بصفتي مدربة تنفيذية أعمل مع القيادات النسائية، ليس غريباً بالنسبة إليّ أن أرى وجوه عميلاتي الحزينة والقلقة عندما يدركن أنهن يعانين من الاحتراق الوظيفي؛ فغالباً ما يمثل هذا الإدراك صدمة لهن. بمجرد إثارة الأمر وتحدث النساء بشكل أعمق عن شعورهن بالإجهاد وانعدام طاقتهن لأداء العمل الذي كانوا يحبونه في السابق، تتضح لهن المشكلة جلياً. ولكن إلى أن نصل إلى هذه المرحلة، عادة ما يشعرن بالذنب لشعورهن بهذا الإجهاد ويقلن لأنفسهن عبارات من قبيل "أنا فقط بحاجة إلى العمل بجهد أكبر! لا أدري ماذا حلَّ بي؟" فكيف يمكننا علاج الاحتراق الوظيفي لدى النساء؟
أعراض الاحتراق الوظيفي لدى النساء
نقدّر أنا وشركائي في العمل أن ما يقرب من 20% من النساء المشاركات في دوراتنا التدريبية المكثفة التي تستمر لستة أشهر يعانين من بعض أعراض الاحتراق الوظيفي. ما نعرفه هو أنه شعور خفي ويمكن أن يتملكك ببطء. فقد انتقلت هؤلاء النساء من مرحلة الشعور "بالتوتر والإجهاد" إلى مرحلة المعاناة من الإجهاد المزمن. وظاهرة الإجهاد المهني هذه تربك العقل؛ حيث يكافح الشخص لتقييم موقفه بوضوح وغالباً ما ينتهي به الأمر مؤنباً نفسه على أنه ليس جيداً بما يكفي.
أدركت إحدى العميلات، وهي رئيسة تنفيذية لشركة تأمين متوسطة الحجم وكانت شغوفة للغاية بعملها، أنها تعاني من الاحتراق الوظيفي. فبعد سنوات من تكريس وقتها بشكل دؤوب للعمل، وجدت نفسها ذات يوم تكافح لتستمع إلى رئيس مجلس الإدارة عندما دخل مكتبها، في حين أنها في الماضي كانت تتطلع إلى إجراء هذه المحادثة. وقد وصفت الموقف موضحة أن كلامه كان كالطلاسم وأنها لم تفهم منه شيئاً. كما أنها كانت تشعر بالإرهاق عند استيقاظها كل صباح وأرادت فقط البقاء في المنزل وإعداد الحساء ومشاهدة حلقات من مسلسلها الكوميدي المفضل.
اقرأ أيضاً: تريدين أن تصبحي أكثر إنتاجيةً؟ حاولي إذاً تقليص قائمة مهماتكِ
للأسف هذا الوصف ليس غريباً. فغالباً ما تتصف عميلاتنا بأنهن متحمسات وشغوفات. ولكن بمرور الوقت يشعرن بالضغط والإرهاق ويجدن صعوبة في تحديد المشكلة. أحياناً أسمعهن يتحدثن عن تفكيرهن في مغادرة شركاتهن فقط للشعور ببعض السلام النفسي. وأحياناً لا يجرين تغييرات في حياتهن إلا بعد أن ينتهي بهن الحال في غرفة الطوارئ بالمستشفى أو يصبن بمشكلات صحية خطيرة. وهذا غالباً ما يؤدي إلى أخذ إجازة من العمل أو إنهاء خدمتهن. لذلك يحتاج القادة الناجحون إلى معرفة كيف يبدو الاحتراق الوظيفي والحصول على مساعدة للتغلب عليه في مرحلة مبكرة.
فيما يلي نعرض لكم ما نعرفه:
يُعد الاحتراق الوظيفي في الوقت الحالي إحدى مشكلات العمل الخطيرة؛ فقد تغيرت بيئات عملنا بشكل سريع من حيث وتيرة العمل ومدى التعقيد. في مايو/أيار عام 2019، حدّثت منظمة الصحة العالمية تعريف الاحتراق الوظيفي، وأصبح: "نتاج الشعور بالإجهاد المزمن في مكان العمل الذي لم يُدار بنجاح". وهذا التعريف يرفع مستوى الوعي بالاحتراق الوظيفي ويعزز ارتباطه بالعمل. كما أنه يؤكد على الحاجة إلى الانتباه إلى هذه الأعراض المهنية وإيجاد حلول للتخفيف من ضغوط بيئات العمل المؤذية. دكتورة كريستينا مازلاك من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والخبيرة في الاحتراق الوظيفي، وصفته بأنه: "استجابة ممتدة للضغوط الشخصية المزمنة التي نتعرض لها في وظائفنا".
ولذلك ليس من المستغرب أن تكون مستويات الاحتراق الوظيفي أعلى لدى النساء. وقد وجدت إحدى الدراسات أن عدم المساواة بين الجنسين في مكان العمل عنصر أساسي في التأثير على الصحة العقلية المهنية، حيث وُجد أنه لدى النساء مستويات منخفضة من سلطة اتخاذ القرار وغالباً مؤهلاتهن تفوق أدوارهن الوظيفية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض مستوى شعورهن بالرضا في العمل وأيضاً شعورهن بأن هناك القليل من البدائل المهنية المتاحة لهن. نرى هذا الشعور بالإحباط طوال الوقت، وغالباً ما يظهر في شكل تأنيب للنفس، حيث تعتقد النساء في الغالب أنهن السبب في عدم نجاحهن وتقدمهن.
كيف تتغلب النساء على الاحتراق الوظيفي؟
ما يقلقنا بعد عقود من العمل مع القيادات النسائية هو أن هذا الأمر يزداد سوءاً. وهذا ما نوصي به:
حددي في الحال ما إذا كنتِ تعانين من الاحتراق الوظيفي، وإذا كنتِ كذلك، حددي ما مدى سوء الأمر
تحدث الإصابة بالاحتراق الوظيفي بصورة تدريجية، حيث عادة ما يبدأ الأشخاص بالشعور بواحد أو اثنين من الأعراض التالية، ثم تتوالى بقية الأعراض. تسلط ماسلاتش الضوء في بحثها على 3 أسئلة رئيسية ينبغي أن تطرحيها على نفسك:
1- هل أنتِ منهكة بدنياً وعاطفياً باستمرار؟ هل تشعرين أن طاقتك منعدمة أو تجدين صعوبة في النوم؟ هل تقلقين بصورة مفرطة؟ هل أصبحتِ عصبية؟ هل تشعرين بالحزن أو اليأس؟
2- هل أصبحتِ أكثر تشاؤماً وانعزالاً من المعتاد؟ هل أصبحتِ لا تشعرين بالبهجة من الأشياء التي كانت تُشعركِ بها عادة؟ هل أصبحتِ أقل اهتماماً بالتواصل الاجتماعي وتشعرين أنكِ أقل اتصالاً بالأشخاص مما كنتِ عليه من قبل؟ هل أصبحتِ سلبية أكثر من المعتاد؟ هل تركزين على النصف الفارغ من الكوب؟
3- هل تشعرين أنكِ لا تساهمين في فعل أي شيء له معنى ومغزى، كما كنتِ تفعلين في السابق؟ هل تشعرين بعدم الفاعلية وأن كل ما تقومين به من عمل جاد لا يحقق أي شيء في الواقع؟
إذا أجبتِ بـ "نعم" على جميع الأسئلة السابقة أو معظمها، فيجب أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار بالنسبة إليكِ. فقد حان الوقت لتحديد موعد مع أخصائي في الطب الباطني أو أخصائي صحة نفسية أو مدرب (مرشد). هذه الأسئلة، وخاصة آخر سؤالين، تنقل مفهوم "الضغط والتوتر" المعتاد إلى المستوى التالي؛ من حيث كيفية تأثيره على طريقتك في التفكير بشكل عام.
حاولي أن تدركي المشكلة في وقت مبكر. الوعي بالمشكلة هو الخطوة الأولى
وأحياناً ما يكون هذا هو الجزء الأصعب. فقد نقسو على أنفسنا في بعض الأحيان، وغالباً لا نكون مستعدين للتفكير والتأمل في سلوكياتنا.
غالباً ما تقول العميلات أن الزملاء والأصدقاء يعربون عن قلقهن من أنهن لسن على ما يرام أو أنهن يعملن أكثر من اللازم. ولكنهن يضربن بهذه التعليقات عرض الحائط ويرون أنهن فقط بحاجة إلى العمل بجهد وذكاء أكبر. فإذا كنتِ تسمعين تعليقات مشابهة من الزملاء أو الأصدقاء، يجب أن تحذري، حيث إن تقبُّل فكرة أنكِ إما في "أزمة" أو ستواجهينها قريباً، ليس سهلاً. أجيبي عن الأسئلة المذكورة أعلاه وكوني صادقة مع نفسك.
اقرأ أيضاً: بحث: النساء تسجل نقاطاً أعلى من الرجال في معظم المهارات القيادية
احصلي على الدعم
من المهم أن يكون لديكِ شخص يمكنه مناقشتك في أفكارك وإعطائك وجهة نظر أخرى، سواء كان هذا الشخص صديقة جيدة أو أحد أفراد العائلة أو معالجاً نفسياً أو مدرباً.
فبمجرد الإصابة بالاحتراق الوظيفي يتجمد العقل، وبالتالي تتخذين القرارات وأنتِ مشوشة. ولكن بتحديد الأعراض والتمكن من ترتيب الأولويات بوضوح مرة أخرى، يمكنكِ وضع حدود أفضل، على سبيل المثال من خلال تفويض المهام عند الضرورة ورفض العمل على المشاريع التي لا تصب في صالحك على المدى الطويل والاهتمام بنفسك على نحو أفضل. يمكن لهذه الخطوات أن تساعدكِ على الشعور بأنكِ قد أحرزتِ تقدماً فيما يتعلق بالتخفيف من الأعراض التي تعانين منها.
اجعلي سلامتك العاطفية والبدنية أولوية في حياتك
اجعلي تناول الطعام الصحي وممارسة التمارين الرياضية والحصول على قسط كاف من النوم على رأس أولوياتك. وحددي مواعيد لأخذ استراحة غداء وتوقفي عن العمل في الوقت المناسب. وخذي جميع إجازاتك.
فقد أفادت الكثير من الشركات أن الموظفين يستغنون عن الإجازات؛ حيث إن 27.2% من الإجازات مدفوعة الأجر لم تُؤخذ عام 2018. وتخبرنا الكثير من النساء أنهن أول مَن يصل إلى الشركة وآخر مَن يغادرها. أعيدي صياغة رسالة "العمل بجهد أكبر" لتصبح "العمل بذكاء أكبر"، ما يشمل أخذ استراحات من العمل لتحفيز استجابة الاسترخاء وتثبيط استجابة الضغط والإجهاد. فالأمر يتطلب إتاحة الفرصة لنفسك للتفكير بطريقة مختلفة في الأولويات، والالتزام ببناء آليات تكيُّف صحية للتغلب على الشعور بالضغط.
افحصي بيئة عملك
يحدث الاحتراق الوظيفي نتيجة لعدم التوافق بين متطلبات الوظيفة والموارد المتاحة. حددت روبن إيلي وإيرين بادافيتش، في مقال نُشر حديثاً في هارفارد بزنس ريفيو، أن "ما يعيق النساء في العمل ليس تحدياً فريداً يتمثل في تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والعائلة، بل مشكلة عامة تتعلق بالعمل الإضافي الذي أصبح سائداً في ثقافة الشركات المعاصرة". فشعار مكان العمل الحالي "علينا أن نفعل الكثير بأقل الموارد" لا يمكن أن يستمر بعد الآن. لذا يجب عليكِ إعادة النظر في دورك الوظيفي وثقافة الشركة، مع مديرك أو كبار القادة الآخرين، وأيضاً معرفة كيفية تهيئة بيئة عمل يمكن للجميع فيها النجاح والازدهار.
اقرأ أيضاً: طرق تحسين الكفاءة الإنتاجية
لكي تتمكن القيادات النسائية من الاستجابة بشكل أفضل للتغيرات المستمرة في أماكن العمل والتكيف معها وعلاج الاحتراق الوظيفي لدى النساء، من الضروري فهم ما هو الاحتراق الوظيفي وما هي أعراض الإصابة به بشكل واضح. بصفتي مدربة، آمل أن تتمكن عميلاتي من خلال ما أقدمه من توعية، من استيعاب المشكلة في وقت مبكر وتطبيق آليات التكيف التي تعلمنها، وأتمنى ألا ينتهي بهن الأمر مصابات بمشكلات صحية خطيرة. وينبغي لنا جميعاً أن نسعى جاهدين إلى تهيئة أماكن عمل حيثما يمكن للجميع الازدهار والنجاح.
اقرأ أيضاً: