يعد معدل التبادل التجاري مقياساً لمعرفة مدى استفادة الاقتصاد الوطني من تجارته الخارجية، حيث تلعب أسعار الصادرات المرتفعة مقابل أسعار الواردات المنخفضة دوراً في رفع معدل التبادل التجاري واستفادة الاقتصاد من ذلك الارتفاع في دفع عجلة النمو الاقتصادي. أي أن هناك علاقة ارتباط قوية بين ارتفاع معدل التبادل التجاري والنمو الاقتصادي، ما دفع الكثير من الدول إلى الاهتمام على نحو كبير في صادراتها والعمل على تنميتها؛ لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
وعليه، يعتبر معدل التبادل التجاري أحد المتغيرات الخارجية التي تؤثر على النمو الاقتصادي. إذ كلما كانت صادرات الدولة من السلع المصنعة أكثر تنوعاً، مقابل صادرات أقل من السلع الأولية، زاد احتمال تحسن معدل التبادل التجاري، وذلك لأن أسعار السلع الأولية عرضة للانخفاض عبر الزمن مقارنة مع أسعار السلع المصنعة. لذا فإن أسعار السلع الأولية تتقلب بشكل حاد، ما يجعل الدول التي تعتمد على تصدير السلع الأولية عرضة لهزات معدل التبادل التجاري، الأمر الذي جعل هدف تحسين معدل التبادل التجاري خياراً استراتيجياً نحو تحقيق النمو والتنمية.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: مفهوم ميزان المدفوعات
كما تمت ملاحظة أن معدل التبادل التجاري يتعرض إلى تقلبات في الدول النامية تعادل ضعف تقلباته في الدول المتقدمة. ويعود السبب في ذلك إلى أن التجارة الخارجية في اقتصاديات الدول النامية ومنها المملكة العربية السعودية تتميز بعدم التنوع في الإنتاج السلعي في الصادرات، وإلى التنوع الشديد في الطلب على السلع من خلال الواردات، ويتضح ذلك من خلال النظر إلى ما تملكه المملكة من وفرة في عناصر الإنتاج مثل النفط، ما يجعل صادراتها تتصف بأنها مواد أولية أو وسيطة، حيث تشكل هذه المواد الأولية نسبة كبيرة جداً من إجمالي صادراتها، أي أن أسعار هذه المواد هي عرضة للتقلبات، فضلاً عن أنها تتحدد من خلال الطلب العالمي، مما يؤثر على معدل التبادل التجاري.
وحاولت المملكة العربية السعودية تنويع القاعدة الإنتاجية لتحقيق الاكتفاء وعدم الحاجة إلى الاستيراد منذ الخطة التنموية الأولى، ولكن ببطء، ما جعلها تستمر في استيراد السلع المصنعة المرتفعة السعر من الدول المتقدمة. وبذلك تدخل في علاقات دولية غير متكافئة تحكمها سياسات تجارية احتكارية، وتسهم المنظمات الاقتصادية في تعميق مظاهر الاختلال في غير صالحها. لذا استندت الدراسة على الفرضية التالية: "تحسّن معدل التبادل التجاري يؤثر إيجاباً على النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية"، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي والمنهج القياسي لبحث العلاقة بين معدل التبادل التجاري والنمو الاقتصادي في المملكة. كما تم تطبيق هذه الدراسة خلال الفترة الزمنية بين (1970 -2015) في قسم الاقتصاد بجامعة "الملك سعود".
صادرات المملكة ووارداتها
تتصف صادرات المملكة بأنها سلع أولية، في حين تتصف واردتها بأنها سلع مصنّعة، الأمر الذي يدل على ضعف التصنيع والتنويع في المملكة. حيث شكلت مواد الخام 81% من صادرات المملكة لعام 2012، وبلغت السلع نصف المصنعة 10%، في حين بلغت الصادرات المصنعة 9% فقط من إجمالي الصادرات في المملكة. حيث سجل الارتفاع النسبي في قيمة الصادرات غير النفطية 14.4% في العام 2013 من قيمة إجمالي الصادرات مقارنة بـ 0.3 % في العام 1970، وهذه النسبة ما زالت قليلة. أيضاً في العام 2015، وصلت قيمة الصادرات إلى 731,883 مليون ريال (195 مليار دولار) حيث بلغت حصة الصادرات غير النفطية منها 189,901 مليون ريال فقط (50 مليار دولار). وهنا يتضح حجم اعتماد المملكة في التبادل التجاري على السلع الأولية التي تتحدد أسعارها وفق الطلب الأجنبي، ما يجعلها عرضة للتقلبات في معدل التجاري، والناتج المحلي للمملكة يعتمد على إيرادات صادراتها، وبالتالي يتأثر النمو الاقتصادي في المملكة عندما تنخفض أسعار النفط ومشتقاته.
مفهوم معدل التبادل التجاري
هناك عدة طرق لقياس معدل التبادل التجاري، لكن اعتمدنا في هذا البحث الطريقة الأكثر انتشاراً، وهي معدل التبادل التجاري الصافي، ويستخلص من المقارنة بين الأرقام القياسية لأسعار الصادرات والأرقام القياسية لأسعار الواردات:
معدل التبادل التجاري الصافي = (الرقم القياسي لأسعار الصادرات ÷ الرقم القياسي لأسعار الواردات) × 100
ويُظهر هذا المقياس أنه كلما كان معدل التبادل التجاري أكبر من 100، فهذا يعني أن الدولة تكسب من تجارتها الخارجية، وكلما كان أقل من 100، فإنها تخسر من تجارتها الخارجية.
معدل التبادل التجاري في المملكة
شهدت التجارة الخارجية خلال العقود الماضية في المملكة تطوراً كبيراً أسهم في تسريع معدلات النمو الاقتصادي، لذا فإن تحسن معدل التبادل التجاري لاقتصاديات مثل اقتصاد المملكة يؤدي إلى تحسن في كل من الرفاهية ومستوى المعيشة، وتحقيق نمو اقتصادي مرتفع، لذا، تحاول الدول التقليل من تقلبات معدل التبادل التجاري. كما تعتمد تقلبات معدل التبادل التجاري في المملكة على أسعار الصادرات كثيراً، وذلك لاعتماد المملكة على تصدير سلعة واحدة وهي النفط، وكانت أقل قيمة لمعدل التبادل التجاري 30.4 عام 1970، في حين بلغت أعلى قيمة وصل إليها معدل التبادل التجاري في المملكة 324.8 عام 2011، نتيجة ارتفاع أسعار الصادرات وذلك نتيجة لارتفاع أسعار النفط، وهذه دلالة على اعتماد المملكة على سلعة واحدة وهي النفط في صادراتها، إذ تؤدي التقلبات إلى نمو سريع أو هبوط حاد في كل من الناتج والتوظيف والإيرادات العامة، وإلى أزمات في ميزان المدفوعات ومشكلات مديونية.
في خطط التنمية ومنجزاتها
أولت خطط التنمية اهتماماً خاصاً بتنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على إنتاج النفط الخام وتصديره من خلال تنمية الموارد الطبيعية الأخرى وتشجيع النشاطات الاقتصادية المختلفة. خلال سنوات الخطة الثانية (1975-1979) أدت الزيادة في أسعار الصادرات نتيجة ارتفاع أسعار النفط في نهاية الخطة الأولى إلى زيادة السيولة النقدية في المملكة التي بدورها أدت إلى زيادة السلع المستوردة التي تتمتع بأسعار مرتفعة، إذ تؤدي زيادة أسعار السلع المستوردة إلى انخفاض معدل التبادل التجاري. وفي السنوات الأولى للخطة الثالثة (1980-1984) تجاوزت الزيادة في قيمة الصادرات الزيادة في قيمة الواردات، ما أدى إلى ارتفاع معدل التبادل التجاري، ووصل المعدل إلى 172.9، لكن في آخر سنتين ارتفعت قيمة الواردات مقابل انخفاض في قيمة الصادرات، ما جعل معدل التبادل ينخفض ليصل إلى134.57 في العام 1984.
أما خلال سنوات الخطة الرابعة (1985-1989)، فقد تراجعت قيمة الصادرات النفطية تراجعاً حاداً، ما أدى بدوره إلى تراجع معدل التبادل التجاري. حيث وصل إلى 68.57 وهذا يعني أن المملكة خسرت من تجارتها الخارجية. لكن برز عنصر جديد في الخطة الرابعة تمثل بزيادة مساهمة الصادرات غير النفطية، وذلك عن طريق إنتاج كل من قطاع الزراعة والبتروكيماويات. ففي العام 1989، شكلت المنتجات غير النفطية نسبة تزيد على 16% من مجموع الصادرات السلعية، أما خطة التنمية الخامسة، فتضمنت مبادرات تنموية مهمة، إلا أن انتظام سير تنفيذ خطة التنمية الخامسة (1990-1994) تأثر سلباً بحرب الخليج عام 1991. في بداية الخطة أدى الزيادة الكبيرة في قيمة الصادرات النفطية إلى ارتفاع معدل التبادل وفي نهاية الخطة، انخفضت أسعار النفط وارتفعت القيمة النسبية للواردات، الأمر الذي أدى إلى انخفاض في معدل التبادل التجاري.
كذلك خلال سنوات خطة التنمية السادسة (1995-1999)، حدثت تقلبات في معدل التبادل التجاري، بسبب التقلبات الحادة في أسعار النفط العالمية في أعقاب تصدع اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، التي امتدت آثارها إلى اليابان وروسيا الاتحادية ودول أميركا اللاتينية في الخطة السابعة (2000-2004). كما توقعت الخطة تحسناً في معدل التبادل التجاري الصافي، ما تحقق بالفعل خلال سنوات الخطة. كذلك كان هناك زيادة في إسهام الصادرات غير النفطية في الخطة الثامنة (2005-2009)، حيث ارتفعت قيمة الصادرات مقابل انخفاض قيمة الواردات، ولكن في العام 2009 انخفض معدل التبادل التجاري ووصل إلى 210.03 نتيجة الأزمة المالية. وفي العام 2010 ارتفع معدل التبادل التجاري حتى وصل عام 2012 إلى 314.93، وفي العام 2013 بدأت قيمة الصادرات بالانخفاض حتى وصلت عام 2015 إلى 731.883 مليون ريال (195 مليار دولار) مقارنة مع عام 2011 التي وصلت قيمة الصادرات فيه إلى 1,410,841 مليون ريال (376 مليار دولار). في المقابل ارتفعت قيمة الواردات في العام 2015 إلى 950,830 مليون ريال (253 مليار دولار) مقارنة بعام 2011 الذي قدرت قيمة وارداته بـ 742,414 مليون ريال (197 مليار دولار)، ما أدى إلى إنخفاض معدل التبادل التجاري في عام 2015 نتيجة ارتفاع الواردات مقابل انخفاض الصادرات التي انخفضت نتيجة انخفاض أسعار النفط، وبالتالي يؤدي الاعتماد على سلعة واحدة في التصدير إلى عدم استقرار في معدل التبادل التجاري.
علاقة التبادل التجاري بالتضخم
تتصف القاعدة الإنتاجية في المملكة بمحدوديتها وضعفها، الأمر الذي يؤدي إلى تنامٍ كبير في الطلب على السلع المستوردة، والذي يجعل بدوره المملكة عرضة للتضخم المستورد. وبالتالي ينعكس التضخم المستورد على المستوى العام للأسعار، ويعرف التضخم المستورد بأنه التضخم الذي يحدث في الاقتصاد نتيجة ارتفاع الأسعار في الأسواق التي تستورد منها المملكة سلعها. إذ عندما تستورد الدولة سلعاً من دول تعاني من التضخم، فهذا يعني أنها تستورد التضخم، وقد تجلى ذلك في المملكة في العام 2009 عندما أدى ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع معدل التبادل التجاري وارتفاع معدل التضخم أيضاً، هذا الأمر جعل المملكة تتحمل تكلفة ارتفاع تكاليف إنتاج المواد التي تستوردها وبالتالي انتقل التضخم إليها. وللتخلص من التضخم المستورد في المملكة لا بدّ من زيادة الاعتماد على المشروعات التي تقلل من حجم الواردات، أي ضرورة التنويع في الإنتاج لسد الحاجة الداخلية ومن ثم الاتجاه إلى التصدير.
التحليل
اعتمدت الدراسة على دالة الإنتاج النيوكلاسيكية للنمو لبحث العلاقة بين معدل نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي كمتغير تابع، ومعدل التبادل التجاري ونسبة الاستثمار المحلي غير النفطي إلى إجمالي الناتج المحلي غير النفطي -لاستبعاد التقلبات العنيفة للإيرادات النفطية- ومعدل نمو العمل، و معدل نمو الإيرادات النفطية كمتغيرات مستقلة. وتم بعد ذلك تقدير نموذج الدراسة بإجراء اختبار طريقة المربعات الصغرى العادية "OLS" للبحث عن نوع العلاقة بين المتغيرات، وتوصلت نتائج الاختبار إلى وجود علاقة معنوية وطردية بين معدل التبادل التجاري ومعدل النمو الاقتصادي المتمثل بإجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وهذا ما يتفق مع النظرية الاقتصادية التي تبين أنه يوجد علاقة طردية بين معدل التبادل التجاري وإجمالي الناتج المحلي غير النفطي. وبذلك تكون فرضية البحث قد تحققت وتعني أنه كلما زاد معدل التبادل التجاري، زاد إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
بعدما توصلت نتيجة البحث إلى أن معدل التبادل التجاري يؤثر على إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بالإيجاب، وبما أن صادرات المملكة تعتمد على النفط أي تفتقد التنويع، بات من الضروري تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على إيرادات سلعة واحدة كالنفط، وهذا ماخُطط له في رؤية 2030. إذ من الضروري زيادة الاعتماد على المشروعات التي تقلل من حجم الواردات، كذلك لا بد من التوسع في إنتاج السلع أو الخدمات ذات الميزة النسبية واستغلال اقتصاديات الحجم، ما يؤدي بدوره إلى التقليل من الواردات والزيادة في الصادرات ومن ثم تحقيق زيادة في النمو الاقتصادي، أيضاً استغلال الإيرادات النفطية لإقامة وإنشاء قاعدة إنتاجية صناعية تلبي احتياجات الاقتصاد المحلي ومن ثم الاتجاه إلى التصدير، بالإضافة إلى أهمية أن يتم تشجيع استثمارات تصنيع السلع الرأسمالية والتكنولوجية، وذلك من أجل التوسع في صادراتها. كذلك إعداد القوى البشرية السعودية وتدريبها للعمل في قطاع الصناعة وإنشاء معاهد صناعية تُعنى بتعليم ما توصل إليه العلم الحديث في مجال الصناعة من أجل زيادة الكفاءة الإنتاجية.