8 طرق لترويض نقاش خارج عن السيطرة

6 دقائق
طرق التحكم في النقاش

مهما كانت مقاصدنا سليمة، فإن طرق التحكم في النقاش مع الآخرين ربما تأخذ منحى صعباً، فيتولد عنها أحياناً بعض التوتر والغضب، كما تتسبب بتبديد الوقت والجهد، وعندها يَصعب ترويض النقاش. سأحدثكم مثلاً عن أيمن، وهو أحد العملاء الذين أدربهم. إذ تم تعيينه مؤخراً في منصب قيادي ضمن كلية لإدارة الأعمال، وكان عازماً ومتحمساً للدفع نحو تطبيق أجندته الاستراتيجية. وتطلب منه ذلك بناء حالة من الالتزام بين أفراد الفريق وتعزيز شعورهم بأنهم هم أصحاب التغيرات المقترحة والمسؤولون عنها. وحين كان الموظفون يتباطؤون في أداء المهام والأدوار المنوطة بهم، كان يشعر بالإحباط لأنه رأى في ذلك عدم رغبة منهم في تولي المسؤولية.

وعلى سبيل المثال، حين تحدث أيمن مع ليلى، وهي مديرة برامج الماجستير عبر الإنترنت في الكلية، أطلعها على خطته لزيادة معدل التسجيل في هذه البرامج من أجل زيادة إيرادات الكلية. حيث يرى أنه بالإمكان زيادة أعداد الطلبة في هذه البرامج بنسبة 20% دون الحاجة لتوظيف المزيد من المدرسين ودون التأثير سلباً على جودة الدراسة ورضا الطلبة. إلا أنّ ليلى رفضت هذا المقترح. فتجادل معها حول ذلك، وحين واجهته بما لديها من تخوفات وحجج مقابلة، لم يلق لها بالاً. فلم يتم التوصل إلى حل، وظن أيمن أنه لو "فاز" في النقاش من خلال المنطق، أو القوة، أو الإصرار، فهذا يعني أنّ الطرف المقابل قبل حجته وأنه سيتقيد بتنفيذ الاتفاق. ولكن الذي حصل هو أن أعضاء فريقه غادروا الاجتماع غير مقتنعين وغير ملتزمين.

اقرأ أيضاً: حيلة ذهنية يمكن أن تفيدك في النقاشات الصعبة

لقد كان افتقار أيمن للمرونة في النقاش هو ما جعله غير قادر على قيادة التغيير. فبدلاً من التحفيز نحو إحراز التقدم وتسهيل العمل عليه، أثار الحنق لدى فريقه وتسبب في إرهاقهم.

طرق التحكم في النقاش

وكان يلزمه ليخوض في نقاش أكثر نجاعة امتلاك المزيد من الأدوات في صندوق مهاراته النقاشية واستخدامها بفعالية. وفيما يلي 8 استراتيجيات اعتمد عليها أيمن وطبقها، ويمكن استخدامها لتعديل مسار النقاشات التي خرجت عن السيطرة والمضي بها نحو نتيجة مرضية.

تحويل شكل العلاقة من المعارضة إلى الشراكة هي إحدى طرق التحكم في النقاش

في خضم حوار محتد، يميل الشخص إلى اعتبار محاوره خصماً له. لذلك حاول أن تعيد تموضع نفسك ذهنياً وجسدياً لكي تكون إلى جانب الطرف الآخر، بحيث تشعر أنكما معنيان بالمسألة ذاتها. أخبرني أيمن أنه شعر في أثناء محاولة إقناع أفراد فريقه اختراق حصن منيع. فسألته: "كيف تحاول الدخول؟"، فقال لي: "كنت أحاول اختراق ذلك الجدار باستخدام المدق الضخم، لم أجد طريقة أُخرى للدخول". لكنه أدرك أنه بدل التعامل مع الحوارات كهجوم على حصن منيع، الأفضل طرق البوابة بأدب، ليتم الترحيب بك بسرور في الداخل. وهو يلجأ الآن إلى هذا المثال التشبيهي، كي يحاول دوماً الانتقال إلى طرف الآخرين على طاولة الحوار، ليذكّر نفسه بضرورة محاولة التحالف مع الآخرين حين يجد أن الحوار وصل إلى نقطة مسدودة.

انقل هدفك من إطار الإقناع إلى إطار التعلم 

عادة ما تحيد النقاشات عن مسارها حين نحاول إقناع شخص ما بآرائنا أو طريقتنا في التفكير. وحين يكون هدفنا جعل شخص يرى الأمور من وجهة نظرنا، عادة ما سيبدي مقاومة لذلك، والجدل كما هو معروف عدوّ التعلم، وهو الذي يودي بالنقاشات إلى خندق لا يمكن الخروج منه. ومهما كنت تعتقد أنك متحدث جيد ومنطقي، فلا يسعك فهم المشكلة وحلها دون التعرف على الزاوية التي ينظر منها الطرف المقابل. فكلما كان يصر أيمن على الإقناع ويتخذه هدفاً في نقاشه، كان يخسر فعاليته. وأوضحت ليلى ذلك: "هنالك الكثير من الأمور التي لا يدركها أيمن. وسيكون من الأفضل لو تعاون معنا بدلاً من محاولة فرض خططه، ولكن يبدو أنه لا يأبه بالتعلم عن تجربتنا وخبرتنا". ولهذا، فإن الانتقال بوعي إلى حالة التعلم يساعدنا في الحصول على الأفكار التي تمكننا من التفكير خارج الصندوق، والتعاون، والمضي قدماً في النقاش. إذن، لا داعي لأن تلتزم برأيك بشكل قاطع، لفترة مؤقتة على الأقل، وذلك كي تتيح المجال لاستيعاب زميلك. وبدأ أيمن يتبع طريقة طريفة، وهي أن يتخيل نفسه طرفاً ثالثاً محايداً في النقاش يشاهده من الخارج. وهذه الحيلة الذهنية تساعده في التوقف عن السعي لإقناع الآخرين، وعدم الشعور بالرغبة الجامحة للدفاع عن وجهة نظره. فهو لا يشعر أنه مقتنع تماماً برأي دون الآخر، وهذا يجعله يرى بدقة ماذا لدى الطرف الذي يحاوره وكيف ينظر إلى الأمور.

اقرأ أيضاً: دَع فريقك يُجري ذلك النقاش المحتدم

عبّر عما تهدف إليه

إذ تضمن الشفافية نقاشات ناجعة، لذا من الضروري أن تعبّر عن هدفك وما تطمح للتوصل إليه مع شريكك. يمكنك أن تقول على سبيل المثال: "أود أن يعبر كل واحد منا عن تخوفاته وانتقاداته لنناقشها جميعاً، كي نتأكد أنه لم يفتنا أي شيء". ويمكنك أيضاً أن تسأل الأطراف الأُخرى عن الأمور التي يأملون في أن يتمخّض عنها النقاش. وعليك أن تكون واضحاً، ليس حول الموضوع والهدف المرجو من النقاش فحسب، ولكن حول العملية أيضاً. فعلى سبيل المثال، قال ديفيد: "أود البقاء منفتحاً على جميع الآراء وتجنب الحكم عليها، هلّا نبهتموني إن تجاوزت هذا الأمر؟".

تجنب الانطلاق من افتراضات حول الآخرين

سَل شخصاً خاض حواراً صعباً عن المشكلة التي طرأت، وعلى الأرجح سيصف لك ما يعتقد أنها مشكلة الطرف الآخر: "إنه لا يهتم إلا بمصلحته في الوظيفة، ولا يهتم لنجاح الفريق"، أو "إنها تسعى للاستيلاء على منصبي، إنها تريدني أن أفشل". حيث إن الافتراضات التي نشكلها حول نوايا الآخرين تكشف عنا أكثر ما تكشف عمّا يدور في خلدهم. أيضاً، فإن تكوين الافتراضات يحد من فعاليتنا وذلك لأنها تحول دون فهمنا الكامل للموقف وتحد من نطاق الحلول التي يسعنا التفكير بها.

تعاطى مع وجهة النظر الأخرى بانفتاح وفضول

لكي تتمكن من فهم وجهة النظر لدى شريكك، عليك الخروج من دائرة الدفاع عن رأيك والانتقال إلى حالة الفضول. فتجنب طرح أسئلة على الطرف الآخر من قبيل: "هل ترغب في أن تكون الشخص الذي يعرف بأنه أساس المشاكل في المكتب؟" وبدلاً من ذلك اطرح، أسئلة مفتوحة من قبيل: "كيف يؤثر هذا الأمر عليك؟" أو "ما الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لك؟" أو "ما الذي يعنيه لك هذا النقاش؟". ثم اشكره على إجابته دون محاولة تفنيد ما قاله.

اعترف بجانبك من المسؤولية

من السهل جداً ملاحظة الأخطاء التي يرتكبها الآخرون، ولكن من الصعب أن يدرك الإنسان جهة مسؤوليته في المشكلة. فالاعتراف بخطئك يثبت أنك لا تتنصل من مسؤولياتك وهذا يشجع الآخرين أيضاً على أن يحذوا حذوك. كما تبين لأيمن عبر طرح أسئلة ذات إجابات مفتوحة والاستماع للآخرين دون مقاطعة، أن رغبته في الوصول لنتائج سريعة كانت تدفعه لمقاطعة الآخرين كثيراً، ما كان يترك لدى من يتحدث معهم انطباعاً بأنه غير مهتم بأفكارهم.

تعلم الأساسيات

حدد جون غوتمان، عالم النفس في جامعة "واشنطن"، 4 سلوكيات في مجال التواصل تؤدي دوماً إلى إخراج النقاشات عن مسارها، ويشير إليها على أنها "الأربعة المهلكات". وعبر تعديل لمعادلة غوتمان لتذكّرها، فإنني أدرّس العملاء طريقة تجنب النقاشات الهجومية من خلال الأمور الأربعة الآتية: "إلقاء اللوم، واحتقار الآخرين، والمواقف الدفاعية، ورفض التعاون". حين لم يجد أيمن من ليلى تحمساً لفكرته، رمقها بنظرة استخفاف بعينيه (تعبيراً عن الاحتقار)، وقال: "ما هذا، بالله عليك، كيف تتوقعين أن تسير الأمور بالنحو المطلوب إذا لم تقومي بواجبك؟". وكأنه هنا يلومها على التأخر الحاصل، في حين تعتقد هي بأنه هو الذي لم يستمع إلى وجهة نظرها ولم يقدّم حلاً لتخوفاتها. وحين تعجبت ليلى من انفعاله، أدرك أيمن أنه حاد عن عزمه في أن يبقى منفتحاً خلال النقاش، واعترف بذلك بتراجع سريع عن موقفه.

اقرأ أيضاً: دليل إلى الأفكار الكبيرة والنقاشات في حوكمة الشركات

أما الموقف الدفاعي فيتجلى حين ننكر المسؤولية عن تدهور النقاش. حيث رأت ليلى حاجة أيمن لإشراك مساعد للعميد في عملية التخطيط، وشعر أنه في موقف يلزمه الدفاع فيه عن نفسه، لأنه رأى في ذلك تلميحاً من ليلى إلى أنه يستثني بعض الموظفين المهمين. وقال أيمن: "إذا كان من اللازم التحدث إلى الجميع، فلن نصل إلى حل أبداً". وهكذا بدأ بالدفاع عن طريقته بعبارة عامة تقترح أن إشراك المزيد من الناس في النقاش سيعيق تحقيق النتائج، وهذا يعني عدم انفتاحه على مقترحات حول كيفية تحسين العملية.

أما رفض التعاون فله العديد من الأشكال، منها أخذ موقف سلبي، أو التهرب من النقاش حول نقطة ما، أو رفض المشاركة أو الإسهام في النقاش، أو كتم بعض المعلومات المؤثرة على سير النقاش. فإن كنت ترى نفسك تميل لأحد هذه الأساليب، فعليك العودة للتركيز على ما يلزم فعلاً تحقيقه وتتذكر النظر في القضايا الشائكة بانفتاح وفضول، رغم ما يسببه ذلك من بعض الانزعاج، فهو أمر مهم للوصول إلى نقاشات مثمرة. ناقش هذه الأساليب الأربعة مع فريقك واتفقوا فيما بينكم على تجنبها في أثناء النقاش.

البحث عن المعلومات لحل المشكلات 

يفضّل الإنسان عادة حماية صورته الإيجابية أمام الناس، لذا يجد الانتقاد ثقيلاً على نفسه. كما أننا نميل إلى رفض المعلومات التي تهدد هويتنا مثلاً: "أشار العميل إلى أنك لم تكن صبوراً ولم تملك المعلومات الكافية"، وهذا في المحصلة يحرمنا التعلم من أخطائنا. وينصح المدرب التنفيذي مارشال غولدسميث باتباع أسلوب بسيط وفعال هو "استباق التقييم النقدي". أي عوضاً عن البحث فيما حصل في الماضي، أخبر من تحاوره بأنك ترغب في التعلم أو في تحقيق الإنجازات، واطلب منهم تقديم اقتراحاتهم. وهذا ما فعله أيمن في مرحلة ما من النقاش، حيث سأل ليلى:" ما الذي بوسعي فعله لتوسيع نطاق المشاركة في عملية التغيير؟". لقد تفاجأت ليلى حين صدر ذلك عن أيمن أول مرة، واحتاجت بضع دقائق للإجابة، ثم قالت: "أعتقد أنه سيكون جيداً، قبل اتخاذ القرار، أن تسأل إذا كان هناك أمر آخر يريد أحد إضافته، وامنحهم الوقت الكافي للإجابة". وشكرها أيمن على هذا الأسلوب الجديد الذي أضافه لصندوق أدواته.

وفي نهاية الحديث عن طرق التحكم في النقاش الفعال، فإن ممارسة هذه الأساليب ستزيد من قدرتك في ترويض النقاش والحصول على محادثات بناءة أكثر، حتى لو كنت تناقش مسائل في غاية الصعوبة أو الحساسية. وعليك تجريب جميع هذه التكتيكات البسيطة أيضاً، كي تستطيع الاعتماد على الطرق الثمانية كلما دعت الحاجة لذلك، ما يزيد من مرونتك في النقاشات ويعزز قدرتك على التأثير في زملائك.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع المحادثات والنقاشات الصعبة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي