في هذه المقالة سنتحدث عن كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية، وأيضاً كيفية تجاهل الشخصية النرجسية في العمل.
كنان مدير تنفيذي رفيع في شركة ضخمة لخدمات الإنترنت، شارك في أحد البرامج التي أعطيها لتطوير القيادة.
ومع أنه شخص موهوب جداً، إلا أنه كان مصدر إزعاج للمجموعة كلها. فهو يميل دائماً إلى احتكار النقاش، أياً كان موضوعه. وصبره ينفذ سريعاً كلما تحدث أحدهم، ويسارع لتغيير الموضوع إلى شيء أقرب لاهتماماته.
وكان لديه أيضاً عادة الاستخفاف بعمل الآخرين وتضخيم نجاحاته.
لذلك، كان واضحاً للمشاركين الآخرين نظرة كنان لمعظم الناس على أنهم أقل شأناً منه. ومن غير المفاجئ أن معظم أفراد المجموعة لم يحبوه ووجدوه أحد الشخصيات النرجسية التي يصعب التعامل معها.
يبدو في كثيرٍ من الأحيان أن امتلاك خصال نرجسية، مثل العظمة والتباهي بالذات والغرور شروط مسبقة لبلوغ المراتب العليا في المؤسسة.
سمات الشخصية النرجسية
غالباً ما تتمتع الشخصيات النرجسية بالكاريزما، ويُعتبرون مناورين جيدين، مما يساعدهم للمضي قدماً. لكن على الرغم من فعالية دوافعهم وطموحاتهم في الدفع بالمؤسسة إلى الأمام، فإن السلوك النرجسي المفرط يؤدي للفوضى وتعطيل العمل في المؤسسة.
ويمكن القول إن النرجسيين حسودون بطبعهم، وتراهم دوماً يقاتلون من أجل الفوز بأي ثمن. وينظرون لأنفسهم على أنهم "مميزون"، لذلك لا يقارنون أنفسهم إلا بأشخاص "مميزين" مثلهم أو ذوي مكانة رفيعة.
بالإضافة إلى هذا، تملك الشخصيات النرجسية إحساساً قوياً بالاستحقاق. لهذا ينفذ صبرهم بسرعة ويتملكهم الغضب عندما لا يتلقون المعاملة الخاصة.
وبما أن لديهم عقلية العمل بما يتماشى مع مصالحهم، فهم يجدون صعوبة في تمييز مشاعر أو احتياجات الآخرين أو فهمها.
إن الإحساس بالآخرين لا يحدث تلقائياً لديهم. هم حساسون جداً، وهو ما يجعل تقبل النقد صعباً عليهم ويتألمون بسرعة ويبالغون في ردة فعلهم ويتخذون مواقف دفاعية. ومع أنهم يتركون انطباعاً لدى الآخرين بأن لديهم احتراماً كبيراً لذاتهم، إلا أن العكس هو الصحيح. حيث فتحت تلك القشرة من الثقة شرخاً من عدم الثقة يؤرّقهم. وليس تبجحهم إلا محاولة بطولية للتعويض عن ضعفهم العميق.
اقرأ أيضاً: من منا يشعر بالتعاطف الوجداني مع القادة الميكافيليين أو النرجسيين؟
كل هذا يخلق تحديات أمام أولئك الأشخاص الذين عليهم التعامل مع هذا النوع من الشخصيات. وما يُصعب من الأمور أن الشخصيات النرجسية ترفض الاعتراف بمشكلتها. فكيف يحتاجون للمساعدة وهم يرون أنفسهم أفضل من الجميع؟ وكيف سيتعلمون من أخطائهم إن لم يعترفوا بارتكابها أصلاً؟
علاوة على ذلك، جرّب المعالجون النفسيون وسائل عديدة من العلاج على الشخصيات النرجسية. وجميعها تستغرق وقتاً، فالسمات الشخصية لا تتغير بسرعة، هذا إن تغيرت. إذاً، ما الذي بإمكان المدراء فعله؟ من خبرتي في إدارة ورشات العمل القيادية، توصلت إلى بعض التقنيات التي توفر نتائج مشجعة متعلقة بالشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها.
كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية
1- اخلق شعوراً قوياً من الترابط بين الفريق
إذ تجعل بيئة العمل التصرفات المعطلة للعمل أكثر وضوحاً وأكثر قابلية للسيطرة وأكثر قابلية للنقاش، وبالتالي أقل قبولاً عند الفريق. فضغط الزميل سيدفع النرجسي لتبني قيم المجموعة. وبذلك يكون الزملاء هم من يضطلعون بدور "المنفذين" لدفع النرجسي للاستماع وإظهار تفهم لمشاعر الآخرين.
2- استخدم هذا الفريق القوي لترويج آراء الزملاء التقييمية
حيث يشعر النرجسيون بتهديد أقل حيال التقييمات الصادرة عن زملائهم مقارنة بالتقييمات الصادرة من شخص بمفرده أو من قائد. والسبب في ذلك، هو أن تجاهل رأي صادر عن مجموعة أصعب من تجاهل رأي صادر عن فرد. إن سُمح للقوى المحركة للمجموعة أن تعمل عملها بفعالية، فإن نظرة النرجسيين تجاه أنفسهم سوف تبرز وتتجسد ويتم تحديها ومن ثم تعديلها.
3- اجعل مكان العمل آمناً، ومرحاً بعض الشيء
يمكن لهذا النوع من البيئة أن يصبح مكاناً يتعلم فيه أصحاب الميول النرجسية تطوير الثقة واكتشاف حدود جديدة وتقبّل التقييمات وزيادة وعيهم الذاتي. في مثل هذه البيئة، سيتمكن زملاء النرجسي من مواجهته بأسلوب بنّاء بخصوص سلوكه المسبب للمشاكل مع توفير حد أدنى من التفهم له في الوقت نفسه.
4- لا تواجه نرجسياً مباشرة بل ادعم الفريق عوضاً عن ذلك
بالعودة إلى كنان. عندما كانت تصدر منه تصرفات غير لائقة في جلسات تطوير القيادة، كان المدرب يُظهر تفهماً لمشاعر كنان، فيتظاهر بأنه متفاجئ أو متأثر عندما يحكي له الآراء التقييمية التي وجهها زملاؤه له. وفي تلك الأثناء، يكون المدرب قد جهّز زملاء كنان لئلا يقبلوا أساليبه للسيطرة على الحوارات، وفوّضهم بمقاطعته عندما يمضي في تصرفه لوقت طويل، وبهذا جعلوه يدرك أنه ليس مضطراً دوماً لإظهار أنه الشخص الأذكى في المكان.
مع مرور الوقت، تعلم كنان تفهم مشاعر الآخرين. وبفضل ممارسته الاستماع، بدأ يتعلم من تجاربهم. واكتشف أن النقد البنّاء من الآخرين فيه فائدة وليس بالضرورة محبطاً لثقته بنفسه. وفي النهاية، أدرك أن الكثير من توقعاته كانت خاطئة، وأن العالم لا يدور حوله. فبدأ بتبني بعض الأنماط السلوكية للآخرين بعد أن رأى فيها طرقاً أكثر فعالية للتعامل مع تحديات الحياة.
اقرأ أيضاً: لماذا لا نكف عن توظيف الرؤساء التنفيذيين النرجسيين
وبطبيعة الحال، سيظل التعامل مع النرجسي تحدياً دائماً، سواء كان ذلك في نطاق المجموعة أو غيرها. فهناك أناس لن يقبلوا أن تضغط المجموعة عليهم، ولن يتقبلوا التقييمات الحاسمة من زملائهم، وربما يقرر الكثير منهم ترك عملهم بسبب عدم القدرة على تجاهل الشخص النرجسي.
لكن مغادرة النرجسي للفريق لا يجب أن تكون أكبر هموم المدير، بل عليه القلق من أن النرجسي قد يدفع الآخرين للاستقالة بعد أن يُرهقهم التعامل مع شخص يريد كل شيء مفصلاً على قياسه.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك توجيه موظف نرجسي؟
أخيراً، من الصعب التعامل مع شعور النرجسي بالأحقية وافتقاده إلى الشعور بالآخرين وحاجته إلى الإحساس بأنه مميز. لكنك إن أنشأت قوى محركة في المجموعة تبقي من خلالها هذه الميول تحت المراقبة، وبالوقت ذاته تطور من الوعي الذاتي لدى كل فرد في المجموعة، فستتمكن من الاحتفاظ بأفضل الأشخاص لديك وتستخلص أفضل ما لدى البقية وستتمكن أيضاً من معرفة كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية.
اقرأ أيضاً: كيف يكون النرجسيون قادة مفيدين للمؤسسة؟