يقف أحد المسؤولين من الإدارة الوسطى لشركة تنشط في قطاع صناعة الأدوية عند منعطف حاسم في حياته المهنية. إنه على وشك عقد اجتماع مهم مع مسؤولي الإدارة العليا لتقديم مراجعة لأداء الشركة. قد تحدد نتيجة هذا العرض لحظة نجاحه أو فشله، وقد تؤثر في مساره المهني في الشركة. تبدو الضغوط ملحوظة والرهانات كبيرة إذاً.
يتحوّل هذا الحدث إلى محفّز يولّد لدى هذا المدير دوامة من العواطف. يسيطر التفكير المفرط على ذهنه ويؤرقه القلق ويقضي التوتر على شهيته. يجدّ في ضبط شرائح عرضه التقديمي، ويطلب النّصح من زملاء ذوي خبرة، ويجمع المراجع كأنه من هواة الكتب النادرة، ويحاكي عدداً لا يحصى من السيناريوهات المتخيّلة ويتأمل مجموعة من نتائج هذا الاجتماع المحتملة.
في غمار هذا الشعور الجارف بتراجع الثقة بالنفس يسيطر على ذهنه سؤال مزعج: "ماذا لو فشل في مهمته ثم اكتشف أن البحث عن وظيفة بديلة معركة شاقة؟" يشغل هذا السيل من الأفكار والعواطف تفكيره فيكتفي بالتركيز على التحضير للاجتماع. لسوء الحظ يقوده حصر التركيز على هذا الحدث إلى إهمال مسؤوليات وظيفته الحالية. يتغيّب أكثر من المعتاد ويؤجل اجتماعات مع عملاء أساسيين، ويفْرط في انتقاد مرؤوسيه والتفاعل معهم. لتنعكس تداعيات سلوكياته على أعضاء الفريق فتضعف روحهم المعنوية وحماسهم وإنتاجيتهم.
فهم المشتتات الخارجية
لا يمكن إنكار أهمية دور المدير في تعزيز مستويات انتباه أعضاء فريقه. يجب على المدراء أن يفهموا أن المحفزات الخارجية في بيئة العمل قد تشدّ انتباه الموظف بقوة تجعله يفقد توازنه. تحدد قوة هذه المحفزات مدى قدرة الفرد على إدارة انتباهه. لو تبنّى مسؤولو الإدارة العليا نهجاً أكثر اتزاناً في هذا الموقف مثلاً وكفّوا عن توجيه التحذيرات والانتقادات لمرؤوسيهم لربّما تمكّن مديرنا من الحفاظ على توازن أكثر انسجاماً بين مهامه وعرض مراجعة الأعمال.
إذا كنت تشغل وظيفة إدارية أو كنت موظفاً عادياً، فإن معرفة هذه المحفزات وإدارتها أمر بالغ الأهمية، بغض النظر عن أصلها، سواء كانت صادرة عن مدير أو زميل أو عميل أو نابعة من التطورات الآنية للأحداث.
وتشكل القدرة على مقاومة هذه القوى الجاذبة أساس الحفاظ على التركيز. على سبيل المثال إذا كان لدى موظف ما ميل إلى الثرثرة فقد تشتّت هذه العادة انتباهه دون قصد وتصرفه عن الإصغاء بعناية الذي يعد أساس التواصل الهادف والفعال.
يمكن أن يعوق الانغماس المفرط في التفكير التحليلي أيضاً القدرة على اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة. لذا من الضروري تأمل النفس والإجابة عن السؤال الحاسم الآتي: "ما الذي يشدّ انتباهي في المقام الأول؟".
ما الحل إذاً؟ لمواجهة هذه القوى التي تجذب الانتباه واستعادة التوازن يجب عليك:
إدارة طاقتك
ربما تكون أكثر الاستراتيجيات فعالية وإثارة للفضول في هذا الإطار هي استراتيجية منع نفاد الطاقة أولاً. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اتباع نهج "الاسترخاء النّشط". ينطوي هذا النوع من الاسترخاء على عملية مدروسة فعالة للتخلص من التوتر غير الضروري الذي يسيطر على عضلاتك وأفكارك وعواطفك بأسلوب يحرّرها من سطوة الضغط والانقباضات اللاإرادية والأفكار التلقائية التي قد تستنزف طاقتك بقوة.
فالحفاظ على الانتباه والتركيز يستدعي التعامل مع العواطف، من خلال بلورة خطة محكمة التنظيم وتحديد أهداف شخصية دقيقة تساعدك خلال رحلة التخلص من الأفكار والانفعالات غير المرغوب فيها.
ويمكنك أيضاً كسر دورة العواطف السلبية بفعالية من خلال إعادة توجيه انتباهك إلى أحاسيسك الجسدية ومراقبة تنفسك لفترة من الزمن. يمثل هذا الأسلوب الشامل تصفية عميقة للذهن تساعدك على الحفاظ على تركيزك وتوازنك الداخلي حتى في مواجهة المشتتات المربكة.
إن محافظة الفرد على الوعي بانتباهه لذاته في أثناء تفاعلها مع محيطه ممارسة مرتبطة جوهرياً بمسألة إدارة الطاقة، ويمكن أن تبرز باعتبارها أداة فعالة في مكافحة القوى المتعددة التي تشتت التركيز.
إرساء عادات مضادة
لا يمكن أن تبقى ردود أفعالنا واحدة في كل المواقف، خصوصاً إذا كانت غير مألوفة وتنطوي على مخاطر عالية، فغالباً ما نلجأ إلى الآليات التي اعتمدنا عليها في الماضي ونتعامل مع المواقف الجديدة بالحلول القديمة نفسها لتكون النتيجة الفشل في التكيف.
من هنا تبرز أهمية التحول إلى عادات جديدة تمثل درعاً لمواجهة القوى الجاذبة واستعادة التوازن لتتمكن لاحقاً من إطلاق إمكاناتك الشخصية الكاملة في إطار مجالك المهني وتغدو أكثر حرية في استخدام قدراتك الكامنة.
لا أحد بمنأى عن المحفزات الخارجية الجاذبة للانتباه، لكن القاعدة الذهبية التي أتبعها في هذا الإطار هي: "لا تبالغ في التعوّد على نَفْسِك".