إليك هذا المقال الذي يستعرض تجربة شركة كامبل سوب في اعتماد اللباقة. بناءً على المزيج المهم الذي يجمع بين الخبرة والأبحاث، خبرة دوغ كرئيس تنفيذي سابق لشركة "كامبل سوب كومباني" (Campbell Soup Company) والأبحاث التي قامت بها كريستين كأستاذة جامعية تبحث في القيادة منذ 20 عاماً، لاحظنا أن الطريقة المثالية لكسب قلوب الموظفين وعقولهم، ولخلق عوائد ضخمة لمؤسستك ولأصحاب الأسهم على السواء هي القيادة باللباقة. ويعني هذا الأمر، أنه سيتعيّن عليك بذل جهد كبير للاعتراف بمساهمات الآخرين، والاستماع إليهم بصورة أفضل، واحترام وقتهم، وجعلهم يشعرون بقيمتهم.
ورغم أن القيادة باللباقة قد تكون بديهية وواضحة بالنسبة للبعض، إلا أنهم قد يجهلون كيفية تطبيقها في الواقع. ولأننا نتحرك دائماً داخل سلسلة لا متناهية من المهام والمشاريع والمشاكل والرسائل الإلكترونية والرسائل النصية والأزمات، فإننا غالباً ما ننسى أولئك الأشخاص الذين نقودهم.
وهذا أمر مؤسف، لأن منح الأولوية للباقة في القيادة قد يكون سبباً لتحقيق عوائد وإيرادات كبيرة. إذ إنها تحسن الأداء والإبداع، وتسمح بالاكتشاف المبكر للأخطاء، كما تتيح المبادرة للقيام بإجراءات تصحيحية، بالإضافة إلى أنها تقلل الإنهاك العاطفي. والأهم من ذلك كله أنها تجعل الموظفين يشعرون بالاحترام.
ووجدت كريستين، في استطلاع رأي عالمي أُجري مع 20 ألف موظف، أن الموظفين الذين يشعرون باحترام قادتهم لهم أفادوا عن صحة ورفاهة أفضل بنسبة 56%، واستمتاع ورضا أعلى بنسبة 89%، وتركيز ومقدرة على ترتيب الأولويات أعلى بنسبة 92%، وشعور أكبر بجدواهم وأهميتهم بنسبة 26%، وانخراط أعلى بنسبة 55%. كما وجدنا أن معاملة الموظفين باحترام أثرت على الموظفين بشكل أكبر من سلوكيات قيادية أكثر شهرة مثل العرفان والتقدير، وتوصيل رؤية ملهمة، وتقديم نقد بناء، بل وحتى إتاحة فرص التعلم والنمو والتطور.
وبالرغم من أن البحث يظهر الرغبة الشديدة للموظفين في الشعور باحترام القادة وتقديرهم لهم، إلا أن معظم المشمولين في الدراسة أفادوا أنهم لا يحصلون على الاحترام الذي يبحثون عنه دائماً.
وأياً يكن منصبك القيادي في الشركة، يمكنك أن تبدأ بسد فجوة الاحترام هذه عن طريق غرس سلوكيات أكثر احتراماً في أسلوب عملك. ويمكنك، بالطبع، اختصار مدة الاجتماعات سعياً لتقدير وقت الموظفين، وكتابة ملاحظات شكر شخصية للأعمال المنجزة بإتقان. ولكن إذا أردت تحقيق الفائدة القصوى، سيكون عليك بذل جهد متسق ومستمر. فلن يجدي نفعاً أن تكون مجرد عملية خاصة أو إجراء مؤقت، وإنما ينبغي أن تكون اللباقة أمراً متأصلاً في كل شيء تقوم به.
وبناءً على تجربتنا، وجدنا أن هناك ثلاثة أمور عليك القيام بها لتنجح في هذا الأمر. فأنت بحاجة إلى أن تضع توقعات، وتحدد ممارسات لتحقيق هذه التوقعات، ومن ثم تقيس مبادرة اللباقة الخاصة بك وتعززها.
ضع توقعات
عندما تولى دوغ منصبه كرئيس تنفيذي لشركة "كامبل سوب كومباني" في عام 2001، كانت الشركة قد خسرت للتو نصف قيمتها السوقية، وتراجعت مبيعاتها، وكانت تعاني من عمليات تسريح متتالية للموظفين. وكانت بيئة العمل فيها مسمومة لدرجة أن مديراً في شركة "غالوب" وصف انخراط الموظفين في العمل هناك على أنه أسوأ انخراط على الإطلاق ضمن قائمة شركات "الفورتشن 500".
وكان أول الأمور التي قام بها دوغ لمعالجة هذه البيئة المختلفة وظيفياً ومنخفضة الأداء هو وضع توقعات واضحة للكيفية التي ينوي بها خلق ثقافة أكثر لباقة ومبنية على الاحترام. وقد أخذ الخطوة فعلياً، على الفور، من خلال العمل مع فريق القيادة التنفيذية لوضع ما يسمى بـ "وعد كامبل"، والذي ينص بكل بساطة على أن: "شركة كامبل تقدر الناس، والناس يقدرون كامبل". وليس من قبيل المصادفة أن يبدأ الشعار بـ "شركة كامبل تقدر الناس"، إذ أراد أن يوصل للآخرين فكرة أنه يضع الناس، عمداً، في المقام الأول.
كما أن دوغ دعم ذلك الوعد، والذي قدمه لعموم أجهزة المنظمة، بطرح تعهد من 10 نقاط للقيادة العليا، والذي ينص على وعود واضحة ومقتضبة للطريقة التي ينوي القيادة بها. وضم ذلك التعهد، في قلبه، ضماناً بالتزامه شخصياً بالنزاهة والشرف. وقد شارك هذا التعهد مع 350 قائداً من كبار القادة في اجتماع القيادة العالمية الأول له كرئيس تنفيذي للشركة. كان الوعد الأول هو: "سنعاملكم باحترام وكرامة". إذ حددت هذه الكلمات المسار الذي ينوي توجيه الشركة نحوه، وأوضحت لفريق القيادة بأن الالتزام باللباقة أمر مهم وعاجل.
وقد وفرت هذه الإجراءات التي وُضعت من خلالها التوقعات منصة عامة لبناء ثقافة موجهة نحو الأداء، وكانت أساسية في عملية التحول الثقافي.
حدد ممارسات
على الرغم من أهمية خطوة إعلان مبادرة اللباقة ووضع التوقعات، إلا أن الخطوة الأهم منها هي تحقيق هذه التوقعات من خلال ممارسات عملية.
ويمكن ملاحظة الممارسات سواء في أدق التفاصيل، أو في التعديلات واسعة النطاق على ثقافة الشركة وإجراءاتها. ويؤكد بحث كريستين على أنه حتى السلوكيات التي قد تبدو بسيطة من شأنها أن تساعد على تحسين الأداء، مثل الاعتراف بجهود الآخرين، أو شكرهم، أو مشاركة الفضل، أو الاستماع بكل انتباه، أو طرح الأسئلة بتواضع، أو حتى التبسم.
وكبداية، حدد دوغ وزملاؤه ما أطلق عليه "إلهام الثقة" كأهم كفاءة قيادية. إذ أوصلوا رسالة محددة وواضحة إلى المدراء: "نتوقع منكم بناء ثقة مع الموظفين عن طريق احترامهم وتقديرهم من خلال تنفيذ وعد كامبل".
ثم حددوا ممارسات وعمليات لدعم هذا التوقع. وعلى سبيل المثال، يتمثل أحد هذه الممارسات فيما يسميه دوغ بـ "الإعلان عن الذات"، وهو مفهوم صاغه عندما كان رئيساً لشركة "نابسكو فودز كومباني" (Nabisco Foods Company) وما زال يستخدمه حتى الآن. فتجد دوغ، في أول ساعة من اليوم الأول الذي يعمل فيه مع مرؤوس مباشر، يخبره عن استراتيجيته في القيادة، والقيم المهمة بالنسبة له، وآرائه في المجال الذي يعمل فيه، وأسلوبه في العمل والتواصل. إذ تزيل هذه الطريقة أي غموض من علاقة العمل، وتزيد الشفافية والمسؤولية.
ونظراً لأن هذه الممارسة لابد أن تكون متبادلة أيضاً، كان دوغ دائماً، في اجتماع لاحق، يدعو الطرف الآخر لمشاركة فلسفته الخاصة واعتقاداته وأسلوب عمله. وتوضح هذه الممارسة للموظفين أن علاقات العمل مهمة وتستحق بذل الوقت والطاقة، وأن التفاهم المتبادل موضع تقدير في بيئة العمل.
كما رأى دوغ أن التفاعلات ينبغي أن تكون مرضية لكلا الطرفين. لذلك بدأ تسمية التفاعلات اليومية مع الموظفين في "كامبل" بـ "نقاط التواصل". وقام بتطوير، بالتعاون مع صديقه المقرب وزميله المشارك في التأليف، ميت نورغارد، عملية مكونة من أربع خطوات للتعامل مع الموظفين بأكثر الطرق احتراماً وإنتاجية: الاستماع، والتأطير، وإحراز التقدم، والمساعدة. وتسير العملية كالتالي: يستمع دوغ أولاً للطرف الآخر، ثم يضع ما يقوله في إطار ما ليبدي تفهمه، ويستفيد من خبرته لمساعدته في إحراز تقدم في المسألة، وأخيراً يسأله "كيف يمكنني مساعدتك؟".
وكلما مارست هذا النهج، تحسنت طريقة تعاملك مع كل نقطة تواصل، مما يساعد على جعل الموظفين يشعرون بأنك تستمع إليهم، وأنهم موضع تقدير.
القياس والتعزيز
إذا أردت أن تحفز نفسك وغيرك من القادة على التصرف بلباقة واحترام، لابد أن تخلق ثقافة المحاسبة لنفسك والآخرين. وللقيام بذلك، عليك إيجاد طرق لقياس المبادرة، وتعزيزها.
وفي "كامبل"، أجرى دوغ وزملاؤه استطلاعاً سنوياً للشركة بهدف قياس أداء القادة مقارنة بالتوقعات. وفي محادثات تقييم الأداء، تحدث القادة عن كيفية استخدامهم لنموذج "كامبل" للقيادة، مع التركيز على "إلهام الثقة" كمبدأ مركزي لزيادة الانخراط.
وفي حال كشفت التقييمات عن تقصير القادة، يصبح من الضروري تعزيز ذلك التوقع بصورة واضحة. وفي الأعوام الأولى لمبادرة التحول، كان هناك مئات من كبار القادة الذين يبلغ عددهم 350 قائداً ممن كانوا غير قادرين أو غير راغبين بإظهار استعداد لتعديل نهجهم، فما كان من دوغ إلا أن سمح لهم بمغادرة الشركة، أو نقَلهم إلى مناصب أخرى. وقد ساهم استبدال هؤلاء القادة بأشخاص آخرين ملتزمين بنهج أكثر لباقة في تغيير ثقافة الشركة، وكان عاملاً أساسياً في مساعدتها على تحقيق النتائج المالية المرجوة.
إذا أردت تعزيز أهمية اللباقة، تحدث عن الموضوع علناً. ولهذا، طرح دوغ جائزة التأثير مع الشرف، وهي أكبر جائزة في "كامبل" خلال فترة عمله كرئيس تنفيذي. واختار دوغ وفريقه أشخاصاً مثّلوا السلوك الذي كانوا يحتفون به (كن صارماً مع المعايير ورقيقاً مع الناس)، وكان أداؤهم عالياً أيضاً.
من المهم هنا أيضاً ملاحظة أن جزءاً من اتباع هذا النهج بفعالية يكون بالاستجابة الصحيحة عندما يتصرف الناس بغير لباقة بصورة علنية. فبالتأكيد، سيكون هناك دائماً عثرات وأخطاء. ولن تجد منظمة لبقة أو قائداً لبقاً طوال الوقت. ولكن إذا أعلنت التزامك باللباقة، ومن ثم صدر منك خطأ ما، فإن الحل يكمن في أن تعرض الأمر علناً، وتعد بسلوك أفضل في المرة القادمة. ومن ثم تصحّح السلوك. عندما تحدد سلوكاً غير محترم وتعالجه، يتضح التزامك بصدق بعملية التطوير.
بالطبع تتطلب اللباقة وقتاً وجهداً، ولكنها تستحق ذلك. لذا، تأكد من وضع توقعات للطريقة التي تنوي بها قيادة الشركة، وعبر عن نواياك علناً. ثم حدد ممارسات تظهر التزامك بهذا الجانب، متضمناً الطرق المختلفة للاعتراف بجهود الآخرين، والاستماع إليهم بصورة أفضل، واحترام أوقاتهم، وجعلهم يشعرون بقيمتهم. وأخيراً، جِد طرقاً لقياس مبادرة اللباقة وتعزيزها. كل هذه الخطوات ستضخ المزيد من اللباقة إلى مكان العمل مما يدعم الآخرين، ويدعم العمل الذي يقومون به. وستلاحظ أنها ستحسن النتائج، وتلهم الآخرين.
اقرأ أيضاً: