قبل أن يتلقى مندوبو المبيعات الناجحون تدريباً ولو ليوم واحد، نجد أنَّهم يمتلكون أصلاً وبوفرة خصلتين متعارضتين ظاهرياً متعلقتين بمؤهلات مندوب المبيعات الناجح وهما: التقمص العاطفي مع الزبائن والحاجة إلى التغلب على ترددهم في الشراء.
منذ ما يربو على 35 عاماً، استهلت صناعة التأمين برنامجاً مكثفاً لحل مشكلة دوران العمالة المُكلفة والمُبدِّدة بين مندوبيها، والدوران هنا يعني ترك بعض الموظفين أو العمال أعمالهم واستبدالهم بموظفين وعمال جدد. وأشارت التقديرات آنذاك إلى أن هناك معدل دوران للعمالة يزيد على 50% في غضون السنة الأولى، وقرابة 80% خلال السنوات الثلاث الأولى. وبعد إنفاق ملايين الدولارات و35 عاماً من الأبحاث، ما زال معدل دوران العمالة في صناعة التأمين 50% في السنة الأولى و80% في السنوات الثلاث الأولى تقريباً.
فما هي تكلفة معدل الدوران هذا؟ هي تقريباً أكبر من أن تُحسب. تدبَّر التالي:
- المبالغ الضخمة التي تُدفع رواتب لمندوبي المبيعات الجدد، والسحب على العمولات، وحسابات النفقات وما إلى ذلك، والتي تُهْدَر عندما يفشل مندوبو المبيعات هؤلاء في البيع.
- التكاليف الكبيرة التي تتكبدها الشركة، من حيث الوقت والمال والجهد، المتعلقة بتوظيف أشخاص لا يملكون أصلاً بذور النجاح واختيارهم وتدريبهم والإشراف عليهم.
- والتكاليف الكبيرة الناجمة عن المبيعات الضائعة، والمنسحبين، وتراجع سمعة الشركة، والروح المعنوية المتدنية، والمنطقة الجغرافية غير المُغطاة بالكامل، وما شابه ذلك.
فما سبب انعدام الكفاءة باهظ التكلفة هذا؟
السبب هو أساساً كالتالي: ببساطة لم تكن الشركات تعرف ما الذي يجعل شخصاً ما قادراً على البيع وغيره عاجزاً عنه. وكما لاحظ روبرت ماكموراي في مقاله "غموض فن البيع الفائق" (The Mystique of Super-Salesmanship).
إن نسبة عالية جداً من العاملين في المبيعات غير قادرين على البيع... إذا أردنا زيادة كفاءة المبيعات إلى أقصى حد والتقليل من الهدر الهائل للمال وللقوة العاملة الموجود حالياً إلى أدنى مستوى، فيجب إجراء تحليل بنَّاء لماهية البيع الحقيقية وكيفية الارتقاء بفعاليته... يجب أن ننظر نظرة أعمق بكثير – إلى أسرار الشخصية وعلم النفس – إن أردنا الوصول إلى إجابات حقيقية.
لقد كانت الحاجة الجلية لأسلوب أفضل لاختيار مندوبي المبيعات هي ما دفعنا إلى استهلال البحث الميداني في هذا المجال لسبع سنوات. والمقالة التالية مُستندة إلى الرؤى التي وصلنا إليها عن السمات الأساسية اللازمة لنجاح مندوب المبيعات في البيع. ومما يؤكد حقيقة سيرنا على المسار الصحيح هو القوة التنبؤية لأداة الاختيار (مجموعة الاختبارات) التي قمنا بتطويرها استناداً إلى البحث عينه، انظر الجدول التوضيحي المعنون "مدى نجاح أداة قياس التقمص العاطفي والدافع الأنوي في التنبؤ بنجاح المبيعات".
"مدى نجاح أداة قياس التقمص العاطفي والدافع الأنوي في التنبؤ بنجاح المبيعات"
خصلتان أساسيان تميّزان مؤهلات مندوب المبيعات الناجح
تقوم نظريتنا الأساسية على أن مندوب المبيعات البارع يجب أن يتمتع بخصلتين أساسيتين: ألا وهما التقمص العاطفي والدافع الأنوي.
القدرة على الشعور
التقمص العاطفي، وهو القدرة المحورية المهمة على الشعور بمشاعر الآخر كي يكون المرء قادراً على أن يبيعه منتجاً أو خدمة، يجب أن يتحلى به مندوب المبيعات بوفرة. والتحلي بالتقمص العاطفي لا يقتضي بضرورة الحال أن يكون الإنسان مُتعاطفاً. فالمرء بوسعه أن يعرف مشاعر الآخر دون أن يتفق معه في تلك المشاعر. لكن مندوب المبيعات ليس بوسعه ببساطة أن يبرع في البيع دون تلك القدرة الثمينة التي لا غنى عنها للحصول على ردة فعل قوية من العميل عبر التقمص العاطفي.
من الممكن أن نشبه هذا بالأسلحة القديمة المضادة للطائرات والصواريخ الحديثة المنجذبة للحرارة. فمع النوع القديم من الأسلحة الباليستية، كان الرامي يصوب على طائرة ما ويصحح قدر استطاعته بحسب أثر الريح والانحراف ثم يُطلق النار. وإذا انحرفت القذيفة عن الهدف بمقدار بضع سنتمترات فقط نظراً لخطأ طفيف في الحسابات أو بسبب مراوغة الطائرة، فإن ذلك الانحراف لا يفرق في أثره عن انحراف مقداره مئات الأمتار عن الهدف. وهذا هو حال مندوب المبيعات الذي لا يتحلى بتقمص عاطفي كافٍ. فهو يصوب نحو الهدف قدر استطاعته، وينطلق في مسار مبيعاته، ولكن إذا لم يكن أداء هدفُه – وهو الزبون – حسب المتوقع منه، فلن يتم البيع.
ومن ناحية أخرى، فإن الصواريخ الجديدة إذا دنت من الهدف من أي جهة كانت، تنجذب إلى حرارة مُحرك الهدف، وبغض النظر عن حركته المراوغة نراها تركز عليه أخيراً وتصيب هدفها.
مدى براعة الأداة التي تقيس التقمص العاطفي والنزعة الأنوية في التنبؤ بنجاح المبيعات
هذا هو مندوب المبيعات الذي يتحلى بالتقمص العاطفي الجيد. فهو يشعر بردود أفعال الزبون، وله القدرة على التناغم معها. وهو ليس ببساطة مقيداً بمسار مبيعات مُجهز مُسبقاً، بل يعمل استناداً إلى التفاعل الحقيقي بينه وبين الزبون. وإذ يشعر بما يشعر به الزبون، فإن بوسعه أن يغير وتيرته ويرجع عن مساره ويُدخل أي تعديلات قد تستدعيها الضرورة للتركيز على الهدف وإبرام صفقة البيع.
الحاجة إلى النصر
ثاني الخصلتين الأساسيتين التي لا غنى لمندوب المبيعات البارع عنها هي نوع محدد من الدافع الأنوي التي تجعله يرغب ويحتاج إلى إبرام الصفقة بشكل شخصي أو أنويّ، لا سعياً وراء المكسب وحسب. ولا بد أن يشعر بأنه يجب أن يُبرم الصفقة وأن الزبون موجود لمساعدته على سد حاجتة الشخصية هذه. وفي الواقع، فإن صفقة البيع – التي تمثل النصر – توفِّر بالنسبة لمندوب المبيعات المثالي وسيلة قوية لتعزيز حب الذات. ويتحسن تصوره لذاته بشكل كبير بفضل النصر ويضمحل ويتضاءل مع الإحساس بالفشل والإخفاق.
ونظراً لطبيعة جميع أشكال البيع، فإن إخفاقات مندوب المبيعات كثيراً ما تفوق نجاحاته. وعليه، طالما أن الإخفاق يميل إلى تقويض تصوره لذاته، فإن حبه لذاته يستحيل أن يكون من الضعف بحيث يستمر تصوره المتدني لذاته لفترة أطول من اللازم، بل يجب أن يعمل الفشل عمل الزناد – المحفز لبذل جهود أكبر – الذي يجلب له مع النجاح ما يسعى إليه من الارتقاء بحبه لذاته. ويجب تحقيق توازن دقيق بين (أ) حب للذات يَضعُف جزئياً على النحو الصحيح تماماً لكي يشعر بالحاجة إلى قدر كبير من التعزيز (صفقة البيع) و(ب) حب للذات قوي بما يكفي لكي يُحفزه الفشلُ ولكن دون أن يدمره.
إن التقمص العاطفي لدى مندوب المبيعات، إضافةً إلى دافعه الأنوي القوي، يمكِّنه من التركيز على الهدف بفعالية وإبرام صفقة البيع. فهو لديه الدافع والشعور بالحاجة لإبرام الصفقة، وتقمصه العاطفي يمنحه أداة الوصل التي تساعده على إنجاز ذلك.
آثار تآزرية
في هذا النقاش المتعلق بالعلاقة بين التقمص العاطفي والدافع الأنوي من جهة والبيع الناجح من جهة أخرى، سنعامل هذيْن العامليْن الديناميكييْن كسمتيْن منفصلتيْن. فهما حقاً منفصلتان من حيث أن المرء يمكن أن يمتلك قدراً كبيراً من التقمص العاطفي وأي مستوى من الدافع الأنوي، سواءً كان قوياً جداً أو ضعيفاً جداً. كما أن الشخص الذين يمتلك قدرة ضعيفة على التقمص العاطفي يمكن أن يتمتع أيضاً بأي قدر من الدافع الأنوي. ومع ذلك، فإن التقمص العاطفي والدافع الأنوي كمحدِّديْن للقدرة على البيع يؤثر كل منهما في الآخر، وفي واقع الأمر، يعزز كل منهما الآخر.
وكذلك فإن الشخص الذي يتصف بدافع أنوي قوي، يتمتع بأقصى حافز على الإطلاق ليستغل بالكامل أي قَدر لديه من التقمص العاطفي. وإذ يحتاج إلى إبرام الصفقة، فمن المستبعد أن يدع تقمصه العاطفي يفيض ويتحول إلى تعاطف. ومن المستبعد أن تسمح له حاجة الأنا لديه إلى الفوز والانتصار بأن ينحاز إلى الزبون، بل ستدعوه إلى استغلال معرفته بالزبون بالكامل لإتمام البيع.
ومن ناحية أخرى، فإن الشخص الذي يكون دافعه الأنوي ضعيفاً أو معدوماً من المستبعد جداً أن يستغل تقمصه العاطفي بطريقة مُقْنِعَة. فهو يَفهم الناس، وربما يعلم تمام العلم ما قد ينبغي له قوله كي يتم البيع بفعالية، لكن فهمه يميل إلى التحول إلى تعاطف. وإذا لم يكن بحاجة إلى النصر، فإن معرفته نفسها باحتياجات الزبون الحقيقية قد توحي إليه بأن الزبون لا ينبغي في واقع الأمر أن يُقْدِم على الشراء. وبما أنه ليس بحاجة إلى البيع بالمعنى الشخصي الداخلي، فقد لا يقنع الزبون بالشراء. ومن ثم فإننا كثيراً ما نقول في تقييمنا لمندوبي المبيعات المحتملين: "هذا الرجل يتمتع بتقمص عاطفي رائع، لكنه من المستبعد أن يستغله على نحو مُقْنِع، ولن يستغله لإبرام الصفقة".
وهكذا، فإن هناك علاقة ديناميكية بين التقمص العاطفي والدافع الأنوي. فالأمر يقتضي مزيجاً من الاثنين، حيث يعزز كل منهما الآخر – ويُمَكِّنه من أن يُستغلَّ الاستغلال التام – لخلق مندوب المبيعات الناجح.
الحاجة إلى التوازن
يتطلب الأمر دافعاً أنوياً خاصاً جداً ومتوازناً كي يشعر مندوب المبيعات بحاجة مُلحة إلى البيع مع السماح له بالنظر إلى الزبون عن كثب والاستفادة بالكامل من منظور التقمص العاطفي لردود أفعال الزبون واحتياجاته.
لذا فإن هناك عدد من البدائل الممكنة للتقمص العاطفي والدافع الأنوي. قد يمتلك المرء قدراً كبيراً من التقمص العاطفي والدافع الأنوي معاً (وسنرمز لهذه الحالة بـ: تاء-دال)، أو القليل منهما (ت-د) أو مزيجين وسطين بينهما ("تاء-د" و"ت-دال"). فعلى سبيل المثال:
تاء-دال: مندوب المبيعات الذي يتمتع بقدر كبير من التقمص العاطفي ودافع البيع الداخلي القوي سيكون على رأس فريق المبيعات أو قريباً من قمته.
تاء-د: مندوب المبيعات الذي يمتلك قدراً كبيراً من التقمص العاطفي لكن دافعه للبيع ضعيف يمكن أن يكون شخصاً رائعاً لكنه لن يبرم صفقات البيع بفعالية. هذا هو "الرجل اللطيف" الذي يحبه الجميع، ويبدو عليه بلا شك أنه يجب أن يكون الأفضل ضمن فريق المبيعات. لكنه بشكل أو بآخر "لا ينجح". وينتهي الحال بالناس إلى الإعجاب به لكنهم يشترون من شركة أخرى. وغالباً ما يُعَيَّن لأنه يتمتع بخصال شخصية رائعة. لكن قدرته على إبرام الصفقات ضعيفة. سينسجم مع الزبون ويفهمه وسينتقل به إلى مرحلة أقرب ما تكون إلى إبرام الصفقة، لكنه لا يتمتع بذلك التوق الداخلي للانتقال بالزبون إلى الخطوة الأخيرة المؤدية إلى الصفقة الحقيقية. إن هذا العنصر الأخير لعملية البيع – إبرام الصفقة – هو الذي يستحيل أن يُنجزه التقمص العاطفي وحده وتتجلى فيه بشدة أهمية السمة التوكيدية للدافع الأنوي.
ت-دال: مندوب المبيعات الذي يتمتع بدافع أنوي قوي لكنه لا يمتلك التقمص العاطفي الكافي سيشق طريقه بقوة لإبرام بعض صفقات البيع، لكن سيفوته كثير منها وسيُلحق الضرر برب عمله بسبب ضعف فهمه للناس.
ت-د: مندوب المبيعات الذي لا يتحلى بالقدر الكافي من التقمص العاطفي أو الدافع الأنوي لا ينبغي أصلاً أن يمتهن هذه المهنة، ولو أن كثيرين بالفعل من مندوبي المبيعات ينتمون إلى هذه الفئة. وسيُجنب ربُّ العمل نفسه الكثير من المشاق باكتشافه هذه الحقيقة مسبقاً وقبل إهدار جهود كبيرة على محاولة تعيين شخص لا يملك بداخله الآليات الأساسية للنجاح وتدريبه وتلقينه.
فشل الاختبارات
بما أن انتقاء أبرز مندوبي المبيعات أمر ذو قيمة قصوى، فقد يتساءل المرء لِماذا لم يكن هناك نجاح يُذكر إلى الآن في وضع أساليب للاختيار المسبق بفعالية.
اجتهد علماء النفس اجتهاداً عظيماً على مدار 50 سنة على الأقل في مجال الاختبارات. فقد خضع كل جانب من جوانب الشخصية والسلوك والمواقف والقدرات البشرية تقريباً لفحص المختبرين في فترة من الفترات. ولقد تحقق نجاح ملحوظ في مجال الاختبار، وخاصةً ربما في جانبي قياس نسبة الذكاء والقدرة الميكانيكية. واكتسب نطاق اختبارات الشخصية مؤخراً، وتحديداً في ظل الاستخدام المتزايد للتقنيات الإسقاطية، مستوى معيناً من التطور. إن المجال الذي لم يحظَ تقريباً إلى الآن بأي نجاح علمي حقيقي يُذكر هو اختبار القدرات، حيث تتألف القدرات من ديناميكيات الشخصية لا من الإمكانات الميكانيكية البسيطة.
أربعة أسباب. لقد قاومت القدرة على البيع، وهي قدرة بشرية إلى حد بعيد وغير آلية على الإطلاق، محاولات قياسها بفعالية. وأسباب هذا الإخفاق حتى الآن عديدة، ولكن يبدو أن هناك أربعة أسباب رئيسة لإخفاق اختبار قدرات البيع.
1. عكفت الاختبارات على البحث عن الاهتمام وليس عن القدرة. إن مفهوم أن يكون اهتمام الإنسان مساوياً لقدرته قد يكون أبرز أسباب فشل الاختبار. ولذلك فقد وُضِعت الاختبارات عن طريق طرح أسئلة على مندوبي المبيعات الناجحين أو الأشخاص الناجحين عموماً في مجالات أخرى، على فرض أنه إذا أبدى المُتقدم للاختبار نمط الاهتمام نفسه الذي يبديه مندوب مبيعات مُخضرم، فإنه سيكون مندوب مبيعات ناجح هو الآخر. وهذه فرضية خاطئة من الوهلة الأولى.
إن كثيراً من الاختبارات النفسانية لا تفشل في انتقاء مندوبي المبيعات البارعين وحسب، بل إنها قد تستبعد فعلياً أصحاب الأداء الأفضل حقاً بسبب إبداعهم أو تلقائيتهم أو أصالتهم — وهي الخصال التي تحطُّ أغلب الاختبارات من شأنها باعتبارها أشياء غريبة أو نقاط ضعف.
فمن الناحية النفسية، فإن الاهتمام بالشيء لا يساوي القدرة عليه. وحتى لو كان المرء مهتماً بالأشياء عينها التي يهتم بها اللاعبان ميكي مانتل (Mickey Mantle) أو ويلي ميس (Willie Mays)، فإن هذا لا يشير بأي حال من الأحوال إلى امتلاكه مهارة شبيهة لهما في لعبة البيسبول. وبالمثل، فإن حقيقة امتلاك المرء نمط الاهتمام عينه الذي يبديه مندوب مبيعات ناجح لا تعني أن بإمكانه إبرام صفقة البيع. وحتى إذا كانت لديه رغبة في البيع، فهذا لا يعني أنه قادر على أن يبيع.
2. كان التزييف في الاختبارات سهلاً إلى حد كبير. عندما يتقدم المرء لوظيفة ما، فمن البديهي أنه سيحاول أن يقول كل ما يظن أن رب العمل المرتقب يبغي سماعه منه. وإذا كان المُتقدم للوظيفة يتحلى بقدر معين من الذكاء، فسيعرف أنه ينبغي أن يقول إنه "يفضِّل أن يكون مندوب مبيعات على أن يكون أمين مكتبة"، بغض النظر عما يفضله حقيقة. ويعلم أنه ينبغي أن يقول إنه "يفضل صحبة الناس على المكوث في البيت ومطالعة الكتب"، وإنه "يفضل تبادل أطراف الحديث مع أعضاء رابطة الاتفاقيات التجارية التفضيلية، على الاستماع إلى موسيقى ممتعة"، أو إنه "يفضل قيادة نقاش جماعيّ على أن يعمل مع حراس الغابات".
هناك كتيبات إرشادية في السوق تتناول كيفية التحايل على اختبارات قدرات المبيعات، ولكنْ حتى دون هذه الكتيبات، بوسع الشخص الذكي العادي أن يرى بسرعة ما يسعى إليه المُخْتَبِر فيعطيه مراده. وهكذا، قد تنجح الاختبارات ببساطة في التصفية السلبية للأشخاص الأغبياء لدرجة تجعلهم يغفلون عن نمط ردود الأفعال المبتغى. وبتعبير آخر، بما أنهم أغبى بكثير من أن يعرفوا كيف يزيفون، فقد يُستبعدون. لكن يرجح أن يلاحظ مدير المقابلة الشخصية الفطن هذا النوع من الغباء بأسرع حتى من الاختبارات نفسها، وربما بوسعه أن يؤدي بهذه التصفية السلبية دوراً أفضل من الاختبار العادي القابل للتزييف.
3. فَضَّلَت الاختبارات الامتثال الجماعي لا الإبداع الفردي. يشجب النقاد المعاصرون للاختبارات النفسية المُختبِرين الذين يسعون إلى الامتثال والأساليب الموحَّدة التي يحكمون بها على المتقدمين للعمل مندوبي مبيعات وفي مهن أخرى. وهذا النقد سليم تماماً. فالمفكر المبتكر صاحب الروح الحرة الوثابة، الأصيل الفكر، الخصب الخيال، النشط، غالباً ما تقصيه الاختبارات التي تطلب التقيد الشديد بالمألوف – وهو التقيد الذي يكاد يصل إلى القبول السلبي للسلطة والخوف من أي شيء قد يُعكر بأي طريقة الأسلوب السائد للمنظومة البيروقراطية. ومن المفارقة أن هذا الشخص الملتزم الجبان الحريص السلطوي، وعلى الرغم من أنه يمكن أن يكون موظفاً حكومياً بارعاً أو حتى مراقباً أو موظفاً إدارياً نزيهاً، لن يصبح مندوب مبيعات ناجحاً قط.
اقرأ أيضاً: ما الذي يميّز مندوبي المبيعات الأقوى عن مندوبي المبيعات الأضعف؟
إن كثيراً من هذه الاختبارات لا تفشل في انتقاء مندوبي المبيعات البارعين وحسب، بل إنها قد تستبعد فعلياً أصحاب الأداء الأفضل حقاً بسبب إبداعهم أو تلقائيتهم أو أصالتهم — وهي الخصال التي تحط أغلب الاختبارات من شأنها أكثر من غيرها باعتبارها أشياء غريبة أو نقاط ضعف. لقد اكتشفنا مؤخراً موقفاً مماثلاً أثناء العمل مع أحد العملاء: استهلت شركة في المنطقة الجنوبية الغربية جهوداً مكثفة لتوظيف مندوبي المبيعات. وبدأنا نتلقى اختبارات عدد من المُتقدمين للوظيفة. وبدا أن تلك الاختبارات تتبع نمطاً معيناً. لم يكن بإمكاننا تزكية أي من المتقدمين للوظيفة وللسبب عينه تقريباً، ألا وهو افتقارهم إلى الدافع الأنوي. كانوا غالباً ما يتحلون بشيء من التقمص العاطفي، وبلا استثناء كانوا يتمتعون بقدرات كلامية رائعة، لكنهم بلا استثناء لم يمتلكوا الحاجة الداخلية المُلحَّة لإبرام صفقة البيع التي نبحث عنها في مندوبي المبيعات الكفؤين.
إن كثيراً من الاختبارات النفسانية لا تفشل في انتقاء مندوبي المبيعات البارعين وحسب، بل إنها قد تستبعد فعلياً أصحاب الأداء الأفضل حقاً بسبب إبداعهم أو تلقائيتهم أو أصالتهم — وهي الخصال التي تحطُّ أغلب الاختبارات من شأنها باعتبارها أشياء غريبة أو نقاط ضعف.
وبعد وصول حوالي 20 من تلك الاختبارات إلى مكتبنا، سألنا مدير المبيعات عن المعايير التي كان يستخدمها لتصفية الأشخاص الذين خضعوا للاختبار. واكتشفنا أنه قبل أن يُعطِي اختبارنا للمتقدمين، أخضعهم أولاً لاختبار قدرات المبيعات الذي وضعته شركته قبلها ببضع سنين. والذين حصلوا على درجات عالية في ذلك الاختبار خضعوا لاختبارنا.
وكنا قد حلَّلنا اختبار هذه الشركة من قبل ووجدناه مقياساً جيداً للقدرات الكلامية نوعاً ما، ومعياراً للذكاء والفطنة إلى حد ما. وكقاعدة عامة، لم يستطع الرجال الذين يملكون دافعاً أنوياً قوياً الحصول على درجات قريبة من الدرجة النهائية في ذلك الاختبار. وعليه، فإن الرجال أنفسهم الذين يتمتعون بالميزة التي نسعى إليها – أصحاب الدافع الأنوي القوي – استُبعدوا في حقيقة الأمر. طلبنا بعد ذلك من مدير المبيعات ألا يستخدم ذلك الاختبار، بل يُصَفِّي فقط على أساس التاريخ الائتماني والمظهر العام، وأن يُعطِي اختبارنا للذين اجتازوا هذه التصفيات البسيطة. بدأنا بعد ذلك نلاحظ الرقم المتوقع للمتقدمين المُستحبّين من الفئتين "أ" و"ب"– وكانت نسبتهم حوالي شخص واحد من كل خمسة أشخاص.
4. حاولت الاختبارات عزل خصال جزئية بدلاً من الكشف عن الديناميكيات الشخصية للمرء ككل.
إن أغلب اختبارات الشخصية والقدرات خصالية الطابع بالكامل في بنيتها ومنهجها. فهي تنظر إلى الشخصية كسلسلة أو "حزمة" من الخصال المُجزأة. وعليه، فقد يتمتع المرء بـ "روح اجتماعية" عالية بينما لا يتمتع في الوقت نفسه بـ "الاكتفاء الذاتي" و"السيطرة". وربما يتمتع شخص آخر بـ "علاقات شخصية" قوية غير أنه لا يمتاز بصفة "التعاون". وبطريقة ما، يضيع الكل (أو الصورة المتكاملة). وهكذا يغدو التفاعل الديناميكي الذي يمثل الشخصية، كما يراه أكثر علماء النفس في عصرنا الحالي، دفيناً في سلسلة من الخصال المُجزأة القابلة للفصل حسابياً.
وعليه يُقال إن مندوب المبيعات كفتى الكشافة تقريباً عليه أن يكون "اجتماعياً" و"مسيطراً" و"ودوداً" و"مسؤولاً" و"صادقاً" و"مخلصاً" جداً. والصورة الكلية – الديناميكيات الكامنة داخل الشخص التي ستسمح له بأن ينجح في البيع – تتوارى عن الأنظار حقاً. ومن الواضح أن شخصاً ما قد يكون "اجتماعياً" و"مسؤولاً" وما إلى ذلك، ومع ذلك يظل مندوب مبيعات فاشلاً جداً.
اقرأ أيضاً: 5 أمور يفعلها مندوبو المبيعات المتميزون
وقد حاولنا في بحثنا تجاوز الخصال والانطلاق مباشرةً إلى الديناميكيات المركزية التي نعتقد أنها أساسية للقدرة على البيع: التقمص العاطفي والدافع الأنوي. وإذا نقَّبنا عن تلك السمات الأعمق والأكثر مركزية، فقد قلصنا على الفور من احتمالية التزييف، طالما أن المستجيب للاختبار سيجد صعوبة بالغة في تحديد الشيء المنشود حقيقةً. وغني عن القول أن أهمية المنفعة بصفتها عاملاً متغيراً قد تراجعت بشدة، وأمسى عامل الامتثال خاضعاً بالكامل للسمات المحورية الأساسية الجاري قياسها. وعليه فبدلاً من استهلال السؤال على النحو التالي: "كيف يجيب مندوبو المبيعات إجمالاً عن أسئلة بعينها؟"، يمكننا أن نستهله كالتالي: "ما الخصال التي تصنع مندوب مبيعات بارعاً بحق؟" وبعدها نطرح السؤال التالي: "كيف يمكنك الكشف عن تلك الخصال البشرية؟".
قبل فترة طويلة من التعرف على المنتج، وغالباً أثناء تجربة الطفولة والنمو، يكتسب مندوب المبيعات المستقبلي الناجح خصالاً بشرية محورية للبيع.
إن استخدام الديناميكيات المحورية بدلاً من الخصال بما له من تداعيات تترتب عليه نتائج، ما نعتقد أنه طريقة إيجابية للتنبؤ بنجاح المبيعات وهي طريقة مُتقدمةٌ عما أُنجز إلى يومنا هذا بكثير.
مُغالطة الخبرة
إن كثيراً من تنفيذيي المبيعات يشعرون بأن نوع البيع في صناعتهم (وحتى في شركتهم نفسها) خاص وفريد جداً بشكلٍ ما. وهذا صحيح إلى حد ما. ولا شك أن مندوب مبيعات معدات معالجة البيانات بحاجة إلى تدريب وخلفية مختلفيْن نوعاً ما عما يحتاجه مندوب مبيعات السيارات. فأوجه الاختلاف في المتطلبات واضحة، ومعرفة مدى تطابق مؤهلات المتقدم مع المؤهلات الخاصة لوظيفة بعينها من عدمها يمكن أن تتجلى بسهولة في سيرته الذاتية أو تُقاس وفقاً لها. لكن ما يصعب الكشف عنه هو ديناميكيات المبيعات الأساسية التي كُنا نناقشها، والتي تسمح للفرد بأن ينجح في البيع بغض النظر تقريباً عما يبيعه.
لقد اكتسبنا حتى الآن خبرة من التعامل مع ما يربو على 7,000 مندوب مبيعات لأشياء ملموسة وغير ملموسة في قطاع البيع بالجملة وكذلك في قطاع البيع بالتجزئة، ولأشياء رخيصة وأشياء باهظة الثمن. وما زالت ديناميكيات النجاح واحدة تقريباً في جميع الحالات. إن القدرة على البيع محورية أكثر حتى من المنتج الذي تبيعه. فقبل فترة طويلة من التعرف على المنتج، وغالباً أثناء تجربة الطفولة والنمو، يكتسب مندوب المبيعات المستقبلي الناجح خصالاً بشرية محورية للبيع. ولذلك، فعندما يكون التركيز على الخبرة – وتكون الخبرة أهم من أمور أساسية كالتقمص العاطفي والدافع الأنوي – فإن النتيجة لن تكون أكثر من إعادة إنتاج للرتابة والوسطية المملة.
لقد اكتشفنا أن الشخص الخبير الذي يُستحوذ عليه من شركة منافسة غالباً ما يمكن الاستحواذ عليه ببساطة لأنه لم يحقق نجاحاً ملموساً مع الشركة المنافسة الأولى. لذا فهو يشعر أنه يمكن أن يبلي بلاء أفضل بشكل سحري مع الشركة الجديدة. لكنَّ هذا نادراً ما يحدث. فهو يظل على حاله – متوسط الأداء – أو حتى يزداد أداؤه سوءاً. ولذلك فإن ما تحتاج إليه الشركات هو استعداد أكبر للبحث عن أشخاص يتمتعون بإمكانات المبيعات الأساسية في السوق العامة. فالخبرة يمكن أن تُكتسب بسهولة تقريباً، لكن القدرة الحقيقية على البيع لا يسهل اكتسابها بالمرة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك حقاً تحفيز فريق مبيعاتك؟
من بين الجزارين وعمال المناجم والحدادين، وحتى العاطلين عن العمل، هناك كثيرون – ربما واحد من بين عشرة – ممن يمتلكون القدرة على أن يصبحوا مندوبي مبيعات من الطراز الأول سواء علموا بذلك أم جهلوه. وثمة واحد على الأقل من خمسة أشخاص يمكن أن يكون مندوب مبيعات من الدرجة الثانية أو حتى أفضل في أغلب أنواع البيع. وكثير من هؤلاء مؤهلون لأن يكونوا مندوبي مبيعات أفضل بكثير من بعض الذين اكتسبوا خبرات متراكمة على مدار سنين طويلة. وحالة "هريدي"، كما سنُطلق عليه، مثال رائع على ذلك: كل ما عرفناه عن هريدي في البداية أنه دخل إلى معرض أحد عملائنا الذين يشتغلون في بيع السيارات استجابةً لإعلان العميل، وخضع لاختبارنا. وصرَّحنا بأنه الوحيد الذي حصل على امتياز ضمن المجموعة، وأوصينا بتعيينه بشدة. خيَّم صمت صادم على الطرف الثاني على الهاتف. وقيل لنا حينئذ إن اختباره عُدَّ مُزحة ومادةً للتندر.
وُصِفَ لنا المشهد على النحو التالي: كان هريدي هذا قد دخل إلى المعرض يمشي الهوينى ذات صباح وهو يرتدي جلابية وعِمة على رأسه. ثم ما كان منه إلا أن قال بلهجة عامية: "ده أنا هموت وأبيع العربيات دي". وقد احتفظ صاحب وكالة السيارات باختباره على سبيل التندر ليس إلا، أو ربما أبقاه ليرى ما إذا كنا يقظين لدرجة تجعلنا نستبعده أم لا. فهذا الرجل لم يسبق له أن باع سيارةً أو أي شيء في حياته، ولم تكن هيئته هيئة مندوب مبيعات ولا خلفيته توحي بقدرته على البيع أبداً.
وهو اليوم أحد أفضل مندوبي المبيعات عند تاجر السيارات. فبعد فترة وجيزة من استهلاله العمل، قال "ده أنا هموت واروح معرض سياتل بتاع العربيات"، وباع ما يكفي من السيارات في الأسبوع الأول من الشهر ليؤمِّن لنفسه ما يكفيه من المال للسفر إلى سياتل وقضاء أسبوعين هناك. وفور عودته، حقق أرباحاً كافيةً في الأسبوع الأخير من الشهر توازي المتوسط الشهري للعاملين بالوكالة.
من الواضح أن ليس أغلب الرجال الذين يقطنون التلال، ويرتدون بذلة عمل من الجينز وأحذية رياضية، سيكونون أبرع مندوبي مبيعات. ولكن بعضهم قد يكون كذلك، وافتقارهم للخبرة لا يقوض بأي حال من الأحوال من إمكانية تحليهم بالديناميكيات الداخلية التي لدى أبرز مندوبي المبيعات. ومن الواضح بالقدر نفسه أن عدداً كبيراً من الرجال يظهرون بهيئة رائعة أو "واجهة جيدة" ويتضح فيما بعد أنهم ليسوا مندوبي مبيعات ناجحين. ويبقى السؤال الحقيقي – وهو السؤال الأول دائماً: "هل يتمتع هذا الرجل بالديناميكيات الداخلية الأساسية للنجاح في البيع؟".
عمى الخبرة. غالباً ما يعمل التركيز على الخبرة بطريقة أخرى تقلل من فعالية المبيعات. فالشركة تنمو معتادةً على رؤية موظفيها في العديد من "القوالب" الوظيفية، في أقسام بعينها، مقيدين بأنواع معينة من الخبرة. وهؤلاء قد يقومون بعملٍ مُرضٍ في مناصبهم. ولكن كثيراً ما يحدث أن تحُولَ عادة "الخبرة الخاصة" العمياء دون استغلال الشركة للموظف بطريقة أكثر فعالية وملاءمة. على سبيل المثال: ثمة شركة غربية تعمل في مجال الإيجارات العقارية أرادت أن نُقَيِّم فرعاً لها يعمل به 42 موظفاً لتحديد سبب المستوى المتوسط لنشاط المبيعات، وعلة وجود بعض الصعوبات بين الموظفين، وما إذا كان الأمر يقتضي تسريح بعض هؤلاء الموظفين. وبعد أن فحصنا اختبار كل موظف، أجرينا فحصاً "بالأشعة السينية" على الفرع، أي أننا أجرينا تقييماً للموظفين استناداً إلى الهيكل التنظيمي، قسماً تلو الآخر، وخاصة فيما يتعلق بمَن يرأس مَن ومَن يعمل تحت إمرة من، ومَن يعمل مع مَن، مشيرين إلى نقاط القوة والضعف في كل قسم.
اكتشفنا أن جميع موظفي الشركة تقريباً يستحقون بقاءهم في الشركة، لكننا اقترحنا حركة انتقالات لحوالي ثلث عدد الموظفين إلى أقسام أخرى. فوجدنا أن الموظف الذي يتمتع بأعلى قدرات بيع، إضافة إلى قدر كبير من القدرات الإدارية (وهُما ليسا الشيء نفسه على الإطلاق)، يعمل في قسم الشؤون المالية. لكنَّ هذه الوظيفة لم ترضه تماماً. ومنذ ذلك الحين، أصبح مديرَ المبيعات الجديد للفرع في استغلال أنسب لقدراته الكبيرة.
وهناك واحد من الموظفين الأكبر سناً، الذي قُدِّرَ أنه مدير مكتب من الطراز الأول، رغم أنه حصل على تقييم جيد بصفته مندوب مبيعات. فقد كان يتمتع بتقمص عاطفي جيد، لكنه لم يتحلَ بدافع أنوي قوي، ولذلك كان مندوب مبيعات جيداً لا ممتازاً. ولكن على الصعيد الإداري، كانت لديه القدرة على التعامل مع التفاصيل، وهو العامل النادر نوعاً ما لدى مندوب المبيعات. فقد كان قادراً على تفويض سلطاته واتخاذ قرارات بسرعة وكفاءة نوعاً ما. لقد منحته تلك الخصال، إضافةً إلى تقمصه العاطفي الجيد، إمكانات ممتازة في منصبه الإداري، ولكن ليس في إدارة المبيعات، وذلك لأن دافعه الذي لا يتعدى المستوى المتوسط كان سيضر به في منصب إدارة المبيعات. وإذ عمل مديراً إدارياً للمكتب، وهو المنصب الذي ارتقى إليه، فقد أدى أداءً قوياً.
وأما المدير الإداري السابق للمكتب، وهو الذي يتمتع بقدرة كبيرة على التعامل مع التفاصيل باقتدار ومسؤولية، لكنه لا يتحلى بالقدر الكافي من التقمص العاطفي (ومن ثم كان عاجزاً عن التعامل مع موظفي مكتبه بتفاهم)، فقد نُقِلَ أفقياً إلى قسم المحاسبة الذي كان يتمتع ببعض الخبرة السابقة فيه، وحيث يستطيع أن يتعامل بعناية مع التفاصيل ويديرها أكثر من عنايته بالأشخاص وإدارتهم.
وهكذا، فإن ما يعوَّل عليه أكثر من الخبرة هو قدرات المرء الداخلية الأساسية. ومن الواجب أن يوضع كل موظف حالي، وكذلك كل متقدم جديد للوظيفة، في المجال الذي يستطيع أن يكون فيه أكثر إبداعاً وإنتاجيةً.
دور التدريب
لا يستطيع عامل الحديد والصلب أو عامل منجم الفحم أو عامل الغزل والنسيج أو حتى "هريدي" نفسه، بغض النظر عن كمِّ قدرات المبيعات الحقيقة التي يتحلى بها، أن يبدأ فجأة في بيع وثائق التأمين أو الصناديق الاستثمارية التشاركية أو المعدات الكهربائية أو السيارات. فكل واحد منهم سيكون بحاجة إلى التدريب. وقد أنفقت الشركات أموالاً طائلة على تطوير برامج تدريب فعالة. وعندما يخضع لهذه البرامج التدريبية شخص ذو إمكانات، فمن الممكن أن تُبرِز تلك الإمكانات وتخلق مندوب مبيعات ممتاز. ومن دون التدريب المناسب، سنجد أنه حتى مندوبو المبيعات من الطراز الأول ستبدو إمكاناتهم محدودة جداً.
ومع ذلك، كم مرةً خضع موظفون لبرامج تدريبية طويلة ومكثفة ثم نراهم يفشلون بالكامل عندما يخرجون إلى ميدان العمل؟ وعندما يحدث هذا، يُلقى باللائمة على المُدرب، وربما حتى على البرنامج التدريبي نفسه، وأحياناً ما يُهجر بالكامل. لكن الأغلب أن الخطأ ليس في المدرب ولا في برنامج التدريب، بل في حقيقة أنهما كُلفا بمهمة مستحيلة أشبه بتحويل الفحم إلى الألماس. إن أبرع عُمال صقل الألماس على الإطلاق، إذا أُعطيَ قطعة فحم، ليس بوسعه أن ينجح سوى في خلق قطعة فحم مصقولة صقلاً رائعاً. ولكن إذا أُعطي أخشن الماس فبوسعه بالفعل أن يحيلها إلى أغلى الأحجار الكريمة ثمناً. وإليكم حالة إيضاحية: منذ حوالي ثلاث سنوات، وضعتْ شركة مقرها في الشمال الشرقي برنامجاً تدريبياً بديعاً استُثمرت فيه أموال طائلة. وفي نهاية عاميْن من التدريب، تم تقييم نتائج هذا البرنامج. واتضح أن المبيعات لم تزدد بأكثر مما هو متوقع عادة في تلك الصناعة خلال تلك الفترة الزمنية. وبدا أن الاستثمار في البرنامج التدريبي مضيعة تامة للوقت والمال. وعليه أُسقط البرنامج بالكامل من الحسابات. وبعد مرور ستة أشهر، طلبت منا إدارة الشركة اختبار فريق عمل المبيعات الحالي وتقييمه ومحاولة تحديد علة فشل ذلك البرنامج التدريبي الموصَى به بشدة ذاك الفشل الذريع.
كان السبب واضحاً على الفور. فمن بين فريق عمل قوامه 18 مندوب مبيعات، حصل واحد فقط على تقييم ممتاز، وازداد حجم مبيعاته حقاً بعد البرنامج التدريبي. وكان هناك مندوبان آخران حصلا على تقييم جيد جداً، وتحسَّن أداؤهما أيضاً نوعاً ما مع التدريب. وحصل الخمسة عشر مندوباً الآخرون على تقييمات تتراوح بين جيد ومقبول، وما كان ينبغي لهم أن يزاولوا هذه المهنة من الأساس، فهُم ببساطة لم يمتلكوا إمكانات مندوب المبيعات البارع. وكانوا مُتعنتين ومستبدين بآرائهم ويفتقرون غالباً إلى التقمص العاطفي بشكل ملحوظ. وهذا النوع من الناس نادراً ما يستجيب للتدريب، مهما كان البرنامج شاملاً. كانت هذه حالة واضحة لمحاولة صنع الألماس من 15 قطعة فحم متنوعة.
فكرة المقالة باختصار
تناقش هذه المقالة القديمة قضية لا تزال راهنة وهي التكلفة العالية لدوران مندوبي المبيعات (أي مغادرتهم للعمل بسرعة وقدوم موظفين جدد مكانهم) وهذه التكلفة تتضمن أجور التعيين والتدريب والإدارة بالإضافة إلى أثرها السلبي على الروح المعنوية للموظفين وعلى سمعة المؤسسة وخاصة عندما يفشل المندوبون في اتمام الصفقات.
ويكمن السبب وراء هذه المشكلة في عملية الاختيار الفاشلة لموظفي المبيعات، فالشركات تسعى لتحديد واختيار موظفين تتوفر فيهم القدرة على البيع وليس حسن المنظر كافياً في هذه الحال، كما يجب أن يمتلك الموظفون بعض الخبرة في مجال البيع وعليهم أن ينجحوا في اختبار معياري. ولكن أفضل البائعين هم من يتمتعون بخصلتين مهمتين. التقمص العاطفي: وهو القدرة على الشعور بشعور الآخرين بهدف بيعهم منتجاً أو خدمة ما. والدافع الأنوي: وهو رغبة جامحة وحاجة ملحّة إلى إتمام البيع. وكي يكون البائع متميزاً عليه أن يمتلك هاتين الخصلتين بوفرة: أي الكثير من التقمص العاطفي والكثير من الدافع الأنوي بحيث تعمل كل خصلة منهما على تقوية الخصلة الأخرى.
وإذا بذلت الشركات جهدها في اختيار الموظفين بناءً على هاتين الخصلتين وأتبعت ذلك بنظام تدريبي مناسب، فسوف تتمكن من خفض الخسائر التي يسببها دوران الموظفين وسوف يصبح لديها علاوة على ذلك فريق من مندوبي المبيعات من الدرجة الممتازة.
إن دور التدريب واضح، فهو أمر حيوي. وفي سوق عصرنا الحالي ذات التنافس العالي، من الأهمية بمكان شحذ قوى كل موظف وصولاً إلى الحد الأقصى من إمكاناته الإنتاجية. والفعالية في التدريب باستخدام أفضل الأساليب الحديثة ضروري لتحقيق هذه الغاية. لكن التدريب لا يفلح إلا إذا أفلح الاختيار. ولا بد من توفير المادة الخام الجيدة أولاً قبل أن نتوقع من قسم التدريب أن ينتج ألماساً. وكما يَسمح قليل من المُصَنِّعين بإنتاج منتجاتهم على أساس التقديرات التقريبية للحجم والوزن بل يطالبون بالمراقبة العلمية لتلك الخصائص الأساسية، يتعيَّن كذلك أن تُصبح عملية الاختيار أدقَّ وعلميّة أكثر.
إن دور مندوب المبيعات حيوي جداً لنجاح أي شركة، لدرجة أنه من المفاجئ جداً لهؤلاء الكُتَّاب مدى تدني التركيز الذي أولته الصناعة لعملية اختيار المادة الخام الأفضل لمندوبي المبيعات. فلكَي يتمكن مندوب المبيعات من البيع بكفاءة في السوق الأميركية في عصرنا الحالي، يتعين عليه أن يتحلى بالتقمص العاطفي. وللبيع بكفاءة في السوق الأجنبية، حيث لا مناص من عبور الحدود الثقافية، يقتضي الأمر المزيد من التقمص العاطفي. ويتطلب تسويق السلع والخدمات في أي مكان قدراً كبيراً من الدافع الأنوي. ولقد صرحت وزارة التجارة الأميركية مؤخراً بأن الصناعة الأميركية لا تُعاني من مشكلة إنتاجية، وأن مشكلتها الأساسية تكمن في التوزيع. ومندوبو المبيعات الأكفاء هم مفتاح التوزيع، والاختيار الملائم هو مفتاح العثور على مندوبي المبيعات الأكفاء واستغلالهم والاستفادة منهم.
ويجب أن تتحسن قدرة هذه الصناعة على انتقاء أفضل مندوبي المبيعات. فلقد كان الفشل حتى يومنا هذا نابعاً من أخطاء مثل الاعتقاد بأن الاهتمام يساوي القدرة، وقابلية تزييف اختبارات القدرات، والتأكيد التعجيزيّ على الامتثال بدلاً من الإبداع، وتقسيم الإنسان إلى خصال متفرقة بدلاً من فهمه كإنسان كامل. ويبدو أن الخبرة أقل أهمية من امتلاك الإنسان للخصلتيْن الأساسيتيْن، وهما التقمص العاطفي والدافع الأنوي، اللتيْن يجب أن يتحلى بهما كي يُتاح له البيع بنجاح. ولا يمكن للتدريب أن يؤتي ثماره المرجوة إلا إذا وُجِدَت المادة الخام المناسبة لذلك التدريب.
اقرأ أيضاً: قوانين تجارة التجزئة
وينبغي أن يُسهم اختيار الأشخاص الذين يتحلون بالتقمص العاطفي والدافع الأنوي نوعاً ما في مساعدة الأعمال على حل واحدة من أكثر مشكلاتها إلحاحاً: ألا وهي تقليص التكلفة العالية لدوران العمالة وانتقاء مندوبي مبيعات أفضل بحقن وبهذه الإرشادات ستتمكن من تحديد مؤهلات مندوب المبيعات الناجح.
اقرأ أيضاً: كيف تستطيع فرق المبيعات أن تزدهر في عالم رقمي؟