من نموذج تعاون يتطلب منهم البقاء والتعاون معاً بغض النظر عن وجود صراعات محتملة، دون إمكانية الانسحاب من هذا التعاون. عندما تنفذ وحدات العمل أعمالاً تعاونية تؤدي فيها دوري المورد والعميل معاً دون امتلاك السلطة لإنهاء هذه العلاقة، فهي تصبح أيضاً جزءاً من نموذج تعاون لا يمكن الانسحاب منه. جرت مناقشة نجاح التعاون الذي لا يمكن الانسحاب منه في منشور مدونة آخر بعنوان "متى يكون العمل التعاوني ضرورة ومتى يُصبح عبئاً؟".
إذا زوّدنا المدراء بهذه المصطلحات الواضحة والشاملة والمتنوعة، فسيفهم بعضهم بعضاً بطريقة أفضل، وسيكونون أكثر قدرة على تقييم كيفية التصرف، وسيستطيعون إنشاء علاقات مؤسسية أكثر سلاسة وإنتاجية.