الوقت الآن مناسب جداً لممارسة اليقظة الذهنية

6 دقائق
أساليب لاستخدام اليقظة الذهنية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تميزت السنة الماضية بمشاعر الغضب والخوف والحزن، وهذه المشاعر ليست سهلة على معظمنا، وقد نشعر برغبة في محاولة تخطيها عن طريق كبتها والهروب منها أو عن طريق ردود الأفعال الاندفاعية. لكن هذه الأساليب التي نتبعها لتفادي المشاعر غير فعالة، إلى جانب أنها تضر بصحتنا ورفاهتنا وعلاقاتنا الشخصية والمهنية. لذا، يقترح المؤلف 3 استراتيجيات وأساليب لاستخدام اليقظة الذهنية في التعامل مع هذه المشاعر الصعبة بأسلوب مثمر. يجب أن تعيش هذه المشاعر الصعبة من دون إطلاق الأحكام؛ ثم أن تتمعن في تفسيرك لها وتتعامل مع الموقف من باب حبّ الاستطلاع؛ وأخيراً، حاول أن تتحدث إلى الآخرين عما تشعر به وسببه.

لطالما كانت مشاعر الغضب والخوف والحزن حاضرة في حياتنا تلقي بأثرها على طرق عملنا، لكن ليس بقدر حضورها وتأثيرها في أثناء انتشار جائحة عالمية. واليقظة الذهنية هي من الأدوات المتاحة في متناول أيدينا للتعامل مع هذه المشاعر الصعبة بأسلوب مثمر.

لكن للأسف، عندما أتحدث إلى المسؤولين التنفيذيين عن اليقظة الذهنية أسمع اعتقاداً خاطئاً شائعاً يقول إنها تهدف للانفصال عن المشاعر، وهذا سوء فهم من المحتمل أن يسبب ضرراً. ففي الحقيقة، يمكن أن تساعدنا اليقظة الذهنية في التواصل مع مشاعرنا والتغلب على النزعة لتخطيها لدى أغلبنا. فتخطي المشاعر يضرّ بصحتنا ورفاهتنا، إلى جانب أنه يضرّ بعلاقاتنا مع الآخرين. تشير الأبحاث إلى أن المهنيين الذين تم تدريبهم على تزييف مشاعرهم هم أكثر عرضة للمعاناة من مشكلات في الصحة الجسدية والنفسية.

الطرق المستخدمة لتجاهل المشاعر الصعبة

لدينا 3 طرق نستخدمها عادة لتجاهل مشاعرنا، وهي كما يلي:

كبت المشاعر الصعبة. عندما نكبت شعوراً ما، فنحن نخبئه في مكان عميق ونضعه جانباً. لأننا لا نريده أن يزعجنا وقد لا نعرف كيف نتعامل معه. قد تكون بعض المشاعر أصعب علينا من غيرها، بناء على الرسائل التي تلقيناها من الثقافة أو العائلة.

الهروب من المشاعر الصعبة. يمكننا أيضاً محاولة الهروب من الشعور تماماً، ويكون ذلك عادة عن طريق الانخراط في أحد الأنشطة التي تؤدي إلى التخدير النفسي. ومن الممكن أن تكون العادات الغذائية السيئة ومشاهدة التلفاز ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي والإدمان على تفقد الأخبار أو البريد الإلكتروني جميعها وسائل لتجنب المشاعر الصعبة. عملت مؤخراً على إدارة ورشة عمل حول اليقظة الذهنية، شاركت فيها مجموعة كبيرة من المسؤولين التنفيذيين في بعض من أكبر الشركات التقنية، وأقرّوا جميعهم بأنه على الرغم من ازدحام جداول أعمالهم، فقد كانوا يبذلون الكثير من الوقت والجهد في الهروب من مشاعرهم بواسطة الوسائل التي ذكرناها، بعضها أو كلها.

التصرف تحت تأثير هذه المشاعر. يفتخر بعض المسؤولين التنفيذيين بنزعتهم للتصرف تحت تأثير مشاعرهم، كالرد بكتابة رسالة إلكترونية غاضبة بدلاً من أخذ الوقت للتمعن في الأمر أولاً. عادة، يؤدي التصرف تحت تأثير الشعور في لحظة انفعال عاطفي شديد إلى رمي المشاعر الصعبة على شخص آخر وتحميله مسؤولية ما نعيشه من غضب أو حزن أو إحباط. والسلوك الاندفاعي تحت تأثير الشعور هو محاولة لتفاديه، تماماً مثل كبته والهروب منه.

ينطوي تجاهل المشاعر الصعبة على كثير من الجوانب السلبية. فالشعور الذي نتجاهله يبقى دون علاج، والغضب المكبوت على سبيل المثال لا يختفي، بل يتراكم، ويمكن أن يقود إلى تنامي الشعور بالعدوانية أو أن يتحول إلى عدوانية سلبية ويؤدي إلى هدم علاقاتنا الاجتماعية ببطء. غالباً ما تمثل المشاعر إشارات إلى ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات. على سبيل المثال، قد يشير الشعور بالغضب إلى أن بعض الحدود قد تم تجاوزها ومن الضروري العمل لإعادتها، أو إلى ضرورة الدفاع عن أحد احتياجاتنا أو رفض أمر ما. عندما نسمح لأنفسنا أن نعيش مشاعر الغضب بطريقة واعية، سنتمكن من اتخاذ خيارات واعية فيما يخص تعاملنا معها. أخبرتني مسؤولة تنفيذية أنها بعد أن تعاملت مع غضبها بوعي أكبر، شعرت أخيراً بالاستعداد لمواجهة سلوك مديرها المسيء جهراً وتمكنت من وضع حدّ له.

خذ الشعور بالحزن مثلاً آخر، فهو قد يشير إلى حاجتنا للحداد على أمر ما ثم تركه وشأنه. وأحد أكبر الأخطاء التي أراها هو عدم توفير مساحة كافية للحداد على خسارتنا لشيء قديم. ومنح أنفسنا وفرقنا ومؤسساتنا مساحة للحداد لا يعني أن ما كان في السابق كان أفضل، بل أننا نتركه وشأنه فعلياً من أجل إفساح مجال للأشياء الجديدة.

أساليب لاستخدام اليقظة الذهنية

ممارسة اليقظة الذهنية بصورة صحيحة ستتيح لنا التواصل مع مشاعرنا ومعالجتها بأسلوب مثمر. فيما يلي 3 استراتيجيات للتعامل مع مشاعرك قبل أن تلقي بأثرها السلبي على صحتك وحياتك المهنية وزملائك.

عش مشاعرك، من دون إطلاق الأحكام عليها أو تقييدها

كي تصبح واعياً، تتمثل الخطوة الأولى في فهم ما تشعر به. لا يتمتع كثير منا بثقافة عاطفية قوية، ووسط الضغط الذي نعيشه والاجتماعات المتتالية التي ترهقنا، نعجز حتى عن إدراك المشاعر التي نحملها معنا إلى أي موقف نمر به. أظهرت الأبحاث أنه يمكننا تقليل الضيق الذي تسببه لنا تجربة ما إذا وصفنا مشاعرنا بالكلمات، ومن الأفضل أن تكون هذه الكلمات محددة. وعندما تلاحظ أنك تشعر بالإحباط أو التوتر أو الحزن في أثناء اليوم، حاول أن تتوقف لحظة، وابدأ بالتركيز على تنفسك، ثم حاول تسمية تجربتك. والآن، حدد الشعور داخل جسمك، إذ يشعر معظمنا بمشاعره في أجزاء معينة من الجسم. لا تحاول تغييره أو التعامل معه، بل راقبه ببساطة. ما هو إحساسك؟ عندما تقوم بذلك، ستلاحظ أن الأحاسيس والمشاعر الجسدية ليست ثابتة. إذ قد تشعر وكأن حزنك يشكل ضغطاً على صدرك في البداية، ولكن عندما تعتاد عليه، قد تشعر وكأنه طعنة في القلب. وما أن تتوقف عن مقاومة الشعور وتمنحه الاهتمام المناسب، فعلى الأرجح أنه سيتحرك ويتبدد في النهاية. يمكن أن تشكل هذه الخطة تحولاً نمطياً مفاجئاً بالنسبة لكثير منا ممن لم يعتادوا إفساح المجال لمشاعرهم.

انسَ القصة، وليس الشعور الذي ولدته

عقولنا هي آلات لتوليد الأفكار، وسرعان ما تختلق شتى أنواع التفسيرات لما نشعر به، وكثير منها يركز على تحميل الآخرين مسؤولية ما نشعر به، (مثلاً: “أنا غاضب لأن مديري لا يدعم مشروعي”) أو يبني أسباباً تجعل ما نشعر به لازماً (مثلاً: “رأيت تعابير وجه عميلتي وأنا واثق أنها لا تحبني”). تسمح لنا اليقظة الذهنية بإدراك أنه على الرغم من إمكانية أن تكون الأحداث الخارجية هي ما ولّد مشاعرنا، فإن تفسيرنا لهذه الأحداث هو ما يسبب هذه المشاعر فعلياً، وهذا يعيد إلينا السيطرة. يمكن أن يكون لدينا عدد لا يحصى من القصص التي تعزز نفسها ذاتياً، ويؤدي التفاعل معها إلى توليد المزيد من القصص. تعلمنا اليقظة الذهنية كيف ننفصل تدريجياً عن اعتقادنا بصحة هذه القصص. وفي الحقيقة، يتمثل جزء كبير مما نقوم به في ممارسات اليقظة الذهنية في الانتباه إلى أننا محتجزون في فكرة معينة، ومن ثم العودة إلى التركيز على التنفس.

ترك القصة وشأنها ليس مماثلاً لقبول الوضع. وفي الحقيقة، لن يكون المسؤول التنفيذي مستعداً لمعالجة مشكلة ما بصورة مباشرة إلا عندما يصبح مستعداً لنسيان قصته والتوقف عن لوم الآخرين. مثلاً، من خلال تقديم التدريب للمسؤولين التنفيذيين الذين يمرون بعملية تحول، لاحظت أنه كي يتمكنوا من استجماع قواهم لتغيير اتجاههم، كان عليهم أولاً السماح لأنفسهم بتقبل ما يشعرون به من حزن وإرهاق وقلق، من دون تحميل الظروف أو الآخرين المسؤولية عن هذه المشاعر. يسمح لنا نسيان القصة، وليس الشعور، بالتعامل مع الموقف من باب حبّ الاستطلاع والرغبة بالتعلم، والاستفادة من الطاقة التي تولدها مشاعرنا لتحفيز أنفسنا للعمل. كما يساعدنا على تحويل تركيزنا عن الماضي وتوجيهه إلى المستقبل والفرص التي يحملها لنا.

اكشف مشاعرك ولا تخفيها

إن استخدام اليقظة الذهنية في بداية الاجتماع، وإتباعها بسؤال تفقد بسيط مثل “ما الذي أشعر به الآن؟” يوفر فرصة هائلة لمشاركة مشاعرك مع الآخرين، ما يولد الألفة ويمكّنك من التواصل معهم.

قمت مرة بتيسير اجتماع خارجي لفريق قيادي مر بعملية اندماج، حيث تم دمج قسمين وتشكيل قسم مشترك بقيادة هذا الفريق المشترك. بعد تمرين اليقظة الذهنية، اتضح أن أفراد الفريقين كانوا يشعرون بالغضب والاستياء والخوف والحزن بشأن الاندماج. لذا، أوقفت العمل وفق الجدول قليلاً وسألتهم عما إذا شعر كل منهم أنه قد تمكن من الحداد على خسارة قسمه. لا يحظى الحداد بكثير من الاهتمام في المؤسسات، على الرغم من أنه جانب مهم من عملية التغيير، لذلك بدت على أفراد الفريق الدهشة، إلا أنهم كانوا على استعداد للتحدث عما يعتقدون أنهم فقدوه ومشاعرهم حيال ذلك. كانت تلك لحظة مشحونة ومليئة بالانفعال العاطفي بالنسبة للجميع، وأدت إلى نشوء روابط قوية بينهم. عندما تحدث أفراد الفريق لأول مرة عن مشاعرهم صراحة، أدركوا أنهم جميعاً عاشوا المشاعر ذاتها في أثناء عملية التغيير.

ينطوي الكشف عن المشاعر التحدث عنها، لكن ليس في لحظة تولدها، وإنما عندما نكون في حالة تفكير وتأمل. وبدلاً من تحميل المسؤولية عن مشاعرنا السلبية لسلوك شخص آخر، نتحدث عن تفسيرنا لسلوكه أو موقفه ونكشف عن طريقة نشوء هذه المشاعر بناء على هذا التفسير.

أجريت مؤخراً ورشة عمل حول أساليب استخدام اليقظة الذهنية وحول اليقظة الذهنية بشكل عام في شركة تقنية كبيرة، وكشف أحد المسؤولين التنفيذيين عن أنه كثيراً ما يتحدث إلى الآخرين، كزملائه وأولاده وغيرهم، من أجل معرفة ما يشعرون به. وكان غالباً يستخدم العبارة الرافضة: “ليس هناك داع للشعور بالاستياء”. ثم أدرك أن الإقرار بمشاعر الآخرين يحرره بدرجة كبيرة، ويمنح الآخرين شعوراً قوياً بأنه يدعمهم. ولدهشته، فإن مجرد الاعتراف بمشاعر الآخرين زاد من قدرتهم على التركيز وقلص شعورهم بالخوف. وعندما سُئل عن شعوره حيال الاعتراف بمخاوف أحد أفراد الفريق، صمت لحظة وفكر، ثم قال أخيراً: “أشعر بالخوف”. وتنفس بعمق، ثم ابتسم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .