هل أنت شخص يفكر بطريقة الأندرويد أم الآي أو إس؟

5 دقائق
shutterstock.com/igor kisselev

هل سبق أن سألت نفسك إن كانت طريقة تفكيرك تشبه نظام الأندرويد المعتمد في الهواتف الذكية المدعوم من جوجل، أم تنتمي طريقة تفكيرك إلى نظام التشغيل التابع لشركة آبل المعروف بـ "آي أو إس" (IOS)؟

إن لم تكن قد أخضعت نفسك لهذا الاختبار، فعليك به الآن:

هل تفضّل على صعيد الحياة الشخصية أو العمل أن تنجز مهامك اليومية بمفردك لكي تتمكن من إنجازها بإتقان، ولا تفضل التشارك في الآراء مع الآخرين بخصوص ذلك؟ أم أنك منفتح على التشارك في الآراء وتطوير أعمالك وأفكارك بناءً على مساعدة الآخرين؟ 

هل تفضّل التحكم بتطوير المنتج واتخاذ القرارات في كل صغيرة وكبيرة، أم تمنح الصلاحيات لفريق عملك أو لزوجتك أو لأولادك للمشاركة في الأمر وإجراء التغييرات والتطويرات، حتى في القضايا التي تعتبر أنت طرفاً فيها، وفقاً لما يرونه مناسباً في بعض الحالات؟ 

هل تفضل البقاء في حالة الأمان وتجنب المخاطرة عندما يكون الوصول إلى الإبداع واستكشاف أفكار مبتكرة مشروطاً بالمجازفة؟ أم تفضل خوض التجارب وترجح الأمر على فكرة البقاء في حالة أمان وانغلاق؟ 

لا بد أن كلاً منّا استطاع أن يصنّف نفسه سريعاً عبر الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة. ولا شك أنكم عرفتم أن من اختار الاحتمالات الأولى من الإجابات عن الأسئلة السابقة، فقد انطبقت على شخصيته طريقة التفكير بنظام "آي أو إس". وإذا كنت تنتمي لهذا التصنيف، فأنت شخص يفضّل التحكم بالمنتج وتطويره، وأنت شخص لديه بعض صفات الكمالية "perfectionism" ولذا فأنت تتقن عملك قدر الإمكان، ولا تفضل أن تتشاور فيه مع أحد، وتفضل أن تتولى أنت نفسك إدارة التطويرات اللاحقة في المشروع أو المنتج، وتفضل أن يتم استشارتك في كل كبيرة وصغيرة، ولا تحبذ منح الصلاحيات إلا بشروط مشددة. إذاً، مرحباً بك في عقلية آبل، لأن هذا هو فحوى نظام التشغيل الذي تعتمده هذه الشركة.

أما إن كنت تنتمي إلى ذلك النوع من الشخصيات التي تتشارك الأفكار وتفضل الاستفادة من كل الخبرات التي تحيط بك جيدها وسيئها، وتترك لمن حولك حرية الاختيار والقرار والتشاور وتمنح الصلاحيات بنسب أكبر من الآخرين، فأهلاً بك في نظام التشغيل الذي يعتمد المصادر المفتوحة "أندرويد".

هل تستغربون أن تبدأ عمليات قياس سلوكياتنا وأفكارنا بأنظمة التشغيل أو بمسارات تحددها التكنولوجيا؟ لا داعي للاستغراب، فقد أصبح هذا الأمر واقعاً، وهو يتشكل كل يوم وسيزداد لدرجة قالت فيها الباحثة البريطانية سوزان غرينفيلد أنه سيتحول إلى ظاهرة عالمية تسمى "تغيّر العقول"، وسيكون هذا التغيير مشابهاً من حيث الخطورة لظاهرة "تغيّر المناخ" والتي نجمت عن الثورة الصناعية بمختلف مراحلها. وتوضح غرينفيلد في كتابها الذي حمل اسم "تغير العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا" أن ظاهرة تغيّر العقول بدأت بانحسار مساحات اللعب الخاصة بالأطفال، وزيادة العزلة لدى الأفراد، دون أن ينتبه إليها الكثيرون، وأن مفهوم تغير العقل سيشهد ردود فعل مشابهة لما واجهه مفهوم "تغير المناخ" فقد بدأ كمصطلح نخبوي يسخر منه الكثيرون، ثم انتهى إلى تصنيفه كخطر عالمي يستوجب توقيع اتفاقيات دولية. وهذا ما سيحصل تماماً مع تغير العقول. 

لقد بات زر التشغيل لهاتفك الذكي هو - في الوقت ذاته - مفتاح التشغيل لدماغك وفعاليتك الإنتاجية، وهذا قبل أن يبدأ التطبيق العملي لشركة إيلون ماسك الجديدة نيورالينك والتي تعمل على وصل الدماغ البشري بالكمبيوتر عبر رقاقة ذكية ترفع مستوى الذكاء البشري إلى مستوى الذكاء الاصطناعي كما أعلن مؤخراً. 

حتى قبل أن يصلها إيلون ماسك ببعضها فقد ارتبطت أدمغتنا بالتكنولوجيا من حولنا وباتت تنقاد بأزيزها، لدرجة ولدت فيها أمراض بشرية عضوية ومهنية نتجت عن تأثر أدمغتنا بالتكنولوجيا المحيطة، فقد صار صوت التنبيه من الهاتف الذكي إشارة مستفزة للدماغ ومسبباً للإضرار بالإنتاجية والقدرة على التركيز بحسب دراسة نشرتها هارفارد بزنس ريفيو.

وستعلم مدى الخطورة، عندما تعلم أننا لا نتحدث هنا عن تغيير عقول بعض الأفراد، بل عن تحول الجنس البشري إلى نوع جديد بسبب التكنولوجيا. ويمكنك المقارنة بين إنسان اليوم وإنسان الأمس لتعلم أننا أمام نوع بشري جديد تقريباً، فإنسان اليوم لا يأخذ وقته في التفكير بشكل كاف، وهذا ما بات ينعكس على قراراته المتسرعة، والتي يساهم فيها الآخرون الذين يحيطون بك في الحياة الشخصية والمهنية، حيث يتراكم الإلحاح والضغط عليك لاتخاذ القرارات الأسرع دون فترات تأمل كافية، حيث تستعرض الكاتبة سوزان غرينفيلد في كتابها كيف كانت الاتصالات في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، محدودة ومرتفعة التكلفة فلم تكن متاحة في كل الأوقات، لذا كان الإنسان يتمتع بالوقت ليفكر ولا يضطر لتلقي الاتصال الهاتفي أو الرسائل الفورية عبر واتساب في كل لحظة بانتظار الإجابة المباشرة. كان لديه الوقت ليفكر، وكان لديه الوقت ليمشي ويتأمل في قضايا العمل أو الحياة الشخصية أو الأفكار الإبداعية، بينما هو اليوم لا يترك ثانية متاحة إلا ويحني بها رأسه نحو الهاتف، وإن لم يفعل فإنه سيتلقى تنبيهاً من إحدى التطبيقات تحرضه للرد على رسالة على واتساب أو إيميل أو تغريدة، وأصبح الفصل بين الإنسان وهاتفه الذكي يعتبر بمثابة بتر عضو من أعضاءه، فظهرت أمراض جديدة تعبر عن ترابط الإنسان بالتكنولوجيا بشكل مرضي، مثل "FOMO" أي "الخوف من أن يفوتنا شيء ما" و"FOBO" أي "الخوف من فقدان الاتصال بالإنترنت"، لدرجة بات فيها الباحثون يدرسون ظاهرة جديدة تسمى "مسك الهاتف الذكي دون استخدامه"، حيث أصبح الهاتف بمثابة عضو من أعضاء الإنسان، لكنه عضو يمتلك القوة المسيطرة في التحكم والتأثير على سلوكك وإنتاجيتك، كما أصبحت شخصيتك تتطبّع بمواصفات هاتفك الذكي مع الوقت وبات مسار حياتك محدداً بنظامه التشغيلي. بل أكثر من ذلك، فقد أضحت بعض الدول تؤقلم أنظمتها الداخلية بما حددته هذه التقنيات ضمن دولها الافتراضية، حيث لا بد ملاحظة أن آبل وجوجل وفيسبوك وغيرها من عمالقة التكنولوجيا، عملت على إنشاء دول افتراضية تقودها أنظمة داخلية، باتت تضطر الدول الحقيقية للتأقلم معها أو التأثر بها. واليوم يصل تأثير نظامي التشغيل "أندرويد" و"آي أوس إس" وربما غداً نظام شركة هواوي الصيني المنشأ "هارمونيوس" للتأثير على الدول بعد الأفراد، فقد باتت بعض الدول تتجه نحو العمل بأحد النظامين داخلياً. وقد تصاعد النقاش في السنوات القليلة الأخيرة في الدول الغربية وخاصة بعد الهجمات الإرهابية التي حدثت على أراضيها، لتُطرح فكرة يمكن أن أسميها "دولة الآي أوس"، حيث تعالت الأصوات في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية لتخاطب عموم الناس: "إن كنتم تريدون الأمان، فعليكم أن تتنازلوا عن بعض حريتكم"، أي أن السلطات الرسمية بحاجة لتغيير نظام الحقوق والواجبات الذي اعتدتم عليه، فالحرية ليست مطلقة والخيارات ليست مطلقة وحرية التعبير ليست مطلقة، وقد تضطر السلطات لمراقبة المكالمات والنشاطات الإلكترونية والتدخل في بعض الخصوصيات بهدف الوقاية، وقد تضطر لإسكات حرية التعبير في بعض الظروف، لكن النتيجة أنك ستكون آمناً أكثر من ذي قبل. وهذا ما يرفضه بالطبع فريق آخر من المؤمنين بأصالة هذه الحقوق. 

ولكي نتخيل التصور الكامل، لدولة الأندرويد ودولة آبل "آي أو إس"، فعليك توصيف طبيعة الحياة في كل منهما؛ فأنت في دولة آبل تتعامل مع منتجات أصلية خضعت للتحقق والتحليل من الفيروسات، وتم التحقق حتى من سمعتها، وكل شيء في هذه الدولة يخضع للنظام والقانون بما في ذلك المبيع والشراء، لكنك تبقى بحاجة لأن تدفع ثمن أشياء قد تكون مجانية في دولة أخرى، والنتيجة في النهاية أنك تبقى آمناً من الفيروسات والاختراق بنسبة كبيرة، وهناك من يسهر على أمنك من هذه الناحية. وفي المقابل، فأنت في دولة "الأندرويد" تعيش حالة من توفر جميع السلع، الجيدة والرديئة والراقية، والأسعار المتفاوته والأشياء الكثيرة مجاناً، والجميع يشارك في صناعة المنتجات ويطورها معاً، ولا يوجد تحكم تشريعي صارم مشابهاً لذلك الذي في دولة آبل. حيث تمتلك في دولة الأندرويد حرية الاختيار بشكل أكبر، لكنك معرض للفيروسات والاحتيال والاختراق بشكل أكبر. 

هكذا تبدو الصورة بين نظامي التشغيل، قبل أن يظهر النموذج الجديد من هواوي والذي تبدو مواصفاته كما أعلنت الشركة محاولة للدمج بين النظامين السابقين، فهو من جهة مفتوح المصدر، ولكنه كما يقولون يتمتع بمواصفات أمنية عالية وسرعة ومرونة في التطبيق تجعله يصلح ليس للهواتف فقط، بل لما يسمى "إنترنت الأشياء"، أي أنك إذا اخترت نظام "هارمونيوس" فعليك أن تختار الهاتف والثلاجة وجهاز التلفاز والغسالة الكهربائية وغيرها من الأجهزة المنزلية من منتجات هواوي لتعيش التجربة الكاملة المتصلة وفقاً لـ "هارمونيوس". تماماً كما تحاول آبل أن تفعل، فهي تحاول أن تجعل كل منتجاتك متصلة من كمبيوتر إلى هاتف إلى تلفزيون وربما السيارة مستقبلاً عبر أنظمتها ومنتجاتها، بحيث يتحول عقلك تدريجياً إلى التفكير بطريقتها... هذه هي الدول الافتراضية وأنت المواطن الافتراضي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي