تنفق المؤسسات في العالم حوالي 356 مليار دولار على جهود تطوير القدرات القيادية للوصول إلى عقلية القائد العظيم. إلا أن شركة "براندون هول غروب"(Brandon Hall Group) المختصة بالأبحاث والتحليلات المتعلقة برأس المال البشري، أجرت دراسة استقصائية على 329 مؤسسة عام 2013، ووجدت أن 75% من المؤسسات قيمت برامجها لتطوير القدرات القيادية على أنها ليست على قدر كبير من الفعالية. لماذا لا يحقق ما تنفقه الشركات على تطوير القدرات القيادية أثراً كبيراً؟ يشير بحثنا الأخير إلى احتمال أن يكون ذلك بسبب تغاضي معظم جهود تطوير القدرات القيادية عن سمة محددة أساسية في طريقة تفكير القادة وتعلمهم وسلوكهم، وهي العقلية.
العقلية هي العدسة التي ينظر القائد من خلالها وتحدد له المعلومات التي يمكنه استخدامها كي يجد تبريراً منطقياً للمواقف التي تواجهه ويتجاوزها. ببساطة، العقلية هي التي تحدد ما يفعله القادة وسببه. مثلاً، تفسر العقلية سبب مواجهة قائدين مختلفين الموقف ذاته، (كاختلاف أحد المرؤوسين معهم في الرأي)، ومعالجته والاستجابة له بطريقتين مختلفتين. قد يرى أحدهما الموقف بمثابة تهديد يعيق سلطته، بينما يعتبره الآخر فرصة للتعلم والتطور أكثر. وعندما تتجاهل جهود تطوير القدرات القيادية عقليات القادة، فهي تتجاهل طريقتهم في رؤية المشاكل والفرص وتفسيرها، كما ذكرنا في المثال.
اقرأ أيضاً: تعرف على سمات القائد العالمي الفعال
ما هي عقلية القائد العظيم؟
قد تتساءل: إذا كانت العقليات بهذه الأهمية، فأي عقلية منها يجب علينا مساعدة قادتنا لتطويرها؟ في دراستنا الجديدة، أجرينا بحثاً واسع النطاق عن مصادر في العلوم الاجتماعية من أجل فهم العقليات المتنوعة لدى الأفراد. وبذلك، تمكنّا من تحديد أربع مجموعات مميزة من العقليات التي ثبت تأثيرها على قدرة القادة على التعامل مع الآخرين والتعامل مع التغيير بنجاح أكبر وتأدية أدوارهم القيادية بفعالية أكبر.
عقلية النمو والعقلية الثابتة
عقلية النمو هي الاعتقاد بأن الإنسان قادر على تغيير كفاءاته وقدراته وذكائه. بينما في المقابل، لا تؤمن العقلية الثابتة أن الإنسان قادر على تغيير كفاءاته وقدراته وذكائه. توصلت أبحاث استمرت على مدى عقود من الزمن أن من يتمتع بعقلية النمو لديه استعداد أكبر من الناحية الذهنية للتعامل مع التحديات ومواجهتها والاستفادة من التقييمات وتبني استراتيجيات أكثر فعالية لحل المشكلات، وتقديم تقييم بهدف التطوير للمرؤوسين وبذل الجهد والمثابرة في السعي لتحقيق الأهداف.
عقلية التعلم وعقلية الأداء
تتضمن عقلية التعلم امتلاك صاحبها الحافز لرفع كفاءته والتفوق في عمل جديد. في حين تتضمن عقلية الأداء امتلاك صاحبها الحافز لكسب أحكام إيجابية (أو تفادي الأحكام السلبية) بشأن كفاءته. وبالمقارنة بينهما لدى القادة، نجد أن القائد صاحب عقلية التعلم أكثر استعداداً من الناحية الذهنية لزيادة كفاءته والانخراط في استراتيجيات التعلم العميق وطلب التقييمات وبذل جهد إضافي. كما أنه مثابر وقادر على التأقلم وعازم على التعاون ويحقق أداء على مستوى أعلى.
عقلية التأني وعقلية التنفيذ
يتمتع القائد صاحب عقلية التأني بتقبل كبير لتلقي المعلومات بجميع أنواعها كطريقة لضمان أن يفكر ويتصرف بأفضل طريقة ممكنة. بينما يركز القائد صاحب عقلية التنفيذ أكثر على تنفيذ القرارات، ما يمنعه من تقبل الأفكار والمعلومات المختلفة. وبالمقارنة بين هذين القائدين، نجد أن القائد صاحب عقلية التأني يتخذ قرارات أفضل لأنه أكثر حيادية ودقة وأقل تحيزاً في التفكير بالقرارات وصنعها.
عقلية الترقية وعقلية الحماية
يركز القائد صاحب عقلية الترقية على الفوز والربح. إذ يحدد هدفاً محدداً أو غاية أو وجهة محددة ويولي الأولوية للتقدم نحوها. أما القائد صاحب عقلية الحماية فيركز على تجنب الخسارة ومنع المشاكل مهما كلف الثمن. توصلت الأبحاث إلى أن القائد صاحب عقلية الترقية أكثر قدرة على التفكير بطريقة إيجابية وانفتاحاً على التغيير وهو مثابر أكثر على الرغم من التحديات والعوائق، ويملك مستويات أعلى من الأداء والسلوك الابتكاري مقارنة بالقائد صاحب عقلية الحماية.
اقرأ أيضاً: ما الذي يصنع القائد؟
ما أن تفهم هذه العقليات بصورة أفضل، ستتمكن من تصميم برامج التدريب القيادي على نحو يمكنك من تحرير العقلية الأكثر فعالية لدى مدرائك. خذ مثلاً شركة مايكروسوفت، فهي تشكل مثالاً عظيماً عن المؤسسات التي استفادت من قوة العقليات بهذه الطريقة. إذ حافظت على ثبات قيمتها السوقية وسعر سهمها ما بين عامي 2001 و2014، ولكن في عام 2014، عندما استلم ساتيا ناديلا إدارة الشركة، أخذ على عاتقه مهمة تجديد القيادة والثقافة في الشركة. وفي كتابه بعنوان "اضغط على زر الإنعاش" (Hit Refresh)، يشرح أن العقليات، وعقلية النمو تحديداً، كانت محور تركيزه الأساسي في عملية تجديد شركة مايكروسوفت. وبالفعل، ازدادت القيمة السوقية للشركة وسعر سهمها أكثر من ثلاثة أضعاف تحت قيادته هذه.
هذا أحد الأمثلة التي توضح أنه إذا رغبت الشركات في أن تجني ثمار استثمارها في تطوير القدرات القيادية للوصول إلى عقلية القائد العظيم، فمن الضروري أن تولي تطوير العقليات الأولوية، وذلك يتم تحديداً عن طريق استهداف عقليات النمو والتعلم والتأني والترقية. وعندما ينمي كل قائد طريقة تفكيره وتعلمه وسلوكه، فسوف يحقق تحسناً بصورة طبيعية لأنه سينظر إلى المواقف ويفسرها بفعالية أكبر.
اقرأ أيضاً: