ملخص: لطالما أبلغ الموظفون العاملون عن بُعد عن شعورهم بالإهمال وقلة الدعم، حتى قبل انتشار الجائحة. ولا عجب في تزايد مشاعر الشك والارتياب لديهم اليوم مع استمرار العزلة وتزايد أعباء العمل وعوامل التوتر أكثر من أي وقت مضى، وهي حالة من الخوف يُخطئ فيها الشخص في تفسير المواقف الغامضة ويركز على المعاني السلبية والتهديدات المحتملة. إذ من الصعب بالنسبة لأي موظف تفسير لغة الجسد وتعابير الوجه والمعاني الدقيقة الكامنة وراء الآراء التقييمية عند عمله عن بُعد. من جهة أخرى، قد يجعلك قضاء الوقت بمفردك عند العمل من المنزل عالقاً في قوقعتك الذاتية وهائماً بين دوامة المشاعر السلبية. ولكي تنجح في وأد شكوكك غير المنطقية في مهدها، يمكنك تحديد التوقعات مع زملائك حول أسلوب التواصل بشكل استباقي، والحذر من المبالغة في الأداء، وتجنّب أخذ تصرفات الآخرين على محمل شخصي، وفصل مخاوفك.
جابت مها مكتبها طولاً وعرضاً، تقضم أظافرها وأفكارها تتزاحم في عقلها. مضت 3 ساعات على إرسالي البريد الإلكتروني إلى القيادة العليا، ولم أحصل على رد بعد. لا بدّ أنهم يعتقدون أن مقترح الاستراتيجية الذي قدّمته كان فاشلاً. وأنا على يقين من أنهم يراسلون بعضهم البعض ويسخرون مني.
لم يكن لدى مها أدلة كافية لإثبات مخاوفها على الرغم من الاضطرابات الداخلية التي تعصف في عقلها، ونسيت أنها حصلت مؤخراً على ترقية إلى منصب نائبة رئيس قسمها بعد عدة مراجعات أداء متميزة.
ومع ذلك، وجدت مها نفسها تعاني من الشك، وهي حالة من الخوف يُسيء فيها الشخص تفسير المواقف الغامضة ويركّز على المعاني السلبية والتهديدات المحتملة. بمعنى آخر، يدفعك الشك إلى التدقيق في تصرفاتك وتصرفات الآخرين دون مسوّغ؛ فتصبح شديد القلق، وتفترض أنك ستحظى على رفض أو اعتراض دون وجود دليل ملموس يُثبت افتراضاتك.
على سبيل المثال، قد يدفعك الشك إلى وضع افتراضات عندما لا يرد شخص ما على رسالة بريد إلكتروني أو رسالة نصية أرسلتها، على افتراض أن السبب وراء ذلك عائد إلى سوء أدائك. وقد ينتابك القلق عندما ينضم أحد الزملاء إلى مشروع ما خوفاً من أنه سيفرض آراءه ويتولى زمام السيطرة بدلاً من ترحيبه بالعمل الجماعي. وقد تفترض عندما يطلب منك مديرك عدم حضور اجتماع ما أنه لا يثق بقدراتك بدلاً من أنه يحاول عدم إهدار وقتك.
لطالما أبلغ الموظفون العاملون عن بُعد عن شعورهم بالإهمال وقلة الدعم، حتى قبل انتشار الجائحة. ولا عجب في تزايد مشاعر الشك مع استمرار العزلة اليوم وتزايد أعباء العمل وعوامل التوتر. وينطبق ذلك بشكل خاص على أولئك الذين أُطلق عليهم لقب المناضلين سريعي التأثر، وهم الأشخاص الذين يحققون إنجازات مميزة ويتعاملون مع العالم بشكل أعمق من الآخرين، إذ قد تسفر الضغوط عن تحويلهم من أشخاص متبصّرين إلى أشخاص كثيري التفكير وتعوزهم الثقة بالنفس.
بمعنى آخر، قد يكون من الصعب تفسير لغة الجسد وتعابير الوجه والمعاني الدقيقة وراء الآراء التقييمية عند العمل عن بُعد. من جهة أخرى، قد يجعلك قضاء الوقت بمفردك عند العمل من المنزل عالقاً في قوقعتك الذاتية وهائماً بين دوامة المشاعر السلبية. ومن السهل أن تسيطر عليك المشاعر السلبية عندما تفتقد إلى التأكيدات الإيجابية وإيماءات الموافقة غير الرسمية التي تتلقاها في البيئة المكتبية.
كيفية التخلص من مشاعر الشك والارتياب جرّاء العمل من المنزل
وعلى الرغم من الصعوبات التي يفرضها العمل عن بُعد، يمكنك السيطرة على مشاعر الشك التي تنتابك تماماً. وأورد فيما يلي بعض الطرق لوأد الشك غير العقلاني في مهده ومساعدتك في بلوغ أفضل مساعيك، ألا وهو تحقيق النتائج.
أفصح عن توقعاتك
اعمل مع مديرك وزملائك وأصحاب المصلحة مسبقاً على تحديد التوقعات حول أسلوب التواصل وكيفية اتخاذ القرارات، وحول الموضوعات الحساسة حتى، مثل كيفية التعامل مع النزاعات والاختلافات في الرأي، وذلك لتجنب الافتراضات والتفسيرات الخاطئة.
لنفترض أنك اتفقت وزميلك على موعد تسليم المدخلات لمشروع ما وكيفية تسليمها، ووجدت أن زميلك يتمتع بالفعل بضمير واع ويركز على التفاصيل، ويؤدي ما اتفقتما على تحقيقه بالضبط في تلك المرحلة، ألا وهو تقديم تعليقات مفصلة. من غير المرجح بما أنك أفصحت عن توقعاتك أن تستبق النتائج وتفترض أنك فعلت شيئاً خاطئاً أو أن مشكلة ما في انتظارك عندما تحصل على مستند يحتوي على الكثير من الخطوط الحمراء.
تتمثّل إحدى طرق توضيح التوقعات في وضع قائمة تضم اتفاقيات عمل رسمية للفريق تحدد المبادئ التوجيهية للتعاون الإيجابي (كالرد على الرسائل في غضون 24 ساعة، والاستماع بعقل منفتح، والتحدث باسمك، وغير ذلك). وتتمثّل الأداة الأخرى في إعداد "دليل مستخدم" يفصّل عوامل عدة، كساعات عملك، وكيفية التعلم بشكل أفضل، والمهام التي تواجه صعوبة في أدائها.
لا تبالغ في أدائك
قد يدفعك الشك إلى إرضاء الآخرين وإجهاد نفسك. على سبيل المثال، قد تقبل حضور كل اجتماع في محاولة للبقاء على ارتباط بالمشاريع الحالية وعلى اطلاع بكل ما يجري، حتى لو لم يكن حضورك إجبارياً. أو قد تجد نفسك منخرطاً في عدة مبادرات للحفاظ على وهم السيطرة على افتراض أنه لن يتمكن أي أحد من فرض سيطرته إذا كنت موجوداً في كل مكان. لكن تلك العقلية هي طريقك الحتمي للاحتراق الوظيفي.
وتتمثل الخطوة الأولى لعكس ذلك التوجه في تدقيق جدول مواعيدك. ابحث عن اجتماعات يمكنك إلغاءها أو رفض حضورها، لكن إياك أن تنسى تفويض حضور تلك الاجتماعات إلى مرؤوس مباشر أو إلى أحد المساعدين الذي يمكنه تدوين الملاحظات وتقديم التقارير إليك. قد يبدو التخلي عن تلك المسؤوليات غير مريح بالنسبة لك. وإذا شعرت بالانزعاج بالفعل، فتأكد أنك على الطريق الصحيح الرامي إلى تحسين قدرتك على تقبّل حالات الغموض وتغيير علاقتك بمشاعر الخوف.
لا تأخذ تصرفات الآخرين على محمل شخصي
إذا كنت من المناضلين سريعي التأثر، فمن المحتمل أن تكون مستويات التعاطف لديك عالية. قد يمثّل هذا المستوى من العمق العاطفي منحة ومحنة في الوقت نفسه، إذ ستكون ماهراً من ناحية في إدراك احتياجات الآخرين وتتمتع بمعنويات عالية، لكنك قد تأخذ سلوكياتهم على محمل شخصي للغاية من ناحية أخرى. على سبيل المثال، قد تخطئ في تفسير تعليق عابر باعتباره إهانة لك.
لذلك، في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك محاصراً في قبضة مشاعر الشك، وجه قواك التعاطفية لصالح الخير. ضع نفسك مكان الشخص الآخر وتساءل عن سبب رد فعله. ما هو التفسير الإيجابي لسلوكه؟
استخدمت مها تلك الاستراتيجية عندما بدا مديرها مستاءً من عدم إحرازها تقدماً في أحد المشاريع. وبدلاً من أن تُبدي انزعاجها، تخيّلت نفسها مكان مديرها وحاولت أن تستكشف طبيعة عمله. وسرعان ما أدركت أن رد فعل مديرها لم يكن عائداً إلى ارتكاب مها خطأً ما أو إلى ضعفٍ في أدائها، بل كان عائداً إلى شعور مديرها بالإنهاك وإلى طبعه السريع الانفعال بعد يوم عمل طويل حاول فيه الموازنة بين مسؤوليات العمل وتربية الأطفال.
افصل مخاوفك
قد تستنزف مشاعر الشك ساعات عملك عندما لا تضع حداً لها. في الواقع، يجد 4 من كل 5 موظفين صعوبة في "التوقف عن العمل" في المساء. وتؤكد تلك الإحصائية على أهمية الانفصال الذهني عن العمل والتحرر من المخاوف في نهاية اليوم.
وتتمثّل الاستراتيجية المفضلة لدى عملائي في تمرين أدعوه "حقيبة الظهر". ادخل جحر عقلك وضع المواقف الباعثة على التوتر من يومك في حقيبة ظهر خيالية تتجاهلها وتتركها في زاوية مكتبك في المنزل طوال الليل. وإذا كنت تفضّل جعل ذلك التمرين ملموساً، فارسم مستطيلاً على ورقة بيضاء ودوّن مخاوفك داخله، ثم مزّق الورقة وارمها بعيداً، وحاول فصل عقلك عن اليوم بشكل افتراضي.
وعلى الرغم من أن ترقّب وتفهّم ما يجري في العمل قد يكون ميزة تنافسية، قد يتحول ذلك السلوك إلى شك يُضعف أداءك إذا ما بالغت فيه. لكن يمكنك بالجهد الصحيح إدارة عقلك بشكل أكثر فاعلية، حتى وسط التحديات التي يفرضها العمل عن بُعد.