تحدثت إلى العديد من الرؤساء التنفيذيين أثناء أزمة "كوفيد-19" حول إجابة سؤال كيف أقود فريقي بعد الأزمة الراهنة، وقالوا إن أهم أولوية لديهم هي بالطبع سلامة موظفيهم ورفاهتهم. ولدينا أمثلة كثيرة عن خطوات ملهِمة اتُخذت من قبل رؤساء تنفيذيين وشركاتهم لدعم موظفيهم. ولكن عند إدراك إمكانية استمرار هذه الأزمة لأكثر من بضعة أسابيع، بدأت الشركات بتحديد الخطط التي ستتبعها على المدى الطويل.
لقد لحظت فكرتين حاسمتين تسودان على تفكير قادة الشركات.
الأولى: نظراً لشدة الصدمة التي تسببت بها هذه الأزمة وصعوبتها، يجب على الشركات التفكير بمجموعة احتياجات موظفيهم الإنسانية الكاملة. السلامة أمر أساسي بالطبع، ولكن من الضروري تلبية الاحتياجات ذات المستوى الأعلى، مثل الرغبة في معرفة الحقيقة والاستقرار والتواصل الصادق وتقدير الذات والنماء والهدف في خضم الأزمة.
الثانية: بدأ كثير من الرؤساء التنفيذيين يفكرون بهذه الأزمة ضمن ثلاث مراحل. وقد يختلفون في تسميات هذه المراحل وتحديد مدة كل منها، ولكنهم جميعاً يخططون لثلاث مراحل زمنية، وهي مرحلة البقاء في المنزل، ومرحلة العودة إلى العمل، ومرحلة ما بعد "كوفيد-19".
الفكرتين، سيتمكن القادة من العمل والقيادة بفعالية أكبر من خلال الاستمرار بتكييف أساليب الاعتناء بموظفيهم وفقاً للتحديات الخاصة بكل مرحلة. ثم يأتي بعد ذلك مناقشة الطرق التي يمكن أن تتبعها الشركات، بل يجب عليها اتباعها، من أجل تلبية احتياجات موظفيها في كل مرحلة.
الاحتياجات الإنسانية في مرحلة البقاء في المنزل
خلال المرحلة الأولى هذه، سعت الشركات لضمان السلامة البدنية لموظفيها. فطبقت تدابير العمل من المنزل وعقمت مساحات العمل حينما كان الحضور إلى مكان العمل ضرورياً، وغيرت نماذج العمل ليناسب مقتضيات الإجراءات الوقائية، كتنفيذ التسليم من دون أي تماس مثلاً.
ولكن إلى جانب السلامة، عملت الشركات على ضمان الأمان أيضاً. إذ سعت شركات كثيرة للاستمرار بدفع الأجور لموظفيها أطول مدة ممكنة، حتى وإن استدعى ذلك استبعاد البعض منهم، وزادت أجور موظفي الخطوط الأمامية. وأسست بعض الشركات صناديق معونة للموظفين بهدف تلبية الاحتياجات الملحة. وفي بعض الشركات، خفض كبار المسؤولين التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة رواتبهم. وقدم بعض منها حلول دعم لرعاية الأطفال ومنحت الأولوية لإجازات الموظفين المسؤولين عن تقديم الرعاية لأحبائهم.
كما سعوا جاهدين لبناء الروابط بينهم وبين موظفيهم ودعم صحة الموظفين النفسية مع استمرار ارتفاع مستوى سلسلة احتياجاتهم. كانوا يتواصلون كثيراً مع موظفيهم باستمرار وبطرق تتسم بالشفافية والصدق، وسعوا لاستخدام وسائل تتضمن التواصل الإنساني كاستخدام اتصال الفيديو بدلاً من الاكتفاء بالمراسلات المكتوبة، وتحديد ساعات العمل ومنح الموظفين أوقات استراحة منتظمة لتناول القهوة أو الترويح عن النفس، وإتاحة الاتصال المباشر مع القادة والزملاء. والأهم من ذلك، طبقت بعض الشركات خيارات دعم الصحة النفسية للقادة والموظفين، ومنها جلسات لممارسة تمارين اليوغا والتأمل، من أجل مساعدة الموظفين على تجاوز هذه الأوقات الصعبة غير المسبوقة دون أن يفقدوا اتزانهم العقلي.
كيف يتمكن القادة من تلبية مستويات أعلى من احتياجات موظفيهم أثناء هذه الأزمة؟ في الأزمات، غالباً ما نفكر أن القائد الذكوري البطل هو من سيخرجنا من هذه الأوقات العصيبة: إذ يعتبر الأقوى، وشديد الالتزام، ولا يقبل إلا بمشروع ناجح، ويقود عن طريق ممارسة السلطة المنفردة. لكن يجدر بنا ملاحظة أن هذا ليس أفضل نموذج للقيادة في هذه الأزمة. بالطبع، نحن بحاجة إلى قائد يتمتع بالقدرة على إجراء التحليلات وحل المشكلات، ويجيد صنع القرارات بناء على الحقائق، لكننا أيضاً بحاجة إلى قائد قادر على إظهار الضعف والعطف كذلك. من المثير للاهتمام معرفة أن العديد من الدول التي تبدو قادرة على اجتياز هذه الأزمة بفعالية (ألمانيا وتايوان ونيوزيلندا وآيسلندا وفنلندا والنرويج والدانمارك) تقودها نساء، وأن قادتها يدمجون الأساليب المبنية على العلم مع مزيد من اللمسات الإنسانية.
وأخيراً، وحتى الآن في مرحلة البقاء في المنزل، لاحظت أن شركات كثيرة تحرص على أن تكون الإجراءات التي تتبعها متصلة بهدف الشركة. خذ مثلاً شركة "بيست باي" (Best Buy) حيث كنت رئيساً تنفيذياً على مدى سبعة أعوام، هدفها المعلن هو إثراء حياة الناس عن طريق التقنية، ولذا فهي مركزة على منح زبائنها القدرة على العمل والتعلم من المنزل. كما تعمل شركات كثيرة على حشد مواردها من أجل دعم المجتمع بطرق ترتبط بهدفها، حتى وإن لم يكن هذا الهدف واضحاً من البداية. خذ مثلاً شركة رالف لورين، التي يتمثل هدفها في إلهام الحلم بحياة أفضل، قد لا يبدو أن لها دور هنا، غير أنها قد حشدت علاقاتها مع الموردين من أجل إنتاج أقنعة وأثواب واقية للعاملين في خطوط الرعاية الصحية الأمامية.
الاحتياجات الإنسانية في مرحلة العودة إلى العمل
بدأت شركات كثيرة التخطيط بحذر وتفاؤل لعودتها إلى العمل من جديد، ونعلم أن هذه العملية ستكون مطولة على الأرجح. ومع التحضير لهذه المرحلة التالية، يجب على القادة الاستمرار بالتفكير بمجموعة احتياجات موظفيهم الواسعة فيما يتعدى مجرد جعل مكان العمل آمناً. على سبيل المثال، تفكر الشركات بالتدابير التالية التي تشمل مجموعة الاحتياجات الإنسانية الكاملة بدءاً من الاحتياجات الأساسية وصولاً إلى الاحتياجات المتقدمة.
- تحديد الشروط التي ستضمن عودة آمنة إلى العمل بالنسبة لجميع العمليات التي تشمل الخدمات المنزلية والمكاتب والمتاجر.
- إعادة أكبر قدر ممكن من الموظفين. بالطبع، ستحتاج الشركات لاتخاذ قرار بشأن عدد الموظفين الذين يمكن استدعاءهم إلى مقر الشركة وطريقة التواصل مع الموظفين المستبعدين الآخرين في تلك المرحلة.
- الحرص على إجراء تواصل مستمر وصادق مع الموظفين الحاليين والمستبعدين بطرق صادقة وإنسانية تبدي الاهتمام. وإيصال فكرة أن العالم يتغير للمؤسسة وتشجيعها على "إعادة التنظيم" بدلاً من مجرد "إعادة التشغيل". وتسليط الضوء على أن بعض الأمور لن تتغير، مثل الأمور المركزية والقيم الجوهرية للشركة.
- الانتباه بصورة خاصة إلى التواصل الجاري مع الموظفين المستبعدين.
- مساعدة الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم على تجاوز شعور "ذنب الناجي"، وهو الشعور بالذنب النابع من حقيقة أن الشخص ما زال موظفاً (ويتقاضى راتباً) في حين فقد كثير من أصدقائه وزملائه وظائفهم. سيكون من الضروري التركيز على دور الموظفين في المساعدة على إعادة عدد كبير من زملائهم المستبعدين إلى العمل.
- الاحتفال بالمستجدات الملهمة. الأخبار الجيدة تعزز صحة العاملين النفسية التي باتت متعبة الآن على الأرجح. على سبيل المثال، أجرت شركة "بيست باي" تغييرات على عملياتها كي تقوم بنشر أخبار الشركة في مصاعد مقرها الرئيس، حيث أصبح "المصعد" العادي سابقاً يسمى حالياً بعد استخدامه في حملة الدعاية الرقمية بـ "رافعة النهوض".
- تسليط الضوء على نشاطات الشركة يسهم في الصالح العام ويحدث فرقاً في حياة الناس. وتحديد الطريقة التي تمكّن الشركة من الاستمرار في دعم المجتمع المحلي.
كيف أقود فريقي بعد الأزمة الراهنة؟
أحد المتطلبات الأساسية في هذه المرحلة هو أن تتجنب الشركات السياسات الشاملة التي لا تأخذ في اعتبارها الظروف المختلفة التي يواجهها الموظفون. مثلاً، يجب أن تسأل الشركات عن الموظفين الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاماً، والذين سيكونون أضعف عند مرحلة العودة إلى العمل، كيف تتم خدمتهم؟ من هم الموظفون الذين لا يملكون المساحة والبنية التحتية اللازمة في منازلهم كي يتمكنوا من العمل بفعالية، وبالتالي هم بحاجة إلى العودة إلى العمل في المكتب في أقرب وقت ممكن؟ كم يبلغ عدد الموظفين الذين يعانون من مشاكل نفسية يمكن أن تتفاقم بسبب العزل الاجتماعي؟ وإلى أي مدى تصل حاجة بعض الموظفين الشديدة إلى التفاعلات الاجتماعية، التي تزيد من ضرورة عودتهم للعمل بين زملائهم في أقرب وقت ممكن؟ إن فهم احتياجات الموظفين الأعمق فيما يتعدى سلامتهم سيساعد على العودة إلى العمل على نحو أفضل.
الاحتياجات الإنسانية في مرحلة ما بعد "كوفيد-19"
ما زال أمامنا بعض الوقت قبل أن نصل إلى هذه المرحلة، ولكن بدأت الشركات بالتفكير بها والتحضير لها بالفعل لأن رؤساء هذه الشركات يحاولون معرفة إجابة سؤال كيف أقود فريقي بعد الأزمة الراهنة؟. بالنسبة لبعض الشركات، ستكون هذه المرحلة صعبة بسبب التأثير الكبير المحتمل لتراجع الطلب على بعض الأعمال التجارية، ما قد يترجم إلى تخفيضات كبيرة في الإيرادات والتكاليف وعدد الموظفين.
وستكمن الخطورة بالنسبة لبعض الشركات في فقدان الأمل في قدرتها على القيام بأكثر من تقليص حجمها.
إذ يمكنها الاستفادة من مواهب موظفيها وروح الهدف لديهم كي تقوم بما هو أفضل من ذلك. ومع بدء الشركات العمل على ابتكار مستقبل لم يتحقق بعد، يجب أن تكون على القدر الكافي من الحكمة كي تتمكن من حشد فهم الموظفين لأعمال الشركة وروح الهدف لديهم كمدخلات تقوم عليها عملية التخطيط.
إحدى النظريات التي أؤمن بها هي أن التركيز بشدة على هدف الشركة، لا على نموذج العمل الحالي فيها، قد يكشف الستار عن نمو جديد هائل ويطلق له العنان. وهذا ما مرت به شركة "بيست باي" التي واجهت أزمة وجودية خاصة بها أثناء مرحلة التحول التي شهدتها، وذلك عندما تبنت هدفها المتمثل بإثراء حياة الناس من خلال التقنية. إذ أطلقت الشركة العنان لطلب خفي لم تكن تعرف أنه متاح لها، عن طريق تطوير برنامج استشارات تقنية وخدمات دعم تقني جديدة. كما دخلت الشركة قطاع الرعاية الصحية، عن طريق تطوير تقنية تساعد المسنين على البقاء مدة أطول في منازلهم. كان بإمكان الشركة حينئذ النظر إلى وضعها الراهن والانتقال فوراً إلى تخفيض التكاليف وأعداد الموظفين. إلا أنها عثرت على طرق جديدة للنمو تساعدها على استبقاء موظفيها وزيادة عددهم. وبالمثل، في الأزمة الحالية، قد ترى الشركات أن الوقت مناسب للعثور على مجالات الطلب الجديدة من أجل تلبية هدفها.
الفكرة الأخيرة فيما يخص هذه المرحلة، هي أن استمرار التواصل مع الموظفين المستبعدين سيمكن الشركات من إعادة توظيفهم عندما تنشأ لديها فرص عمل جديدة، سواء كان ذلك بناء على النمو أو التحول.
وفي نهاية الإجابة عن سؤال كيف أقود فريقي بعد الأزمة الراهنة؟، ستكون طريقة تعامل الشركات وقادتها مع مراحل هذه الأزمة الثلاث ومع جميع المساهمين، بدءاً من الموظفين ومجموعة احتياجاتهم الإنسانية الكاملة، "لحظات حاسمة" بالنسبة للموظفين، إذ إنها ستؤثر في مستوى تعلقهم بالشركة في المستقبل وقدرة الشركة على الازدهار بعد خروجها من الأزمة.
اقرأ أيضاً: