تمثل بداية العام الجديد، بما تحمله من أمل، فرصة لإنجاز الأعمال بطريقة صحيحة أو على الأقل إعادة بعض الأمور إلى نصابها لا سيما في ما يتعلق بمعرفة سبب فشل القرارات. لقد أجرت إحدى زميلاتي في كلية "وارتون" (Wharton)، كاتي ميلكمان بحثاً حول "تأثير البداية الجديدة" وحقيقتها: حيث يعد شهر يناير/ كانون الثاني أو الذكرى السنوية، أو بداية الشهر، أو أي علامة زمنية ذات معنى شخصي، حافزاً قوياً للتجديد.
أربع خطوات لإحداث التغييرات المتعلقة باتخاذ القرارات
ومع ذلك نرى الكثيرين يُبَددون هذه الفرصة: علينا أن ندرك أن الاكتفاء بنوايا التغيير لن يؤدي إلى خلق التغيير فعلياً. بناءً على نتائج بحثي الخاص التي تم شرحه باستفاضة في كتابي "وجّه حياتك إلى حيث تريد" (Leading the Life You Want) توصلت إلى أربع خطوات محددة يمكنك اتباعها لإحداث التغييرات المهمة في مسيرتك التنموية لتصبح قائداً.
1. حدد أهم المهارات التي يجب التركيز عليها
غالباً ما تفشل القرارات المتخذة للعام الجديد، لأنك لا تعطيها الأهمية اللازمة. لذلك خذ بعض الوقت لتحديد أكثر الأمور أهمية في حياتك. يجب أن تختار الأمور المحددة والبسيطة والمهمة وبذلك سوف تتوصل لاتخاذ إجراءات أكثر واقعية.
ابدأ بقراءة منهجية للمهارة التي ترغب في تطويرها. وفيما يلي سنطرح ثلاثة تمارين لمساعدتك في هذا المجال:
- لقد قمتُ بتطوير تقييم ذاتي لتحديد مستوى مهاراتك بثلاث دقائق مجاناً، باستخدام مزيج من تقارير شركة "كوالتركس" (Qualtrics)، ونتائج عقود من البحث في مجال القيادة من خلال منظور شمولية الفرد. بعد إجراء هذا التقييم -الذي أنصحك بإجرائه الآن-وقراءة التقرير الموجز عن نتائجك، عليك أن تطرح السؤال التالي "أي من هذه المهارات هي الأكثر أهمية لي لكي أركز عليها، ولماذا تُعتَبر هذه المهارة مهمة للغاية في هذه المرحلة من حياتي؟".
- جرب هذا التمرين الذي تعلمته من توم تيرني، المدير التنفيذي السابق لشركة "بين" (Bain) والشريك المؤسس لمؤسسة "بريدجيسبان" (Bridgespan). حيث كان يخصص يوماً في نهاية كل عام ليكتب في دفتر يومياته تقييمه لما إذا كان قد أمضى السنة وفقاً لتقديره المسبق، وإذا لم تكن النتيجة مُرضية، فما الذي يمكن أن يعمل على تغييره وبصورة واقعية في العام المقبل ليصبح أكثر قدرة على تحقيق توقعاته.
- هناك خيار آخر: اكتب لتصف كيف تتخيل نفسك بعد مضي خمسة عشر عاماً من الآن. أغمض عينيك وخذ نفساً عميقاً وتخيل يومك كيف سيكون بعد خمسة عشر عاماً. منذ استيقاظك في الصباح، مع من ستكون؟ وماذا ستفعل؟ وخلال الظهيرة؟ وفي المساء؟ ما هو الأثر الذي تتركه في هذا العالم، وماهي أهمية هذا الأثر بالنسبة لك؟ حسناً، اكتب الآن وبالتفصيل، تفاصيل هذه الصورة التي تخيلتها للتو. ثم اطرح السؤال التالي، "ماذا علي أن أفعل لتعزيز إمكانياتي في سبيل تحقيق هذه الصورة؟".
2. وضّح الأسباب التي تجعل من تنمية مهاراتك أمراً مهماً بالنسبة للأشخاص المهمين في حياتك
بمجرد اختيارك لأحد المهارات للتركيز عليها، ارفع من رهاناتك العاطفية وزد من فرصك في متابعة خطتك للتنمية، من خلال التفكير في مدى تأثير تطورك على جميع الأشخاص المهمين في حياتك. بمعنى آخر، ليس عليك تحديد ما هو تأثير تحسن أدائك لهذه المهارة، على الصعيد المهني فقط، بل وعلى الصعيد الأسري، والاجتماعي، بالإضافة للصعيد الشخصي أيضاً؟ عندما تقوم بطرح هذا السؤال، أنت الآن تفكر كقائد، فأنت لا تفكر بمصلحتك الشخصية فقط، وإنما تفكر أيضاً بالأشخاص الذين يعتمدون عليك ويحبونك.
