من المتوقع أن يكون عام 2023 حافلاً بفرص غير مسبوقة، حيث يلوح في الأفق نظام العمل الهجين ونموذج العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع والإمكانات التي يتيحها مكان العمل في عالم الميتافيرس. وهذه ليست سوى القليل من الفرص العديدة التي سيحتاج المتخصصون في شؤون الموظفين إلى دراستها في عصر ما بعد كوفيد. نظراً إلى أن ثلث سكان العالم يعملون الآن عن بُعد، سيتعين على هؤلاء المتخصصين البحث عن طرائق ونماذج مبتكرة لنُهج إيجابية وشمولية إزاء رفاهة الموظفين وخفض معدل الدوران الوظيفي.
أثرت الأنماط المتغيرة في العمل والحياة الشخصية علينا جميعاً، وذكّرتنا بالحاجة إلى خلق ثقافة مكان عمل إيجابية بيئياً.
ونظراً إلى أن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يتداخل مع عوامل مثل الاستقرار المالي والصحة النفسية والبدنية والرفاهة العامة، فقد يحتاج المتخصصون في شؤون الموظفين إلى بذل جهد أكبر للاحتفاظ بقوة العمل في عام 2023.
المفاهيم الخمسة الأكثر رواجاً التي ستفيد المتخصصين في شؤون الموظفين:
- استراتيجيات عمل مرنة جديدة
- المساواة في الأجور والمكافآت والحوافز
- تطبيق الألعاب والأنشطة التي تعزز رفاهة الموظفين
- الاجتماعات في عالم الميتافيرس
- العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع
لنتناولها بالتفصيل:
العمل عن بُعد سيظل مستمراً!
نظراً إلى أن التغييرات الفلكية التي تسببت بها الجائحة وارتفاع معدلات التضخم في عام 2022، لا أحد يعرف ما ينتظرنا في عام 2023. على الرغم من ذلك، ثمة شيء واحد مؤكد: سيحتاج المتخصصون في شؤون الموظفين إلى وضع استراتيجيات جديدة تتمحور حول "العمل المرن"، لأن العمل عن بُعد سيظل مستمراً.
وفقاً للفرضية الواردة في التقرير الذي أعدته شركة ديلويت (Deloitte) حول استقصاء أجرته عام 2021 لتحديد توجهات رأس المال البشري، "لا يزال المسؤولون التنفيذيون يغفلون عن أهمية الربط بين رفاهة الموظفين والتحول الذي يحدث في العمل". ويشير التقرير إلى أن "المؤسسات القادرة على دمج الرفاهة في تصميم العمل على مستوى الفرد والفريق والمؤسسة، ستبني مستقبلاً مستداماً يشعر فيه الموظفون أنهم أفضل حالاً ويستطيعون تقديم أفضل ما لديهم".
سوف يَثبت أنه من المفيد وضع نموذج عمل هجين؛ وهو مزيج من العمل وجهاً لوجه والعمل الافتراضي، ولكن ما يميزه عن نماذج العمل الأخرى هو "الاستقلالية". بالنسبة إلى المتخصصين في شؤون الموظفين، يؤدي منح موظفيهم الاستقلالية إلى تعزيز الثقة؛ أي الإيمان بقدرة موظفيك على إنجاز المهمة. فالاعتماد على موظفيك وإظهار أنك تهتم برفاههم ونموهم في الوقت نفسه هو الفكرة الأساسية للعمل الهجين الذي يترافق معه الإقرار باستقلالية الموظفين. وبالتالي فإن سلبهم الاستقلالية يدمر فكرة نموذج العمل الهجين برمتها. فهو لن يكون هجيناً تماماً إذا حددت الشركات متى يجب على الموظفين العمل من المكتب. وهذا ما سيتعين على المتخصصين في شؤون الموظفين العمل عليه في عام 2023.
منح الموظفين مكافآت وتحقيق المساواة في الأجور من التدابير التي تؤدي إلى انخفاض معدل الدوران الوظيفي:
لماذا سيمثل الاحتفاظ بالموظفين في العام الجديد تحدياً بلا شك؟ ببساطة لأن لدى الموظفين الآن خيارات أكثر مما كانت لديهم قبل الجائحة. ومع خيار العمل من المنزل، لا يمكنك الاحتفاظ بموظفيك إلا إذا حصلوا على قيمة مقابل عملهم.
يُعد ارتفاع تكاليف المعيشة عاملاً آخر، فالحفاظ على الاستقرار المالي مرهِق ولذلك لن يواصل الموظف العمل لمؤسسة تدفع أجراً متدنياً أو تقدم حوافز ضئيلة.
وفقاً لدراسة أجراها معهد السياسة الاقتصادية بعنوان "الفجوة بين الإنتاجية والأجور" (The Productivity–Pay Gap)، تضاعفت الإنتاجية بمقدار 3.7 أضعاف الأجور، حيث بلغت الإنتاجية +64.6% والأجر في الساعة +17.3% في عام 2021.
سيحتاج المتخصصون في شؤون الموظفين إلى إيجاد طرق لتقديم رواتب أعلى من المتوسط للموظفين. فهذا سيجعل الموظفين يرغبون في العمل مع مؤسستك وسيساعد على بناء الولاء.
لطالما كان منح مكافآت من وقت لآخر والعلاوات والمساواة في الأجور من الأدوات القوية؛ فهي تؤدي إلى شعور الموظفين بالتقدير وبناء الثقة بالمؤسسة، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على رفاهة الموظفين.
ستزداد أهمية العمل على وضع استراتيجيات تضمن رفاهة الموظف في العام الجديد لتجنب العمل في بيئة مليئة بالضغوط ومساعدة الموظف على التركيز في العمل.
وسائل لإضفاء البهجة على بيئة العمل!
يساعد تطبيق الألعاب في تشجيع الموظفين على أن يشاركوا بقدر أكبر ويصبحوا اجتماعيين ويعبروا عن آرائهم ويبذلوا جهداً أكبر. نعم، يبذل الموظفون جهداً أكبر عندما يشعرون بالتقدير ويحصلون على مكافآت نظير جهودهم المخلصة.
وفقاً لإحصاءات صادرة عن منصة فاينانس أونلاين (Finance Online)، يشعر 83% من الموظفين الذين تلقّوا تدريباً مُصمماً على هيئة ألعاب أنهم أكثر حماساً تجاه عملهم اليومي. وذُكر في الدراسة نفسها أنه في حين أن 61% من الموظفين يتلقون تدريبات مُصممة على هيئة ألعاب، فإن 49% من الموظفين الذين يتلقون تدريبات ليست مُصممة على هيئة ألعاب يشعرون بالملل ويفقدون الاهتمام.
قال 88% تقريباً من المشاركين في الدراسة إن تطبيق الألعاب جعلهم يشعرون أنهم أكثر سعادة وحماساً في العمل، بينما رأى 78% أن الشركات ستكون أكثر جاذبية إذا كانت لديها عملية توظيف تُستخدَم فيها الألعاب.
ووفقاً لإحصاءات قطاع التعليم الإلكتروني، أكد 71% من الموظفين أنهم شهدوا زيادة في مستويات طاقتهم، بينما ذكر 66% أنهم شهدوا انخفاضاً في مستويات التوتر.
وكل هذا يُثبت أن تطبيق الألعاب يكفل عملاً جماعياً قوياً. موظفون سعداء، إيرادات أكثر!
نعم المعادلة بهذه البساطة. يحتاج المتخصصون في شؤون الموظفين إلى وضع المزيد من الاستراتيجيات في عام 2023 لتعزيز العمل الجماعي من خلال تطبيق الألعاب؛ أي مكافأة أعضاء الفريق بناءً على معايير مختلفة، مثل الكفاءة والسرعة والنتائج، مع جعل الأمر ممتعاً في الوقت نفسه. يمكن تحقيق ذلك من خلال أداة رقمية تساعد على زيادة سعادة الموظفين.
الميتافيرس هو المستقبل!
يُحدث الميتافيرس تغييراً في طريقة تفكيرنا. لا شك مطلقاً في أننا سنتمكن قريباً من الحضور افتراضياً في أماكن لا يمكننا الوجود فيها وسنضطلع بالعمل وننظم اللقاءات والمناسبات الاجتماعية وغيرها من الأشياء التي لا يمكن تصورها. وما بدا ضرباً من الوهم قبل بضع سنوات سيتحول إلى واقع مع الميتافيرس.
وفقاً لما ورد في تقرير أعدته شركة ميتا حول توجهات مكان العمل التي ستحدد شكل المستقبل، يرغب 62% من الموظفين في التفاعل افتراضياً مستخدمين شخصياتهم الرمزية للتعاون عبر الوسائط الرقمية. ومن ناحية أخرى، تريد 60% من الشركات إدخال أجهزة الواقع الافتراضي المثبتة على الرأس في أماكن عملها بحلول عام 2024. فالعالم يتغير بسرعة الصاروخ بفضل ثورة العمل الهجين التي فتحت الأبواب أمام فرص لا حصر لها.
نظراً إلى أن ثلث سكان العالم يعملون الآن عن بُعد، يمكن لبيئة العمل في عالم الميتافيرس أن تساعد الموظفين على الشعور بالانتماء إلى مؤسساتهم على الرغم من العمل على بُعد أميال من مقرها.
ووفقاً للتقرير، يعتقد نحو 66% من الموظفين أن عالم الميتافيرس سيحاكي الشعور بالتآزر الذي ينبع من العمل في المكتب، بينما يثق 68% من الموظفين بأن الشعور بالانتماء سيزداد إذا خلقت المؤسسات بيئة افتراضية واقعية.
ميتا ليست الشركة الوحيدة التي تفكر في الآفاق المستقبلية التي يحملها العام الجديد. فقد صرحت شركة غارتنر (Gartner)، التي تُعد مصدراً موثوقاً لإحصاءات الأعمال، أن 30% من المؤسسات على مستوى العالم سيكون لديها منتجات وخدمات جاهزة لعصر الميتافيرس بحلول عام 2026.
العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع يتحول إلى فرصة على الصعيد العالمي:
شهد عام 2022 انتقال العديد من الدول إلى نموذج العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع، ومن بين هذه الدول: بلجيكا والمملكة المتحدة وإسبانيا واليابان والإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر.
في حين أن بعض الدول تدرس إدماج نموذج العمل الجديد في تشريعاتها، لا تزال بعض الدول مرتابة من هذا التحول. وهذا يؤكد أيضاً أن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات التجريبية بينما نحاول اكتشاف شكل الحياة العملية في المستقبل. وسنكتشف مع الوقت ما إن كان هذا التحول سينجح أم يفشل.
بدأت المملكة المتحدة تجربة ستستمر لمدة 6 أشهر قائمة على نموذج العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع، بمشاركة 3,300 موظف. وستنتهي التجربة في يناير/كانون الثاني عام 2023، لكن البلاد تشهد بالفعل آثاراً إيجابية، وأشادت بالنموذج واصفة إياه بأنه "ناجح للغاية".
وبعد النجاح الذي حققه النموذج في المملكة المتحدة، قالت الغالبية العظمى من الشركات (نحو 86%) إنها "من المرجح للغاية" أو "من المحتمل" أن تنظر في مواصلة انتهاج سياسة العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع بعد التجربة، وتدرس اسكتلندا وويلز الانضمام إلى الحركة في عام 2023.
وفقاً لاستقصاء أجراه موقع جوب ليست (Joblist)، يريد 94% من الباحثين عن عمل في الولايات المتحدة العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع. قال نحو 51% من المشاركين في الاستقصاء إنهم أصبحوا قادرين على أداء وظائفهم بصورة أفضل في 40 ساعة أو أقل، بينما قال 85% إن تطبيق أسبوع العمل الأقصر أمر ممكن من الناحية اللوجستية. وهذا ليس كل شيء؛ فقد قال 28% إنهم مستعدون لخفض رواتبهم مقابل العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع.
كانت ردود الأفعال متباينة، فالشركات متخوفة من أن يؤثر نموذج العمل هذا على الإنتاجية أو يفرض المزيد من الضغوط على موظفيها. فعلى الرغم من أن الموظفين سيعملون لمدة 4 أيام في الأسبوع، سيتعين عليهم إنجاز مهماتهم بالكامل. وهذا يعني القيام بالعمل الذي يحتاج إلى 5 أيام في 4 أيام، ما قد يرفع مستويات التوتر ويجعل الموظفين يشعرون أنهم يتقاضون أجوراً متدنية أو لا يتم تعويضهم بالقدر الكافي أو قد يتسبب في شعورهم بمشاعر سلبية.
من ناحية أخرى، يقول الموظفون إنهم يفضلون العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع وأن ذلك يساعدهم على أداء العمل بصورة أفضل. والسبب هنا هو أنهم يمضون وقتاً ممتعاً مع عائلاتهم وأصدقائهم أو يمكنهم الاسترخاء في عطلة نهاية أسبوع، ما يساعدهم على التركيز بصورة أفضل.
سيكون للمتخصصين في شؤون الموظفين دور أكثر جدية في عام 2023 الذي سينتقل فيه العالم بسرعة إلى استخدام وسائل جديدة للعمل.
نتجه إلى عالم تسوده حالة من عدم اليقين، بسبب الحرب وارتفاع معدلات التضخم وغلاء المعيشة وعدم الاستقرار في السوق وغيرها. فالجائحة لم تنتهِ بعد، وفي الوقت نفسه زادت الحرب الدائرة الأمور سوءاً، ما يؤثر على نحو خطير في حياة الأفراد في جميع أنحاء العالم. إلى أي مدى سيرتفع معدل التضخم؟ وهل يتجه العالم إلى كساد اقتصادي جديد؟ وما العقبات الأخرى التي قد نواجهها؟ إنها ليست سوى القليل من الأسئلة التي برزت على السطح. لذلك من المهم للغاية أن يستعد المتخصصون في شؤون الموظفين استعداداً جيداً للعام الجديد.
في حين أن بعض الشركات مستعدة لإجراء تحولات، لا تزال شركات أخرى مترددة في ذلك. لذا، من المرجح أن يحتاج المتخصصون في شؤون الموظفين إلى وضع برامج تجريبية لتحقيق نتائج أفضل وضمان رفاهة الموظفين. سيؤدي استخدام أداة رقمية مستندة إلى البيانات، ويمكن أن تساعد في تقييم رفاهة الموظف بصورة شاملة ومالياً ومادياً، إلى الاحتفاظ بأفضل المواهب وانخفاض معدل الدوران الوظيفي وتحقيق نتائج أفضل.