في عالم لا نستطيع الفكاك فيه من البريد الإلكتروني قد تكون اللقاءات بالآخرين وجهاً لوجه مؤثرة للغاية. إذا أحسنت اختيار المؤتمرات التي تشارك بها، فستكون لديك وسيلة فعالة لتحقيق ذلك على نطاق أوسع وأسرع، لأن المؤتمر الجيد هو الفرصة التي يمكنك فيها اللقاء بأعداد كبيرة من الأشخاص في بضعة أيام فقط. انظر مثلاً إلى تيم فيريس، الذي يصف مشاركته في مؤتمر (الجنوب والجنوب الغربي) "South by Southwest" في العام 2007 بأنه "نقطة تحول" على حد تعبيره لكتابه الناجح "اعمل 4 ساعات في الأسبوع" (The 4-Hour Workweek)، وذلك لأنه كان قادراً على اللقاء بالعديد من المدونين والكتّاب الذين ساعدوه في الترويج لكتابه حتى أصبح من أكثر الكتب مبيعاً. سنقدم لك في هذه المقالة 5 استراتيجيات يمكنك استخدامها لتحدد المؤتمرات التي تناسبك هذا العام وتخصص لها الوقت المناسب في جدول أعمالك:
أولاً، من المهم أن تعرف تماماً موقعك الحاليّ في مسيرتك المهنية؛ هل ما زلت في البداية (في حياتك العملية أو في وظيفة جديدة)؟ من الضروري في هذه المرحلة توسيع نطاق معارفك والإلتقاء بأشخاص جدد. وحين تتقدم في منصبك ستجد أمامك المزيد من الفرص، ويمكنك حينها أن تكون أكثر حصراً للفعاليات التي تشارك بها. أما في المراحل المبكرة من العمل لن تكون قادراً على تمييز أي الفرص ستكون الأفضل لك، ولذا حاول المشاركة قدر الإمكان في المؤتمرات وورش العمل وفعاليات التعارف وما إلى ذلك.
كان سر نجاح أسطورة الهوكي الشهير واين غريتزكي هو أنه كان كما يقولون: "يذهب إلى حيث ستكون الكرة، لا إلى حيث كانت"، وعليك التفكير بهذه الطريقة بخصوص المؤتمرات التي تود المشاركة بها. فلا تحصر تفكيرك بالفعاليات التي يتردد عليها معارفك، بل فكر أيضاً بالمؤتمرات التي تأمل أن تجد بها الأشخاص المناسبين، كي تحظى بفرصة التواصل مع أشخاص تأمل في تعزيز علاقتك معهم في المستقبل.
في العام 2008، أي قبل عامين من بدء مشروعي الخاص بالاستشارات في مجال استراتيجية التسويق، أقدمت على خطوة تطلبت مني قدراً كبيراً من الثقة. تلقيت دعوة لحضور مؤتمر "رينيسانس ويك إند" (Renaissance Weekend) الشهير، سجلت لأربعة فعاليات دفعة واحدة، دون أن أعرف تماماً كيف ستكون. كما أن تكلفة التسجيل وحدها بلغت ثمانية آلاف دولار، وهو مبلغ كبير على رائدة أعمال جديدة في ذلك الوقت. لكنني كنت على قناعة بضرورة رفع مستوى معارفي والحاجة إلى مقابلة أشخاص جدد مثيرين للاهتمام، ولذا قررت (بحكمة) الاستثمار في هذا الأمر.
ليس من السهل دائماً ترك عملك للمشاركة في المؤتمرات، لا سيما أن المؤتمر عادة يستغرق من يومين إلى خمسة أيام، مع احتساب أيام السفر. ولهذا السبب يلزمك، إن كنت مهتماً حقاً بهذا الأمر وتقدر أولويته، التسجيل في المؤتمرات مسبقاً. هذا يسمح لك بحجز تذاكر طيران أرخص (في إحدى المرات تكاسلت عن المبادرة إلى حجز تذكرة إلى مدينة آسبن، وفيها مطار صغير ورحلات محدودة، واكتشفت أن سعر التذكرة ارتفع فجأة إلى ألف دولار). يضمن الحجز المبكر لك أيضاً مكان إقامة مناسب، وقد يكون هذا صعباً في مؤتمرات كبيرة مثل مؤتمر "ساوث باي ساوث واست" (SXSW). عجزت مرة عن حجز غرفة في فندق جيد في وسط المدينة ولم أجد أي غرفة شاغرة، واضطررت للذهاب إلى غرفة في نُزل رهيب على الطريق السريع، وكان زجاج النافذة مكسوراً علماً أن الغرفة في الطابق الأرضي.
تذكر أيضاً أنه إذا كنت بحاجة إلى طلب إجازة من العمل، فيجب عليك ترتيب ذلك في أقرب وقت ممكن، قبل استكمال بقية الترتيبات. قد تظهر مشاريع مهمة في العمل قبل موعد المؤتمر الذي تنوي المشاركة فيه، ولكن إذا طلبت إجازة قبل ستة أشهر من موعد المؤتمر ودفعت الرسوم واتخذت إجراءات الفحص النافي للجهالة قبل وقت طويل من موعد المؤتمر مع علم الإدارة، فلن يتردد المدير عادة في الموافقة على طلبك، ما لم تتسبب مغادرتك في كارثة حقيقية.
وأخيراً، اعلم أن أفضل التجارب في المؤتمرات لا تأتي عادة بطريق الصدفة، وإنما أنت الذي تستطيع جعلها تجربة عظيمة إذا خططت لذلك وحرصت عليه. إن كنت على معرفة مثلاً بالشخصيات المشاركة في المؤتمر (عادة ما تنشر المؤتمرات أسماء المتحدثين والمشاركين فيها)، فهذه فرصتك للتواصل مع من تعرفهم من الأشخاص والمشاركين واللقاء بهم، حتى لو لم تكن التقيت بهم وجهاً لوجه قبل ذلك، وقد تدعوهم مثلاً لتناول القهوة أو الخروج في عشاء جماعي. وهذا يضمن لك أن تمضي بعض الوقت مع أشخاص تهتم بمعرفتهم. تذكر كذلك أن المنفعة عادة تكون متبادلة. ففي عام 2015 رتّبت لعشاء في أثناء مؤتمر "ساوث باي ساوث واست" جمعت فيه اثنين من أصدقائي وهما نيك ويسترغارد وهايدي غرانت، قدمت هايدي لاحقاً نيك إلى وكيل أعمالها، وبفضل هذه العلاقة تمكّن نيك، بعد عام فقط، من نشر كتابه "كن مزيجاً من القطع: تسويق رقمي أكثر ذكاءً للمؤسسات الكبيرة والصغيرة" (Get Scrappy: Smarter Digital Marketing for Businesses Big and Small).
هنالك العديد من المؤتمرات الجديدة التي يعلن عنها كل يوم، ولن يكون بالإمكان سوى أن تختار المشاركة في بعضها كل عام. إذا اتبعت الاستراتيجيات التي ذكرناها للتو، فستنجح في الإقدام على الخيارات الأسلم لتحدد المؤتمر أو الفعالية التي تود المشاركة فيها وتمنحها أولوية من وقتك، ومعرفة الأشخاص الذين تريد اللقاء بهم، وكيف تحقّق الفائدة من كل ذلك.