3. توصل إلى فكرة محددة حول الإجراءات التي يمكنك اتخاذها لبناء هذه المهارة المهمة
لقد طلبت من آلاف الأشخاص القيام بهذه الخطوة، وقد نجح الجميع تقريباً. ولكن إذا واجهتك بعض الصعوبات، فسأقدم لك هذا المثال البسيط (وهو أحد الأمثلة العديدة التي تم شرحها في الكتاب). أُطلِق على هذا التمرين تسمية "نقل المواهب"، وهو تمرين لتعزيز مهاراتك في حشد الموارد الموجودة في جميع مناحي حياتك لتحقيق الأهداف المهمة.
ابدأ بتحديد مهارة تتقنها بالفعل. قد تكون توجيه زملائك في العمل، أو تنظيم الأنشطة العائلية، أو إدارة حملات جمع التبرعات. هل يمكنك استخدام هذه المهارة في الجوانب المختلفة من حياتك؟ لنفترض أنك قمت بتنظيم حفل زفافك بنجاح. فالتقم الآن بتطبيق ما تعلمته حول تنظيم الأحداث لتنظيم تجمع من 200 شخص أو لتنظيم مؤتمر في العمل. وإذا كنت تعمل كمحاسب، يمكنك أن تمارس التدريس في المساء لتدريس مهارات العمل المحاسبي كنشاط مسائي في مدرسة ابنك الثانوية مثلاً. حيث يمكنك اعتبار هذه المهارات كاليد اليمنى التي تساندك في الكثير من نشاطاتك المختلفة، مثل رمي الأشياء أو ورفعها أو حمل الأطفال.
وبنقل مهاراتك من مجال إلى آخر، ستتمكن من الاستفادة منها لتصبح أكثر فاعلية في تلبية أهدافك في جميع مناحي الحياة. ستمنح نفسك أيضاً الفرصة لترسيخ ما تعلمته من خلال الممارسة الإضافية.
اقرأ أيضاً: الأخطاء الأربعة الأكثر شيوعاً في اتخاذ القرارات
4. افتح المجال للآخرين للمشاركة بتقديم الدعم كمدربين (وتحمل المسؤولية)
ولأن معظم البشر يميلون بطبيعتهم إلى الإحجام عن المجهول ومقاومة تجربة الأمور الجديدة، فبالتالي سنحتاج إلى التشجيع من الأشخاص الذين يريدون لنا النمو، والأهم من ذلك ربما سنحتاج لضغوط هؤلاء الأشخاص التي ستدفعنا للمواظبة. تشارك مع زميلك أو صديقك للاستفادة من تبادل خبراتكما بما يسمى تدريب النظراء.
يمكنك أيضاً العمل على نطاق أوسع. فإذا كنت قد أنجزت الخطوة الثانية بشكل جيد، فهذا يعني أنك تمتلك تصوراً واضحاً عن الكيفية والأسباب التي ستكون بموجبها خطتك لتنمية المهارات مفيدة للأشخاص الذين تهتم لأمرهم. فإذا أخبرتهم بخطتك، أو ربما قمت بتعديلها بما يمَكنهم من رؤية الفائدة التي قد تعم على الجميع بشكل أكثر وضوحاً، وإذا طلبت منهم تقييم مستوى تقدمك بين الحين والآخر، فلن تحصل على المزيد من الدعم والضغط الإيجابي للتغيير فقط، وإنما ستمارس صورتك وترسخها كقائد. وبذلك، ستعمل وفقاً لمصلحتهم ومصلحتك الشخصية على حد سواء.
اقرأ أيضاً: هل نستعمل معلومات أقل مما نعتقد من أجل اتخاذ القرارات؟
ومثل أفضل الرياضيين والموسيقيين والمؤديين في جميع المجالات، يطور القادة العظماء مهاراتهم باستمرار ويكرسون جهوداً كبيرةً لممارستها. استخدم ذلك الحافز الإضافي المتاح لك مع بداية العام من أجل معرفة سبب فشل القرارات، ولتسريع عملية نموك لتصبح قائداً. عزز من فرص نجاحك من خلال القيام بذلك بطريقة يتخللها الشغف بمتابعة ما يهم ويجمع الأشخاص الأكثر أهمية بالنسبة لك حولك. بمعنى آخر، وجّه طريقك لتصبح القائد الذي تتمنى أن تكون.
اقرأ أيضاً: