ما الذي يفعله القادة الأذكياء؟

3 دقائق

تُعتبر مقولة "لقد وجدنا الاستراتيجية المثالية" خرافة أزلية تماماً كمقولة "ثمّ عاشا في سعادة أبدية". لا تكون الاستراتيجية عظيمة بحد ذاتها، إنما طرق تنفيذها هي التي تشكلها وتعززها أو هي التي تحدّها. يمكن أن يقدم أفضل القادة أطر العمل والأدوات لفريق ما، ولكن النجاح يكون في التنفيذ على أرض الواقع. فعندما تبدو الاستراتيجية عبقرية يكون ذلك بسبب جودة التنفيذ. وما الفكرة الغبية إلا تلك التي تتعثر في تنفيذها بسبب عدم اهتمامك بتفاصيل أساسية، كطريقة تفاعل الزبائن أو ما يمكن أن يغيّره المنافسون في حين لا تزال أنت في خطواتك الأولى.

لاحظت من خبرتي في تدريس المدراء ضمن جامعة هارفارد للأعمال على مدى عشرات السنين، ومن خلال المقابلات التي أجريتها مع العديد من الرؤساء التنفيذيين من أجل البحث الذي أقوم به، أنّ القادة الأذكياء أصحاب الاستراتيجيات الناجحة يركّزون على 4 أمور حتمية في تنفيذ استراتيجياتهم. وهي:

تحقق من كل شيء

عندما أطلقت شركة آبل هاتف آيفون في العام 2007 بالتعاون مع شركة أيه تي آند تي (AT&T) كمزود خدمة حصري، قررت شركة الاتصالات العملاقة فيريزون (Verizon) إطلاق هاتفها الذكي الخاص بها. كانت تعلم أنّ عليها التحرك بسرعة، ولذلك قام أهم قادتها بمواجهة الافتراضات الرئيسية المتعلقة بكيفية عملهم. وعوضاً عن العمل وحدهم، تعاونوا مع جوجل وموتورولا. وعوضاً عن الاعتماد على ما يعرفونه فقط استعانوا بخبرات شركائهم وإمكاناتهم وتشاركوا البيانات. وبدلاً عن انتظار انتهاء كل مرحلة للبدء بالمرحلة التالية عملوا على عدة جبهات في وقت واحد. فصنعوا منتجاً ناجحاً في وقت قياسي، وكان جاهزاً للإطلاق عند حلول موعده المحدد في موسم عطلات عام 2009. وبعد شهرين من إطلاق المنتج الجديد (درويد)، تفوقت مبيعاته على مبيعات جهاز آيفون في الشهرين الأولين لإطلاقه. لم تكن شركة فيريزون لتتمكن من تحقيق ذلك بهذه السرعة وتغيير استراتيجيتها بنجاح لولا رغبتها الحقيقية في التحقق من بنائها التنظيمي التقليدي وإصلاحه.

قم بإعلام الجميع، ثم امنح القوة للرواد

يتطلب التنفيذ الناجح إلى كل من الاتساع والعمق. فتحتاج الاستراتيجيات الهامة إلى خيارات محلية. نجح الرئيس التنفيذي لأحد المصارف في تطبيق استراتيجية جديدة لجعل الشركة تأخذ موقع مسؤولية تجاه البيئة في بلد يطبق قيماً بيئية عالية، وبدأ ذلك بجلسات توعية شاملة لجميع الموظفين كي يستطيعوا فهم ما يجري، ولتستفيد الشركة من أفكار متعددة المصادر بذات الوقت.

ولكن بعد فترة، ركّز الرئيس التنفيذي على روّاد متطوعين برزوا في تحقيق الرؤية من خلال ابتكارات في المنتجات وفي العلاقات مع الزبائن. لم يكترث بتغيير نظرة المشككين ولم يصرّ على أن تقوم جميع الوحدات بالتغيير بنفس المستوى تماماً، ولم يحدد الابتكارات التي ستوضع قيد التنفيذ. بل بدأ بدحرجة كرة الثلج فحسب. فأصبحت مكاسب الرواد قصص نجاح حفزت الآخرين على اتباع تلك الممارسات أو ابتكار ممارسات جديدة.

وطّد العلاقات واجعل القوانين مرنة

تصبح نظرة القادة الحالمين أبعد عندما ينظرون عبر عدة زوايا. وهذا يعني إبقاء اتصالاتهم مع لاعبيهم الموجودين في الساحة مستمرة كما يتواصل مدربو كرة القدم مع لاعبي الظهير الربعي أثناء اللعبة باستخدام السماعات. عندما شرع الرئيس التنفيذي ورئيس العمليات في شركة غير ربحية متعددة المواقع بتنفيذ استراتيجية جديدة، قاما بفرض إجراءات وتوجيهات صارمة مثقلة بالقوانين. ولكن مع ظهور العقبات والثغرات المفاجئة في التقرير الربعي، أدركا أنّ عليهما تخفيف القيود الإجرائية والعمل بجدّ أكبر لزيادة التعاون بين المنفذين الفعليين ضمن المواقع في تعاملهم مع بعضهم ومع المقر الرئيسي كحلفاء في السعي لتحقيق الهدف المشترك. وبمجرد قيامهم بتحديد هدفهم المشترك وتحملهم مسؤولية أداء كل المواقع الأخرى وإيجاد الاحترام المتبادل، استطاعا التغلب على العقبات وأوجدا طرقاً أفضل لتحقيق الأهداف. فالقيم المشتركة تحكم الترابط بين الموظفين، بينما يؤدي غرور القادة وعدم تواصل الموظفين بصورة كافية مع بعضهم البعض إلى تقويض التنفيذ.

عدّل بسرعة

أصبح ديفيد كيني الرئيس التنفيذي لإحدى شركات الطقس، وهي شركة أسهم خاصة، وكان يسعى لجعل محطتها التلفزيونية تنضم إلى العصر الرقمي الحديث والإنترنت بالاعتماد على قاعدة وفيرة من تحليل البيانات. وكان يشدد على التعاون بين المحطة التلفزيونية والإلكترونية. وكان متوقعاً من خبراء الأرصاد الجوية الذين يبثون برامجهم على الهواء أن ينتجوا محتوى لمواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الرقمية، بينما طور المنتجون الإلكترونيون تسجيلات فيديو موجزة يمكن مشاهدتها على الإنترنت وعلى أجهزة الهاتف وعلى محطة التلفزيون. أصبح ذلك صعباً ومملاً. وفي نفس الوقت، تزايد التباين بين الجانبين، فنمت التقنيات الرقمية بصورة هائلة بينما بقيت الأمور ثابتة رتيبة بالنسبة للتلفزيون. ولذلك، وعوضاً عن حض الجانبين لمضاعفة جهودهما، فصلهما كيني عن بعضهما ليصبحا قسمين منفصلين. ما أدى إلى ارتفاع مستوى أداء التلفزيون وازدياد المبيعات المربحة للأصول الرقمية. فطريقة: "جرب واختبر وتعلم وعدّل" أفضل من التمسك بشيء لا يؤدي لأية نتائج.

يمكن اعتبار الاستراتيجية على أنها جهد أدبي لصنع نص كامل ومن ثم تسليمه إلى الممثلين الذين سيطبقونه حرفياً. وأفضّل اعتباره كمسرح ارتجالي، فالاستراتيجية تستمد شكلها مما يفعله الممثلون أمام الجمهور الذي يقدم التقييمات. كتصنيع نماذج أولية سريعة لمنتج في عالم التقنية، أو حملات جمع رؤوس الأموال للمشافي أو المتاحف والتي تبدأ بمرحلة صامتة. غالباً ما تنشأ الاستراتيجية بعد مرحلة تخطيط مدروسة تتبعها اختبارات تنفيذ استكشافية، كأن يكون الأداء أفضل من المتوقع في سوق معين. وفي الحقيقة، يتمهل القادة الناجحون أحياناً في إعلان الاستراتيجية إلى أن يتأكدوا من نجاح تنفيذها.

انتشرت "موضة" الحديث عن أهداف جريئة وطموحات عالية علو السماء. ولكن في الواقع، من الضروري أن نتفادى الرغبة بإعلان النصر عند الإعلان عن الاستراتيجية. لأننا عندما نفشل بتحقيق الوعود الكبيرة يصبح سقوطنا أقسى لأن التنفيذ لم يتوافق مع الصخب الذي أثير حولها. كأن نأخذ صورة تذكارية لمصافحة الشركاء عند إتمام اندماج لينحل بعد فترة قصيرة. أو أن ننال جائزة خارجية لتصميم منتج ليتجاهله الزبائن عند طرحه في الأسواق. أو الحصول على تبرع سخي لعمل لم ينفذ بعد ليبوء بالفشل لاحقاً.

باختصار، شجع على الابتكار وابدأ التنفيذ، ثم أعلن عن الاستراتيجية في ما بعد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي