ما يمكن أن يحققه التأمل لمهاراتك القيادية

5 دقائق
تنمية المهارات القيادية بالتأمل
shutterstock.com/kristinasavkov
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من بين المعوقات التي تقف حائلاً بين كثير من القادة ونجاحهم، ومن ثم نجاح شركاتهم، اغترارهم بأنفسهم. فقد اكتشف الخبير بمجال القيادة جيمس كولينز في دراسته الرائدة حول ما يضمن استدامة الشركات العظيمة أنه في ثلثي حالات المقارنة، كان “الاغترار الشديد بالنفس هو المساهم الأساسي في تدمير الشركة أو استمرار أداءها المتواضع”. من حسن الحظ أن اليقظة الذهنية يمكن أن تمد يد العون في هذا السياق. في الواقع، ومن خلال عملي المختص بتدريس التأمل لمئات المسؤولين التنفيذيين، اكتشفت أن أحد أعظم منافع التأمل غير المعترف بها للقادة هي القدرة على التعالي على غرورهم. إذ يمكن تنمية المهارات القيادية بالتأمل

إن الميول الدفاعية لغرورنا لها ثمنها الباهظ. فعندما تتعرض الأنا للتهديد، نتشبث بقرارات الماضي لفترة أطول من اللازم، ونستجيب بشكل دفاعي للملاحظات السلبية الصادرة من فِرق عملنا أو زبائننا أو نختلق لأنفسنا الأعذار، وننفعل وتطغى علينا مشاعرنا في الوقت الذي ينبغي أن نتحلى فيه بالمنطق والعقلانية. يشير راي داليو، مؤسس أضخم صندوق تحوط في العالم، في كتاب “المبادئ: في الحياة والعمل” (Principles: Life and Work)، إلى “عائق الأنا” الذي يُعرفه بأنه “آليات الدفاع اللاشعورية التي تجعل من الصعب عليك قبول أخطائك ونقاط ضعفك”. ويَنسِب أيضاً إلى التأمل الفضل لأنه أهم مصادر نجاحه على الإطلاق.

تأثير التأمل على المهارات القيادية

وذلك لأن اليقظة الذهنية هي ترياق للأنا. فهي تخلق ما ما يصفه باحثو علم الأعصاب في جامعة هارفارد بالتجارب “المتعالية على الذات”، حيث يشرع المتأملون في ملاحظة أنه لا توجد نفس مستقرة منفصلة عن الأخريات، وإنما هي جزء من كل. قد تبدو هذه التجارب ضرباً من “الخرافات”، غير أن لها مزايا عظيمة للقادة: فهي تتيح لهم رؤية الأمور بقدر أكبر من الموضوعية، وتكوين علاقات أعمق.

رؤية الأمور بقدر أكبر من الموضوعية

الأنا لدينا تريد أن نكون على حق، وتعتبر الفشل تهديداً لنا. ومع ممارسة التأمل، وبينما يتراجع هوسنا بالأنا، يتضاءل ميلنا إلى التعامل مع الأشياء بشكل شخصي أيضاً.

لننظر على سبيل المثال إلى سكوت شوت، نائب الرئيس الأسبق لقسم عمليات الزبائن في شركة “لينكد إن”، الذي يقود الآن برامج اليقظة الذهنية في الشركة. فقد قال لي مفسراً: “سأعمل طوال اليوم على تطبيق ممارسات اليقظة الذهنية عندما أجد نفسي متحمساً لاتخاذ قرار أو عندما يخالجني شعور بالدفاع عن نفسي في مواجهة النقد الموجه لي. سأتنفس وسأتأمل لبضع دقائق، فيتحول الأمر الذي كان في السابق مخيباً للآمال إلى شيء يكاد يبعث على المرح. وبوسعي الانتباه إلى التفاصيل، ورؤية أشياء لم أرها من قبل”.

وعاش منصور، رئيس شركة كبرى لتجارة التجزئة، تجربة مثيلة أثناء جلسة تأمل عقدتها كجزء من ورشة عمل للقادة. فقد تلقى رسالة بريد إلكتروني من رئيسه التنفيذي الجديد قبل الجلسة. وقال لي: “كانت الأفكار تتسارع في عقلي، وشعرت بالإحباط والاتهام المجحف. وبعد أن مارست التأمل، عاودت قراءة الرسالة. فكان ذهني هادئاً، وارتسمت على وجهي ابتسامة. فقد تعاملت مع الرسالة وكأنها موجهة لشخصي، وأخذت نقده على محمل شخصي. وبعدها، تسنى لي أن أراها على حقيقتها: مجرد أشياء محددة بحاجة إلى أن تُنجز”. حتى جلسة التأمل القصيرة كانت كفيلة بتخفيف وطأة غروره، ما سمح له بقراءة رسالة البريد الإلكتروني دون شعور بالتهديد وأتاح له التصرف بشكل لائق. 

تكوين علاقات أعمق

تغير هذه التجارب أيضاً علاقات القادة بشكل جوهري، حيث تسمح لهم بالقيادة بتعاطف أكثر وتواصل أعمق. فسر لي مايك روموف، رئيس قسم مبيعات الوكالات العالمية في شركة “لينكد إن”، أنه بعد ممارسة التأمل لعدة أشهر، “أدركت تدريجياً أن جميع الكائنات متصلة بعضها ببعض، وأن البنية الكلية للشعور بمشاعر سلبية تجاه الآخرين بوصفهم كيانات مستقلة لم يعد لها معنى بعد”.

وعندما وجد قسمه مندمجاً في منافسة حامية مع قسم آخر، قرر أن يمد يد العون إلى نظيره بدلاً من أن يشعل جذوة التوتر بقدر أكبر بين القسمين: “تقدمت المشروعات وتبددت الصراعات بين الأقسام، وحققنا تطوراً ملحوظاً. وعادت التجربة بالنفع على حياتي المهنية كثيراً. فقد اشتهرت بالمتعاون وحلال المشكلات”.

ويمكن أن يساعدنا التأمل أيضاً على التعامل مع الزملاء الذين نراهم من الشخصيات “صعبة المراس”، فيسمح لنا بتحدي الروايات المبنية على الخوف والرهبة والتي يختلقها عقلنا وتقف حائلاً أمام تصرفنا على نحو مثمر. لننظر إلى ماريا مثلاً، المسؤولة التنفيذية رفيعة المستوى في واحدة من شركات الإعلام الكبرى، التي عكفت على ممارسة التأمل لعدة سنوات. لسنوات طويلة، تعاملت مع زميل لها صعب المراس دون أن تتصدى لسلوكه صراحة. وبعد أن مارست التأمل لفترة، أدركت أن “نفسها الوجلة اختفت”، وأنها لم تعد تهاب مواجهته بعد. وقالت إنها عندما أقرت الحقائق، شعرت “وكأن الكون كله يتكلم من خلالي”.  لقد استطاعت أن ترى الحقائق وتتواصل معها بوضوح وجلاء، دون خوف أو تعلق عاطفي كما في السابق. ولدهشتها الكبيرة، كان زميلها على أهبة الاستعداد لسماعها، ووافق على أن يكف عن سلوكه.

مارس التأمل لتعيش تجربة التعالي على الذات

إن التأمل الواعي أو اليقظة الذهنية ليست الطريقة الوحيدة لمعايشة التعالي على الذات – فتشبثنا بالأنا يمكن أن يتبدد أثناء ممارسة الهرولة أو الطهي أو العزف على آلة موسيقية أو ممارسة أي نشاط آخر يشغلنا تماماً – لكنها الطريقة المباشرة أكثر من غيرها. إليكم كيفية تهيئة تلك التجربة لأنفسكم.

طوّر ممارسة تركز على تعطيل العقل

من بين أبسط أشكال التأمل الواعي العثور على مكان هادئ، والجلوس جلسة مريحة على كرسي أو وسادة، وضبط الساعة الميقاتية على فترة زمنية تتراوح بين خمس وخمس وعشرين دقيقة. ثم ابدأ ببساطة في مراقبة شهيقك وزفيرك. ويجوز أن تحسب أنفاسك، فتعد واحداً مع الشهيق واثنين مع الزفير، وصولاً إلى 10 ثم رجوعاً إلى 1 مرة أخرى. وبغض النظر عن الأسلوب الذي تستخدمه، من الأرجح أنك ستلاحظ التدفق المستمر تقريباً للأفكار التي تدور في عقولنا (حوالي 70 ألف فكرة يومياً). اسمح للعقل بالانفصال عن تلك الأفكار، ومعايشة الإحساس بالانفتاح.

احرص على الممارسة بانتظام – كل يوم

على الرغم من أن تجارب التعالي على الذات يمكن أن تحدث بعد جلسات قصيرة، فالحفاظ على حالة ثابتة يقتضي ممارسة منتظمة. وكما أن التردد على صالة الألعاب الرياضية بين الحين والآخر قد يغمرك بشعور رائع لكنه لن يساعدك على بناء عضلاتك، ولن تكون ممارسة التأمل غير المنتظم كافيةً لمعايشة تجربة التعالي على الذات بانتظام. إن السواد الأعظم من المسؤولين التنفيذيين الذين أعمل معهم يمارس التأمل لعشرين دقيقة يومياً على الأقل. وبالنسبة لأغلبهم، فإن الاستيقاظ مبكراً في الصباح واستهلال اليوم بالتأمل هو أسهل طريقة لضمان “الاستغراق في التأمل”.

ابحث عن فترات طويلة للصمت

يلاحظ غالبية المسؤولين التنفيذيين أنه كلما طالت فترات تأملهم، بدأت عقولهم تهدأ وأفكارهم تتبدد في نهاية المطاف بقدر أكبر. ولأن أفكارنا هي التي تخلق الإحساس بالأنا، وعندما تتبدد تسنح الفرصة لغرورنا بالانحسار. وفي عالم نتعرض فيه دائماً وأبداً لمحفزات جديدة (عبر رسائل البريد الإلكتروني والأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، إلخ)، يتعين عليك أن تكون متعمداً إيجاد فترة زمنية لممارسة الصمت. يجوز أن تذهب إلى “خلوة” لفترة طويلة تحت إشراف معلم تأمل خبير أو تخصص فترات أثناء اليوم لا تستقبل فيها أي معلومات جديدة.

طبق الرؤى الثاقبة المستخلصة من التعالي على الذات، على المشكلات التي تواجهها طوال اليوم

استغل مكتسباتك من هذه الممارسات للحد من سيطرة الأنا عليك طوال يوم عملك. يجوز أن تبادر بتهدئة عقلك بأخذ القليل من الأنفاس قبل دخول اجتماع أو قبل الاطلاع على رسالة بريد إلكتروني. ويمكنك أيضاً ممارسة التأمل في اللحظة الراهنة. على سبيل المثال، أثناء حضور اجتماع ما أو الرد على رسالة بريد إلكتروني ما، حول بوصلة تركيزك إلى أنفاسك، وراقب ببساطة ما إذا كان عقلك قد راح يأخذ الأمور على محمل شخصي. يمكن أن يساعدك الشهيق والزفير بضع مرات على الحد من سيطرة الأنا عليك.

قبل عقد تقريباً، وعند دراستي لأهمية تنمية المهارات القيادية بالتأمل حالفني الحظ إذ استطعت الذهاب إلى ملاذ هادئ لثلاثة أشهر، حيث أخذت إجازة من حياتي الحافلة بصفتي مستشاراً في شركة “ماكنزي”. وفي واحدة من الحوارات الأسبوعية التي أجريتها مع معلمة التأمل، قالت لي: “تذكر أنك لست موجوداً”. لم يكن لكلامها هذا معنى آنذاك، واستغرقني الأمر فترة حتى أدركت أن التعالي على الذات لا يمكن استيعابه بالعقل. وإنما يجب أن يتحقق بالممارسة.

اقرأ أيضاً: التأمل وأهميته للمدراء التنفيذيين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .