ملخص: الاحتراق الوظيفي ليس مشكلة جديدة، لكن الأزمات المستمرة منذ سنة 2020 زادته سوءاً، فلحق بنا إلى سنة 2021. يمكن أن يأخذ الاحتراق الوظيفي أشكالاً عدة، وتغفل الدراسات الاستقصائية حول الرفاهة التي تجريها الشركات لمراقبته عن أشكاله الأكثر نشاطاً، كالسلوك التخريبي وسوء الخلق والفظاظة. يجب على المدراء فهم العلامات التحذيرية الدقيقة للاحتراق الوظيفي كي يتمكنوا من اتخاذ الخطوات اللازمة لتخفيفه قبل فوات الأوان ومعالجة أعراض الاحتراق الوظيفي. وما أن يميزوا أعراضه، يمكن لهم الابتكار في طرق تخفيف الضغط عن الموظفين الذين يعانون منه والتعاون معهم لفهم ما يحتاجون إليه.
تميزت سنة 2020 بالغموض والقلق اللذين ترافقا مع مستويات مرتفعة جداً من الاحتراق الوظيفي. لكن الفشل في معالجة الاحتراق الوظيفي مكلف بالنسبة للأفراد والمؤسسات على حد سواء. ففي عام 2019، كان احتمال قيام الموظفين الذين يعانون من الاحتراق الوظيفي بالبحث عن وظائف جديدة أعلى بنحو 6 مرة، كما يقدّر الباحثون أن ضغط مكان العمل مسؤول عن 8% من الميزانية الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية المخصصة للرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن معظم الناس يدركون أن الاحتراق الوظيفي هو حالة من الإرهاق العاطفي أو الجسدي أو النفسي، يستخدم العديد من قادة الشركات أساليب منقوصة لقياس درجة معاناة موظفيهم منه.
غالباً ما تسعى المؤسسات لقياس الاحتراق الوظيفي عن طريق دراسات استقصائية سنوية للرفاهة، لكن هذه الاستقصاءات تعاني من عدة قيود مهمة: فهي أولاً لا تقيّم سوى الأشكال السلبية للاحتراق الوظيفي وتتجاهل الأشكال الأكثر نشاطاً؛ وثانياً، تأخذ هذه الاستقصاءات لقطات زمنية في أوقات محددة، ومن الممكن ألا تتم عندما يعاني الموظفون فعلياً من مستويات مرتفعة من الاحتراق الوظيفي؛ وأخيراً، لاحظنا أن الموظفين الذين يعانون من الاحتراق الوظيفي لا يكملون هذه الدراسات الاستقصائية غالباً.
وبناء على بحثنا حول رفاهة الموظفين والمحادثات التي أجريناها مع أكثر من 100 موظف مهني، طورنا نموذجاً أكثر شمولاً للاحتراق الوظيفي يساعد المدراء وموظفيهم على تمييز علامات الإنذار المبكر. يشمل إطار العمل السلوكي هذا كلاً من الأشكال السلبية للاحتراق الوظيفي الناجم عن المشاعر التي لا تثير انفعالات عاطفية قوية (مثل الحزن والتعب)، والأشكال النشطة التي تحركها المشاعر التي تثير انفعالات عاطفية قوية (مثل الإحباط والضيق). كما ميزنا بين الأعراض الداخلية التي يصعب التعرف عليها والأعراض الخارجية التي تسهل ملاحظتها.
المؤشرات السلبية للاحتراق الوظيفي
لدينا نوعان من الاحتراق الوظيفي السلبي: سلبي داخلي وسلبي خارجي. الاحتراق الوظيفي السلبي الداخلي هو الأكثر شيوعياً، ومن الصعب ملاحظته، ولهذا السبب تلجأ الشركات عادة إلى الدراسات الاستقصائية من أجل تحري معاناة الموظفين منه، وتشمل علامات الإنذار المبكر التي تدل على الإصابة به التعب مع الشعور بانعدام الكفاءة والحزن. يضر الاحتراق الوظيفي السلبي بالإنتاجية، لأنه يساهم في شعور الموظف باليأس والقلق. فالجميع يمرون بانتكاسات في العمل، لكن الموظف الذي يعاني من الاحتراق الوظيفي قد يشعر أن التغلب عليه مستحيل ويعتبر ذلك فشلاً شخصياً.
وبالتالي قد ينفصل عن العمل لأنه يشعر أنه فاشل في كل ما يفعله، ما يدفعه للتفكير بعدم ضرورة المحاولة طالما أنه سيفشل مجدداً. لذا، يجب أن تحترس من حالة الإحباط هذه التي يمكن أن تظهر على شكل كآبة، وتتنبه للعلامات الدقيقة في لغة الموظف عندما يعبر عن إحباطه أو استسلامه، كالعبارات التي تشير إلى قبول الألم أو الوضع الراهن الذي لا يطاق، كأن يقول: "هذه طبيعة الأمور" أو "العمل معهم يشبه ضرب رأسك بالحائط" أو "لماذا أكلف نفسي عناء ذلك؟" بنبرة منخفضة وتنهيدات مسموعة وهز الرأس الخفيف.
ستتمكن من ملاحظة الأشكال السلبية الخارجية من الاحتراق الوظيفي بسهولة إذا كنت تعرف ما تبحث عنه تماماً. هل انخفضت معايير أداء الموظف المعتادة، أو تراجعت جهوده المعتادة، أو قلّ التزامه بالقواعد، أو أصبح يتأخر عن مواعيد التسليم أو يبدي تهكماً أكثر من المعتاد؟ هذه هي الآثار الجانبية للامبالاة المرتبطة بالاحتراق الوظيفي، وإذا أهملت وتفاقمت، فقد تؤدي إلى سلوك انتحائي شديد، كتجنب التعامل مع الزملاء وعدم التقدم لطرح فكرة أو مشكلة، وإهمال معالجة المشكلات على خلاف العادة. يتبع الموظف سلوكاً رافضاً عندما يعاني من احتراق وظيفي شديد يجعله غير قادر على المساعدة في حل أي مشكلة جديدة.
المؤشرات النشطة للاحتراق الوظيفي
يقلل الاحتراق الوظيفي من القدرة على التنظيم الذاتي، وستتمكن بسهولة من ملاحظة السلوكيات النشطة الناتجة عن الاحتراق الوظيفي إذا انتبهت لخروج الموظف عن روتينه اليومي.
تشمل الأشكال النشطة الداخلية للاحتراق الوظيفي السلوك التخريبي، كاستخدام أساليب التأقلم السلبية مثل تبني عادات غذائية غير صحية أو إهمال الأعمال الروتينية الصحية مثل التمارين الرياضية وممارسة الهوايات. يصعب تمييز هذه السلوكيات في معظم أماكن العمل، ولكنها قد تؤدي إلى مظاهر الضعف الجسدي والنفسي والغياب عن العمل، وهي أمور تسهل ملاحظتها.
تشمل العلامات التحذيرية للأشكال الخارجية النشطة من الاحتراق الوظيفي تكدر الموظف بسهولة وإظهاره سوء الخلق والاستياء. قد تكون هذه السلوكيات معتادة لدى بعض الموظفين، لكنها قد تشير إلى الاحتراق الوظيفي لدى الموظفين الذين يعرفون عادة بحلمهم ولباقتهم.
وإذا لم يتم ردعها فقد تؤدي إلى مزيد من السلوكيات اللئيمة كالفظاظة وتوجيه اللوم وحتى الانفجارات مثل نوبات الغضب أو البكاء المتكرر وغير المبرر. على الرغم من أن الشعور بالإحباط في العمل أمر طبيعي، فمن المهم الانتباه لتكرار فقدان الموظفين أعصابهم بصورة متزايدة. وقد يطرح من يعاني من هذا النوع من الاحتراق الوظيفي آراءه ويتحدث عن مشكلاته أكثر من المعتاد، وسيضخم الأمور كثيراً. كما تولّد مظاهر الاحتراق الوظيفي الخارجية النشطة مزيداً من الضغوط على الزملاء، لاسيما إذا تحولت إلى مزيد من الانفجارات، ما يؤدي إلى إلحاق ضرر شديد بعلاقات العمل وإعاقة الإنتاجية وتدني معنويات الفريق.
إدارة الاحتراق الوظيفي
غالباً ما يكون تجنب الاحتراق الوظيفي أسهل من التعافي منه. ويمكن أن تساعدك الاستراتيجيات التالية على تمييزه في وقت مبكر، ومنع تفاقمه، ومعالجته في حال إصابة الموظف به فعلاً. عندما تشرع في هذه العملية مع موظفيك، احرص على حماية نفسك أولاً، لأنك إذا كنت مثقلاً بأعباء عمل أكبر من قدرتك على التحمل فلن تتمكن من مساعدة الآخرين بفاعلية.
اعثر على الأعراض
غالباً ما يزداد الاحتراق الوظيفي السلبي ليتحول إلى أشكال أكثر نشاطاً يؤدي بعضها إلى تفاقم البعض الآخر. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الشعور بالفشل إلى عادات غذائية سيئة، ما يؤدي إلى الإرهاق، الذي يؤدي إلى الصراخ في وجه الزملاء في العمل، ثم إلى نوبة غضب كبيرة في المكتب. تنبه للمؤشرات الدقيقة وتعرف على موظفيك بما يكفي لتتمكن من ملاحظة خروجهم عن عاداتهم. قد تتمكن من تخفيف الضغط الذي يشعر به موظفوك عن طريق الاطمئنان عليهم بشكل دوري وسؤالهم ببساطة عن المشكلة المحددة التي تولد الضغط الذي يعانون منه.
فكر قبل أن تقوم بأي رد فعل
عندما تلحظ مؤشراً محتملاً للاحتراق الوظيفي لدى أحد الموظفين، تمهل وادعه للتمهل، واسأل نفسك: ما الذي حدث؟ وما سببه؟ فكر في مساهمتك في الاحتراق الوظيفي الذي يعاني منه. ربما حددت مواعيد نهائية غير منطقية نسبة للظروف، أو ربما تعاني أنت أيضاً من الاحتراق الوظيفي الذي يسبب نفاد صبرك وردود فعلك الغاضبة. ثم اسأله: ما الذي حدث؟ وما سببه؟ ما الذي يمكنني فعله للمساعدة؟ خذ الوقت الكافي للتعامل مع المشكلات الصغيرة بمزيد من الفهم كي تمنع تفاقم الاحتراق الوظيفي.
طبق مبدأ تبني وجهة نظر الآخرين وعززه
تتمثل الخطوة التالية في تطبيق مبدأ تبني وجهة نظر الآخرين. يعد التمهل ومحاولة رؤية الصورة الكبيرة أمراً بالغ الأهمية في تحديد الإجراءات التي يجب اتخاذها. من السهل أن تجد نفسك في مأزق، لذا خذ وقتك في تقييم المهام والمشاريع وتحديد المهم منها والأقل أهمية. درب موظفيك على أخذ وجهات نظر الآخرين، وإعادة صياغة المشكلات، وتحديد الطلبات التي يمكنهم رفضها والإجراءات التي يمكنهم تأجيلها. يمنحهم تطوير هذه المهارة وتمكينهم من ممارستها شعوراً أكبر بالسيطرة الذي يعتبر نقصه سبباً مهماً من أسباب الاحتراق الوظيفي.
قدم لهم الدعم فيما يعانون منه
تتنوع حلول الاحتراق الوظيفي، ولا يمكن تطبيق حل واحد على الجميع. وستساعدك معرفة موظفيك جيداً على التعاون معهم من أجل التوصل إلى طرق لتخفيف الضغط عنهم. ابتكر، ربما يمكنك التخلص من مصدر معين للتوتر، أو التخلص من المطالب المتضاربة، أو تقديم اقتراحات لمساعدة الموظفين على التعامل مع الضغط، أو ببساطة التحدث إليهم بأسلوب مرح وفكاهي عن مشكلة تسبب لك التوتر أيضاً. في الحالات التي لا يمكنك اتخاذ أي إجراء فيها، قدم دعماً عاطفياً على صورة تعاطف وإصغاء متمعن. والجدير بالذكر أن الدعم العاطفي الحقيقي ضروري هنا، فتقديم التمنيات الطيبة مثل "أتمنى لك عطلة نهاية أسبوع سعيدة" و"استرح قليلاً" بعد تحميلهم أعباء عمل إضافية لن يجدي نفعاً، ويمكن أن يؤدي عدم صدق كلماتك الطيبة إلى زيادة شعور الموظفين بالاحتراق الوظيفي.
حارب ثقافة الفورية
فكر فيما إذا كان الاستعجال أو التركيز على الدقة في التوقيت سيسبب ضغوطاً لا لزوم لها على فريقك. ربما كان بإمكانك تمديد بعض المواعيد النهائية أو تأجيل بعض المشاريع. هل يمكنك زيادة مرونة جداول العمل كي تخفف التضارب بين العمل والحياة المنزلية؟ هل يمكنك تبديل أماكن الموظفين كي تدعم الفرق التي تزداد أعباء العمل لديها وتساعدها؟ وعن طريق التراجع عن أنماط العمل المعتادة والنظر إلى ظروف العمل من زاوية جديدة، ستتمكن من تحديد إجراءات معينة قد تساعد في تخفيف مستويات التوتر لدى موظفيك.
الاحتراق الوظيفي ليس مشكلة جديدة، ولكن مع استمرار الجائحة التي زادته سوءاً في سنة 2021، أصبح من الضروري أن يفهم قادة الشركات طرق تمييز أعراض الاحتراق الوظيفي والتخفيف من حدة هذه الأعراض.