ملخص: يتطلب التحول الناجح اغتنام الحكمة الجماعية لمدراء الإدارة الوسطى وفِرقها، ولتعزيز فرص شركتك في هذا الشأن عليك فعل ما يلي: 1) تحديد أفضل مدراء الإدارة الوسطى. يتطلب تحوّل شركة ما مزيجاً من الإبداع والبراعة ومن خلال خوض هذا التحدي يمكنك اختبار جيل القادة الجديد وتطويره. 2) تمكين مدراء الإدارة الوسطى من دعم التغييرات التحويلية. من الضروري تشجيع مدراء الإدارة الوسطى بفعالية على طرح أفكار مبتكرة وتقديم الدعم الكافي لهم عندما يقترحون تغييرات مهمة. 3) تقدير الخطوات الجريئة ونتائجها. يتطلب التحول الناجح إعادة النظر بصورة جذرية في كل جانب من جوانب العمل لتحقيق نتائج مذهلة، وينبغي أن يقدّر القادة الخطوات الجريئة لتلبية هذه الحاجة إلى التغيير الشامل.
لا ينجح النهج التقليدي في تحول الشركات؛ أي إصدار التوجيهات من القمة إلى القاعدة والتنفيذ من القاعدة إلى القمة، فاليوم، يحقق أقل من 1 من كل 8 تحولات نتائج دائمة، ما يعني أن 7 من كل 8 تحولات تفتقر إلى التأثير المستدام، ففي حين أن الطريقة التقليدية في التحول من القمة إلى القاعدة قد تساعد على خفض التكاليف وتعزيز الكفاءة فإنها لا تحقق نتائج مذهلة دائمة في أداء الشركات.
لكن ما السبب؟ لأن التحسين المستمر للأداء لا يقتصر فقط على خفض التكاليف، بل يتطلب أيضاً تغييراً جذرياً في أسلوب عمل المؤسسة وما تحققه. ويتطلب تحديد هذه التغييرات الضرورية رؤى وخبرات لا تتوافر عادة في أعلى التسلسل الهرمي للشركة أو أسفله، بل في منتصفه.
غالباً ما تتجاهل التوجيهات من أعلى إلى أسفل الفروق الدقيقة المهمة لدفع الأداء إلى آفاق جديدة، فقد ينفصل أصحاب المناصب التنفيذية العليا عن تفاصيل العمليات اليومية ما يقودهم إلى اقتراح حلول تعالج المشكلات بصورة سطحية جداً وعلى العكس من ذلك، على الرغم من أن مدراء الخطوط الأمامية على دراية كافية بالتفاصيل التشغيلية، فإنهم قد يفتقرون إلى المنظور الأوسع اللازم لتشجيع التفكير الثوري، ما يؤدي غالباً إلى تعديل الممارسات الحالية بدلاً من إجراء تغييرات الشاملة.
تحقق التحولات الناجحة التوازن وهو النقطة المنشودة من التجربة التي تحدد مجالات التحسين دون الخضوع إلى الروتين الراسخ، وكثيراً ما يكمن هذا التوازن في مستويات الإدارة الوسطى من المؤسسة ومن خلال اغتنام الحكمة الجماعية لمدراء الإدارة الوسطى وفرقها، يمكن للشركات أن تستنهض التحولات ذات الآثار الدائمة.
بالاستناد إلى أبحاثنا وخبراتنا، حددنا 3 استراتيجيات محورية لإجراء تحول فعّال انطلاقاً من الوسط:
حدد أفضل مدراء الإدارة الوسطى
يتطلب تحول الشركات مزيجاً من الإبداع والبراعة، وهما سمتان لا يمتلكهما سوى أفضل المدراء؛ أي أن أصحاب المستوى المتواضع لن يفوا بالغرض، لأن نخبة المدراء فقط هم من يتمتعون بالفطنة والخبرة اللازمتين لقيادة التغيير التحولي.
في مقالتنا المنشورة في هارفارد بزنس ريفيو، بعنوان "التحولات الناجحة" (Transformations That Work)، نتعمق في استراتيجية التحول انطلاقاً من الوسط التي اعتمدها بوب برادواي وفريقه في شركة الأدوية أمجين (Amgen) التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار. استهلت القيادة العليا في شركة أمجين جهود التحول بالتركيز الكامل على أفضل المواهب، فاختارت بعناية اثنين من قادة الإدارة الوسطى لكل مبادرة، من مستوى نواب الرئيس لقيادة المبادرة ومن مستوى المدراء لتولي مسؤولية الارتباط في المبادرة. التزم هؤلاء القادة تماماً بعملية التحوّل دون أي انحراف عن مسارها، وكانت عملية الاختيار صارمة، وأشبه بخطة وُضغت مع الفريق التنفيذي كله، تحت إشراف الرئيس التنفيذي للتحول والرئيس التنفيذي للموارد البشرية في الشركة. لزِم أن يُصنف المسؤولون التنفيذيون من بين الأعلى تقييماً في شركة أمجين وأن يستعرضوا قدراتهم على مواجهة التحديات الأكثر إلحاحاً، ليكونوا مؤهلين لقيادة المبادرات.
بمجرد تحديد قادة المبادرة ومسؤولي الارتباط فيها، جرى تجميع الفِرق بناءً على الكفاءة والخبرة وشددت القيادة على أهمية تعيين أفضل المواهب لكل مبادرة تحول، وقد ضمن هذا النهج امتلاك الفرق المهارات اللازمة لإحداث تغيير هادف بسرعة.
مثّلت رحلة التحول في شركة أمجين منصة لاختبار جيل القادة التالي وتطويره، وقد انتقل العديد من قادة المبادرات ومسؤولي الارتباط إلى أدوار عليا في الشركة وهو دليل على نجاح استراتيجية تطوير القدرات القيادية هذه.
مكّن مدراء الإدارة الوسطى من دعم التغييرات التحويلية
يرى العديد من المؤسسات الكبرى أن مدراء الإدارة الوسطى يتسمون بالجمود، على أساس أنهم يفتقرون إلى الإلهام والحافز للإسهام في تقدم المؤسسة، ومع ذلك، لم ينطبق هذا الوصف في تجربتنا إلا على عدد قليل من مدراء الإدارة الوسطى، بل ترجع المشكلة في أغلب الأحيان إلى عدم إشراكهم وتمكينهم، إذ من الضروري أن تعمل القيادة العليا على تشجيع مدراء الإدارة الوسطى على طرح أفكار مبتكرة، ودعمهم دعماً كافياً عندما يقترحون تغييرات مهمة، والاستماع إليهم عندما يتحدثون عن المواضع المحتملة لمقاومة التغيير.
ومن الأمثلة البارزة على هذا النهج التحول الذي طرأ على شركة التكنولوجيا الحيوية الفرنسية المتعددة الجنسيات، بيو ميريو (bioMérieux)، ففي عام 2020 اتخذت قيادة الشركة قراراً استراتيجياً بدمج شركة أدوات التشخيص بايو فاير (BioFire) ومقرها الولايات المتحدة، التي استحوذت عليها شركة بيو ميريو في عام 2014. كان لتكنولوجيا تفاعل البوليميراز المتسلسل من بايو فاير دور محوري في توفير اختبارات كوفيد-19 السريعة خلال الجائحة. كُلِّف بيير بولولد الذي عُين لاحقاً رئيساً تنفيذياً لبيو ميريو بالإشراف على عملية الدمج المتأخرة هذه، وبسبب نجاح هذا المسعى، صارت الشركة رائدة عالمياً في مجال أدوات التشخيص للرعاية الصحية.
من العوامل المهمة التي أسهمت في نجاح بيو ميريو في الاندماج مع بايو فاير، مهارة القيادة في تفعيل الإدارة الوسطى، أشركت القيادة مدراء ذوي إمكانات عالية من الإدارة الوسطى في بايو فاير وبيو ميريو في الولايات المتحدة لقيادة عملية الدمج، وعملت على تمكينهم من خلال تحديد أولويات فريق الدمج بوضوح، وتوفير الموارد الأساسية وتفويضهم ومن ثم منحهم السلطة والوسائل اللازمة لتنفيذ تغييرات كبيرة في أعمال كل من الشركتين واستراتيجيتها. علاوة على ذلك، شجعت القيادة مدراء الإدارة الوسطى في بايو فاير على التعاون مع أقرانهم والقادة ومرؤوسيهم المباشرين لمناقشة التغييرات المقترحة بصراحة وتقديم ملاحظات مباشرة إلى القيادة العليا في ليون. وقد سهّل هذا النهج الشامل تحديد المواضع المحتملة لمقاومة التغيير، ما سمح بالتخطيط بفعالية لتخفيف العوائق.
أصبحت بيو ميريو اليوم شركة موحدة هدفها الوحيد هو جعل العالم مكاناً صحياً أكثر، ومن خلال الحلول التشخيصية الرائدة، تساعد الشركة الأطباء على تحسين رعاية المرضى وتساعد القطاعات على منع تلوث الأغذية والأدوية التي تنتجها. منذ عام 2019، ارتفعت القيمة المؤسسية لشركة بيو ميريو من أقل من 8 مليارات دولار أميركي إلى أكثر من 13 مليار دولار أميركي، لتحقق بذلك تفوقاً كبيراً على قطاع الرعاية الصحية العالمي.
قدّر الخطوات الجريئة ونتائجها
يدعو القادة عادة إلى تغييرات جريئة على طرق العمل، ولكن الواقع يقول إنهم يفضلون التعديلات الطفيفة والحذرة. يتطلب التحول الناجح إعادة النظر بصورة جذرية في كل جانب من جوانب العمل لتحقيق نتائج مذهلة، وينبغي أن يقدّر القادة الخطوات الجريئة لتلبية هذه الحاجة إلى التغيير الشامل.
لنأخذ مثلاً التحول في شركة تي موبايل (T-Mobile)، فقبل عام 2013، واجهت الشركة صعوبة في احتلال مركز متقدم مع منافسيها الأكبر فحلّت دائماً في المرتبة الأخيرة في استطلاعات العملاء مقارنة بشركات أيه تي آند تي (AT&T ) وفيرايزون (Verizon) وسبرنت (Sprint). بعد فشل أيه تي آند تي في الاستحواذ على تي موبايل، تولى جون ليجير منصب الرئيس التنفيذي وقدّم المفهوم الثوري المتمثل في التركيز على العملاء، مؤكداً ضرورة فهم احتياجاتهم وتحديد أولويات إجراءات العمل والعروض وفقاً لذلك.
وحين أدركت القيادة أهمية الموقع الإلكتروني للشركة بوصفه نقطة اتصال أساسية مع العملاء، جعلت منه مجالاً حاسماً للتحسين في ذلك الوقت، كان موقع شركة تي موبايل مثل مواقع منافسيها، معقداً ومرهقاً للعملاء، إذ تضمن العديد من علامات التبويب التي تؤدي إلى معلومات غير ذات صلة. تلقى الفريق المتعدد الوظائف المكلف بتنشيط الموقع توجيهات طموحة ولكن القيادة تعمدت أن تكون غامضة، فوجهت بفعل المطلوب لإبهار العالم، لم تضع القيادة أي قيود، وكانت تثق بقدرة الفريق على ابتكار الحل الأمثل.
حدد الفريق 3 أهداف: 1) تمكين العملاء من استكشاف الموقع والشراء والحصول على الخدمات الإلكترونية بسهولة، 2) توخي البساطة والوضوح، 3) إعادة النظر جذرياً في العلامة التجارية تي موبايل. وبدلاً من اقتراح تعديلات طفيفة، عمل الفريق على إصلاح حضور تي موبايل على الإنترنت إصلاحاً شاملاً، فسهّل على العملاء تصفح الموقع الإلكتروني وممارسة الأنشطة التجارية عبر الإنترنت مع شركة خدمات الاتصال.
كانت النتائج مذهلة، ارتفع رضا المستخدمين عن الموقع ارتفاعاً كبيراً، إذ قفزت نسبة المستخدمين الراضين للغاية من 10% إلى 50%. وزادت سهولة استخدام الموقع الإلكتروني من نحو 22% إلى 57% وتحسّن تصنيف تجربة التسوق، وهو أمر بالغ الأهمية لدفع نمو المبيعات، بنسبة 50%.
أعجبت القيادة بأفكار الفريق الجريئة والنتائج التي حققها، وأقرت بالدور القيادي لفريق تكنولوجيا المعلومات في هذا المسعى. كانت هذه المبادرة خطوة أولى مهمة في تحقيق رؤية ليجير المتمثلة في تحرير عملاء تي موبايل من القيود التقليدية لشركات خدمات الاتصال، ومن خلال تحديد الهدف الطموح المتمثل في إبهار العالم وتقدير الأفكار الجريئة، وضعت الشركة أساساً لتحولها الناجح.
لقد حان الوقت لإعادة تحديد النهج المتبع في التحول، وبدلاً من الأهداف التقليدية من أعلى إلى أسفل ونموذج التسليم من أسفل إلى أعلى، ينبغي للقيادة أن تتبنى التحول انطلاقاً من الوسط، ومن خلال تسخير براعة الإدارة الوسطى وإبداعها، يمكن للشركات تطوير الحلول المبتكرة اللازمة للوصول إلى الإمكانات الكاملة للتحول.