تتزايد المخاطر الناجمة عن الأجهزة الذكية بشكل كبير، ومن المتوقع أن تتجاوز مخاطر الأجهزة الذكية قريباً حجم المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية. ويجري إدخال عشرات المليارات من أجهزة الاستشعار المتصلة في جميع الاستخدامات بدءاً من الروبوتات الصناعية والأنظمة الأمنية، وحتى السيارات الذاتية القيادة والثلاجات. وفي الوقت ذاته، تشهد إمكانيات خوارزميات الذكاء الاصطناعي تطوراً سريعاً. ومع زيادة اعتمادنا على الكثير من الأجهزة الذكية المتصلة، فإننا نفتح الباب أمام العديد من حالات توقف العمل على المستوى العالمي، ولهذا يجب علينا معرفة كيفية التعامل مع مخاطر الذكاء الاصطناعي.
أما الخبر الجيد، فهو أن الكوارث الطبيعية بحد ذاتها، التي بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها على مستوى العالم 330 مليار دولار، وفقاً لشركة "ميونخ ري" (Munich Re) في العام 2017، تشكل نموذجاً لكيفية تخفيف المخاطر المتزايدة والكارثية التي ينطوي عليها الذكاء الاصطناعي. وكما هو الحال بالنسبة للظروف المناخية العنيفة والكوارث الطبيعية، يمكن للشركات وضع البروتوكولات والمعايير الدولية للتحكم في الذكاء الاصطناعي، لا تُطبق داخل جدرانها فحسب، بل تتعاون فيها مع غيرها من الشركات وجهات التأمين والجهات المسؤولة عن وضع السياسات.
خطط للتعافي من مخاطر الأجهزة الذكية
تعاني الكثير من الشركات اليوم من المخاطر المتعلقة بالأجهزة الذكية، التي يمكن أن تضر بالعمليات الخاصة بالشركة نفسها، وتؤثر كذلك على عملائها. ومع ذلك، لا يوجد سوى عدد قليل من الشركات التي حرصت على تحديد حجم إيراداتها المعرضة للخطر والمسؤولية المحتملة لها بشكل رسمي، وكذلك وضع بروتوكولات خاصة بالأمن والسلامة للتعامل مع مشكلات الذكاء الاصطناعي غير المتوقعة.
وكما هو الحال بالنسبة للمخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، لا يمكن للشركات تجنب مخاطر الأجهزة الذكية تماماً من خلال شراء التأمينات، إذ لا بد أن تضع خططاً للتعافي عند حدوث أسوأ الحالات. ويتعين على المدراء معرفة نقاط الضعف الأعلى والأقل خطراً في الأجهزة الذكية، وإدخال أنظمة حماية إضافية، وإعداد أنظمة ذكاء اصطناعي مشابهة لأنظمة الإنذار المبكر بأمواج تسونامي. وبالإضافة إلى ذلك، عليهم أن يتيحوا إمكانية الانتقال إلى بيئات يتم التحكم فيها يدوياً في حالة الحاجة لإغلاق الأنظمة ذات الذكاء الاصطناعي، وسحب المنتجات الذكية المعيبة.
أما خطط الطوارئ في هذه الحالة، فيجب أن تكون أكثر من مجرد دليل إرشادي كدليل مواجهة الكوارث الطبيعية، وبالنظر إلى كثرة نقاط الاتصال المحتملة، يصعب التنبؤ بأوجه القصور واسعة النطاق في الأجهزة الذكية والتعرف عليها ومعالجة مسبباتها. وتعتبر معالجة أخطاء الأجهزة الذكية المعيبة وإعادة برمجتها أكثر تعقيداً من إعداد تصحيح أمني لمكافحة الهجمات الإلكترونية الخبيثة نظراً لاحتمالية عدم وضوح القواعد التي تتبعها الأجهزة.
ونتيجة لذلك، لن تتمكن أي شركة من التعافي بمفردها. وللنهوض وتجاوز الآثار المحتملة لحدوث سلسلة من الكوارث العالمية المتعلقة بـ الذكاء الاصطناعي، يتعين على المدراء مراعاة مواطن الضعف الموجودة في كل مكان بدءاً من مورديهم وحتى عملائهم. وللتعامل مع مواطن الضعف هذه، لا بد من وجود تنسيق عبر عدد كبير من مقدمي الخدمات التقنية والشركات الأخرى المعرضة للإصابة بمشكلة الذكاء الاصطناعي أو نقلها إلى الآخرين بغض النظر عمن يقع عليه اللوم.
منتجات وخدمات تأمين الذكاء الاصطناعي
يتعين على شركات التأمين تحديد حجم مستويات تعرضها للكوارث الأمنية العالمية في الأجهزة الذكية، وتوفير منتجات جديدة، وتقديم المشورة للشركات والحكومات. وحتى مع وجود رأس مال يقدر بـ 700 مليار دولار في الولايات المتحدة إضافة إلى مئات المليارات حول العالم، تعتبر كشوف ميزانيات شركات التأمين على الممتلكات والحوادث أقل بكثير من المستوى الذي يسمح بتغطية كافة الخسائر التي قد تترتب على كارثة عالمية في الأجهزة الذكية. لكن يمكن لشركات التأمين استخدام البيانات التي تم جمعها حول الخسائر في مختلف الصناعات لتوجيه الشركات والحكومات إلى أفضل السبل لقياس مقدار التعرض المحتمل لتصورات أسوأ الحالات.
وكما هو الحال في ما يتعلق بالكوارث الطبيعية، يتعين على شركات التأمين كذلك تشجيع اتخاذ إجراءات وقائية على مستوى القطاع العام. إذ نظراً لعدم قدرة شركات التأمين على الحد بشكل كامل من المخاطر الجسيمة المترتبة على الأحداث المناخية الصعبة، تقدّم الحكومات والمنظمات الدولية في الدول المتقدمة المساعدات الإغاثية في حالات الكوارث عن طريق الجهات الحكومية مثل الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ وبرامج التأمين العامة ضد الفيضانات. ويتعين على شركات التأمين المساعدة في حشد مثل هذه الموارد في القطاع العام لمساعدة الضحايا المحتملين لكوارث الأجهزة الذكية ذات الذكاء الاصطناعي.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكنهم توجيه العملاء إلى كيفية تعزيز بروتوكولات الأمن والسلامة من أجل تجنب العواقب الخطيرة المحتملة للثغرات الأمنية في الأجهزة الذكية. والآن، بدأت بعض شركات التأمين الرائدة في اقتراح إجراءات أمنية يمكن للشركات اتباعها لمعالجة خروقات المعلومات وفترات الانقطاع عند حدوث أعطال على مستوى العالم في الأنظمة المترابطة. بينما عليها كذلك البدء في البحث عن خطوات للتعامل مع الوضع، عندما يزداد تعقد الأجهزة الذكية ووضع أهداف محتملة خاصة بها واتباعها.
بروتوكولات عالمية للذكاء الاصطناعي
أخيراً، يتعين على الجهات المسؤولة عن اتخاذ القرارات وضع مبادئ توجيهية عالمية للثقة والأخلاقيات تحكم تطوير وتنفيذ أي منتجات وأنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً. وللحد من الآثار المستقبلية للكوارث الطبيعية، تعمل الحكومات والمنظمات الدولية مثل "الصليب الأحمر" و"البنك الدولي" على جمع البيانات المتعلقة بالآثار المدمرة والدعم اللازم لمساعدة الضحايا ونشر هذه المعلومات. ولا بد من وجود منهجية مماثلة لوقف الآثار المحتملة لكوارث الأجهزة الذكية مع تطور الذكاء الاصطناعي، وبعد أن يصل عدد الأجهزة والمستشعرات والمحركات المتصلة بإنترنت الأشياء إلى أكثر من 46 مليار جهاز في العام 2021، وفقاً لمؤسسة "جونيبر ريسيرتش" (Juniper Research).
وبدأ عدد من الحكومات وشركات التقنية والمنظمات الدولية، مثل "معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات" و"المنتدى الاقتصادي العالمي"، في دراسة إمكانية وضع بروتوكولات عالمية خاصة بالثقة والأخلاقيات، لتتمكن من التحكم في الأنظمة والمنتجات المترابطة التي تعمل بـ الذكاء الاصطناعي. وبدأت هذه المنتديات في تعميق الفهم بالمخاطر المحتملة التي قد تسببها الأجهزة الذكية، وضرورة اتباع أفضل الممارسات في مواجهتها. غير أنه لا يزال هناك ما هو أكبر من ذلك بكثير يجب القيام به.
ومع أن عمليات حشد الموارد اللازمة للحد من المخاطر المرتقب حدوثها مع انتقال العالم إلى شبكات أكثر ذكاء وترابطاً ستكون صعبة ومكلفة، إلا أنه لا سبيل لنا سواها. ويمكننا الاستعانة بخبرتنا في التعامل مع أسوأ الأعاصير النادرة في العالم التي تمثل نقطة انطلاق مهمة للتعرف على كيفية تجاوز كوارث قد تكون أشد وطأة مثل التعامل مع مخاطر الذكاء الاصطناعي. نحن فقط بحاجة إلى أن تعي الشركات وجهات التأمين والجهات المسؤولة عن اتخاذ القرارات، أن مثل هذه الجهود هي استثمار لا غنى عنه في مستقبلنا.
اقرأ أيضاً: