كيف تواصل رحلة التعلم في العمل على الرغم من شعورك بالإرهاق؟

6 دقيقة
التعلّم المستمر
shutterstock.com/ViDI Studio

ملخص: التعلّم المستمر هو سر دوام أثرك في حياتك المهنية، لكن أعباء العمل التي تثقل كاهلك قد تَحول دون تخصيص الوقت الكافي لذلك. كي تضمن خلق فرص لتطوير هذا المسار المهني حتّى لو كنت منهكاً أو مرهقاً ننصحك بتطبيق 5 استراتيجيات: 1) تحدّ معتقداتك حول قدراتك 2) ابدأ بتعلّم مواضيع تحل المشكلات الملحة 3) لا تقتصر على البرامج الرسمية 4) أنشئ رابطاً عاطفياً بالتعلم 5) اتبع أساليب تلائم طريقة عمل الدماغ.

سواء كنت تريد التقدم إلى منصب قيادي أو البقاء في موقعك فإن التعلم المستمر يظل عاملاً حاسماً في نجاحك. ففي نهاية المطاف، إذا لم تتطور في هذا العالم المتغير باستمرار، فإنك لن تتخلف عن المنافسة فحسب، بل قد تكتشف أن مهاراتك الحالية لم تعد مطلوبة بعد الآن.

ولكن ربما كنت تبذل جهداً كبيراً لأداء مهامك وواجباتك الحالية، ما يستنزف طاقتك ولا يدع لك مجالاً لمزيد من التدريب. إذا كان الأمر كذلك، فلست وحدك. في سنة 2024 أظهرت دراسة علمية أن أكثر من نصف الموظفين يشعرون بأنهم منهكون تماماً في نهاية يوم العمل. لا يعني هذا أنهم يشعرون بالإنهاك بسبب بذل الجهد في تلبية التوقعات اليومية في العمل فقط، بل يعني أيضاً أن قدراتهم على التحمل محدودة ولا تسمح لهم بالمواظبة على أنشطة ضرورية لنموهم في المستقبل.

باعتباري مدرّباً تنفيذياً للعديد من القادة الموهوبين الذين يشعرون بالإرهاق الدائم، لاحظت أن فشلهم في إطلاق العنان لإمكاناتهم القصوى يسبب لهم إرهاقاً ذهنياً على غرار الإرهاق الجسدي الذي يسببه وقت العمل الإضافي. لكن ما يحفزهم هو رحلة التعلّم التي تخرجهم من منطقة الراحة وتمنحهم هدفاً يستند إلى قيمهم، وتخضع إلى التحسين على نحو يتلاءم مع أنماط التعلم لديهم. لذا؛ تأمل هذه الاستراتيجيات الخمس التي تضمن لك التعلم المستمر حتّى إن كنت منهكاً ومرهقاً.

تحدّ معتقداتك حول قدراتك على التعلم

عملت ذات مرة مع مسؤول تنفيذي كبير يقود فريقاً جديداً منتشراً في مناطق مختلفة من العالم، كان مرهقاً بسبب الرحلات التي قطعها لتعزيز مشاركة أعضاء هذا الفريق. وبينما كان متحمساً لهذا الدور القيادي المرموق، بدأ الشك في الذات يتسلل إليه، وقاده صوت الناقد الداخلي الذي يهمس في نفسه إلى التساؤل حول قدراته القيادية في مثل هذه الظروف. وبعد مراقبة هذا الصوت الداخلي بموضوعية أدرك أنه كان متمسكاً باعتقاد راسخ تلخصه المقولة التالية: "لا يمكن أن تتعلم قيادة الطائرة في أثناء تحليقها".

عندما تشعر بالإنهاك؛ فقد تتماهى مع هذا الإحساس بالتعب إلى درجة أنك تنسى قدرتك على التحكم في أفكارك ومعتقداتك. في هذه الحالة فإن أيّ عبارة تستخدمها للتعبير عن تعبك الشديد مثل قولك: "أنا متعب جداً" يمكن أن تدفع عقلك إلى الإيمان بأن من المستحيل أن تتعلّم شيئاً عندما تكون مرهقاً. بدلاً من ذلك، حاول أن تراقب شعورك بالتعب دون إصدار أيّ حكم أو التعبير عن الرغبة في التخلص منه، وتساءل عمّا يمكنك فعله حتّى في ظل هذا العائق. إن إفساح المجال للشعور بالإرهاق يتيح لك استجابة أكثر وعياً، يمكنك من خلالها أن تتحدى بذكاء المعتقدات غير المفيدة التي كنت تتمسك بها حين تعيش هذه الحالة.

عندما تحدّى المسؤول التنفيذي الذي درّبته افتراضاته، اكتشف أن بإمكانه في الحقيقة ممارسة القيادة بثقة ورؤية واضحة، وتعلّم كيفية تحسين قدراته القيادية في الوقت نفسه. وسرعان ما ازداد حماسه وأصبح حريصاً على تخصيص الوقت للتعلّم وقراءة المقالات حول موضوع قيادة فرق العمل العالمية، ومشاهدة مقاطع فيديو لتحسين حضوره التنفيذي استعداداً لزياراته القادمة إلى فروع الشركة.

ابدأ بالمواضيع التي تحل المشكلات الملحة

مثلما ينمو رصيدك في البنك بسرعة بفضل الفائدة المركبة، فإن حماسك للتعلم يمكن أن ينمو بسرعة أكبر عندما تبدأ انطلاقاً مما تعرفه وتفعله. فبدلاً من الخوض في مواضيع لا تبدو ملحة أو مهمة لك، ابدأ بالمواضيع المرتبطة بتحدياتك الحالية، وتوسّع في معرفتك المكتسبة كي تكتسب عملية التعلم زخماً سريعاً.

كان أحد عملائي يشعر بالإرهاق في العمل خلال معظم فترات السنة الماضية. ووجد خلال تقييم أدائه بطريقة 360 درجة أن الموظفين الآخرين يرونه "بطيئاً في اتخاذ القرارات". رفض هذه الملاحظة في البداية ثم قرر أن يتعلّم منها؛ فتوصل إلى فكرة واضحة مفادها أن تجنبه للحسم يؤدي إلى تراكم العمل، وربّما كان هذا هو السبب في شعوره الدائم بالإرهاق.

وبعدها مباشرة اتضح له أن تعلّم تحسين عملية اتخاذ القرارات أمر مفيد ومثير للاهتمام، وربما كان حلاً مناسباً للتخلص من عبء العمل الذي كان يثقل كاهله. بعد أن اطلع على مواد عديدة حول هذا الموضوع، قرر تعليم أقرانه بعض الأساليب التي تعلّمها من أجل تثبيتها في ذاكرته. ومكّنه الإشراف على تدريبهم من صقل مهارته في اتخاذ القرارات وعزّز ثقته في تطبيقها. كما حقّق تغييراً إيجابياً في نظرة الموظفين إلى أسلوب عمله.

لا تقتصر على البرامج التعليمية الرسمية

عندما يفكر المهنيون في مسألة التعلم في أثناء ممارسة العمل، يعتقد الكثيرون منهم أن أفضل خطة هي الحصول على شهادة دراسات عليا أو شهادة من جامعة مرموقة. وعلى الرغم من أن هذه البرامج تعِد ببعض المزايا ذات القيمة من خلال الصرامة الأكاديمية والبرهان الاجتماعي الذي تمثله، فإنها قد تكون مكلفة وحصرية دون داعٍ إلى ذلك، إضافة إلى أنها قد تستغرق وقتاً طويلاً.

عندما تقرر مسار رحلتك التعلّمية، تذكّر أن البرامج الرسمية ما هي إلا سبيل من السبل العديدة الممكنة، وغالباً ما تكون نظرية أو مملة جداً، وهذا ما يجعلها أقل فائدة لبعض موضوعات التعلّم في أثناء ممارسة العمل مقارنة بأساليب أخرى مثل التعلم من الأقران أو الإرشاد أو تقييم الأداء بطريقة 360 درجة.

درّبتُ ذات مرة مسؤولة حظيت حديثاً بترقية إلى منصب نائبة رئيس قسم الموارد البشرية، ولم يكن لديها وقت فراغ كافٍ ولكنها أرادت تعزيز حنكتها في إدارة الشؤون المالية لزيادة قيمتها الاستراتيجية وتقديم المشورة في مجال الأعمال. لم تكن ترغب في الانضمام إلى دورات ماجستير إدارة الأعمال، فقررت بدلاً من ذلك أن تسأل زميلها الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في فريق القيادة، إذا كان بإمكانها التعلم منه. فرتّبا اجتماعات شهرية ثنائية شرح خلالها ذلك الزميل الجوانب الأساسية في مراجعات الأرباح والخسائر، بينما قدمت هي تفسيراتها للحصول على ملاحظاته.

لم يساعدها هذا النهج فقط على فهم تفاصيل الشؤون المالية للشركة بسرعة على الرغم من جدول أعمالها المرهق، بل مكّنها أيضاً من إقامة علاقة ذات قيمة مع المدير المالي وفريقه، وهي علاقة لم تكن قائمة من قبل بين وظيفتيهما. وازدادت مصداقيتها بوصفها قائدة موارد بشرية تركز على الأعمال، كما ساعدت الرئيس التنفيذي للشؤون المالية على تعميق فهمه لاستراتيجية إدارة الموظفين التي كانت بعيدة جداً عن نطاق خبرته.

أنشئ رابطاً عاطفياً بالتعلّم

ثمة طريقة أخرى للتعلم بسهولة؛ تتجلى في متابعة التجارب التي تتوافق مع قيمك الراسخة بدلاً من التركيز على التوقعات العابرة للآخرين. عندما تتوجه نحو التعلم المستمر انطلاقاً من حوافز جوهرية يصبح جانباً مرغوباً فيه من روتين حياتك اليومية لا مجرد بند إلزاميّ إضافي في قائمة مهامك. للمضيّ قدماً، طوّر سياقاً عاطفياً خاصاً بمسار تعلّمك، وسيصبح العمل ضمنه مصدراً للإلهام بدلاً من أن يكون عبئاً غير مرغوب فيه.

عملت مع مديرة تنفيذية كان رؤساؤها يوصون بمشاركتها الدائمة في البرامج التدريبية المتقدمة ومؤتمرات القيادة وفرص التحدث، إذ كانوا يرون أن لديها فرصاً للترقي وربما تصل إلى منصب الرئيس التنفيذي يوماً ما. كانت تشعر بالإطراء بفضل رعايتهم لها، لكنها وجدت أيضاً أن هذه الأنشطة المضافة إلى وظيفتها شاقة. وبدأت تتساءل إذا كانت لديها رغبة فعلية في مواصلة هذا المسار.

لتدرك بوضوح ما يجب عليها فعله، وضعت هذه المسؤولة التنفيذية أولاً ما يريده الآخرون منها جانباً وفكرت في قيمها الشخصية، والتي تشمل حبها لحل المشكلات الكبيرة في مجال عملها وطموحها إلى إحداث التغيير، لكنها ركّزت أيضاً على رغبتها في التفرغ أكثر لأسرتها. وخلصت إلى أن الارتقاء في السلم الوظيفي قد يعني وقتاً أقل مع أسرتها، لكنه يعني أيضاً مزيداً من التحكم في القرارات وإدارة الوقت الشخصي مقارنة بالبقاء في منصب مبتدئ. وعلى المستوى العاطفي، شعرت أنها إذا نجحت في احترام قيمها الأسرية والمهنية كافة فإن ذلك سيُظهر لابنتها ما يمكن للمرأة أن تفعله في مجال الأعمال. فأعادت وفقاً لهذا السياق العاطفي صياغة فرص التعلّم المتاحة لها، وحوّلتها من أنشطة يتوقع الآخرون أن تستمتع بها إلى تجارب أرادت الاستفادة منها عن قصد لتحقيق تطلعاتها.

اتبع أساليب تلائم طريقة عمل الدماغ

سيساعدك انخراطك العاطفي في تعلم مهارات جديدة على تجديد طاقتك وتجاوز التعب والاستمرار في استيعاب المعلومات الجديدة، ولكن ما فائدة هذا المحتوى التعليمي إذا كان دماغك لا يستطيع حفظه؟

هناك طريقة أخرى مهمة لجعل التعلم فعالاً على الرغم من شعورك بالإرهاق تتمثل في تصميم نهج يلائم طريقة عمل دماغك. في أواخر القرن الـ 19 بلور عالم النفس الألماني هيرمان إبينغهاوس مفهوم منحنى النسيان (Forgetting Curve) لشرح مدى سرعة نسيان الإنسان لما يتعلمه، ووجد أن عوامل مثل الراحة والتعقيد النسبي للموضوع المدروس قد تؤثر في قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات، لكنه اكتشف أيضاً أننا نميل عموماً إلى نسيان هذه المعلومات بسرعة. فنحن لا نتذكر خلال يوم واحد سوى نصف كمية المعلومات التي حصلنا عليها، وبعد أسبوع، لا نتذكر سوى نحو 10% منها، وهذا ما يجعل رحلة التعلم المستمر تشبه معركة مع الزمن بالنسبة إلى دماغك.

لحسن الحظ، يمكنك تحسين عملية التذكر لزيادة تثبيت المعلومات من خلال تقنيات مثل التكرار المتباعد (Spaced Repetition) واختبار التذكر (Testing Recall). لنفترض أنك صادفت بعض أطر العمل ذات القيمة والفائدة في تحسين نتائج الأعمال ولكنها معقدة، وأردت تقديمها بثقة وأسلوب يعزز قبول الموظفين لها في باقي أقسام الشركة. لتجنب قراءة المحتوى ونسيانه، يمكنك تخصيص نصف ساعة في الصباح والمساء لمراجعته على مراحل مع المباعدة بين أجزائه وتكرار عرضها. ثم اختبر قدرتك على تذكر هذه الأطر إلى أن تترسخ في ذاكرتك وتصبح بديهية.

لزيادة قدرة دماغك على استيعاب قدر أكبر من المعلومات، واصل إضافة مفاهيم جديدة ومبتكرة إلى المحتوى الذي تتعلمه. تُظهر الأبحاث أنه كلما زادت نسبة المحتوى المبتكر، كان معدل النسيان أبطأ. ويمكنك التفكير أيضاً في تعزيز معرفتك بسياق أطر العمل التي عملت على حفظها، مثل الاطلاع على قصص الشركات التي استخدمتها أو إجراء مقابلات مع الزملاء للحصول على وجهات نظر جديدة حولها. إن الجمع بين هذه الأساليب كلّها يرسخ معرفة متزايدة في دماغك مع زيادة احتمالية الاحتفاظ بها.

في عالم اليوم الذي يسير بخطى سريعة، يمثل التعلم المستمر سر دوام أثرك في حياتك المهنية، لكن الشعور بالإرهاق بسبب عبء العمل اليومي قد يصعّب عليك المواظبة عليه. لذا؛ يمكنك من خلال تبنّي هذه الاستراتيجيات تطوير رحلة تعلم تستمر مدى الحياة ترتقي بمهاراتك وتنتشلك من الإرهاق وتطلق العنان لإمكاناتك القصوى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي