تفرض سرعة تفاقم أزمة فيروس كورونا واتساع نطاقها تحديات غير عادية على قادة المؤسسات الحيوية اليوم، ومن السهل أن نفهم سبب ضياع الفرص التي أتيحت أمام الكثيرين لاتخاذ إجراءات حاسمة ونقل أبعاد المشكلة بصدق، ولكن من الخطأ الاعتقاد أن فشل القيادة هو الخيار الوحيد في هذه الأوقات العصيبة.
انظر على سبيل المثال إلى آدم سيلفر مفوض الرابطة الوطنية لكرة السلة (NBA) الذي قرر يوم 11 مارس/آذار اتخاذ خطوة مفاجئة آنذاك بتعليق دوري كرة السلة للمحترفين لهذا الموسم. كان قرار سيلفر أحد أهم الاستجابات المبكرة لمجابهة تفشي الفيروس خارج الصين، حيث أعلن بدء سريانه في وقت مشوب بقدر كبير من الغموض، ومن المصادفات العجيبة أن منظمة الصحة العالمية أعلنت يوم 11 مارس/ آذار رسمياً تصنيف فيروس كورونا جائحة عالمية.
قد تتسبب الغريزة البشرية والقواعد الإدارية الراسخة عندما يكون الوضع مشوباً بالغموض في لجوء القادة إلى تأخير الإجراءات الاحترازية والتقليل من حجم الخطر حتى يتضح الوضع خشية اتخاذ خطوات خاطئة وإثارة الذعر دون مبررات، لكن التصرف بهذه الطريقة يعني الرسوب في اختبار قيادة التعامل مع فيروس كورونا، لأنك إذا انتظرت إلى حين اتضاح أبعاد الخطر، فستجد نفسك متأخراً للغاية في سباق السيطرة على الأزمة. ويتطلب النجاح في هذا الاختبار أن يتصرف القادة على وجه السرعة وتحري الصدق والإصرار، مع الاعتراف بأن الأخطاء واردة وتصحيح المسار، وليس إلقاء اللوم، هو الطريقة المثلى للتعامل مع هكذا مواقف.
أدى الإجراء الحاسم الذي اتخذه سيلفر إلى إطلاق شرارة سلسلة من الأحداث غيرت مسار الفيروس بكل تأكيد في لحظة تكاثفت فيها سُحُب الغموض، قبل فترة طويلة من شروع حكومات الولايات في حظر التجمعات العامة في الولايات المتحدة. بموجب هذا القرار سيتجنب أكثر من مليون مشجع التعرض المحتمل لخطر الإصابة بالفيروس في صالات الألعاب. علاوة على ذلك، كان للقرار أثر مضاعف وقوي: فقد أدى إلى تعليق دوري الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات (NCAA) المعروف تاريخياً باسم "جنون مارس/ آذار"، ودوري الهوكي الوطني، والدوري الممتاز للبيسبول وغيرها من البطولات الرياضية التي أوقفت أنشطتها، كما أدى القرار أيضاً إلى تغيير موعد ماراثون بوسطن.
قد يكون اتخاذ هذا الإجراء في الساحة الرياضية حدثاً ملفتاً للانتباه، فالرابطة الوطنية لكرة السلة مؤسسة حققت إيرادات بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار عام 2019 ومعروفة بشجاعتها الإدارية وقدرتها التنافسية وليس من طبيعتها الحذر المفرط، ولكنها اتخذت إجراءً بدا في ذلك الحين مفرطاً في الحيطة والحذر.
وهو ما دفع الجميع إلى الوقوف مع النفس.
لكن هل هناك سياسي استطاع إبداء القدر ذاته من الشجاعة واستباق الفيروس بخطوة قبل أن يستفحل أثره على نطاق واسع؟ في الواقع، هذا عين ما حدث في نيوزيلندا. فقد اتصفت استجابة رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن للجائحة يوم 21 مارس/آذار بالجرأة وحظيت بالتأييد الشعبي. ألقت أرديرن يومها بياناً متلفزاً مدته ثماني دقائق موجهاً للأمة أعلنت فيه عن اعتماد نظام للإنذار من مرض "كوفيد -19" من أربعة مستويات. وعلى غرار أنظمة الإنذار من أخطار الحرائق المستخدمة فعلياً في نيوزيلندا، أرسى هذا النهج المألوف مبادئ توجيهية واضحة لكيفية قيام الحكومة بتصعيد استجابتها والإجراءات التي سيُطلَب من المواطنين اتخاذها مع زيادة معدلات الإصابة.
كان مؤشر نظام الإنذار عند المستوى الثاني إبان تصريحات رئيسة الوزراء، حينما كانت الحالات المؤكدة في نيوزيلندا لا تتجاوز 52 حالة فقط، ما أدى إلى فرض بعض القيود على حركة السفر وحث الأهالي على الحد من الاختلاط، ولكن عندما زادت الحالات إلى 205 بعد أربعة أيام، تم رفع مؤشر نظام الإنذار إلى المستوى الرابع، ما أدى إلى فرض حالة الإغلاق العام في البلاد. وفي حين أعرب نظراؤها السياسيون الذين يتربعون على سدة الحكم في مختلف دول العالم عن قلقهم بشأن قدرتهم على نيل الدعم الشعبي في حال فرض الحظر الشامل، أثبتت تصرفات أرديرن أن الصدق والاهتمام يولدان الدعم، فقد أظهر استطلاع للرأي على مستوى البلاد حصول حكومتها على أكثر من 80% من التأييد الشعبي حتى 27 مارس/ آذار، وانخفض عدد الحالات الجديدة في نيوزيلندا لمدة يومين متتاليين حتى يوم 7 أبريل/نيسان وإن كان الغموض لا يزال يخيم على الأجواء، فقد تم الإبلاغ عن 54 حالة فقط يوم 6 أبريل/نيسان ووفاة حالة واحدة جراء الإصابة بمرض "كوفيد -19" منذ بداية تفشي الجائحة، ما أدى إلى تصدر الخبر عناوين صفحات "واشنطن بوست تحت عنوان: "نيوزيلندا لم تكتف بتسطيح المنحنى، بل سحقته سحقاً".
الأهم من ذلك أن نظام الخطوات الصريحة الذي أعلنت أرديرن عن اتباعه يعني معرفة المواطنين مسبقاً أن ثمة خطوات تصعيدية مرتقبة، فعرفوا بالسلوكيات المطلوب منهم اتباعها وقبلوا التحدي.
لا يمكن إغفال أهمية طريقة توصيل الرسالة، وقد اتصف أسلوب أرديرن في التواصل بالوضوح والصدق ورهافة الحس: إذ أقرت بالتضحيات اليومية المرتقبة وألهمت مواطنيها روح التعاون للمضي قدماً على الرغم من الصعاب. أنهت أرديرن خطابها يوم 21 مارس/ آذار بتوجيه الشكر إلى الشعب النيوزيلندي على تضحياتهم المنتظرة، وسرعان ما ذاعت عباراتها المفعمة بالشجن بالتزامن مع بحث الناس في مختلف أرجاء العالم عن الوجهة السليمة وسط الضباب الكثيف: "كونوا أقوياء، كونوا لطفاء، وتوحدوا ضد كوفيد -19".
يكشف سلوك أرديرن وسيلفر عن الكثير حول الشكل الأمثل للقيادة الرشيدة خلال هذا الوباء، خاصة وأن قراراتهما جاءت قبل اتضاح حقيقة الوضع لكثير من العامة، ويبدأ فهم السلوك المطلوب من القادة اتباعه في هذه اللحظة بتقدير حجم المشكلة التي يمثلها هذا الوباء في مراحله الأولى، فعندما تكون العلامات التحذيرية مبهمة والضرر المحتمل كبيراً، يواجه القادة ما يسميه علماء الإدارة خطراً غامضاً، ونظراً لتمني الإنسان أن يكون الخطر هيناً، فإننا نميل إلى التصرف كما لو كانت هذه هي الحقيقة، كما حدث إبان وقوع بعض من أبرز الإخفاقات ككارثة تحطم مكوك كولومبيا عام 2003 وانهيار النظام المالي عام 2008 والتي أدت إلى تسليط الضوء على التحدي الصعب الذي تشكله المخاطر الغامضة للقادة، متمثلاً في التحيزات المعرفية وخلل ديناميات العمل الجماعي والضغوط المؤسسية التي تدفعهم نحو التهوين من المخاطر وتأخير الإجراءات وصولاً إلى نهايات كارثية في كثير من الأحيان.
يتطلب التصدي للنزعة البشرية الميالة إلى التهوين من المخاطر وتأخير الاستجابة لها نوعاً فريداً من القيادة، في حين أن أغلب القادة يحاولون إرسال رسائل متفائلة تؤكد أن كل شيء على ما يرام، وهو ما أدى للأسف إلى فقدان الكثير من الأرواح في المأساة الحالية دون داعٍ وربما بصورة تستعصي على الإحصاء الدقيق، لكن هذا ليس الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلكه القادة بأي حال من الأحوال، فهناك أربعة دروس مستفادة للقادة الذين يتصدون لأزمات جديدة من نوعها والتي يمكن أن نستشفها من حالتي سيلفر وأرديرن.
تتسبب الغرائز البشرية إلى جانب القواعد الإدارية الراسخة في اتخاذ القادة لإجراءات خاطئة إبان الأزمات.
الطبيعة الغريزية عند مواجهة الغموض | السلوك المطلوب عند التصدي للأزمات |
---|---|
انتظار معلومات إضافية | التصرف على وجه السرعة |
التهوين من الخطر وإخفاء الأخبار السيئة | الشفافية في التواصل |
مضاعفة الجهود لشرح إجراءاتك بشكل أكثر وضوحاً | تحمل المسؤولية والتركيز على حل المشكلات |
الاستمرار على المسار نفسه | الحرص على التحديث المستمر |
المصدر: ميكيلا كيريسي وإيمي إدموندسن HBR.org©
1. تصرف على وجه السرعة.
تميل النفس البشرية إلى التأني عند مواجهة أي خطر غامض بغية الحصول على مزيد من المعلومات واستجلاء الموقف، وهي غريزة مفهومة بالمناسبة، ولكنها تمثل مشكلة أزلية وعويصة، فغالباً ما تكون مخاطر تأخير صناعة القرار غير ظاهرة للعيان، ولكن إضاعة وقت ثمين في الأزمات على أمل متوهم أن يُثبت وضوح الموقف عدم الحاجة إلى اتخاذ إجراء هو أمر خطير، لاسيما في مواجهة وباء يتفشى بمعدل نمو متسارع لأن كل يوم من التأخير يسهم في دمار أكبر من سابقه. ومن ناحية أخرى، وفي مقابل النزعة الطبيعية الميالة إلى التأخير، فإن التصرف على وجه السرعة يعني اقتحام القادة لساحة المعركة دون التسلح بكل المعلومات التي يتمنونها بشدة، وقد بادر كل من أرديرن وسيلفر إلى التصرف في مرحلة مبكرة قبل الآخرين بوقت طويل على الرغم من مرورهم بظروف مماثلة وقبل وقت طويل من وضوح أحداث المستقبل. كان هذا ما أعلنت عنه أرديرن باعتباره خياراً صريحاً "للعمل بجد والبدء مبكراً".
2. احرص على الشفافية في التواصل.
يعد نقل الأخبار السيئة مهمة غاية في الصعوبة، لكن القادة الناجحين هم من يخاطرون بنشر أخبار تحبط موظفيهم أو عملاءهم أو مواطنيهم، وهذا السلوك كفيل بتهديد شعبيتهم، ولفهم أهمية الشفافية في التواصل لا بد من الاتصاف بالحكمة والتحلي ببعض الشجاعة كترياق يدرأ هذا الخطر، أو كما قالت أرديرن في خطابها الوطني الذي ألقته في وقت مبكر من الأزمة:
أعلم أن كل هذا التغيير السريع يولّد حالة من القلق والغموض، خاصة إذا أرغمنا على تغيير طريقة حياتنا، لذا أود أن أعلن لكم اليوم بكل وضوح ما ينتظركم في قادم الأيام خلال رحلتنا التي سنخوضها معاً من أجل مكافحة الفيروس.
حرصت أرديرن منذ هذا الإعلان على إلقاء خطابات موجهة إلى الجمهور بصفة منتظمة، وألقت بعضها وهي ترتدي ملابسها الرياضية والتي بدا من الواضح أنها سُجّلت في المنزل. وبالمثل، أرسل سيلفر وابلاً من المذكرات إلى كل الجهات ذات الصلة بالرابطة الوطنية لكرة السلة للمحترفين مع تكشف نواياه حيال عملية صناعة القرار، على نحو ما جاء في تقرير عُرض على شبكة "إي إس بي إن" والذي أشار إلى تسلم الفرق 16 (أجل 16!) "مذكرة إيقاف مؤقت للنشاط" بداية من 19 مارس/آذار.
يُقصد بالشفافية في التواصل تقديم وصف صادق ودقيق للواقع، بمعنى توخّي الوضوح قدر الإمكان بخصوص ما توصلت إليه من معارف وما تتوقعه من أحداث وتداعياتها على الناس، ومن المهم نقل رسالتك بطريقة يستطيع الناس فهمها، كما فعلت أرديرن من خلال تطبيق نظام الإنذار المألوف المكوَّن من أربعة مستويات، لكن يجب ألا يخلو التواصل تماماً من الأمل وإلا أدى ببساطة إلى استسلام الناس لليأس، لذا يجب النص على رؤية متفائلة للمستقبل في موضع ما من هذا التواصل بحيث يستطيع الناس توجيه طاقتهم من خلالها لأنه بدون أمل سيكون الحل مستحيلاً.
3. استجب للأخطاء بصورة إيجابية.
يُتوقع أن تنشأ بعض المشاكل بغض النظر عن حسن إدارة القائد للأزمة بسبب حداثة الوباء وتعقيده، أو عند التعرض لأي خلل آخر فادح في النظام، علماً بأن كيفية استجابة القادة للأخطاء الحتمية والتحديات غير المتوقعة لا تقل أهمية عن كيفية معالجة الأزمة في بداياتها.
يجب أولاً ألا يعودوا إلى الأسلوب الدفاعي أو اللوم عند ارتكاب الأخطاء، بل يجب عليهم بدلاً من ذلك مواصلة التركيز على الهدف واستشراف المستقبل لمواصلة حل المشكلات التالية والأكثر إلحاحاً. على سبيل المثال، عندما انتقد عمدة مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو عدم العدالة في حصول لاعبي الدوري الأميركي للمحترفين على الاختبارات التي ظلت بعيدة عن متناول بقية الأميركيين، أعلن سيلفر اعترافه بصحة النقد وأقر بوجاهته وأكد على المشكلة الأساسية (الحقيقية) المتمثلة في نقص الاختبارات مع التركيز على الصورة الأكبر، حيث قال: "أتفهم بطبيعة الحال وجهة نظر [دي بلاسيو] ومن المؤسف أن نتعرض لهذا الموقف في هذا المجتمع الذي يمارس الانتقاء فيما يتعلق بإجراء الاختبارات، لذا فمن الواضح أن القضية الأساسية هي عدم توافر اختبارات كافية".
لا نريد أن نقول باختصار إن استجابة الرابطة الوطنية لكرة السلة للمحترفين لمكافحة الفيروس كانت استجابة مثالية لا تشوبها شائبة، كل ما هنالك أننا نعني أن سيلفر تلقى النقد وواصل التركيز على القضية الرئيسية المتمثلة في مكافحة الوباء وإتاحة الاختبارات على نطاق أوسع، وأهم استجابة لأي خطأ هي الإصغاء للجميع والاعتراف بمشكلاتهم وتوجيههم نحو حلها.
4. احرص على التحديث المستمر.
ثمة مفهوم خاطئ ولكنه شائع للغاية حول الأسلوب الأمثل للقيادة الرشيدة مفاده أن القائد يجب أن يكون ثابتاً لا يلين أمام المتغيرات التي قد تدفعه إلى الانحراف عن مساره. صحيح أن الثبات مطلوب بالتأكيد في هذه الأوقات، ولكن بالنظر إلى حداثة الوباء وتطوره السريع فمن الخطأ الاعتقاد أن عمل القائد هو تحديد مسار معين والتمسك به، إذ يجب على القادة مواصلة تحديث فهم الآخرين للاحتمالات السابقة يومياً إن أمكن وباستخدام استراتيجيات محددة لاستنباط معلومات جديدة والتعلم بسرعة مع تكشف الأحداث وظهور معلومات جديدة.
غير أن القيام بذلك يعني الاعتماد على مستشارين متمرسين والسعي الدؤوب للتعرف على مختلف الآراء، وقد اعتمد سيلفر على قائمة طويلة ومتنوعة من المستشارين خلال تعامله مع هذه الأزمة: بدايةً من جون ديفيوري مدير الطب الرياضي في الرابطة الوطنية لكرة السلة للمحترفين، مروراً بزملائه المقيمين في الصين الذين شاهدوا بأم أعينهم ضحايا الفيروس في وقت مبكر، وصولاً إلى فيفيك مورثي كبير جراحي الولايات المتحدة العموم السابق. قد يتعين على القائد تغيير فريقه الاستشاري في مواجهة خطر غامض بمرور الوقت لأن المعلومات الجديدة غالباً ما تعني ظهور مشاكل جديدة وتستلزم تبعاً لذلك نوعية مختلفة من الخبرة، ويعد العثور على الأشخاص المناسبين والاستفادة منهم في حل المشكلات المستجدة جزءاً من تحدي التحديث.
الاستفادة من المعاناة لبناء المعنى
ربما كانت استجابة سيلفر وأرديرن الاستباقية مجرد مصادفات تاريخية أكثر منها عبقرية خاصة، فعندما وصلت التقارير الأولى عن فيروس كورونا إلى سيلفر، كان يكتب تأبيناً ينعي فيه ديفيد ستيرن مفوض الرابطة الوطنية لكرة السلة السابق وموجهه الذي لازمه لفترة طويلة من الزمن، كما لم يمض وقت طويل أيضاً على مقتل النجم السابق كوبي براينت وثمانية آخرين فجأة في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، وعلى الرغم من عدم ارتباطها بمرض "كوفيد -19"، فربما أسهمت هذه الأحداث في وضع سيلفر في حالة مزاجية تأملية ساعدته على رؤية الخطر الماثل للفيروس من خلال عدسة بشرية. وبالمثل، كانت جاسيندا أرديرن تشعر بالحزن في شهر مارس/ آذار مع حلول الذكرى السنوية الأولى لإطلاق النار في مسجد كرايست تشيرش الذي أسفر عن مقتل 51 شخصاً فيما اعتبر أعنف حادث لإطلاق النار الجماعي في تاريخ بلادها.
بيد أن معظم الأشخاص الذين شغلوا مناصب قيادية تعرضوا هم أو مستشاروهم على الأقل للكثير من المعاناة أو تجرعوا مرارة فقدان أحبتهم، ومع ذلك فشل معظمهم في اتخاذ إجراء حاسم لا يحظى بشعبية في الأيام الحرجة مع اكتساب الفيروس حالة من الزخم. قد يتذرعون أنهم كانوا يحاولون التعامل باحترافية: بالحفاظ على العقلانية وعدم الانسياق وراء العواطف والسيطرة على انفعالاتهم الشخصية وتأجيل قراراتهم إلى حين اتضاح حقيقة الموقف، لكن حالتي أرديرن وسيلفر تنمان عن اتباع نهج معاكس.
نؤمن أن القيادة تتعزز بالرجوع المستمر إلى الصورة الكبيرة كركيزة أساسية للمعنى الجوهري ومقاومة إغراء التعامل مع كل تفصيلة على حدة أو النظر إلى حياة الإنسان من الزاوية الإحصائية فحسب.
إن تولي زمام القيادة في ظل أزمة مشوبة بالغموض تتسارع أحداثها دون توقف يعني إحساس المرء بالمعنى الحقيقي لوضع نفسه في مكان الآخرين، أي القيادة بتعاطف. ربما سيسهل على العديد من القادة إبداء التعاطف في الأسابيع المقبلة بعد اتساع نطاق الوباء بهذه الصورة المؤسفة، لكن تفشيه على هذا النحو المروع قد يكون له أثر مخدِّر أيضاً، لذا يتعين على القادة وضع أنفسهم مكان الآخرين والإحساس بمعاناتهم والتحلي بالتعاطف والتفكير بذكاء، ومن ثم استغلال مركزهم وسلطتهم لتمهيد السبيل أمامنا جميعاً نحو تخطي الأزمة. إذ يظهر المعدن الحقيقي للقادة التاريخيين في الأزمات ذات البعد التاريخي، لكن هذا الرجاء ليس مضموناً بالمرة.