ملخص: تمثّل الاجتماعات السيئة مشكلة مهمة تواجه الشركات، وعلى الرغم من الإجماع الواسع النطاق على أنها غالباً ما تكون غير ضرورية وغير منتجة، فإن غالبية أماكن العمل لا تزال تواجه صعوبة في تجنبها. يناقش المؤلفون في هذه المقالة المزالق النفسية التي تدفعنا إلى التخطيط لعدد كبير من الاجتماعات وحضورها، ويشاركون استراتيجيات لمساعدة الموظفين والمدراء والمؤسسات على تجاوز تلك التحديات. ومع أنه لا يمكننا التخلص من التحيزات الإنسانية الشائعة التي تدفعنا إلى ممارسة هذه العادة، فإن الوعي بالعوامل النفسية المؤثرة قد يساعدنا على تطوير أنماط تواصل صحية، وتعزيز تفاعلات عمل فعالة، ووضع جداول أعمال منتظمة.
إننا جميعاً نكره المشاركة في الاجتماعات، وقد يكون حضور عدد كبير منها مثيراً للتوتر ومُرهقاً، ويضر بالإنتاجية والجودة، ولا سيما عندما يفقد الموظفون انتباههم أو حماسهم، ما يؤدي إلى فقدان وقت العمل المركز. وأفاد المدراء في أحد الاستقصاءات بالفعل أن 83% من الاجتماعات في جداول مواعيدهم غير منتجة، وأن المهنيين العاملين في الولايات المتحدة يصفون الاجتماعات بأنها "العامل الأول الذي يقوّض الإنتاجية"، وذلك ليس مفاجئاً.
لكن على الرغم مما يبدو إجماعاً واسع النطاق، لا تزال لقاءات المتابعة واجتماعات الإحاطة والاجتماعات العامة والاجتماعات عبر زووم مشكلة ترهق الشركات. ما هي الحلول التي علينا اتخاذها لنتخلص من إدمان عقد كثير من الاجتماعات إذاً؟
بصفتنا علماء سلوك متخصصين في السعادة وإدارة الوقت، ومؤسسين مشاركين لشركة ناشئة متخصصة في تطوير برمجيات هدفها تحسين الاجتماعات، وبالاستناد إلى عقود من الخبرة في تصميم أدوات التواصل والتعاون، أدركنا أهمية علم النفس في مساعدتنا على تغيير سلوكياتنا وتحسين تفاعلاتنا. ونستكشف أدناه المزالق النفسية الشائعة التي تدفعنا إلى عقد عدد كبير من الاجتماعات وحضورها، ونقدم استراتيجيات مدعومة بالبحوث لمساعدة الموظفين والمدراء والمؤسسات بأسرها على التغلب على هذه المزالق.
1. الخوف من فوات شيء مهم في الاجتماع
يتمثّل أحد الأسباب الأكثر شيوعاً التي تدفعنا إلى حضور عدد كبير من الاجتماعات في الخوف من فوات شيء مهم. قد نخشى بصفتنا مشاركين في الاجتماعات من حُكم زملائنا علينا، أو الأسوأ من ذلك، من نسيانهم لنا إذا لم نقبل كل دعوة اجتماع. وتدفعنا القيم المتأصلة حول "الموظف المثالي" بالفعل إلى مساواة الحضور بالإنتاجية، وتتعزز هذه الافتراضات عندما يعتبر المدراء حضور الاجتماعات مؤشراً على الالتزام، أو عندما يفشلون في تمثيل آراء الموظفين المتغيبين عن الاجتماعات.
في الواقع، تقع على المدراء مسؤولية تجنب هذه السلوكيات الضارة، في حين تقع على الموظفين مسؤولية التغلب على مخاوفهم من خلال إيجاد طرق تُبرز قيمتهم، والمشاركة في أنشطة خارج إطار الاجتماعات. على سبيل المثال، قد تشعر بأنك أكثر قدرة على رفض دعوة الاجتماع إذا قدمت المعلومات المطلوبة منك قبله، أو تابعت نتائجه مع مديره بعد انتهائه.
ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة الخوف من فوات شيء مهم في الاجتماعات ليست مقتصرة على المشاركين فقط، بل قد تؤثر في المنظّمين أيضاً، ما يدفعهم إلى دعوة عدد كبير من المشاركين. وإذا كنت تُشرف على عقد اجتماع ما، فتذكّر أن عدم دعوة شخص معين لن يكون إهانة له إذا كان موضوع الاجتماع لا يعنيه، ومن باب الأدب والاحترام في الواقع أن تُخبره بأن الاجتماع قد يكون مضيعة لوقته؛ وفكّر بدلاً من ذلك في طلب رأيه سلفاً ثم تواصل مع أصحاب المصالح الرئيسيين لتتأكد من حصولهم على المعلومات التي يحتاجون إليها دون إجبارهم على المشاركة في جميع تفاصيل النقاش.
ومن مسؤوليتك بصفتك قائد الاجتماع أيضاً أن تتعامل مع مخاوف المشاركين المرتبطة بالخوف من فوات شيء مهم. حدد الاجتماعات التي يكون حضورها اختيارياً واحرص على توضيح ذلك للموظفين، وإذا لم تدعُ بعضاً منهم لاجتماع ما، فبيّن لهم أنك تقدّر إسهاماتهم وآراءهم، وأن سبب عدم دعوتك لهم هو أهمية أن يقضوا أوقاتهم في العمل على أولويات أخرى. والأهم من ذلك، احرص على عدم اعتبار حضور الاجتماعات مؤشراً للالتزام، سواء أكان ذلك بوعي منك أم لا. في الواقع، أظهرت البحوث أن الموظفين الأكثر إنتاجية هم الذين يحضرون عدداً أقل من الاجتماعات ويحرصون على تخصيص أوقات محددة للعمل العميق. وإذا كنت تعتبر حضور الاجتماعات مقياساً لتقييم مشاركة الموظفين فيجدر بك أن تبتكر مقاييس أخرى.
أخيراً، تتمثّل أفضل طريقة لمساعدة فريقك في التغلب على ظاهرة الخوف من فوات شيء مهم في أن تكون نموذجاً في كيفية التفاعل والمشاركة بفعالية. بعبارة أخرى، إذا كنت تريد تشجيع أعضائه على رفض الاجتماعات غير الضرورية، فارفضها بنفسك بوضوح، وإذا كنت تريد تشجيعهم على تخصيص أوقات محددة للعمل العميق، فطبّق تلك النصيحة بنفسك أولاً وعلى الملأ. أدرج أحد زملائنا الوقت الذي خصصه لعمله العميق في توقيع بريده الإلكتروني لكي يتسنى لأعضاء فريقه معرفة الوقت الذي سيكون غير متاحٍ فيه، وليُدركوا أنهم يمتلكون صلاحية فعل الشيء نفسه.
2. التطلّب الأناني
نقع جميعنا ضحية الانحياز الأناني من حين لآخر؛ أي الميل إلى التركيز على احتياجاتنا ورغباتنا وآرائنا، وقد ينتج عن هذا الانحياز ظاهرة يطلق عليها الخبراء اسم "التطلب الأناني" في سياق الاجتماعات؛ وذلك يعني أن يخطط القادة للاجتماعات وفقاً لما يتناسب مع جداول مواعيدهم، دون أن يأخذوا في الاعتبار احتياجات فِرقهم أو جداول مواعيدهم حتى عند علمهم أنها تتعارض معها أحياناً، ما يجبر جميع أعضاء الفريق على تعديل جداولهم ليتسنى لهم المشاركة.
ولنكون واضحين معكم، لا يكون التطلب الأناني ناتجاً عن نية سيئة عادة، على الرغم من أنه سلوك مزعج للغاية. ولا يمتلك البشر عموماً مهارة التفكير في تكاليف الفرص البديلة، ما يعني أنه قد لا يتبادر إلى أذهان العديد من القادة أن تقرير اجتماع يعني منع أعضاء الفريق من قضاء وقتهم في عمل أهم؛ وقد يصعب عليهم الحفاظ على نواياهم الحسنة والصادقة بسبب ضغوط الحياة اليومية وتعقيداتها أحياناً. عمل أحدنا سابقاً في وظيفة تطلّبت منه قضاء وقت طويل في التنقل بين العمل والمنزل، ما دفع المدير إلى حظر الاجتماعات من الساعة الرابعة وحتى الخامسة مساءً في جداول أعمال الموظفين ليُتيح لهم المغادرة وتجنب زحمة المرور عند العودة إلى المنزل. لكن لم يدم هذا التعاطف إلا مدة 24 ساعة فقط، إذ كانت تلك الفترة مليئة بالاجتماعات في اليوم الثاني.
ولمعالجة هذه التحديات، يجب على القادة توعية أنفسهم مسبقاً بأهمية التفكير في تكاليف الفرص البديلة المرتبطة بمطالبة أعضاء فرقهم حضور الاجتماعات. قد تكون هذه التكاليف مالية، على سبيل المثال، اكتشفت إحدى الشركات أن اجتماعاً أسبوعياً واحداً لمدراء الإدارة الوسطى يكلّف المؤسسة أكثر من 15 مليون دولار سنوياً؛ أو تكاليف شخصية أيضاً، مثل الوقت الذي يقضيه الموظفون في التنقل أو الطاقة الذهنية المستنزفة.
وإذا واجهت صعوبة ما، فاستخدم أداة تحسب التكاليف المالية لكل اجتماع، أو تواصل مع أعضاء فريقك لتحدد أثر الاجتماعات في حياتهم الشخصية وكذلك في حياتهم المهنية. وبمجرد أن تعي مقدار هذه التكاليف، استكشف الطرق التي تتيح لك تخفيفها؛ على سبيل المثال، حاول تحديد موعد الاجتماع سلفاً بدلاً من أن تقاطع عمل الآخرين لدعوتهم إليه في اللحظة الأخيرة. وابذل قصارى جهدك لتراعي عقد الاجتماع في وقت مناسب للجميع، وادرس فكرة تقليل مدته أو إلغائه تماماً إذا لم تكن إيجابياته تفوق سلبياته.
3. الاجتماعات تحفز الالتزام
نعتبر الاجتماعات محفزات على الالتزام أحياناً؛ أي آليات لتشجيع الموظفين على الالتزام بوعودهم. يوضح العلم السلوكي أن المواعيد النهائية الخارجية قد تكون عوامل تحفيز فعالة (مثل الاجتماع مع المدير)، لكن الاجتماع نفسه قد يكون غير ضروري أحياناً، وقد يعقده المدير ليحصل من الموظف على تقرير حول ما أنجزه من الأهداف المتفق عليها.
ولمعالجة هذه المسألة دون الإخلال بفكرة أن الاجتماعات تحفز الالتزام، أخبر فريقك مسبقاً بقرار إلغاء الاجتماع إذا تحقق الهدف النهائي بنجاح، ما يجعل فكرة الإلغاء نفسها مكافأة لتحقيق الهدف. إذا لم ينجح أفراد الفريق في إنجاز العمل في الوقت المحدد، فسيكون حضور الاجتماع مفيداً لمناقشة العوامل غير المتوقعة التي أدّت إلى التأخير. وإذا نجحوا في إنجازه بالفعل، فأرسل رسالة تهنئة عبر البريد الإلكتروني ووفّر ساعة من وقت الجميع. أما في حال إنجاز كل فرد من أفراد الفريق مهامه باستثناء سامر، فلا تعقد الاجتماع وتضيع وقت الجميع، بل ابحث عن طريقة أخرى لمساءلة سامر وحده عن سبب التأخير.
4. أثر الاستعجال المحض
قد تشعر بالراحة عند إكمال المهام التي تبدو عاجلة (على الرغم من أنها في الواقع غير مهمة)، ولا سيما عندما تكون متوتراً ومُجهداً، وهذه الحالة معروفة بأثر الاستعجال المحض (Mere Urgency Effect). وبالمثل، قد يوفر لك تقرير الاجتماعات وحضورها شعوراً بالإنجاز، ما يجعلك تتردد في رفضها أو إلغائها حتى إن لم تكن تحظى بأهمية أعمالك الأخرى. ويتضاعف هذا الشعور غالباً بفعل إحساس قوي بالقصور الذاتي، فعندما تعتاد عقد اجتماع معين في وقت محدد، فسيكون الاستمرار بعقده في الموعد نفسه أسهل من تقييم مدى فائدته من الأساس.
ما هو الحل؟ يجب أن يتمثّل الخيار الأولي في إلغاء الاجتماعات أو إنهائها في وقت مبكر، ولا سيما بالنسبة للاجتماعات المتكررة. وبدلاً من أن تسأل: "هل لديكم أي تحديثات بشأن المشروع؟" قل: "قررت إلغاء هذا الاجتماع ما لم يكن لديكم أي تحديثات بشأن المشروع لأتيح لكم تخصيص وقته في أداء أعمال أهم". وإذا لم تكن متأكداً من أهمية اجتماع ما، فجرّب ألا تعقده وقيّم نتيجة قرارك، واجعل طرح سؤال حول ضرورة عقد الاجتماع التالي جزءاً من ممارساتك في الاجتماعات الدورية.
5. نسيان تفاصيل الاجتماعات
قد نجد أن كل اجتماع نحضره عديم الفعالية بسبب عدم قدرة أي من الحاضرين على تذكّر النقاط التي خضعت للنقاش في الاجتماع السابق. ولتجنب نسيان التفاصيل المهمة، خصص مدة 5 دقائق لتلخيص مجريات الاجتماع بعد الاجتماعات الداخلية والخارجية الرئيسية. إن جلسات تلخيص المجريات هذه مهمة في بيئة افتراضية تماماً، إذ قد لا يدرك قادة الاجتماعات أن بعض الموظفين (خاصة الجدد منهم) يُنهون مكالمة الاجتماع مفتقرين إلى فكرة واضحة عن نتائجه وتبعاته، ولا سيما بالنظر إلى قلة فرص التواصل غير الرسمي في مثل هذه البيئات.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على القادة أن يعتادوا توثيق بنود موضوع النقاش في الاجتماع، وأن يضمنوا فهم الموظفين لكامل محتواه، وأن يشاركوا ملخصات هذه النقاشات مع الحضور وأي من المعنيين الذين لم يحضروه. لا ينطوي الهدف على توثيق كل التفاصيل الدقيقة للاجتماع، بل على تقديم ملخص موجز للنقاط الرئيسية والإجراءات المطلوبة بطريقة تجعل هذه المعلومات متاحة للجميع. كما أن مراجعة المعلومات الموثقة بصورة دورية تساعد فريقك على تقييم مدى فعالية هذه الاجتماعات، واتخاذ قرار بشأن إلغائها أو تقليل مدتها في المستقبل.
6. الجهل الجماعي
هل سبق أن حضرت اجتماعاً مملاً دام 3 ساعات وفاجأك عدم وعي الآخرين بسلبياته وعدم جدواه؟ من الطبيعي أن تفترض أنك الشخص الوحيد الذي يشعر بالإحباط والضيق، لكن ذلك مجرد وهم بحسب علم النفس. في الواقع، تُشير ظاهرة الجهل الجماعي إلى افتراض الشخص أنه الوحيد الذي تنتابه مشاعر معينة على الرغم من خوض جميع من حوله التجربة نفسها؛ وهو تحيز يدفعنا إلى مواصلة عقد الاجتماعات وحضورها حتى عندما يتفق الجميع سراً على أنها عديمة الجدوى، وذلك لافتراضنا أن الآخرين لا يشاركوننا الرأي نفسه.
وللتغلب على ظاهرة الجهل الجماعي يجب على القادة تشجيع أعضاء فرقهم على مشاركة إحباطاتهم وملاحظاتهم صراحة، والتعاون معهم على تحديد الاجتماعات غير المنتجة وإلغائها. على سبيل المثال، استخدمنا في دراسة من المقرر نشرها قريباً بيانات البريد الإلكتروني وجداول المواعيد في إحدى الشركات لتحديد الاجتماعات التي يعمل فيها المشاركون على أكثر من مهمة في آن واحد. وعندما شاركنا النتائج مع أحد الفِرق، أعلن المدير بفخر: "توقفت عن حضور ذلك الاجتماع منذ أسابيع، كان مضيعة للوقت" ثم قال: "لكن لماذا ما زلتم تحضرونه؟ ما هو رأيكم في إلغاء هذا الاجتماع بصورة نهائية؟" واتضح أن الموظفين كانوا يكرهون حضوره لكنهم شعروا بالحرج للتعبير عن ذلك.
ليس هناك بالطبع حل واحد ونهائي لمشكلة إدمان الاجتماعات في أماكن العمل الحديثة. وتنبع المزالق التي حددناها من التحيزات الإنسانية الشائعة التي يصعب التغلب عليها، لكن يمكن للمدراء وفرقهم التعاون معاً على تطوير أنماط تواصل صحية، وتعزيز تفاعلات عمل فعّالة، ووضع جداول أعمال منتظمة من خلال فهم العوامل النفسية التي تؤثر في جودة الاجتماعات.