ملخص: يعد مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي (MBI) أول مقياس علمي للاحتراق الوظيفي يُستخدم على نطاق واسع في الدراسات البحثية حول العالم. ومنذ الإعلان عنه لأول مرة في عام 1981، يجري استخدام مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي في أغراض أخرى، مثل التشخيص الفردي أو المقاييس المؤسسية. ويمكن أن تفيد تطبيقات مقياس ماسلاش كلاًّ من الموظفين والمؤسسات بشكل كبير، شريطة استخدامه بالشكل الصحيح. أما إذا جرى استخدامه بالشكل غير الصحيح، فقد يؤدي إلى مزيد من الالتباس حول تعريف الاحتراق الوظيفي بدلاً من الإسهام في فهم هذه الظاهرة على نحو أفضل، حتى إن بعض هذه التطبيقات يفتقر إلى المعايير الأخلاقية. فكيف يمكن قياس الاحتراق الوظيفي وفقاً للمعايير الأخلاقية؟ تتناول هذه المقالة التعريف بمقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي، وكيف أدت إساءة استخدامه إلى نتائج مزعجة، وكيف يمكن اتباع أفضل الممارسات في إدارة مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي لمساعدة القادة على تصميم طرق فاعلة لتحقيق الاندماج الوظيفي وإنشاء أماكن عمل أكثر صحة.
من الواضح الآن أن جائحة "كوفيد-19" قد أدت إلى تفاقم ظاهرة الاحتراق الوظيفي وغيرها من المآسي ذات الصلة في مكان العمل في الكثير من القطاعات. وأدى هذا إلى ازدياد وعي المؤسسات بالاحتراق الوظيفي وازدياد قلقها بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها حيال هذه الظاهرة. ومن هنا فقد ارتأينا أن هذا هو الوقت المناسب لتقييم استخدام مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي في المؤسسات. وستلقي هذه المقالة إطلالة على تعريف مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي، وتستعرض بعض المخاوف المرتبطة بإساءة استخدامه، وتوضح كيف يجب على أصحاب العمل استخدامه بطريقة تعود بالنفع على كل من الموظفين والمؤسسات، إضافة إلى تعريف مفهوم الاحتراق الوظيفي على أرض الواقع.
ما هو مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي؟
بات الكثيرون يتحدثون في الكثير من الأماكن عن الاحتراق الوظيفي إثر تفشي جائحة كورونا في الفترة من عام 2020 إلى عام 2021. تجدر الإشارة هنا إلى أن ظاهرة الاحتراق الوظيفي ليست جديدة، فمنذ قرون مضت والروايات الخيالية والواقعية تتناول قصص حياة أشخاص تعرضوا للإصابة بالإرهاق والإنهاك بسبب العمل الذي يؤدونه. وقد أصبح مصطلح "الاحتراق الوظيفي" في السنوات الستين الماضية وسيلة شائعة لوصف هذه الظاهرة بالذات التي تلخص معاناة الكثيرين الآن.
وفي أواخر السبعينيات، بدأت الأسئلة تتبلور: ما المقصود بالاحتراق الوظيفي؟ لماذا يُعتبر مشكلة؟ وما أسبابه؟ تتطلب الإجابة عن هذه الأسئلة توافر أدوات بحثية لم تكن متوافرة آنذاك، وهو ما أدى إلى ظهور مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي. يعد مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي أول مقياس علمي للاحتراق الوظيفي يُستخدم على نطاق واسع في الدراسات البحثية حول العالم، وتم الإعلان عنه للمرة الأولى عام 1981 ويجري الآن نشر الطبعة الرابعة من كتيبه الإرشادي.
ويتوافق مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي مع تعريف "منظمة الصحة العالمية" لعام 2019 للاحتراق الوظيفي باعتباره تجربة مهنية مشروعة يجب على المؤسسات معالجتها، وتتميز بثلاثة أبعاد:
- الشعور بنضوب الطاقة أو الإعياء.
- الانفصال الوجداني بين الفرد وعمله، أو شعوره بالسلبية أو الفتور تجاه عمله.
- تراجع الكفاءة المهنية.
يختص مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي بتقييم كل من هذه الأبعاد الثلاثة للاحتراق الوظيفي بشكل منفصل. ويرتكز القوام الأساسي لمقياس ماسلاش على نتائج الأعمال البحثية حول الاحتراق الوظيفي في السبعينيات والتي شهدت إجراء مقابلات شخصية مع العاملين في مختلف المهن الصحية والخدمات الإنسانية، إلى جانب تدوين الملاحظات ميدانياً في مكان العمل ودراسات الحالة. فقد ظهر في ذلك الحين عدد من الموضوعات المتكررة بإلحاح في شكل عبارات تجسّد المشاعر أو المواقف الشخصية (مثل: "أشعر بالفتور العاطفي تجاه عملي")، ومن هنا باتت هذه العبارات تشكل جزءاً لا يتجزأ من مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي. وقد طور مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي منهجاً يعتمد على معدل تكرار إحساس الفرد بتلك المشاعر، وذلك من خلال وضع مقياس للردود يتراوح ما بين "أبداً" إلى "كل يوم".
وبعد إجراء اختبارات مكثفة، تم نشر استقصاء مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي في مجال الخدمات الإنسانية (MBI-HSS)، تلته إصدارات أخرى، مثل استقصاء مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي للمعلمين (MBI-ES) ومقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي للأطقم الطبية (MBI-MP). وتم تطوير استقصاء مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي العام (MBI-GS) بغرض استخدامه مع أي شخص يعمل في أي مجال، وجرى اختباره في العديد من الدول بعدة لغات.
ويتم تقييم كل مشارك في كافة إصدارات مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي وفق 3 أبعاد: الإعياء، والفتور، والكفاءة المهنية. وهناك سلسلة متواصلة من المستويات المتدرجة لكل من هذه الأبعاد، بداية من الأكثر إيجابية إلى الأكثر سلبية، بدلاً من نقاط التقسيم العشوائية بين "الإيجابي" و"السلبي". ويمكن الاستدلال على الاحتراق الوظيفي بحصول الفرد على الدرجات الأكثر سلبية في كافة الأبعاد الثلاثة.
وكانت الدراسات البحثية تهدف إلى دراسة الجوانب المرتبطة بكلٍّ من الأبعاد الثلاثة. على سبيل المثال: هل تتسبب بعض الظروف السائدة في مكان العمل في صعوبة أداء مهمات العمل بالشكل الأمثل (تدني مستوى الكفاءة المهنية) أو إثقال كاهل الموظف بأعباء العمل الزائدة على الحد (ارتفاع مستوى الإعياء)؟ وهل يبدأ الاحتراق الوظيفي بالإعياء الذي يؤدي عندئذ إلى الفتور وتراجع الكفاءة المهنية، أم أن هناك مسارات أخرى للاحتراق الوظيفي؟
تعديلات مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي وسوء استخدامه
يجري في الآونة الأخيرة استخدام مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي في أغراض أخرى، مثل التشخيص الفردي أو المقاييس المؤسسية. ويمكن أن تفيد تطبيقات مقياس ماسلاش كلاًّ من الموظفين والمؤسسات بشكل كبير، شريطة استخدامه بالشكل الصحيح. أما إذا جرى استخدامه بالشكل غير الصحيح، فقد يؤدي إلى مزيد من الالتباس حول تعريف الاحتراق الوظيفي بدلاً من الإسهام في فهم هذه الظاهرة على نحو أفضل، حتى إن بعض هذه التطبيقات يفتقر إلى المعايير الأخلاقية.
أدى نظام الدرجات الثلاث في مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي إلى ظهور بعض التحديات، وهو ما دفع البعض إلى البحث عن نتيجة أبسط عن طريق تعديل نظام احتساب الدرجات. أولاً: لجأ البعض إلى جمع الدرجات الثلاث. تكمن مشكلة هذا النهج في إمكانية تحقيق مجموع الدرجات نفسه من خلال تنويعات مختلفة غاية الاختلاف من الأبعاد الثلاثة. ثمة وجه آخر لإساءة استخدام المقياس يتمثل في اعتبار الأبعاد الثلاثة بمثابة "أعراض" للاحتراق الوظيفي، ثم ادعاء أن الدرجة السلبية لأي من هذه الأعراض مظهر حي للاحتراق الوظيفي. وجرى تبسيط المقياس تبسيطاً مخلاً مرة أخرى، وذلك من خلال طرح سؤال واحد فقط لتقييم كل بُعد.
ثانياً: قرر البعض استخدام بُعد واحد فقط من الأبعاد الثلاثة للاحتراق الوظيفي (ممثلاً في الإعياء عادةً)، واقترحوا ضمناً تعريفاً جديداً للاحتراق الوظيفي. وقد رأى البعض في معرض تركيزهم على الإعياء أن الارتباط بمقاييس الاكتئاب (التي تحتوي على عناصر متعددة ذات صلة بالإعياء) يعني أن الاحتراق الوظيفي ما هو في الحقيقة إلا أحد أشكال الاكتئاب.
ثالثاً: انطوى تعديل آخر لنظام تسجيل الدرجات على تقسيم عينة المشاركين بشكل تعسفي إلى نصفين وافتراض أن النصف الذي يحتوي على درجات أكثر سلبية يتعرض للاحتراق الوظيفي، وأن النصف الآخر ليس كذلك، دون أن تستند هذه الفرضية على أي أسس دقيقة. واستخدم البعض نظام تحديد المواصفات وفق النطاق العام للدرجات الذي يقسم النطاق العام إلى 3 أقسام (منخفض، ومتوسط، ومرتفع)، مثل التقسيم التعسفي "للاحتراق الوظيفي المنخفض والمتوسط والمرتفع". وعندما تحقق دراستهم النطاق ذاته، فإنهم يزعمون أن "ثلث المجموعة مصاب بالاحتراق الوظيفي لدرجة كبيرة" دون تحديد هذه المجموعة على وجه الدقة.
ما الذي يؤدي إلى إساءة استخدام المقياس بهذا الشكل؟ يتمثل أحد الأسباب الرئيسية لتعديل نظام تسجيل الدرجات على هذا النحو (وما ينتج عنه من انعدام الدقة) في أن الكثيرين ينظرون إلى الاحتراق الوظيفي باعتباره نوعاً من الأمراض الطبية أو الإعاقات الجسدية، ويريدون أن يعطوه درجة واحدة بحيث يستطيع المرء أن يشخص حالة الموظف بمجرد أن يروا درجته ويحدد ما إذا كان يعاني هذه الإعاقة أم لا، لكننا لم نقم أبداً بتصميم المقياس كأداة لتشخيص مشكلة صحية فردية. وفي واقع الأمر، لم نكن ننظر إلى الاحتراق الوظيفي منذ البداية باعتباره مرضاً أو إعاقة شخصية، وهي وجهة نظر أكدتها منظمة الصحة العالمية في بيانها الصادر في مايو/أيار 2019. ومع ذلك، فإن الكثير من أشكال العلاجات أو الأدوية الشخصية لن يظهر في الأسواق، أو يجري تغطيته من جانب شركات التأمين، إلا إذا كان هناك تشخيص معترف به رسمياً في نظام الرعاية الصحية العام. وقد مورست ضغوط متواصلة لإدراج الاحتراق الوظيفي ضمن القاموس الطبي، ومن ثم الاعتراف به كمرض ضمن نظام الرعاية الصحية.
الأمر الأكثر مدعاة للقلق أن هناك إساءة في استخدام نتائج مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي لتحديد الأفراد الذين "تم تشخيصهم" على أنهم مصابون بالاحتراق الوظيفي (في بعض الأحيان علناً) وبالتالي يجب التعامل معهم بطريقة ما ("يجب أن تستشير طبيباً نفسياً"، "يجب أن يتحسن قوام فريقك"، "يجب أن تستقيل إذا كنت لا تستطيع التعامل مع الوظيفة"). وتعتبر الدراسات البحثية أن استخدام درجات مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي دون الحفاظ على السرية داخل المؤسسات يفتقر لأبسط المعايير الأخلاقية. ونظراً لعدم وجود أسس طبية لافتراض أن الاحتراق الوظيفي نوعٌ من الإعاقات الشخصية، وعدم وجود دليل على إمكانية التوصل إلى علاج معتمد له، فلا شك في أن استخدام درجات الفرد بهذه الطريقة خطأ فادح.
أفضل الممارسات لاستخدام مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي في العمل
صُمم مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي للتعرف على المعلومات الجديدة التي توسع مداركنا حول الاحتراق الوظيفي والاستراتيجيات المحتملة للتغيير. ويمكن التوصل إلى هذه الاكتشافات أيضاً عندما تستخدم المؤسسات مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي من أجل إجراء الدراسات العملية والتخطيط. وإذا استُخدِم مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي بالشكل الصحيح، وجرى إعداد مزيج استراتيجي يجمع بين نتائجه وبين المعلومات الأخرى ذات الصلة، فيمكن أن تسهم النتائج في مساعدة القادة على تصميم طرق فاعلة لتعزيز الاندماج وإنشاء أماكن عمل أكثر صحة يزدهر فيها الموظفون.
أولاً: كشف بحث أُجري مؤخراً عن كيفية الجمع بين كل أبعاد مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي الثلاثة بطريقة شاملة وذات مغزى. ويؤدي تسجيل الدرجات للأبعاد الثلاثة بهذه الطريقة الجديدة إلى خمسة ملفات تعريفية لخبرة العمل للأفراد:
- الاحتراق الوظيفي: درجات سلبية للإعياء والفتور والكفاءة المهنية.
- الإنهاك: درجة سلبية كبيرة للإعياء فقط.
- عدم الفاعلية: درجة سلبية كبيرة للكفاءة المهنية فقط.
- عدم الاندماج: نتيجة سلبية كبيرة للفتور فقط.
- الاندماج: درجات إيجابية كبيرة للإعياء والفتور والكفاءة المهنية.
يجب فهم كل هذه التجارب الخمس على نحو أفضل، دون الاقتصار على محاولة فهم طرفي المعادلة فقط، ممثلَين في الاحتراق الوظيفي والاندماج. وقد ثبت بالدليل القاطع أن 10% إلى 15% فقط من الموظفين تنطبق عليهم المواصفات الحقيقية للاحتراق الوظيفي، في حين تنطبق مواصفات الاندماج على ضعف هذا العدد من الموظفين، بنسبة 30% تقريباً. وهذا يعني أن أكثر من نصف الموظفين تنطبق عليهم مواصفات أحد البُعدين السلبيين الباقيين، أي أنهم ليسوا مصابين بالاحتراق الوظيفي ولكنهم ربما كانوا في سبيلهم إلى الإصابة به.
وعند رصد البيانات البحثية حول كيفية تفاعل الأفراد مع 6 مكونات رئيسية للثقافة المؤسسية في مكان عملهم (عبء العمل والتحكم والمكافآت والمنظومة والإنصاف والقيم، كما تعكسها نتائج "استقصاء مجالات الحياة العملية" (AWS)، فإن كل ملف تعريفي يُظهر نمطاً مختلفاً غاية الاختلاف. فعلى سبيل المثال: تعاني المجموعة المصابة بالإنهاك مشكلة رئيسية واحدة فقط، ألا وهي عبء العمل (بمعنى كثرة الإنجازات المطلوبة وقلة الموارد المتاحة). لكن يبدو أن المجموعات المصابة بعدم الاندماج أو عدم الفاعلية تعاني مشاكل أخرى تشمل الإنصاف في مكان العمل أو المكافآت الاجتماعية والتقدير. وتعاني المجموعة المصابة بالاحتراق الوظيفي مشكلات رئيسية تتعلق بجوانب متعددة من مكان العمل، وهو نمط يتناقض بصورة حادة مع المجموعة المصابة بالإنهاك "التي تعاني مشكلة الإعياء فقط". ومن ثم، فإن أي حل يتكفل به صاحب العمل لتحسين الموازنة بين الحياتين العملية والشخصية يجب أن يراعي تباين مصادر الأنماط الخمسة المختلفة، بدلاً من افتراض أن نوعاً واحداً من الحلول يناسب الجميع.
ثانياً: يجب على قادة المؤسسات ألا يستخدموا مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي بمعزل عن غيره من الأدوات. يجب عليهم دمج النتائج التي توصلوا إليها مع نتائج الأدوات الأخرى لتحديد الأسباب المحتملة للملفات التعريفية الخمسة. إذ لا يقدم ملخص درجات الموظفين على مقياس ماسلاش للاحتراق الوظيفي وحده أي إرشادات مفيدة حول أسباب ظهور الملخص على هذا النحو، ولا يقترح مسارات محتملة للتحسين.
وبالنسبة للمؤسسات التي لا تملك موارد داخلية تكفي لإجراء دراسة تطبيقية للتعرف على مستوى الاحتراق الوظيفي للموظفين واندماجهم، فإن البديل المتاح أمامها أن تحصل على خدمات التقييم من الاستشاريين المتخصصين أو ناشري الاختبار. وبمقدور الجهات الخارجية المختصة بإجراء الدراسات الاستقصائية ضمان السرية من خلال العمل وسطاء بين الموظفين المشاركين في الاستقصاء والإدارة. فغالباً ما تكون لديهم قدرة أكبر على إعداد تقارير فردية أو جماعية. ولا تمتلك المؤسسات الكبيرة ملفاً تعريفياً عاماً موحداً حول هذه المشكلات لأن درجاتها تختلف بشكل كبير من وحدة مؤسسية لأخرى. وتشمل الأسئلة الواجب طرحها كلاً مما يلي: ما النسبة المئوية لكل ملف تعريفي داخل مختلف الوحدات في المؤسسة؟ هل يمثل الاحتراق الوظيفي مشكلة في مجالات معينة فقط أم ضمن تخصصات مهنية محددة؟ ويمكن للمؤسسة عندئذٍ استخدام هذه التقارير لتطوير السياسات والممارسات المثلى القادرة على إحداث تغيير إيجابي.
ويجب أن تتضمن الاستقصاءات الإلكترونية عبر الإنترنت لتقييم مستوى الاحتراق الوظيفي خياراً يتيح أمام الموظفين تقديم تعليقاتهم ومقترحاتهم بصيغة مكتوبة. وغالباً ما يطرح الأفراد الكثير من الأفكار ويبذلون الكثير من الجهد في تعليقاتهم، ويمكن أن تسفر النتائج عن رؤى ثاقبة لا تقدر بثمن، خاصةً إذا ظهرت الأفكار عبر مجموعة واسعة من الردود. ويمكن لأصحاب العمل إضافة أسئلة تكميلية للتركيز على القضايا الخاصة بالمؤسسة في ذلك الحين.
لكن ثمة نقطة مهمة لا بد من مراعاتها فيما يتعلق بهذه الأنواع من التقييمات المؤسسية، ألا وهي أنه يجب على المؤسسات مشاركة النتائج مع أصحابها. فلكم رأينا قادة يجمعون المعلومات من موظفيهم، ولكنهم لا يكترثون بتقديم أي ملاحظات حول النتائج المستخلصة منها وما إذا كانوا سيستخدمون هذه المعلومات لإجراء تحسينات إيجابية. وعندما يؤدي الموظفون عملاً لا يلقى التقدير، تزداد مخاطر إحساسهم بالفتور والإحباط. لذا، يجدر بالقادة التفكير في الآثار المترتبة على نمط الدرجات وموضوعات التعليقات، كما يجب على الإدارة في مختلف المستويات أن تشير بوضوح إلى أهمية التقييم المؤسسي بهدف إحداث تغيير إيجابي واتخاذ إجراء محدد من قِبَل الإدارة.
بات "الاحتراق الوظيفي" مصطلحاً شائع الاستخدام يجمع تحت مظلته كل المنغصات التي تصيب الأفراد بالإزعاج في عملهم، ولكننا نأمل أن نكون قد أوضحنا بعض المفاهيم الخاطئة. وعلى الرغم من إمكانية إساءة استخدام هذا الوصف وإساءة فهمه، فإنه يعد بمثابة مؤشر مهم للتحذير من احتمالات ازدياد الأمور سوءاً فيما يخص معنويات الموظفين في العمل. ويجدر بنا أن نعلم كيفية قياس الاحتراق الوظيفي وفقاً للمعايير الأخلاقية وألا نغفل هذا التحذير أو نقلّل من شأنه، بل يجب أن نأخذه على محمل الجد ونحرص على تصحيح المسار. ويجب على كل أصحاب المصلحة، بدايةً من العاملين على خطوط الإنتاج وصولاً إلى أعضاء مجلس الإدارة، فهم الاحتراق الوظيفي فهماً دقيقاً ومعرفة كيفية رصده وإدارته بالشكل الصحيح، فهذا ضروري لإعادة هيكلة أماكن العمل الحالية وتصميمها بطريقة أفضل في المستقبل.