كيف تتفاوض مع فريق المشتريات؟

6 دقائق
التفاوض مع فريق المشتريات

تخيل الشعور التالي عند التفاوض مع فريق المشتريات: بعد شهور من التودد إلى عميل جديد أعطاك المؤشرات الدالّة كلها على أن عقداً مربحاً يلوح في الأفق، تلقيت رسالة بالبريد الإلكتروني من فريق مشترياته. أوضحت الرسالة وجود عملية تقديم عطاءات تنافسية، وأن مقدمي العطاءات جميعاً عليهم الموافقة مقدماً على الأحكام والشروط القياسية (العسيرة)، وأن أي محاولة لمخاطبة العميل بشكل مباشر ستؤدي إلى الإقصاء من العملية برمتها. فكيف تتم عملية التفاوض مع فريق المشتريات تحديداً؟

لقد أصبح هذا السيناريو المؤرِّق مألوفاً بشكل متزايد لكثير من البائعين، والسواد الأعظم منهم يفترض أن التفاوض أمرٌ عقيم بشكل أو بآخر. وخيارهم الوحيد، من وجهة نظرهم، إما الانسحاب وإما الخضوع لقواعد لعبة المشتريات، ومن ثَم يُضيّعون على أنفسهم فرصة خلق قيمة ربما كانت كبيرة (وأرباح مستقبلية). إنهم على وشك التورط في معضلة نطلق عليها اسم "الفوز بالعرض ولكن مع خسارة المفاوضات".

التفاوض مع فريق المشتريات

على مدار العقود العديدة الماضية، عكفنا على تدريب المشترين والبائعين على العديد من المواقف المشابهة. رأينا مشترين يُهدرون أوقاتهم وأموالهم في تشكيل عروض بطرقٍ تدمر القيمة، وشهدنا بائعين يهدرون الوقت والمال والتوازن العاطفي بالخوض في هذه العمليات بسذاجة.

لكن الأمر لا ينبغي أن يكون على هذا النحو. بدلاً من اتخاذ قرار بالاستجابة للإنذارات النهائية والتهديدات، يستطيع البائعون توظيف تحركين أساسييْن لتحسين فرصهم.

تحليل الموقف

إن تخيل الكيفية التي يرى بها نظيرك عملية التفاوض يؤدي إلى نتائج أكثر قيمة للطرفين. من سوء الحظ أن البائعين عادةً ما تخفى عليهم فرضيات موظفي المشتريات وعاداتهم. فهم يفترضون أن عملية العرض المنافس رُوعي التفكير فيها بعناية، وأنها تعكس الأولويات الحقيقية للعميل. وحقيقة الأمر أن ذلك غالباً ما يكون مخالفاً للواقع. غالباً ما تلجأ فِرق المشتريات - على نحو افتراضي - إلى عملية عروض تنافسية محكومة ومُعززة تعزيزاً شديداً، لأنه من الأسهل على المرء أن يتولى الإدارة من أن يحاول التفاوض مع أصحاب مصلحة معقدين في الداخل والعديد من المورّدين في آن واحد. وفضلاً عن هذا فإن رؤساء أقسام المشتريات غالباً ما يتحفزون بفعل مقاييس قصيرة الأجل تُشجعهم على تبني عقلية تفاوض بسيطة مُحصّلتها صفر، وغرس عقلية العملية التحكمية.

اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع المورّدين الأقوياء؟

ويفترض البائعون أيضاً، عن خطأ منهم، أن أقسام المشتريات لديها سلطة فرض قواعد واشتراطات العملية. اسأل مدير قسم المشتريات عن حجم سلطة صناعة القرار الفعلي الذي يتمتع به قسم المشتريات في أي مؤسسة عادية، وسوف يُجيبك أنها "محدودة بشكل مدهش". الواقع أن قسم المشتريات نادراً ما يكون صانع القرار النهائي، مهما صرّح للبائعين.

ولتقييم عملية صناعة القرار، من المفيد أن نفكر بلغة "المادة الخام" للصفقة، وهو الاصطلاح الذي نستخدمه للتمييز بين:

  • أصحاب القرار (الذين يوافقون بالفعل وبوسعهم عرقلة القرار النهائي؟).
  • المفاوضون - أو واضعو عملية التفاوض (مثل قسم المشتريات).
  • المحامون/المستشارون (الذين لديهم مصلحة في النتيجة و/أو ربما يشكلون معايير القرار) أو العملية.

ينبغي للبائعين أن يسألوا واضعي العملية حول كيفية صناعة القرار النهائي، وحول الأشخاص الذين سوف يشاركون في صناعته. وعليهم في الوقت نفسه أن يتعاملوا مع التأكيد على مسؤولية القرار من قِبل قسم المشتريات بوصفه فرضيةً يجب أن تخضع للاختبار لا حقيقة مثبتة لا خلاف عليها.

وينبغي للبائعين أيضاً العمل على فهم متطلبات تسيير الأعمال الأساسية للمشتري، وكيفية تطور تلك المتطلبات. لو كان طلب تقديم العروض يتضمن بالفعل مجموعة من متطلبات تسيير الأعمال، فاطرح أسئلة لاستيضاح المصدر الذي نبعت منه تلك المتطلبات، وما إذا كانت تستوعب بالفعل نطاق القيمة التي تدور في مخيلة العميل. وإذا لم تُتح متطلبات تسيير الأعمال، فطالب بها. كما ينبغي أن يسعى البائعون للاستفسار من المشترين عن كيفية استيعابهم لمصالح (أهداف ومخاوف) أصحاب المصلحة المتنوعين في الداخل، فلربما يعتقد كل واحد منهم أن احتياجاته هي الأهم على الإطلاق. إن سؤال قسم المشتريات عن الأفكار التي بُنيت عليها متطلبات تسيير الأعمال يمكن أحياناً أن يؤدي إلى نقاشات ورؤى ثاقبة عالية القيمة بخصوص الجوانب الأهم على الإطلاق للعميل أو العملاء الداخليين والسبب وراء أهميتها.

اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع شخص أقوى منك؟

وأخيراً، ينبغي للبائعين التفكير بعناية فيما إذا كانت متطلبات تسيير الأعمال المذكورة تعكس حقاً مصالح العميل الأساسية جميعها. يجوز أن يتجاهل أي طلب لتقديم العروض المصالح الأساسية للعميل عندما يخشى قسم المشتريات أن ذكرها ربما يكشف الأوراق الرابحة (على سبيل المثال، مشاركة الرغبة في اتخاذ القرار سريعاً). كذلك، فإن هناك غالباً مصالح نفسية ومؤسسية ضمنية: فالمشترون عادةً ما يرغبون في أن يُعاملوا باحترام، وأن يرى عملاؤهم الداخليون أنهم أبلوا بلاءً حسناً، وأن يتجنبوا الشعور بالخطر بسبب افتقارهم للمعرفة الفنية أو المعرفة ببواطن السوق. وبما أن الوفاء بالمصالح غير المُعلنة يمكن أحياناً أن يؤثر بشدة على العملية والنتائج، يتسم البائعون بالحكمة إذ يصنعون حلولاً ويعممون تكتيكات اتصالات تتنبأ بالمصالح غير المُعلنة ومتطلبات تسيير الأعمال المنصوص عليها وتفي بها.

تشكيل العملية

بعد أن يعملوا على فهم المنظومة، يستطيع البائعون دائماً إيجاد فرصٍ للطعن على قواعد العرض التنافسي وتعطيلها وتغييرها. وتنبع القوة في المفاوضات من العديد من المصادر: لدينا قوة بدائل عدم التوصل إلى اتفاق لكل جانب، والاعتماد الحالي أو المستقبلي لطرف على الآخر، وقوة الحل سريع الاستجابة بشكل متفرد، وقوة سابقات الأعمال والمعايير والمقاييس، والقدرة على تشكيل السمعة أو الفرص المستقبلية للطرف الآخر، وما إلى ذلك. ومواجهة العديد من المنافسين لا يحرم كل بائع من كل القوى المتاحة له.

علاوة على ذلك، فالقوة دائماً ما تكون ديناميكية تقريباً خلال عملية العرض. وغالباً ما يستطيع البائع أن يجد أوراق ضغط في اللحظة المحددة عندما يكون على وشك المشاركة في عرض، خصوصاً في المواقف التي يكون فيها إشراكه محبباً لدى العميل (على سبيل المثال، أن يكون بائعاً قديماً أو بائعاً سبق أن تعاون صانع القرار معه من قبل). لنفترض مثلاً أنّ طلب تقديم عروض قسم المشتريات مُرفق به عقد توريد قياسي يحوي أحكاماً وشروطاً قانونية قاسية من جانب واحد (آجال سداد ممتدة، وأحكام مسؤولية غير محدودة، وخسائر تبعية غير محدودة، ودعاوى ملكية حقوق الملكية الفكرية، الخ). وعندما يواجه المشتري احتمالات خسارة بائع ذي قيمة عالية وغير مستعد للقبول بمواد غير منطقية في العقد، فإنه غالباً ما يُقدم تنازلات في سياق العملية إلى ذاك البائع، أو إلى البائعين جميعاً.

اقرأ أيضاً: كيف تفاوض بلطف دون أن تكون لقمة سائغة

وبينما يتطور العرض، يجوز أن يُقدم المشتري قوالب وجداول بيانات لا بد من استكمالها على نحو محدَّد ومقيِّد (وأحياناً ما تتحدد بوصف محدود أو منقوص للمشكلة الحقيقية التي تواجه العمل). وربما قيل للبائعين إن الإخفاق في الالتزام بنسق الرد المحدد سيؤدي إلى الاستبعاد من العرض. ورغم أن هذه القيود مُصممة لتساعد قسم المشتريات على المقارنة بين ردود الفعل بسهولة أكثر، من الممكن أن تعرقل مقترح الحلول التي تخلق للقيمة، ومن الممكن أن يبحث البائعون بكياسة وبرفق ثلاثة إجراءات مزعزِعة، مع التأكيد على السبب وراء مساعدتهم للمشتري على تحقيق قيمة أكبر:

  • إعادة تصور مشكلة العمل: يستطيع البائع أن يُعبئ النموذج، بينما يطعن أيضاً على الأساس المنطقي لمشكلة العمل التي وصفها المشتري في طلب تقديم العروض، وتقديم رد تكميلي منفصل للمشكلة التي يعتقد أن العميل يهتم لأمرها حقاً.
  • تقديم عروض متعددة: يستطيع البائع أن يتقدم بردٍ واحد، مستعيناً بالنسق المطلوب، ويقدم العديد من العروض التي ربما تُنوّع النطاق والموظفين المكلفين والأسعار ونماذج الحوافز أو التعويضات. إن تقديم العديد من العروض المتزامنة المتكافئة وسيلة فعالة للبائعين لاستعراض إبداعهم وجهودهم في حل المشكلات، بهدف توفير سياق للعلاقة بين السعر والقيمة وللكشف عن التفضيلات الحقيقية للمشتري.
  • تجاوز قيود الاتصالات: رغم أن هذا الإجراء لا بد أن يُدرس بعناية شديدة، لأنّ تجاوز قيود الاتصالات غير المنطقية - بالتحدث إلى العميل مباشرةً أو إرفاق نسخة طبق الأصل إلى العميل أو صاحب القرار ضمن موجز للتفاهمات أو موجز لما تم اقتراحه ومسوغاته - يمكن أن يُساعد أحياناً على إيضاح الجوانب الأكثر أهمية في الحل بالفعل، وما إذا كان المتطلب ضرورياً في الواقع.

قرب نهاية عملية العرض، يُضيّق المشترون عادة النطاق وصولاً إلى قائمة صغيرة، لأنهم يسعون إلى الحفاظ على أوراقهم الرابحة باستخدام التكتيك الهجومي للعملية. وربما أقاموا مزادات إلكترونية، ينعزل فيها السعر عن المسائل الأخرى إجمالاً، أو يحددوا مواعيد نهائية لا بد من تسليم الأسعار النهائية قبلها. وهذه لحظة من لحظات العملية يتعرض فيها البائعون للخطر، لأنّ التكلفة الغارقة لتقديم العرض وتوقعات القيادة الداخلية وضغوطها، إلى جانب إمكانية الفوز بالعرض، يمكن أن تؤدي كلها إلى تنازلات كبيرة أحادية الجانب.

وفي هذه اللحظات، لا بد أن يُمارس البائعون ضبط النفس. فبينما يحافظون على ثقتهم بقدرتهم على خلق قيمة للمشتري، يمكنهم أيضاً الحفاظ على رباطة جأشهم، إذ يتذكرون أنه من المتحمل جداً في هذه المرحلة المتأخرة أن يكون المشترون قد حددوا الفائز بالفعل، وأنهم يستغلون بقية البائعين فقط كورقة ضغط لتحسين السعر والشروط. ويسري ذلك تحديداً عندما تكون عملية الشراء مُعقدة، ونطاق القيمة المقدمة للمشتري للعثور على الحل الأمثل عالياً.

وبدلاً من أن يكون البائعون تابعين سلبيين، بإمكانهم تشكيل المرحلة النهائية بشكل استباقي عبر ثلاث خطوات. أولاً، يستطيع البائعون اقتراح فترة للتفاوض الحصري، يمكن خلالها استكشاف مصالح الطرفين بالكامل، والارتقاء بالخيارات المتاحة وإعادة تصنيفها. ثانياً، يمكنهم توظيف المواعيد النهائية - الوقت الذي لا بد من قبول العرض قبل انقضائه، أو بحلوله لا بد من اتخاذ قرار الترسية - وبعده ينسحب البائع من العرض. وأخيراً، بعد إعلان المشتري إرساء العمل، ولكن قبل الاتفاق على العقود القانونية، يُمكن للبائعين تأجيل تسليم المنتجات أو الخدمات حتى يتم الاتفاق على الشروط الأساسية للعقد.

أسلوب جديد هو أن البائعين غالباً ما يتحسرون على الأساليب والقيود المفروضة عليهم في العروض التنافسية. لكن المشتريات لن تختفي بوصفها وظيفة في أي وقت قريب، ولا ينبغي لها أن تختفي. ورغم أنه يُمكننا عقد الآمال على أن يعمل موظفو المشتريات على تحسين عمليات العرض، إلا أنّ البائعين لا بد أن يتعلموا في الوقت الراهن فن التفاوض في مجال الشراء وأن يكونوا أكثر استباقية بالمشاركة في تناول العروض التنافسية ومعالجتها وتشكيلها بسبلٍ تعزز المكاسب المتبادلة لأنفسهم ولعملائهم، لا الانتصارات باهظة الثمن.

اقرأ أيضاً: تعلم التفاوض الصادق انطلاقاً من الذات

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي