إذا بحثنا في أسباب الأخطاء الطبية الخطيرة، نجد أنّ حوالي 80% منها تعود إلى ضعف مستوى التواصل بين مقدمي الرعاية الطبية والمناوبين أثناء نقل المرضى من قسم إلى قسم. (وهي اليوم ثالث أسباب الموت في الولايات المتحدة بعد أمراض القلب والسرطان)، وذلك وفقاً لتقرير اللجنة المشتركة لعام 2012. وبذلك تكون عملية تسليم واستلام المرضى أكثر العمليات شيوعاً في المستشفيات وأخطرها.
وعلى الرغم من تطوير العديد من التقنيات والأدوات لهيكلة عملية تسليم واستلام المرضى وتحسين التواصل بين مختلف أعضاء الفريق الطبي، لم نلحظ أي تحسّن على مستوى تقليص الأخطاء الطبية. وتُعد المشكلة ذات وجهين: أولاً الصعوبة التي يواجهها الفريق الإداري في المستشفى لتطبيق هذه الأدوات بشكل فعّال، وثانياً صعوبة الحفاظ على التغيير الذي يتم تحقيقه.
وجدت وحدة الجراحة المتكاملة في مستشفى ميدلاند ميموريال (Midland Memorial Hospital) بولاية تكساس أنها في وضع مشابه. فقد لاحظ المسؤولون في المستشفى أنّ معظم عمليات تسليم المرضى يشوبها بعض النقص في المعلومات. وعلى الرغم من أنّ المعلومات الناقصة لم تكن في الغالب مهمة للغاية أو حساسة زمنياً (مثلاً: من الأرجح إغفال عمر المريض أكثر من الأدوية التي لديه حساسية تجاهها)، أدّت عمليات التسليم غير المكتملة إلى تأخير في تقديم الرعاية للمرضى، وسهّلت خسارة معلومات مهمة.
ولإصلاح ذلك، طبّق الإداريون في المستشفى مجموعة شائعة الاستخدام من الاستراتيجيات والأدوات المستندة إلى أدلة (مثل قوائم التدقيق الورقية وأجهزة التذكير) لتحسين العمل الجماعي والتواصل بين مقدمي الرعاية. وفرضت المستشفى على فريق الجراحة من جرّاحين وأطباء تخدير وممرضين وفنيين وغيرهم من مقدمي الخدمات، أن يخضعوا للتدريب على البرنامج.
في البداية، بدا البرنامج ناجحاً: إذ فهم أعضاء الفريق الممارسات وطبقوها، ولكنّ في غضون أشهر قليلة، كانت قلّة من مقدّمي الرعاية فقط يستخدمون القوائم الجديدة وتقنيات التواصل ولبعض الوقت فقط. وحتى نهاية 2013، سجّل فريق التمريض أنّ حوالي 20% من عمليات التسليم كانت ناقصة من حيث المعلومات.
اعتماد عملية أكثر منهجية
بدأت العمل مع الإدارة والموظفين والفريق الجراحي في العام 2014 وطوّرنا مقاربة أكثر منهجية وطويلة المدى لتحسين عمليات تسليم المرضى من غرفة العمليات إلى وحدة ما بعد التخدير. وعرفنا أنّ قوائم التدقيق والتدريب لمرة واحدة لن تحقق تغييراً مستداماً، لذلك وضعنا خطة من ست مراحل: أولاً: التحضير، ثانياً: الإطلاق، ثالثاً: التكيف، رابعاً: الدعم، خامساً: جعل البروتوكول رسمياً، سادساً: التجديد والتحديث.
أشركت مقاربتنا الإدارة والعاملين في عملية التغيير واعتمدنا على ملاحظاتهم. وخلال كل مرحلة، كان كل من مدراء وحدات الجراحة ومقدمي الرعاية الذين أجروا عمليات التسليم (أي الممرضين والممرضات الجوالين، وأطباء التخدير، وممرضات وممرضي وحدة ما بعد التخدير) مسؤولين عن تعلم مهامهم وتنفيذها، والتواصل بصراحة وأمانة، وتقييم فعالية المبادرة. وكانت الفكرة الأساسية تقوم على أن يعمل المدراء والموظفون بشكل منهجي وجماعي لتغيير سلوكهم وطريقة عملهم، بدلاً من العمل بطريقة محدودة وفردية.
ونجح المشروع في تقليص عدد عمليات التسليم التي تنقصها المعلومات أو تتضمن معلومات غير دقيقة واستطاع الفريق المحافظة على التحسينات المحققة.
المراحل الست
المرحلة الأولى كانت التحضير للإطلاق. فلمدة شهر تقريباً، التقت مارغريت وهي عضو في فريقنا بالفريق الإداري والموظفين لتقييم الجودة الحالية لعمليات تسليم المرضى في الوحدة الخاصة بالجراحة (21% من عمليات التسليم كانت تضمّ معلومات ناقصة أو غير دقيقة)، وحددت مقدار ما يريدون تحسينه (تقليص حالات التسليم الناقصة إلى 10% أو أقل في غضون ثلاثة أشهر والحفاظ على هذا المستوى في المستقبل). شمل ذلك جمع بيانات أساسية حول مؤشرات متعددة لجودة نقل المرضى (مثلاً: معلومات ناقصة أو غير دقيقة، معدل شفاء المريض) من مصادر متعددة (مثلاً: تقييم الممرض أو الممرضة في فريق ما بعد التخدير لكل عملية نقل لمريض، واستطلاع آراء مقدّمي الرعاية، مشاهدات وملاحظات، سجلات المرضى الطبية).
خلال هذه المرحلة، عملت مارغريت أيضاً مع الموظفين لتطوير خطة تحسين الجودة. واختار مدراء الوحدات عناصر قائمة التدقيق الجديدة ووضعوا إرشادات لبروتوكول يدوي معدّل (على سبيل المثال، البقاء بجانب السرير والمشاركة طوال عملية التسليم). خلال هذه المرحلة، علمنا أنّ مقدمي الرعاية كانوا قلقين من أن يضطروا للقيام بالمزيد من العمل المكتبي. لذلك بدلاً من استخدام قائمة تدقيق ورقية تقليدية، طبعنا العناصر المطلوبة في قائمة التدقيق على بطاقات التعريف والملصقات ليتمكّن مقدمو الرعاية من الوصول بسهولة إلى أداة التسليم من دون الحاجة إلى القيام بالمزيد من العمل.
المرحلة التالية هي الإطلاق. فخلال أسبوعين، درّبنا مقدّمي الرعاية على قائمة التدقيق وبروتوكول التسليم الجديد. ولضمان أن يفهم جميع المشاركين في عملية التسليم بين فريقي العمليات والجراحة المنطق وراء البروتوكول الجديد، نّظمنا عدة جلسات تدريب لمدة ساعة خلال الاجتماعات الأسبوعية (لشرح المنطق وراء البروتوكول الجديد وكيفية العمل به، والفوائد المتوقعة منه) حتى أننا قدّمنا تدريباً فردياً. وكان الهدف من هذه المرحلة هو مساعدة مقدّمي الرعاية لتنفيذ البروتوكول بفعالية. وفي نهايتها، قيّمنا نوعية عمليات التسليم عبر الممرضين الذين يقيّمون كل عملية تسليم ووجدنا أنّه من بين حوالي 250 عملية، 4% فقط تضمنت معلومات ناقصة أو غير دقيقة.
انتقلنا بعدها إلى مرحلة التكيف. إذ قيّمنا التقدم الأولي من خلال استطلاع آراء مقدمي الرعاية وسؤالهم عما يمكن أن يتحسن أكثر. ولاحظنا موافقة ضئيلة على أنّ البروتوكول الجديد أدى إلى تحسين عملية تسليم المرضى، إلا أنه كان هناك إجماع على ضرورة إجراء بعض التغييرات. مثلاً، أوصى أطباء التخدير بإزالة تفاصيل مثل عمر المريض ووزنه من قائمة التدقيق، باعتبار أنّها غير ضرورية في هذه المرحلة. وبعد موافقة الإدارة على التغييرات، حدّثنا بطاقات التعريف والملصقات لتعكس البروتوكول المعدل ووزعنا التغييرات وأسبابها على الجميع.
الهدف من هذه المرحلة هو زيادة الإجماع والالتزام بين مقدمي الرعاية وإرساء إحساس أوسع بملكية بروتوكول التسليم. وتناولنا أيضاً مسألة مزعجة أخرى اكتشفناها ألا وهي الضغط على الممرضين الجوّالين للعودة سريعاً إلى غرفة العمليات للمساعدة في تنظيفها لتسريع تسليم الغرفة. فخلال مرحلة الإطلاق، استغرق تسليم وتسلّم المرضى دقيقة أطول لأنّ مقدمي الرعاية كانوا في طور تعلم البروتوكول الجديد. وأدركنا أنّ هذا الوقت الإضافي قاد البعض إلى اتهام الممرضين الجوّالين بتضييع الوقت. وتناول مدراء الوحدات هذا التصرف غير المنتج خلال الاجتماع الأسبوعي، ورتبوا لإضافة المزيد من الموظفين للمساعدة في تنظيف غرفة العمليات. وبعد شهر من التكيف، أجرينا الاستطلاع مجدداً ووجدنا أنّ مقدمي الرعاية يوافقون بشدة على أنّ تحسّناً طرأ على عمليات التسليم.
المرحلة الآن هي مرحلة الدعم. وعلى عكس مرحلة التكيف التي تركّز على العناصر التقنية في البروتوكول وتذليل العقبات أمام التغيير، تركّز مرحلة الدعم على مساعدة مقدمي الرعاية في المحافظة على فعاليتهم وتجديدها وتعزيزها. في مستشفى ميدلاند ميموريال، كان ذلك يعني تدريبهم بشكل فردي لمدة أسبوعين. ووجدنا أنّ مقدمي الرعاية لديهم الوقت لحفظ معلومات المريض المطلوبة وعرضها، ولكنهم وجدوا صعوبة مع التغييرات السلوكية التي ينص عليها البروتوكول الجديد.
مثلاً، قبل مبادرتنا، كان هؤلاء غالباً ما يقدمون الجزء المتعلق بهم في عملية التسليم ويغادرون. وصعّب ذلك إجراء عملية تدقيق كاملة بين طبيب التخدير والممرض الجوال وممرض فريق الجراحة. لذلك فمن أجل تحويل تسليم المريض من عملية خطرة إلى عملية آمنة، طلبنا منهم البقاء قرب سرير المريض والمشاركة في العملية حتى النهاية. وتطلب ذلك تغييراً في العقلية من التركيز على الدور الفردي إلى العمل الجماعي وتقديم المساندة. فعلى الرغم من أننا غالباً ما نرى في المستشفيات عملاً جماعياً داخل الوحدات (أي أنّ الممرضين في وحدة الجراحة يتعاونون مع بعضهم البعض) إلا أنّ السلوك المساند غير شائع بين أعضاء الوحدات المختلفة (أي أن يتعاون ممرضو غرفة العمليات مع ممرضي وحدة الجراحة). ويعود ذلك جزئياً إلى الضغط الذي يشعر به الممرض للعودة ومساعدة عناصر وحدته لإنهاء عملهم.
لذلك كان أحد محاور التدريب الفردي هو التركيز على أهمية التدقيق في بيانات المريض بين عناصر الوحدات المختلفة. مثلاً، وزعنا أمثلة على كيفية مساعدة الآخرين على إضافة معلومات أو تصحيحها، وبينها حالة لطبيب تخدير أخطأ في قراءة البيانات وقال أنّ المريض لديه حساسية على الكوديين بدلاً من الإيودين فصحح له الممرض الجوّال.
في هذه المرحلة، تراجعت مدة التسليم من 4 - 5 دقائق إلى 2 ـ 3 دقائق،. وقال لنا معظم العاملين إنّه على الرغم من الصعوبة التي واجهوها في البداية في تعلم البروتوكول الجديد، إلا أنّ عمليات تسليم المرضى أصبحت أسهل بكثير وأفضل بشكل متسق. واستناداً إلى تقييمنا للنوعية وتقييم فريق التمريض، وجدنا أنّ 6% من عمليات التسليم البالغ عددها 250، والتي جرت خلال هذين الأسبوعين، كانت تنقصها معلومات أو تضمنت معلومات غير دقيقة.
المرحلة التالية هي جعل البروتوكول رسمياً وإدراجه في سياسة المستشفى وجعله مطلوباً رسمياً وليس فقط موصى به. استغرقت هذه العملية شهراً، ولكنها كانت تهدف إلى مساعدة مقدمي الرعاية على تفادي العودة إلى السلوكيات السابقة.
قبل أن نقدم البروتوكول رسمياً إلى وحدة تطبيق سياسات المستشفى، قيّمنا تأثيره على علاج المرضى. ووجدنا أنّ المريض كامل سجّل تحسّناً أسرع بنسبة 40% في وحدة التحضير للجراحة وما بعدها، منه قبل المبادرة، وأنّ مدة بقائه في المستشفى بعد العملية تراجعت بنسبة 2% وهي نسبة من شأنها أن تتيح للمستشفى توفير حوالي مليون دولار في السنة نظراً إلى كم العمليات الجراحية التي تجريها، والتي تصل إلى 10 آلاف في السنة، والسعة المستخدمة (غالباً حوالي 90%).
بعد إدراج البروتوكول الجديد في سياسات المستشفى، وضعت مارغريت مواداً خاصة بالتدريب مثل النشرات وشرائح الباور بوينت والمسابقات، وبروتوكول يساعد المدراء على مراقبة نوعية عمليات تسليم المرضى كل ستة أشهر. وطلبنا أيضاً من فريق التحضير للجراحة وما بعدها مواصلة تقييم عمليات التسليم لمدة أسبوع إلى أسبوعين كل ستة أشهر، من أجل تعزيز المحاسبة ولفت النظر حين تحتاج المبادرة إلى تجديد.
المرحلة الأخيرة والمستمرة هي مرحلة التجديد والتحديث. وتهدف إلى تعزيز التزام الفريق الطبي بالبروتوكول وإتقانه عبر زيادة المعرفة عنه. وفي هذا الإطار يقوم العناصر الموكلون التعليم في وحدة الجراحة، بإخضاع العناصر الجدد والإداريين سنوياً لعمليات تدريب متجددة.
ونجح مقدمو الرعاية من خلال جهودهم المستمرة في المحافظة على النجاح الذي تحقق في مشروع بروتوكول التسليم. واليوم بعد ثلاث سنوات من إطلاقه، يؤكد الموظفون أنّهم "يتبعون طريقة معيارية لمشاركة المعلومات لدى تسليم المرضى"، ويؤكد المدراء بأنّ نسبة عمليات التسليم التي تنقصها معلومات أو يشوبها عدم الدقة لا تزال تحت الـ10%. وبعبارة أخرى، أصبح الممرض أو الممرضة في وحدة الجراحة، يتلقى ما معدله عملية نقل واحدة ناقصة أو غير دقيقة أسبوعياً ما يعني أن عمليات التسليم عالية المستوى هي السائدة الآن. (يقول الممرضون والممرضات في قسم الجراحة أنه حين تشوب عملية التسليم شائبة، عادة ما يكون أمراً بسيطاً وأنّ البروتوكول الجديد يساعدهم على رصد أي نقص أو خطأ).
في النهاية، تعد عمليات تسليم المرضى أحد المجالات العديدة لتحسين نوعية الرعاية الصحية، وقد يساعد اتباع نهج منظم مماثل في اتخاذ مبادرات أخرى. وسيعتمد نجاح أي مبادرة على: 1) اعتبار التغيير عملية مستمرة وليس حدثاً. و2) إشراك الإدارة والموظفين. و3) التقييم المنهجي للمبادرة باستخدام مقاييس الجودة في جميع المراحل. لدى مؤسسات الرعاية الصحية فرصة مهمة لتحسين جودة رعاية المرضى، ولكن يجب أن تبذل الجهود وتحافظ عليها.