لماذا عليك أن تبقي دائرة معارفك الداخلية صغيرة؟

4 دقائق
دائرة العلاقات الداخلية

عندما نتحدث عن شبكة العلاقات، فإنكم تعتقدون أنه كلما اتسع حجمها كان الأمر أفضل، أليس كذلك؟ لا، ليس بالضرورة، بل عليك اختيار دائرة العلاقات الداخلية الأقرب والأكثر ثقة بعناية وحرص، وسوف تتفاجأ أنك اكتسبت قيمة أكبر بكثير بين أفراد المجتمع الأكبر الذين يهتمون بالأمور نفسها التي تقوم بها.

أصبحنا الآن نعيش في زمن يسود فيه تصور أنّ "الأكبر أفضل" عندما يتعلق الأمر بأي شيء. ولذلك، فمن الطبيعي أن نرغب في توسيع حجم شبكات علاقاتنا إلى أقصى ما يمكن، سواء في العالم الافتراضي أو الحقيقي، وذلك لأنه كلما ازداد عدد معارفنا، ازدادت الفرص المتاحة أمامنا التي يمكن أن تساعدنا على التقدم المهني أو الحصول على الإرشاد، ومن المحتمل أن تقودنا لتحقيق النجاح المادي وما إلى ذلك. ولكن في الواقع، إنّ ما نسميه "المتواصل الخارق" لا علاقة له بزيادة حجم شبكة العلاقات على الإطلاق، بل يتعلق بأن تحيط نفسك بمجموعة مختارة بعناية من الناس تحبهم وتحترمهم وتشاركهم المعتقدات والقيم نفسها، وهم من يحددون مسارك في إقامة شبكتك الأكبر المليئة بالأشخاص الذين يضيفون قيمة وفائدة لبعضهم البعض. ويجب أن تكون هذه المجموعة الأساسية أصغر بكثير مما تتصور.

أهمية دائرة العلاقات الداخلية

نعاني جميعاً من ضيق الوقت، ويمكن أن يكون الوضع محبطاً ومزعجاً عندما يتعين عليك التعامل مع أمور العمل والأسرة وقضاء وقت "فراغك" المزعوم في شر لا بدّ منه نسميه التواصل. ولكن ليس من المفترض أن يستغرق التواصل كل ذلك الوقت، فإذا كنت، مثل معظم الناس، أي أقمت شبكة علاقاتك بطريقة عشوائية، وتواصلت مع أي شخص يمكن التواصل معه، فعلى الأرجح أنك ستجد صعوبة كبيرة في قول "لا" لأحدهم. وبالتالي، يطلب الأشخاص الذين بالكاد تعرفهم التواصل، ما يؤدي إلى شغل الكثير من وقتك، وأنت، بكل شهامة، تفعل ما يريدون. ولكن قد يأتي كرمك غير المحسوب بنتائج عكسية، فمثلاً، عندما تعطي وقتك لخمسة عشر شخصاً بدلاً من خمسة، فما تقدمه من تأثير في العالم من حولك يصبح أقل بكثير مما تتصور أن يحققه هذا العدد الكبير من الأشخاص في شبكتك.

اقرأ أيضاًكيف يجد الآباء العاملون الوقت للعلاقات العامة؟

تقول دارا بروستاين، مؤسسة شركة نتوورك أندر 40 (Network Under 40): "من الضروري أن تراعي الخمسة أشخاص الموجودين في دائرتك الداخلية، لأنهم يؤثرون فيك بصورة كبيرة وعميقة". تعتبر فعاليات التواصل هي شريان الحياة بالنسبة لدارا، ولكنها غالباً ما تقوم ببعض الترتيب لعلاقاتها، آخذة بعين الاعتبار أنّ "الناس سيصدرون أحكاماً سريعة عليك" بناء على دائرتك الداخلية. ولا يعني ذلك أنه عليك محاولة ملء دائرتك الداخلية بأشخاص رفيعي المستوى لينعكس عليك بعض من تألقهم وبريقهم، بل يعني السعي لإقامة علاقات مع أناس صالحين وأذكياء "يمكنهم مساعدتك على الارتقاء بذاتك والنهوض بها" والعمل على تعزيز هذه العلاقات وإثرائها.

وبعبارة أخرى، عليك أن تكون حريصاً ومتشدداً في اختياراتك، إذ يمتلك كل فرد في مجموعتك الأساسية دائرة داخلية خاصة به، تتصل أنت بها في النهاية، ويكون لكل من هؤلاء الأشخاص دائرة داخلية، وهكذا. ومن خلال تحدثي في الأمور المهنية وعملي في تطوير الأعمال التجارية نيابة عن شركة ذا كوميونيتي كومباني (The Community Company) وتوجيه الشباب الطموحين من رواد الأعمال عبر مجموعات مثل مؤسسة جونيور أتشيفمنت (Junior Achievement)، فأنا أتعامل مع عشرات الآلاف من الأشخاص كل عام، ومع ذلك، ليس لدي سوى عدد قليل من الأشخاص والأنشطة الذين أخصص لهم من وقتي. مثلاً، أتناول كل أسبوعين الغداء مع أحد أصدقاء الجامعة وأحد زملائي من رواد الأعمال الذين يساعدونني دائماً على الهدوء والحفاظ على توازني، وألتقي كل ثلاثة أشهر بصديق آخر من رواد الأعمال يدير أعمالاً عالمية معقدة والذي يذكرني بالتفكير بطموح أكبر. وهناك مجموعة الأصدقاء المقربين من المدرسة الثانوية الذين يساعدونني على الحفاظ على تواضعي وارتباطي بجذوري وأصولي، وفي عطلة نهاية كل أسبوع تقريباً، أذهب مع زوجتي وأبنائي الأربعة في رحلة نقضي فيها وقتاً ممتعاً ونستكشف فيها أماكن جديدة في مدينة نيويورك. وفي لقاءاتي مع كل هؤلاء الأشخاص، يكون الحديث بلا حواجز أو تفكير وتكون الثقة مطلقة بيننا. يعتبر هؤلاء الأشخاص جزءاً من الأساس المتين الذي يقودني إلى النجاح. وقد اخترتهم جميعاً، لا لأني استبعدت الآخرين جميعاً، إنما لأنهم، من بين الآلاف الذين أتعامل معهم، يساعدونني على الارتقاء بنفسي ويجعلون مني شخصاً أفضل.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك إقامة علاقات جديدة في ظلّ غياب فعاليات بناء العلاقات؟

إذاً، فكيف يمكنك بناء أساسك المتين أنت أيضاً؟ أولاً، قيم نفسك: هل أنت من يتحكم في العلاقات خلال حياتك أم أنك تتنازل عن دفة التحكم لغيرك؟ ذلك الموعد الدائم للغداء، أو المؤتمر الذي تحضره لوجود صديقك فيه، متى آخر مرة قدمت لك هذه التفاعلات أي قيمة أو حتى ساعدتك على تقديم قيمة للآخرين؟ هل تخرج منها مليئاً بالطاقة أم مستنزفاً؟ إذا لم تكن أنت من يضع قواعد التفاعل مع الآخرين ولا تعتمد اختيارات مدروسة بخصوص من تقضي وقتك معهم، فعليك أن تستعيد دفة التحكم. ابدأ بوضع خطة لتقليل الوقت الذي تهدره على أشخاص وأنشطة تتطلب منك أموراً غير مجدية حتى تتمكن من الانسحاب تماماً من هؤلاء الأشخاص أو تلك الالتزامات أو الأنشطة.

ثانياً، عليك تقييم عاداتك وأنشطتك: ما الأنشطة التي شاركت فيها على مدار الأسبوع الماضي؟ ما هي الأنشطة التي استحقت وقتك فعلاً؟ وما هي تلك التي لم يستحق؟ ما الذي ستقوم به حتماً مرة أخرى أو ستستثمر المزيد من الوقت فيه؟ ما الذي ستتركه تماماً؟ واسأل نفسك عما إذا كانت طريقة استغلالك لوقتك تتناسب مع قيمك الراسخة. إذا لم تكن كذلك، فاتركها، حتى وإن كان ذلك سيضعك في وضع غير مريح مع أصدقائك أو زملائك.

وأخيراً، عليك تقييم الآخرين: مع من قضيت وقتك مؤخراً؟ ما أنواع الأشخاص الذين تود قضاء المزيد من الوقت معهم، وما أنواع الأشخاص الذين تود قطع علاقتك بهم؟ تذكر أنّ العلاقات يجب ألا تكون قائمة على المصلحة الشخصية، فالفكرة ليست أن يقتصر قضاؤك للوقت على من ترى أنه يمكنه مساعدتك، بل عليك التفكير في القيمة طويلة المدى التي ستعود عليك من إقامة علاقة متبادلة المنفعة. يبحث "المتواصل الخارق" دائماً عن وسائل لمساعدة الآخرين، لا لأنه يتوقع الحصول على معاملة بالمثل، إنما لأن مساعدة الآخرين والكرم يساعدونه على تكوين رأسمال اجتماعي يجعله مميزاً وبارزاً.

اقرأ أيضاًكيف تنوع شبكة علاقاتك المهنية؟

وعندما تقلص حجم دائرتك الداخلية، سوف تبدأ في النظر إلى دائرة العلاقات الداخلية وإلى نفسك باعتبارك المهندس المعماري الذي يصمم بيئته الخاصة. وعندما تتعمق في الأمر بشكل أكبر، وتقتصر اختياراتك على العلاقات الأكثر أصالة وعلى عدد أقل من الأشخاص ذوي الأهمية الحقيقية بالنسبة إليك، فسوف تفهم متطلباتهم واحتياجاتهم بشكل أفضل، وبالمثل، يمكنهم فهمك بشكل أفضل. سوف يمنحك ذلك أساساً قوياً يمكّنك من بناء مجتمع أكبر يستفيد من معرفتك ومعرفة دائرتك الداخلية. قد لا تحصل أبداً على شبكة ضخمة من العلاقات، لكنك ستكون على الطريق الصحيح لتصبح "متواصلاً خارقاً".

اقرأ أيضاً: وسّع دائرة معارفك من خارج قطاع عملك

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي