ملخص: ليس هناك ما يضمن أن القرار الذي ستتخذه في حياتك المهنية سوف يكون مثالياً، ومع ذلك، وباتباع بعض النصائح والاستراتيجيات يمكنك تحسين مهاراتك في اتخاذ القرارات، خصوصاً تلك التي تؤثر تأثيراً إيجابياً في مسار حياتك المهنية ونموك الشخصي.
هل تفكر في ترك عملك والبحث عن عمل آخر أقل إجهاداً؟ أو محتار فيما تقرر بشأن تلك المفاوضات؟ أو مَن مِن المتقدمين الجدد تعيّن؟ حسناً، وبينما تواصل القراءة، فكِّر في تلك القرارات كلها التي أوصلتك إلى ما أنت عليه اليوم؛ كم فرصة عمل سعيت من أجلها، ماذا خسرت؟ عمّ تخليت؟ وبماذا تشبّثت؟ حياتك كلها، المهنية منها والاجتماعية والعاطفية، هي نتيجة قراراتك السابقة، فلا تستهن بأهمية اتخاذ القرارات في الحياة، مهما بدت صغيرة وبلا أثر. وأياً يكن ما وصلت إليه اليوم في حياتك المهنية، فالرحلة ما زالت مستمرة، والكثير من القرارات ما زال يتربص بك عند كل منعطف. فكيف تضمن أنك ستسلك السبيل الصحيح؟ حسناً، إليك بعض أهم المبادئ الأساسية التي سترشدك نحو اتخاذ قرارات فعالة وصائبة تؤثر في مسار حياتك بأكملها.
نصائح تساعد على اتخاذ قرارات صائبة تؤثر تأثيراً إيجابياً في مسار حياتك
دوّن أهدافك
بادئ ذي بدئ، احضر ورقة وقلماً ودوّن أهدافك الأساسية. اسأل نفسك لماذا تريد اتخاذ هذا القرار؟ ما الهدف الذي تريد تحقيقه؟ تحديد الأهداف يساعدك على تقييم جودة قرارك. والآن، وحتى تستطيع أن تتخذ قرارات أكثر استنارة، ينبغي أن تكون أهدافك محددة تجيب عن أسئلة "ماذا" و"لماذا" و"كيف"؛ إذ وبدلاً من أن تقول "هدفي هو زيادة عدد عملائنا"، قل: "هدفي هو جذب 500 عميل محتمل جديد من خلال حملات الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي". وأيضاً، حتى يكون القرار الذي تتخذه عملياً وذا نتيجة ينبغي أن تكون أهدافك واقعية قابلة للقياس والتحقيق ومؤطرة بمواعيد زمنية محددة، سواءٌ كانت أهدافاً قصيرة أو طويلة المدى. إذاً، من الضروري أن تقضي بعض الوقت في فهم ما هو مهم بالنسبة لك وما ترغب في تحقيقه، فوجود رؤية واضحة سيوجِّه عملية اتخاذ القرار الخاصة بك. أما لماذا عليك أن تدوّن أهدافك على الورق، فلأنه ووفقاً لأستاذة علم النفس في جامعة الدومينيكان في كاليفورنيا، جيل ماثيوز، فإن وصف الأهداف بشكل واضح ومكتوب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحقيقها، بل من المرجح أن تزداد نسبة تحقيق الأهداف بنحو 42% بمجرد تدوينها.
اجمع المعلومات
بالطبع لديك الكثير من المعلومات المستقاة من معرفتك وخبراتك السابقة، ولا بد أن تجاربك الماضية جديرة بأن تساعدك على اتخاذ القرارات بشأن المواقف الحالية. لكن مع التغييرات السريعة التي تحدث في ميادين العمل، فإن ما نجح في الأمس قد لا يعمل اليوم. لذلك، وبعد تحديد أهدافك بدقة، ابدأ بالبحث عن المعلومات والبيانات ذات الصلة بالقرار المطروح. قد يتضمن ذلك البحث في الكتب أو عبر الإنترنت أو التحدث مع الأصدقاء أو الزملاء الموثوقين أو استشارة الخبراء والمتخصصين. اجمع أكبر قدر من المعلومات من أكبر عدد ممكن من المصادر الموثوقة المختلفة. وكلما زادت معلوماتك كان قرارك مستنيراً على نحو أفضل.
حدِّد أولوياتك وحلل خياراتك
لنفترض أن السيناريو المعروض أمامك الذي ينبغي أن تتخذ قراراً بخصوصه يشمل خيارين فقط، فهل ينبغي أن تقيّد نفسك بهما؟ ليس تماماً؛ إذ يمكن للتفكير الإبداعي أو ما يُسمى بالتفكير خارج الصندوق أن يساعدك على إيجاد بدائل أُخرى قد تكون أكثر ملائمة. لنفرض مثالاً بسيطاً، قد تفكر في ترك العمل نتيجة التوتر الشديد الذي يسببه لك، لكنك في المقابل تحب عملك كثيراً، فما الحل؟ ربما يمكنك أن تطلب من المدير تخفيف مسؤولياتك أو إعطاءك فترة زمنية أطول لإنجاز مهامك.
في المقابل، وعلى الرغم من أن وجود خيارات متعددة يسهل علينا اتخاذ القرار الذي يحقق سعادتنا، فوجود خيارات غير محدودة قد يفعل فعلاً عكسياً؛ أو ما يسمى بـ "مفارقة الخيار" (Paradox of Choice)؛ وهو مفهوم شاع استخدامه على يد عالم النفس الأميركي باري شوارتز، ويشرح فيه ظاهرة يمكن أن تؤدي فيها الوفرة الكبيرة للخيارات إلى صعوبة في اتخاذ القرار وعدم الرضا والسعادة عن الاختيار النهائي. ولهذا المفهوم انعكاس كبير على الحياة المهنية، إذ غالباً ما نواجه في العمل خيارات غير محدودة عند اتخاذ قرار ما، بدءاً من تحديد أولويات المشروع وليس انتهاءً بقبول المرشحين الجدد، ما قد يزيد الشعور بالتوتر أو يسبب التأخير في اتخاذ القرارات أو القلق أو الندم بشأن عواقبها، وفي المحصلة، قد يعيق عملية اتخاذ القرارات الجريئة التي ينبغي أن تغيّر المسار المهني نحو الأفضل.
في الأحوال جميعها، سواءٌ كنت تختبر قلة الخيارات أو وفرتها، قد يكون من المفيد أن تفكّر ملياً في تحديد أولوياتك، الأمر الذي سيساعد في التركيز على القرار الأكثر أهمية، ثم حاول تحديد خياراتك، سواء عبر التفكير الإبداعي في بدائل أُخرى، أو عبر تبسيط الخيارات الكثيرة وحصرها بما يتناسب مع أولوياتك وأهدافك وقيمك، ثم فكِّر في نتائج كل خيار والمخاطر التي ينطوي عليها والفوائد المحتملة، كما هو موضَّح في الفقرة الآتية.
حدد الإيجابيات والسلبيات
على الرغم من كل التفكير الذي أجريته وتحليل الخيارات المتاحة الذي حللته، وبغض النظر عن مقدار المعلومات التي جمعتها، قد تحتار فيما تقرره. للتغلب على ذلك؛ حدد مدة زمنية لتحديد الأهداف وإجراء الأبحاث وجمع المعلومات، ثم اكتب قائمة تحتوي على إيجابيات كل خيار من الخيارات وسلبياته. فكِّر في استخدام التحليل الرباعي سوات (SWOT) لتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات التي يشتمل عليها كل خيار. من المهم أن تكتب هذه القائمة كتابة، لأن الموازنة الذهنية للإيجابيات والسلبيات ستجعلك متردداً، كما أن تصنيفها في قائمة مكتوبة سيساعدك على النظر إلى قرارك نظرة منظمَّة وموضوعية، ويساعد أيضاً على تحسين المهارات التحليلية والتفكير النقدي وحل المشكلات لديك. والآن حاول أن تقيّم خياراتك وتضيّق نطاقها؛ كأن تختصرها إلى 3 خيارات أو اثنين، ثم قيّم كل خيار وأعطِه رقماً على مقياس من 1 إلى 10، والبقية مفهوم. جدير بالذكر هنا، أنه قد يكون للعواطف تأثير كبير في اتخاذ القرار وطريقة التفكير وحل المشكلات. لذلك، كن واعياً بمشاعرك وحاول اتخاذ القرارات بعقلانية، وإذا كنت تشعر بالإرهاق، ففكر في التراجع ومنح نفسك وقتاً للتفكير. لكن بمجرد أن تتخذ قرارك، عليك أن تلتزم به، وتتخذ إجراءً حاسماً ولا تماطل، لأن المماطلة قد تؤدي إلى ضياع الفرص أو الشعور بالتوتر والقلق والإحباط.
ضع خطة للطوارئ
خطة الطوارئ هي استراتيجية تساعدك على الاستجابة للأحداث والسيناريوهات السلبية المحتملة التي قد تنشأ عن قراراتك، والتقليل من آثارها، وتحسين عملية صنع القرار الخاص بك مستقبلاً. حدد في البداية ماهية العوائق والعقبات المحتملة التي قد تنشأ عن قرارك، ثم ضع خطة لمعالجة هذه المشكلات في حالة حدوثها. تتضمن هذه الخطة الاستعداد للاعتراف بالخطأ لتقليل آثاره وتقييم عواقبه مثل المخاطر والخسائر المحتملة، والاستعداد لإبلاغ أصحاب المصلحة المعنيين بالخطأ وآثاره، وتحديد الإجراءات التصحيحية مثل تحديد الخطوات والموارد والمواعيد النهائية والموظفين اللازمين لتنفيذ هذه الإجراءات على نحو فعال، ومراقبة التقدم في الإجراءات وتقييمها وإجراء التعديلات بحسب الضرورة، والتماس التعليقات وآراء الزملاء والرؤساء لتحسين الخطة وضمان فعاليتها.
فكِّر في النتائج القصيرة والطويلة الأمد
أن تتمعّن في نتائج قرارك الإيجابية منها والسلبية في كل من المستقبل القريب والبعيد يعني أن تفكّر في النتائج والآثار المحتملة للقرار في الأسابيع والأشهر والسنوات القادمة. تذكّر أن النتائج الفورية قد لا تظهِر جودة قرارك مباشرة، لهذا قد يكون من المفيد أن تتخيل كيف ستظهَر نتائجه في العام المقبل مثلاً، مع إدراك أنه قد يكون لبعض القرارات تأثيرات دائمة في جوانب مختلفة من حياتك، مثل الرفاهية الشخصية والمهنية والمالية. إن فهم كيفية تأثير القرار في المستقبل على جوانب الحياة المختلفة ومقارنة بعضها مع بعض والموازنة بين الآثار القصيرة والطويلة الأجل يسهم في اتخاذ قرارات أكثر استنارة.
تعلّم من قراراتك
قد يحدد الشخص أهدافه، ويحلل الخيارات المتاحة أمامه، ويأخذ قراراً وينفذه دون مماطلة، ثم يتبين مع الأيام أنه قرار خاطئ! وقد يحدث أن يكون لهذا القرار الخاطئ تداعيات جسيمة فعلاً، لكن تذكر أن ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى؛ إذ وبغض النظر عن النتيجة، حاوِل أن تنظر إلى كل قرار في السابق والحاضر والمستقبل على أنه تجربة تعليمية، لو أصاب، فطوبى لك. لو أخطأ، ففكر في الخطأ الذي ارتكبته، أين مكمنه وكيف يمكن تفاديه في المستقبل؟ وما مجالات التحسين التي يجب أن تراعيها؟ استخدم معرفتك لاتخاذ قرارات مستقبلية مستنيرة. هل تعلم أن ستيف جوبز طُرِد من الشركة التي أسسها، بسبب قراره في تعيين الشخص الخطأ، لكن الطرد كان أفضل ما حدث معه على حد قوله، إذ علمه دروساً قيّمة وجعله يعود إلى آبل بعد عدة سنوات أقوى مما كان. "طعم الدواء سيئ، لكني أعتقد أن المريض يحتاج إليه".
كُن مستعداً للتغيير والتأقلم
الثابت الوحيد في الحياة المهنية أنها دائمة التغيُّر؛ ظروف العمل والتوظيف والاحتياجات والخيارات المتاحة وكل ما يخص العمل في تغير مستمر وغير متوقع. لذلك، كُن منفتحاً وقادراً على دمج المعلومات الجديدة في عملية صنع القرار واستخلاص النتائج منها، وطوِّر قدراتك في التكيّف والمرونة، وتقبّل التغيير، وكن على استعداد لتعديل أسلوب عملك وقراراتك عند الضرورة. تذكّر أن المرونة الفكرية سمة قيّمة في اتخاذ القرارات.