مصيدة “تعظيم الأرباح” عند اتخاذ القرار

3 دقائق

ما هي الطريقة السليمة لاتخاذ القرارات الصعبة في مجال الأعمال؟ جميعنا يعلم تلك الإجابات التقليدية المعهودة: التزم بالقانون ثم افعل أي شيء يحقق أعلى الأرباح أو يزيد من قيمة الأسهم. هذا المنطق والمؤسسات التي عملت على ترسيخه، ولا سيما الأسواق التنافسية وحكم القانون، قد حول شكل العالم الذي نعيش فيه وأنقذ مليارات الناس من الفقر. ولكن ثمة قرارات تقع في مساحة رمادية غير واضحة لا يمكن لهذه الإجابات أن تساعد على حلها.

هذه المساحات الرمادية هي تلك المواقف التي يزداد بها مستوى التعقيد والغموض وقد تؤثر على الكثير من الناس. ويلزم في مثل هذه المواقف امتلاك نظرة ثاقبة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، غير أنّ هذا وحده لا يكفي. فعليك التعامل مع هذه المشاكل بعقلية المدير، وأن تبذل ما بوسعك لتحليل الموقف بأفضل طريقة ممكنة، ولا سيما من خلال التحليل المالي الدقيق. ويتوجب عليك في النهاية أنّ تعتمد على حكمك وأن تتوصل لحل هذه المسائل بالمقدرة البشرية التي تتوفر لديك. ومن الضروري في هذه الحالات أن تقوم بحساب الأرقام والاستفادة مما تخبرك به، ولكن الأمر لا يتوقف على ذلك فقط. ففي القضايا المعقدة يلزمك النظر في الجوانب الاقتصادية والنظر أيضاً في اعتبارات أخرى تتجاوز الأرقام.

تخيل مثلاً أنك رئيس تنفيذي في شركة تصنيع أدوية وتفكر في أن تسحب دواء ما من السوق. كيف ستقوم بهذا القرار؟ هل يجدر بك أن تتخذ أي قرار يحقق لك أقصى الأرباح ما دمت لا تخرق أي قانون، أم عليك أن تفكر بالأثر الذي سيتركه قرارك على حياة المرضى؟ أو ماذا لو كانت شركتك تفكر بإقالة مجموعة من الموظفين، هل ستكترث بزيادة أرباحك وحسب وكأنك تتخلّص من معدات قديمة لديك، أم ستفكر ملياً بما سيترتب على حياة موظفيك بعد اتخاذ ذلك القرار؟

لا بدّ من الإشارة من الناحية التاريخية إلى أنّ تلك الفكرة التي تدّعي أنّ (مهمة المدير في الشركة تتمثل في جانب أساسي واحد، ألا وهو تحقيق أعلى العائدات الاقتصاديّة) تعد تطوراً صادماً. فهذا الافتراض النظري والسائد في العديد من التخصصات الأكاديمية، من اقتصاد وتمويل ونمذجة الاقتصادية وغيرها، تحول في نهاية القرن العشرين، ولا سيما في الولايات المتحدة، إلى مبدأ أعلى فيما يتعلق باتخاذ القرارات. ومن وجهة نظر العلوم الإنسانية، فإنّ هذا التصور يدل على طريقة عجيبة في التفكير. فلم نجد في أي تراث ديني أو فلسفي ما يقول إنّ توفير المال لمجموعة ما هو أهم متطلب في الحياة. بل إنّ معظم الأديان والتقاليد الفلسفية تحذّر الإنسان من أن ينشغل بالمال والثروة.

ولكن لعله ليس ثمة خيار آخر أمام المدراء. أليس مدراء مؤسسات الأعمال، أو على الأقل أولئك الذين يعملون ضمن النظام الرأسمالي للقانون العام "الأنجلو أميركي"، ملزمين بتحقيق أعلى العائدات للمساهمين؟ والجواب هنا هو: كلا، ولهذا فإنّه من المهم حين تواجه مسألة حساسة أن تمتلك نظرة تتجاوز الجوانب الاقتصادية للموقف. فليس هنالك ما ينص في قانون الشركات في أميركا أنّ على مدراء الشركات التزاماً مفتوحاً قاطعاً بتعزيز المصالح المالية للمساهمين. بل إنّ ما يقوله القانون في واقع الأمر مختلف كثيراً. فالواجب القانوني على المدراء هو خدمة مصالح المساهمين والشركة. وهذه عبارة فضفاضة للغاية، والقانون يمنح المدراء مرونة كبيرة في تفسيرها.

دار حوار بين تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل وأحد المساهمين في الشركة وقد وضّح لنا هذا الحوار تلك الحقائق القانونية. لقد وجه المساهم سؤالاً لتيم كوك عن جهود الشركة في مجال الطاقة المتجددة وأخبره أن على آبل أن تُحجم عن الدخول في هذا المجال إلا إن كان يحقق الأرباح لها. فرد كوك على هذا المساهم في لحظة غضب نادرة قائلاً إنّ شركة آبل قد قامت بالعديد من الأمور لأنها رأت أنها أمور سليمة وصائبة. وأضاف كوك: "حين نعمل على تمكين الضرير من استخدام أجهزتنا فإنّني لا آبه مطلقاً بالعائد على الاستثمار... إن كنت تريد مني أن أقوم بكل خطوة باعتبار العائد على الاستثمار فإنّه يجدر بك أن تسحب أسهمك من هذه الشركة".

لقد كان كوك يتحدث كأي رجل رأسمالي حقيقي، فهو إنما أشار إلى ما يمكن أن تفعله شركة آبل أو تحجم عن فعله لجني المزيد من الأرباح وتحقيق النجاح الاستراتيجي. وبوسع المستثمرين بعد ذلك أن يقرروا إن كانوا يرغبون في شراء الأسهم في هذه الشركة أو لا. وقد جرى العرف في الولايات المتحدة على منح المدراء التنفيذيين ومجالس إدارة الشركات صلاحية واسعة في وضع الأهداف التي تسعى الشركات لتحقيقها، ما دامت دوافعهم غير متأثرة بأي تضارب للمصالح وما داموا يبذلون جهداً كافياً للوصول إلى قرارات صائبة. أضف إلى ذلك أنّ 30 ولاية أميركية قد أقرت قوانين تتيح للشركات بصراحة أن تأخذ باعتبارها مصالح أطراف أخرى إضافة إلى المساهمين فيها. وقد أشار المعهد القانوني الأميركي إلى أنّ للمدراء الحق في التخلي عن تحقيق الأرباح لتجنب أي تصرف من شأنه أن يلحق الأذى "غير الأخلاقي" بالموظفين أو الموردين أو المجتمعات أو أي أطراف أخرى.

إنّ المسوّغ المتعلق بتحقيق أعلى الأرباح هو في واقع الأمر مسوّغ براغماتي. فثمة معيار واحد بسيط وواضح وفي غاية الفائدة فيما يتعلق بقرارات العمل الروتينية في الأسواق التنافسية ضمن أنظمة قانونية سليمة. ففي هذه الظروف يكون التفكير على أساس تحقيق الأرباح والعائدات على المدى الطويل طريقة سليمة للاستفادة من المصادر الموجودة في المجتمع على أفضل وجه. وفي الأسواق التنافسية يكون تحقيق الأرباح العالية أمراً بالغ الأهمية للنجاح والثبات في السوق. ولكنّ هذا الواجب المهم، المتمثل في تحقيق الأرباح العالية، ليس أكثر أهمية من واجباتك الإنسانية الأساسية. وعليه فإنّه يجدر بالمدراء أن يحرصوا على تجنب استخدام واجباتهم ذات البعد الاقتصادي كمسوّغ لتجاهل ما تمليه عليهم ضمائرهم وألا يهملوا واجبهم الإنساني الأساسي. 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي