"تصيبني خطط الحوافز في الشركة التي أعمل فيها بالتوتر الشديد، لأن الأهداف التي تضعها تبدو غير قابلة للتحقيق، لذا، بدلاً من أن تحفزني أشعر بضغط شديد، ومديري لا يساعدني بل يلح علي لتلبية التوقعات".
هذا ما قاله لنا أحد الموظفين في تعليق له على نظام الدفع مقابل الأداء في الشركة التي يعمل لديها، وهو برنامج حوافز مستخدم على نطاق واسع يكافئ الموظف على الأداء العالي، على سبيل المثال من خلال ربط زيادة الراتب أو المكافآت الفردية أو الجماعية أو مشاركة الأرباح أو غيرها من الحوافز النقدية بتقييمات الأداء. عانى الموظف المذكور توتراً بسبب هذا النظام ما أدى إلى انخفاض أدائه واستقالته من عمله في النهاية.
يعتبر نظام الدفع مقابل الأداء من أقوى أدوات تحفيز أداء الموظفين على مستوى العالم، وقد وجد استطلاع أجرته شركة وورلد آت ورك (WorldatWork) حول ممارسات الأجور أن 93% من الشركات الخاصة المشاركة تقدم حوافز قصيرة المدى على الأقل. ومع ذلك، على الرغم من الانتشار الكبير لنظام الدفع مقابل الأداء، فكثيراً ما نسمع أنه يسبب للموظف توتراً وضغطاً قد يؤديا إلى انخفاض أدائه وإبداعه والتزامه بالعمل.
نظراً للتناقض بين انتشار نظام الدفع مقابل الأداء والثناء عليه من جهة، وما نسمعه بوصفنا أكاديميين من روايات متناقلة من جهة أخرى، فقد قررنا أن ندرس بطريقة منهجية تصورات الموظفين حول أنظمة الدفع مقابل الأداء. على وجه الخصوص، بحثنا في قطاعات مختلفة لمعرفة إذا كان الموظفون ينظرون إلى نظام الدفع مقابل الأداء على أنه تحدٍ أو تهديد أو الاثنان معاً، ومعرفة إذا كانت نظرة الموظفين إلى المشرفين عليهم تؤثر في آرائهم حول نظام الدفع مقابل الأداء.
خلصنا في بحثنا المنشور في مجلة أكاديمية الإدارة (Academy of Management Journal) إلى أن الأفراد قد يرون في نظام الدفع مقابل الأداء مصدر ضغط كبير في العمل، ما يؤثر سلباً في التزامهم وأدائهم، خاصة عندما ترتبط الحوافز بالأداء الفردي (الدفع مقابل الأداء الفردي)، وعلى الرغم من ذلك، فقد كشفنا أيضاً عن عوامل مهمة تساعد الشركات والموظفين على إجراء تعديلات كي يصبح هذا النظام محفزاً للأداء فعلاً.
أثر القادة الإيجابيين
لدراسة آراء العاملين بشأن نظام الدفع مقابل الأداء الفردي، أجرينا استطلاعين ميدانيين شملا عينات من قطاعات متنوعة في أنحاء الصين جميعها.
شمل الاستطلاع الأول 247 ثنائياً من الموظفين والمشرفين، تضمنوا المحاسبين والموظفين الإداريين والمهندسين ومسؤولي الموارد البشرية وموظفي البحث والتطوير ومندوبي المبيعات، وعمل المشاركون في 234 مؤسسة تغطي مختلف القطاعات، مثل قطاع الفنادق والسلع الاستهلاكية والسلع الصناعية والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات وخدمات النقل والتعليم، وكان كل موظف من الموظفين الذين شملهم الاستطلاع مؤهلاً للحصول على زيادة في الأجر على أساس الجدارة (وهو نوع من أنواع نظام الدفع مقابل الأداء الفردي).
طلبنا من الموظفين تقييم المشرفين عليهم من ناحيتين، الناحية الأولى هي الكفاءة (على سبيل المثال، طرحنا عليهم أسئلة لمعرفة آرائهم في إمكانات المشرفين عليهم وقدرتهم على الإبداع ومهاراتهم في التنظيم، وما إلى ذلك) والناحية الثانية هي الود (طرحنا عليهم أسئلة حول آرائهم بشأن المودة والثقة بينهم وبين المشرفين عليهم ومدى الدعم الذي يتلقونه منهم، وما إلى ذلك). ثم سألنا العاملين إذا كانوا يرون نظام الدفع على أساس الأداء الفردي تحدياً أو وتهديداً، كما سألناهم عن مستوى التزامهم في العمل وسألنا المشرفين عليهم عن أدائهم.
أخذنا في الاعتبار عوامل محددة وهي سن الموظف ونوعه الاجتماعي والمدة التي أمضاها في الشركة والقطاع الذي عمل فيه ودرجة ميله إلى تجنب المخاطر، ذلك لأن نظام الأجور المرتبطة بالأداء غالباً ما يمثل تهديداً للأفراد الذين يميلون بشدة إلى تجنب المخاطر.
استنتجنا أن الموظفين يعتبرون نظام الدفع مقابل الأداء الفردي تحدياً إيجابياً يساعدهم على تحقيق الأهداف التي حددوها مع مدرائهم، إذا كانوا يرون أن هؤلاء المدراء يتمتعون بكفاءة عالية، ونعزو ذلك إلى أن الموظف يرى أن القائد الكفء سيوفر له الموارد الكافية لتحقيق الأهداف ويقدم له ملاحظات مفيدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الموظفين الذي يرون أن المشرفين عليهم لا يظهرون المودة من المرجح أن يعتبروا نظام الدفع مقابل الأداء الفردي تهديداً، إذ يعتقدون أن تركيز المشرفين كله سيكون منصباً على تحقيق أهداف الأداء ولن يقيموا أداءهم بصدق أو يهتموا برفاهتهم.
كان العاملون الذين اعتبروا نظام الدفع مقابل الأداء الفردي تحدياً إيجابياً أكثر التزاماً بالعمل وحققوا أداءً أفضل وفقاً لتقييم المشرفين عليهم، في حين أن الذين اعتبروا هذا النظام تهديداً كانوا أقل التزاماً وكان أداؤهم أدنى. ويقدم هذا دليلاً على تأثير كفاءة القادة ومودتهم في تقييم الموظفين لنظام الدفع مقابل الأداء الفردي، الأمر الذي يؤثر في التزامهم وأدائهم في العمل.
لقد كررنا هذه النتائج في استطلاعنا الثاني، الذي شمل 192 ثنائياً من المشرفين والموظفين من أربع مؤسسات في التعليم والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والتصنيع، ووجدنا أنماط النتائج نفسها كما في الاستطلاع الأول.
كيفية تحسين نظرة الموظفين إلى نظام الدفع مقابل الأداء ونتائجه
يمثل نظام الدفع مقابل الأداء أداة مهمة لتحفيز الأداء، ومع ذلك فقد خلصنا في بحثنا إلى أن هذا النظام قد يقوض حافز الموظف وأداءه عندما يعتبره تهديداً، إذاً ما الإجراءات التي يمكن للشركات اتباعها لتخفيف نظرة الموظفين السلبية إلى هذا النظام؟ فيما يلي بعض الحلول المقترحة من خلال البحث الذي أجريناه.
تعزيز الرابط بين الأجر والأداء
في حين أن نظام الدفع مقابل الأداء الفردي قد يكون مصدراً للضغط المهني، فبوسع الشركات تخفيف هذا الضغط من خلال تصميم نظام يربط بوضوح بين الأجور والأداء وتوضيح هذا الرابط للموظفين بشفافية. خلصنا في بحثنا إلى أنه كلما زاد استيعاب الموظفين لأثر أدائهم المباشر في التعويضات التي يحصلون عليها (على سبيل المثال، من خلال مقاييس قابلة للقياس)، زاد احتمال تبنيهم نظرة إيجابية تجاه هذا النظام. علاوة على ذلك، فتعزيز دقة تقييمات الأداء، باستخدام معايير تقييم موضوعية مثلاً، يمكن أن يساعد على تعزيز التصورات الإيجابية لدى الموظفين.
كما أن الارتباط الوثيق بين الأجر والأداء يمنح الموظفين قدرة أكبر على تتبع تقدمهم وتحديد أهداف ملموسة والسعي إلى تحقيقها، لأنهم يعلمون أنهم سيحصلون على تعويضات مقابل تحقيق هذه الأهداف. ومن خلال ربط الأجر بالأداء على نحو وثيق ووفق شروط واضحة، يمكن للشركات أن تحول نظام الدفع مقابل الأداء الفردي من عامل ضغط إلى تحد إيجابي محفز في نظر الموظفين، ما يؤدي إلى تحسين الأداء.
إشراك الموظفين في تحديد الأهداف
على المستوى الفردي، يمكن للمشرفين العمل على جعل التقييم في نظام الدفع مقابل الأداء الفردي أوضح وأكثر عدلاً في نظر الموظفين من خلال إخطارهم مسبقاً بعملية التقييم وشروطها، ويتضمن ذلك معرفة الجداول الزمنية والإجراءات والمعايير. يجب على المشرفين أيضاً التعاون مع موظفيهم من أجل تحديد الأهداف والغايات التي تبدو ممكنة وموضوعية، والتواصل معهم على مدار العام لتتبع تقدمهم نحو تحقيق أهدافهم وتعديل هذه الأهداف إذا بدت غير عملية أو صعبة على نحو مبالغ فيه.
الاستثمار في بناء ثقافة داعمة
يقضي الموظف قدراً كبيراً من الوقت في العمل تحت قيادة المشرف عليه، ويشير بحثنا إلى أن نظرة الموظف إلى نظام الدفع مقابل الأداء الفردي باعتباره تحدياً أو تهديداً يحددها شعوره بكفاءة المشرف ومودته.
في حين تركز الشركات بشدة على كفاءة المشرفين وترقي الموظفين إلى مناصب الإشراف بناءً على كفاءتهم، يجب عليها أيضاً الاستثمار في تدريب المشرفين على فهم احتياجات الموظفين ودعمها بصورة أفضل. يمكن أن يشمل ذلك التدريب على الإصغاء بعناية أكبر أو التواصل بتعاطف، والتركيز على تجربة الموظفين، إذ إن هذه المهارات الشخصية ضرورية ولها أثر حقيقي في تحفيز الموظفين وزيادة التزامهم بالعمل.
قيود الدراسة
يوفر بحثنا معلومات قيمة عن تقييم الموظفين لنظام الدفع مقابل الأداء الفردي وتفاعلهم معه، لكن تجدر الإشارة إلى أن البحث يركز على تصورات الموظفين وتقييماتهم، وهي تعتمد على اعتبارات ذاتية. علاوة على ذلك، فإن نظرة الموظفين إلى نظام الدفع مقابل الأداء الفردي قد ترتبط بعوامل أخرى لم نتطرق إليها في هذه الدراسة، ومنها الأوضاع المالية الشخصية أو النفور من تجربة التقييم أو جوانب أخرى من ثقافة المؤسسة. ومع ذلك وبصرف النظر عن هذه العوامل، يقدم هذا البحث أدلة قوية على تأثر أداء الموظفين والتزامهم في العمل بشدة بنظرتهم إلى نظام الدفع مقابل الأداء وإلى مشرفيهم.
يؤكد بحثنا أهمية تحسين نظرة الموظفين إلى نظام الدفع مقابل الأداء لتعزيز أدائهم والتزامهم في العمل، وللمشرفين دور مهم في هذا، إذ توصلنا إلى أن المودة والكفاءة اللتين يظهرهما المشرف تؤثران جداً في نظرة الموظفين إلى نظام الدفع مقابل الأداء الفردي باعتباره إما تحدياً محفزاً يدفعهم إلى تحقيق أداء أفضل، وإما مصدراً غير مقبول للتوتر يجعلهم ينفصلون عن العمل.
لذا نقترح أن يخصص القادة ما يلزم من الموارد والوقت لدعم الموظفين ووضع تقييمات واضحة وعادلة والتوصل إلى طرق لجعل نظام الدفع مقابل الأداء أداة عادلة وفعالة لتحفيز الموظفين الموهوبين واستبقائهم.