سيسمح التطور المهني للمدراء الشباب بالحفاظ على التزامهم وحماستهم. بيد أن الأمور تنقلب أحياناً ضدهم، فيبدؤون بالبحث عن مخرج من الشركة. والسبب هو أن المسؤوليات الجديدة، التي تسهل التعلم في مكان العمل، قد تحثهم على الابتعاد كثيراً عن منطقة راحتهم، فيشعرون بالإحباط أو الغضب، أو الخوف أو الفشل.
ومع ذلك، يبدو أن بعض المدراء يحققون النجاحات في مواجهة صعوبات من هذا القبيل. وبالتالي، كيف نحدد مسبقاً من سيصاب بالإحباط بسبب إحدى الخطوات المزعجة في سياق تطوير المسيرة المهنية ومن سيُظهر رد فعل إيجابي؟
يتعلق الأمر بالذكاء العاطفي. في دراسة للمدراء أجريت في سياق برنامج ماجستير إدارة أعمال بدوام جزئي، تنبّهنا إلى احتمال متزايد بأن يُظهِر المدراء الذين يتمتعون بمستويات ذكاء عاطفي منخفضة نية بالرحيل، بسبب تراجع قدرتهم على التحكم بالمشاعر التي تزعجهم، ولاحظنا غياب أي تأثير من هذا القبيل لدى المدراء الذين يتمتعون بمستويات ذكاء عاطفي عالية.
ويؤدي الذكاء العاطفي، أي القدرة على فهم العواطف والتحكم بها، دوراً في مجالات عمل كثيرة، ويشكل عادة موضوع نقاش في مجال العلاقات، ولكن أيضاً لدى مساعدة الناس على تخطي المواقف الصعبة. أما عن السبب، فيبدو أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات ذكاء عاطفي عالية يستطيعون، استغلال موهبة التحكم بالعواطف التي يملكونها، بهدف الحد من المشاعر التي تزعجهم. وهم يفعلون ذلك عبر معاودة تحديد إطار الصعوبات التي يواجهونها، وإعادة تقييمها، معتبرين أنها فرص قيمة.
ونعرف جميعاً أن التجارب التنموية قد تكون صعبة، لأنها تنطوي عادة على تعلم مهارات جديدة، وتشمل تفاعلاً مع أشخاص جدد وحل مشاكل خارج الروتين. وفي هذا السياق، يمكن إعطاء مثال مدير شاب طُلب منه تولي مسؤولية إطلاق أجزاء عدة من حملة تسويقية كبرى، في سياق مشروع يتطلب الكثير من السفر والتنسيق اللوجستي. وقد أصيب هذا الأخير بالإحباط بسبب كثرة التفاصيل التي كان عليه إتقانها، وما اعتبره عدم تقدير لجهوده. وعندما اتصلت به شركة توظيف، هرع إليها. ولكن خطوته هذه سببت الخسارة للأطراف كافة، لأن شركته خسرت مديراً واعداً كانت تهيئه لإحراز تقدم مهني، واكتشف لاحقاً أن قدرات النمو محدودة في عمله الجديد.
لا شك في أن أموراً من هذا القبيل ليست محتمة، لأن الشركات تملك خياراً بتركيز جهودها التنموية على أصحاب القدرات العالية الذين حققوا أفضل النتائج في امتحانات الذكاء العاطفي المعيارية، فيما يُعتبر خير طريقة للتأكد من أن الموظفين المقبلين على تجارب تنموية منهكة مستعدون نفسياً لتخطي الصعوبات.
بيد أن الواقع، في عدد كبير من المؤسسات الكبيرة والصغيرة، يفيد بأن الاكتفاء باختيار عناصر يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء العاطفي لن يترك أمامك عدداً كبيراً من الموظفين. وبالتالي، ثمة مقاربة أخرى، تفيد بأن الشركات تستطيع استغلال معرفتها عن الذكاء العاطفي، لمساعدة المدراء الشباب على خوض التجارب التنموية بنجاح.
أولاً، ستستفيد إن أقدمتَ على زيادة تدريجية لحجم الصعوبات التي تشتمل عليها المهام التنموية. وبالتالي، لا تدفع بأصحاب القدرات العالية فوراً إلى المجهول، بل امنحهم المزيد من الوقت، أو وزع مهامهم التنموية إلى خطوات مرحلية، لينجحوا في السيطرة على أي مشاعر سلبية قد تنتابهم.
ثانياً، يجب على الشركات طمأنة الموظفين الذين يؤدون مهاماً في إطار التطوير باستمرار، ومنحهم دعمها العاطفي متى شعروا بالتوتر أو الإرهاق. وقد يشمل هذا الدعم تدريب الموظفين على إعادة تحديد إطار وضعهم الراهن، فينظرون إليه على أنه مجموعة من فرص التعلم الإيجابية، ويمكنهم أيضاً حث النظراء والمشرفين على المساعدة لتأدية المهام المطلوبة بنجاح.
قد تتطلب هذه المهام الإدارية تحويلاً للمناخ السائد داخل الشركة. وبالتالي، راجع مقاربة شركتك إزاء العواطف، واسأل إن كانت تقدّرها فعلاً، واعرف إن كان كبار المدراء يشعرون بأن تمضية الوقت لتعليم الموظفين عن مشاعرهم تستحق العناء، وإن كان المشرفون والنظراء سيُظهرون استعدادهم لتمضية وقتهم على مساعدة المدراء الشباب.
إن كانت المؤسسة تهمل التجارب العاطفية، عبر جعل الموظفين يحددون بأنفسهم إن كانوا سيغرقون أو يواصلون السباحة، فلعلها عالقة ضمن نمط محدد، قائم على خسارة أصحاب القدرات العالية. ولكن في حال أعلنت المؤسسة عن قلقها حيال عواطف قادتها المستقبليين – وعيّنت موظفين من ذوي مستويات الذكاء العاطفي العالية، وعملت بنشاط على منحهم دعماً عاطفياً على امتداد المهام التنموية – قد تتحسن قدرتها على تطوير مهارات المدراء الشباب، من دون أن تخسرهم في سياق ذلك.