عملت مؤخراً مع مدير تنفيذي معيّن حديثاً كان يعاني من القلق "لافتقاره إلى الكاريزما" توطئة لعرض تقديمي قادم. كان مهندساً ذي خبرة وشخصاً انطوائياً يشعر بعدم الارتياح عندما يتحدث أمام عدد كبير من الناس. وكان أحد أسباب اختياره لمنصبه قدرته المميزة على الإصغاء. بالتالي دربته على إدراج الإصغاء في خطاباته مع الأخذ بعين الاعتبار لصفات الخطيب المؤثر، وسرعان ما أدرك أن أكبر ميزاته لم تكن قدرته على سحر جمهوره، بل بالأحرى قدرته على إيلاء الاهتمام لاحتياجاتهم. وكان الموظفون يخرجون بعد عروضه التقديمية المحفزة وهم يشعرون بأنه "تم فهمهم". ربما كان هذا الرئيس التنفيذي يفتقر إلى الكاريزما، لكنه كان يتمتع بمهارة أكثر قيمة وهي: الحضور.
صفات الخطباء المؤثرين
غالباً ما يعاني عملائي، ولاسيما أولئك الذين يعملون في مجالات تقنية أكثر، من نفس الشك الذي صرّح به الرئيس التنفيذي ذلك، وهو عدم رؤية أنفسهم كخطباء رائعين لافتقارهم إلى "الكاريزما". من استمع إلى عرضهم "الجاف" أو تذكر ما يقولون؟ كم عدد الأخطاء التي قاموا بها؟ ما يحتاجون إليه هو "الحضور". إن أي خطيب قادر على تحقيق الحضور، خاصة في المجالات "الجافة" التقنية المتخصصة.
بالنسبة للمبتدئين، من الأهمية بمكان أن نفهم أن "الكاريزما" شيء و"الحضور" شيء آخر. فالكاريزما تتضمن إصدار أشعة مغناطيسية معينة تجذب فيها الآخرين إليك. ويميل السياسيون والممثلون إلى الاستفادة من ذلك إلى أقصى حد ممكن، حيث لديهم عامل "ملء الغرفة". ونتوق كمتحدثين إلى أن نكون شخصيات كارزماتية، ونريد أن ينجذب الناس إلينا ويعجبون بنا، لكن عليك هنا الانتباه إلى أمر مهم: فلا تتمثل وظيفتك كمتحدث في جعل الجمهور يُعجب بك، بل في إيصال رسالتك. وفي الواقع، وإذا كان تركيز الجمهور منصباً عليك بشدة، فقد تفوتهم رسالتك.
ويعود سبب ذلك، وفقاً لدراسات عديدة، إلى أن العاطفة هي العامل الأساس في تذكر المحتوى، إذ يجب أن يتصل المستمع عاطفياً بما يسمعه ليتذكر ما يقوله الخطيب. ببساطة، نحن نتذكر أبرز الأحداث التي وقعت في حياتنا والتي تأثرنا فيها عاطفياً بشكل أوضح من البقية.
ويمكن للكاريزما في الواقع أن تُخمد استجابتنا العاطفية. فوفقاً لدراسة رائعة أجراها الباحث والأستاذ بكلية "جادج للأعمال" في كامبردج في المملكة المتحدة، جوشن منغز، سيقوم المتحدث الكاريزماتي بلفت انتباه الجميع ثم "كبح" ردود الفعل العاطفية للمستمعين. بالتالي، سيكون الجمهور أقل عرضة لتذكر العرض التقديمي الخاص به. ربما سيتذكرون أنهم أحبوه، لكنهم على الأرجح لن يتذكروا ما قاله.
كم مرة استمعت فيها إلى متحدث آسر، ثم لم تستطع تذكر أبرز النقاط التي قالها؟
وهذا هو المكان الذي يأتي فيه "الحضور". وثمة تعاريف كثيرة للحضور، وإليك أحد التعاريف الحرفية له.
الحضور هو ببساطة القدرة على أن تكون موجوداً بشكل كامل مع الأشخاص في الغرفة والرسالة التي توصلها إليهم.
ويمثل الحضور نقيض الكاريزما. فبينما تركز "الكاريزما" على الخطيب، يركز "الحضور" على الجمهور. إن الحضور هو إعطاء شيء ذي قيمة للجمهور، وليس منحهم تجربة ساحرة حول نفسك.
وكانت تلك هي عبقرية عميلي – المدير التنفيذي – حيث قام بالتركيز على ما يحتاج أن يسمعه جمهوره، أو ما يقلقهم أو مخاوفهم أو أسئلتهم. وبدل من محاولة إظهار ذكاءه، ساعدهم في حل مشكلاتهم وجعلهم يشعرون بالاتصال به.
وكما كتبت معلمة العروض التقديمية نانسي دوارتي، "قد تكون أذكى شخص في الغرفة التي تقدم فيها عرضك التقديمي، لكن يجب أن تمارس القوة التي توفرها لك المعرفة بحكمة وتواضع. يجب ألا تنظر أبداً إلى العرض التقديمي باعتباره فرصة لإظهار مدى روعتك، بل فرصة لجعل الجمهور يقول في قرارة نفسه، "يا إلهي، لقد كان الاستماع إليك في هذا العرض التقديمي أمراً رائعاً. لدي الآن العديد من الأفكار والأدوات التي تساعدني على النجاح لم تكن لدي سابقاً".
إن الحضور هو أمر حاسم في قدرتك على تقديم محتوى ذي صلة.
ومن المفارقات، أن وجود الحضور وهو "إعطاء هدية" للجمهور– يساعد الخطيب بقدر ما يساعد المستمع، حيث يتيح الحضور للخطيب القيام بالاتصال مباشرة بالأشخاص الموجودين في الغرفة. ويكون المتحدثون القادرون على إنشاء حضور كامل مع جمهورهم أقل عصبية وأكثر فاعلية.
لكن كيف يبدو الحضور؟
بالنسبة للمبتدئين، يتركز انتباه الخطيب إلى الخارج. فبدلاً من التفكير في كيفية تلقي الرسالة، يركز المتحدث على ما إذا كان الجمهور يفهم الرسالة أم لا.
يفكر الخطيب بنشاط في كلماته خلال إلقائها، وذلك على عكس الترديد الآلي الذي يكبح الحضور. وحتى عندما يقرأ الخطيب كلمة مكتوبة، فإنه يفكر في كلماته خلال إلقائها.
اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع شخص أقوى منك؟
وبطبيعة الحال، التنفيذ ليس بسهولة الكلام. وفي كثير من الأحيان، عندما يكون المرء على وشك الكلام، يجرب العقل – القلق بطبيعته – جرف الخطيب بعيداً عن موضعه. ويقول لي عملائي إنهم عندما يحاولون أن يكونوا حاضرين، تكون أذهانهم عالقة في الماضي، حيث يتذكرون عرضاً تقديمياً سابقاً تعرّض لخطب ما، أو أمر لم يقوموا بالتحضير له بشكل جيد، أو يركزون على رد فعل الجمهور والآثار المترتبة على فشلهم الذي لا مفر منه.
خطوات التجهيز للعروض التقديمية الفعالة
وكيف يمكنك تعزيز الحضور لتكون قادراً على أن تكون موجوداً بشكل كامل مع الأشخاص الحاضرين في الغرفة؟ فيما يلي بعض الطرق للبدء.
1. قم بالتحضير مع الحضور
منذ اللحظة التي تبدأ فيها الاستعداد، ركز على من سيكون في الغرفة وعلى ما يحتاجونه منك. إذا قمت ببناء العرض التقديمي الخاص بك حول احتياجات جمهورك، فسيكون من الأسهل الحضور معهم عندما يحين الوقت للتحدث. اسأل دائماً من سيكون الجمهور!
2. تدرّب مع الحضور
في كل مرة تتدرب فيها، استهدف أن تكون أكثر تركيزاً على توجيه رسالتك إلى جمهور - حتى لو كان هذا الجمهور وهمياً. في اللحظة التي تلاحظ فيها ميلك إلى الترديد الآلي، توقف وابدأ الجملة من جديد.
3. اجعل عقلك حاضراً
مباشرة وقبل أن تبدأ في الكلام، توقف لحظة لتدوين كل ما يمنعك من الحضور وضع الورقة جانباً. عندما أقوم بذلك مع عملائي، تكون قائمتهم طويلة وتتضمن تجارب سلبية سابقة خطبوا فيها، ومخاوف من قلة الاستعداد، ومخاوف من رد فعل الجمهور، والاجتماعات القادمة، وغيرها من الأفكار المُشتتة. ويساعد قضاء بعض الوقت لتدوينها ووضع الورقة بعيداً على إعادة تركيز العقل على المهمة الحالية.
4. اجعل جسمك حاضراً
قبل أن تتحدث مباشرة، خذ 15 ثانية لتحسين وقفتك، إذ تخبر وضعية متصلة ومنفتحة عقلك بأن الوقت قد حان للحضور أمام جمهورك بالكامل. كيف تبدو وضعية منفتحة؟ إذا كنت جالساً، تكون الأيدي أمامك أعلى الطاولة، وكتفاك إلى الوراء ومسترخيان، وتتنفس بارتياح وأنت تنظر إلى الأشخاص الذين ستتحدث إليهم. عندما تتحول إلى وضعية منفتحة، فإنك تقول لعقلك، "أنا مستعد لأكون حاضراً مع الجمهور" وستشعر بتوتر أقل تلقائياً.
اقرأ أيضاً: كيف تفاوض بلطف دون أن تكون لقمة سائغة
5. ابدأ مع الحضور
قبل أن تتحدث، خذ لحظة للتنفس وقم بإلقاء نظرة مباشرة على جمهورك. ثم ابدأ ببيان "أنتم". على سبيل المثال "كل واحد في هذه الغرفة ..." منكم في هذه الغرفة ..." أو "أريد أن أشارككم قصة حول قوة ..." يقول هذا لعقلك فوراً إنك تركز على الجمهور.
6. تحدث مع الحضور
بينما تتكلم، وجّه طاقتك نحو الأفراد في الغرفة. انظر إلى كل شخص لوحده. ركز على التأكد من فهم كل شخص يستمع إليك لرسالتك بالكامل.
يمكن للجميع تعلم إنشاء الحضور، وخاصة الانطوائيين. وبينما يتمتع العديد من المنفتحين بحضور ممتاز، فإن للمنطويين ميزة مميزة، وهي أنهم قادرون على أن يكونوا أكثر حضوراً مع الجمهور نظراً لأنهم لا يحتاجون إلى الكثير من الطاقة من الجمهور. عندما فهم عميلي التنفيذي هذا أخيراً، كل شيء تغيّر: تمكن أخيراً من التوقف عن القلق بشأن إعجابه والتركيز على ما يهم فعلياً وهو مساعدة جمهوره.
يمكنك أن تكون خطيباً بارعاً وتفتقر إلى الكاريزما. ما تحتاجه بدلاً من الكاريزما هو الحضور ،والتركيز على صفات الخطيب المؤثر.
اقرأ أيضاً: