دليل إلى الأفكار الكبيرة والنقاشات في حوكمة الشركات

29 دقيقة
النقاشات في حوكمة الشركات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد أصبحت النقاشات في حوكمة الشركات أحد المواضيع التي تحظى باهتمام واسع مع زيادة قوة المؤسسات الاستثمارية وتعاظم أثر الشركات على المجتمع. لكن الأفكار حول الطريقة التي يتعين أن تدار بها الشركات تتباين على نحو كبير. يختلف الناس، على سبيل المثال، على أشياء أساسية مثل هدف الشركة ودور مجلس إدارتها وحقوق المساهمين والطريقة المناسبة لقياس أداء هذه الشركة. وتعتبر مسألة الجهة التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في عملية صناعة القرار في الشركة مثيرة للجدل على نحو خاص، حيث تعطي بعض السلطات الأولوية لمصالح المساهمين في زيادة إيراداتهم المالية، ويقول آخرون إنه يجب احترام المصالح الأخرى للمساهمين، في استراتيجية الشركة ومكافآت المسؤولين التنفيذيين والسياسات البيئية مثلاً، إلى جانب مصالح الأطراف الأخرى.

وقد تفاقم هذا الجدل حول النقاشات في حوكمة الشركات خلال مواجهة أسواق رأس المال المتغيرة والقوى الكبرى، مثل التغير المناخي، وعدم المساواة في الدخل، والشعبوية المتزايدة التي تجتاح العالم. شهدت السنوات القليلة الماضية كثرة البيانات والمقترحات والقوانين المنقحة لحوكمة الشركات، ومنها “النموذج الجديد” و”مبادئ الحس العام” و”تقرير الملك الرابع” و”قانون المملكة المتحدة لحوكمة الشركات لعام 2018“. وفي حين تعيد بعض هذه البيانات التأكيد على المبادئ والممارسات التقليدية، تدعو بيانات أخرى إلى بذل الجهود من أجل مواءمة أنشطة الشركات مع مصلحة المجتمع المتمثلة في بناء اقتصاد أكثر شمولية وإنصافاً واستدامة.

النقاشات في حوكمة الشركات

لا تحاول هذه المقالة تصنيف جميع هذه التغييرات المقترحة أو الحديث عن جميع جوانب حوكمة الشركات. ويتمثل هدفها في وصف بعض أهم النقاشات اليوم وتحديد المجالات الرئيسة التي يُطالب بالتغيير فيها. نأمل أن يكون هذا العرض الموجز مفيداً لمدراء الشركات والقرّاء الآخرين الذين قد يتعاملوا مع هذه المسائل المطروحة إما الآن أو في المستقبل القريب. سيكون لطريقة حل هذه النقاشات أثر مهم على كيفية أداء الأعمال على مستوى العالم. تركز هذه المقالة على حوكمة الشركات التي تطرح أسهمها للتداول العام بدلاً من الشركات المملوكة للدولة أو الشركات الخاصة، لكن الكثير من النقاشات والتغييرات المقترحة على حوكمة الشركات العامة مرتبطة بهذه الأنواع من الشركات أيضاً.

الشركات

طبيعة الشركة وهدفها

الشركة هي من أهم مؤسسات المجتمع وأحد الأشكال السائدة لمؤسسات الأعمال التجارية داخله. وتمتلك بعض الشركات قوة اقتصادية تنافس قوة الكثير من الدول. لكن لطالما كانت طبيعة الشركة وهدفها، وهدف حوكمة الشركات على نحو عام، موضع نقاش. ولعشر سنوات على الأقل، كانت ثمة مدرستان فكريتان مهيمنتان، إحداهما تقول إنّ الشركة هي “افتراض قانوني” مصمّم لتسهيل ما يعبر أساساً عن اتفاقية خاصة بين المساهمين، أما الثانية فتقول إنّ الشركة هي “كيان حقيقي” يمكنه القانون من تلبية احتياجات المجتمع. وتعطي الفكرة الأولى الأولوية لحقوق المساهمين ومصالحهم، بينما تسعى الثانية إلى الموازنة بين مصالح المساهمين ومصالح غيرهم من أصحاب المصلحة وتولي أهمية أكبر لمصالح المجتمع بشكل عام.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: شرح معايير المحاسبة الدولية

برز الجدل حول هاتين الفكرتين في مطلع القرن العشرين. بعد اعتماد قوانين التأسيس العامة في كثير من الولايات القضائية في أواخر القرن التاسع عشر، لم يعد الراغبون بتأسيس شركة بحاجة إلى تقديم التماس للدولة للحصول على ترخيص. وبدلاً من ذلك، كان بوسعهم إنشاء شركة ببساطة من خلال ملء استمارات التسجيل ودفع ما يتصل بها من رسوم للهيئات الحكومية المعنية. ورسّخت سهولة تأسيس الشركات الإحساس بأنّ التأسيس يعكس إلى حد كبير اتفاقية خاصة بين المساهمين. وبالتالي، فإنّ النهوض اللاحق لكبرى شركات السكك الحديدية وشركات التصنيع واتحادات النفط الاحتكارية في ذلك العصر أدى إلى قلق واسع إزاء هذا التركيز الكبير في رأس المال وأثره على المجتمع. وكانت هذه التطورات سبباً في ظهور تفكير جديد حول طبيعة الشركة كوجود واضح يتمتع بالسلطة والتأثير، ما أطلق عليه الباحثون اسم “كيان حقيقي”، كما أثبتت أنّ نظرية “الافتراض القانوني” لم تبرز أهمية هذه المؤسسات الكبيرة.

وبحلول ثلاثينات القرن الماضي، شاعت نظرة مؤسسية للشركة وشعار أنّ الشركات هي جهات مؤثرة تتحمل مسؤوليات ليس فقط تجاه المساهمين، إنما أيضاً تجاه الموظفين والزبائن والجمهور الذي اكتسب مصداقية مع بعض قادة الأعمال والأكاديميين المحترمين. وتحول النقاش مرة أخرى مع ظهور اقتصادات كلاسيكية جديدة واقتصاد راكد في السبعينات. وعادت النظرة إلى أنّ الشركة هي بمثابة ملكية للمساهمين لتسود مرة أخرى، ثم تطورت بعد وقت قصير إلى نظرية ناضجة عن حوكمة الشركات وتستند إلى فكرة أنّ المدراء هم وكلاء للمساهمين الذين يمتلكون الشركة ويتوقعون أن تُدار بما يحققهم لهم الفائدة. ووفقاً لهذه النظرية، التي تُعرف في الأوساط الأكاديمية باسم “نظرية الوكالة”، فإنّ مسؤولية المدراء هي زيادة الإيرادات للمساهمين ويتمثل دور مجلس الإدارة في مراقبة الإدارة ومكافأتها لضمان قيامها بذلك.

واليوم، يستمر موضوع النقاشات في حوكمة الشركات مع شعور جديد بإلحاح المسألة. في أوروبا والولايات المتحدة، يتجه عدد أقل من الشركات لطرح أسهمها للتداول العام لكن تأثير الشركات الكبيرة المدرجة في البورصة زاد بفعل التطورات القانونية التي وسّعت نطاق حقوق الشركات، ومن خلال الزيادة في إنفاق الشركات على حشد التأييد والمساهمات السياسية وحتى الأنشطة الخيرية الهادفة إلى ضمان التأثير السياسي. وفي الوقت نفسه، يزداد عجز الحكومات عن التعامل مع المشاكل المهمة والمتنامية التي تؤرق المجتمعات حول العالم، ويُنظر إلى الشركات على أنها تمتلك إمكانات غير مستغلة للمساعدة في التخفيف من هذه المشاكل. وبينما يستمر بعض الأكاديميين وكثيرون في مجتمع المال باعتبار أنّ هدف الشركة هو زيادة ثروة المساهمين فيها، ويتعين أن تُدار تحقيقاً لهذه الغاية، يدعو آخرون إلى تعريف محدد أكثر لهدف الشركة خلال النقاشات في حوكمة الشركات التي تجريها الشركات.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع المحادثات والنقاشات الصعبة

في المملكة المتحدة، مثلاً حثّ فريق العمل المعني بالشركات الهادفة (The Purposeful Company Taskforce) الشركات على أن تكون أكثر وضوحاً بشأن هدفها، الذي يعرِّفه على أنه “كيفية مساهمتهم بتحسين حياة البشر وخلق قيمة طويلة الأمد لكل أصحاب المصلحة”، ودعا إلى سن قوانين تلزم الشركات بكتابة هدفها في نظامها الأساسي. نقّح قانون المملكة المتحدة لحوكمة الشركات في عام 2018 لتكليف مجالس الإدارة بوضع أهداف الشركة وقيمها واستراتيجيتها. في فرنسا، يلزم قانون “باكتيه” (Pacte Law) الشركات بأن تُدار لتعزيز “مصلحة الشركة” بدلاً من مصلحة أي من أصحاب المصلحة على نحو خاص ويساعد الشركات لكتابة هدفها في لوائحها الداخلية. وفي الولايات المتحدة، دعت مؤسسات استثمارية رائدة مجالس إدارة الشركات لعدة سنوات لتوضيح هدف الشركات وأوجه مساهمتها في المجتمع.

وربما يكون التطوير الأبرز في الولايات المتحدة هو البيان الجديد لجمعية “بزنس راوند تيبل” (Business Roundtable) حول هدف الشركات، الصادر في أغسطس/ آب 2019. أعلن الرؤساء التنفيذيون الذين وقعوا البيان والبالغ عددهم 181 رئيساً تنفيذياً التزامهم ليس فقط تجاه المساهمين، إنما تجاه جميع أصحاب المصلحة، ما يعاكس تبني المؤسسة السابق لأولوية المساهمين والنظرة، التي عبر عنها بيان المؤسسة لعام 1997، التي تقول إنّ هدف الشركة هو تحقيق إيرادات لمالكيها.

وقد يبدو هذا النقاش نظرياً تماماً ويجدر تركه للأكاديميين، لكن تأثيراته العملية واسعة. مع دعوة المستثمرين والهيئات الرقابية والجمهور إلى وضوح أكبر لهدف الشركة، سترغب مجالس الإدارة والمدراء بإيلاد اهتمام بالغ إلى هذه المسألة واتخاذ خطوات للتأكد من امتلاكهم فهماً مشتركاً حول الهدف في الحوكمة والقيادة.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء:

  • تبدأ الحوكمة الفعالة للشركات من مفهوم مشترك لهدف الشركة، لكن ما هو هدف الشركة؟
  • ما هدف حوكمة الشركات؟ وما هي النقاشات في حوكمة الشركات التي يجب التطرق إليها دائماً؟
  • كيف يختلف فهم هدف الشركة في المناطق والثقافات؟
  • هل يمتلك مدراء الشركات والموظفون في شركتك فهماً مشتركاً لهدف الشركة وأهدافهم الخاصة كقادة وأعضاء في مجلس الإدارة؟

المساهمون

دور المساهمين

يوفر المساهمون للشركات رأس المال السهمي وتؤول إليهم حقوق ملكية الحصص المملوكة. وفي حين يشار إلى المساهمين في أحوال كثيرة بأنهم مالكو الشركات إلا أنّ هذا الوصف يبالغ في حقوق المساهمين. من ناحية قانونية، في الكثير من الولايات القضائية، يمتلك المساهمون الحق في ملكية حصصهم وبيعها والتصويت على مسائل معينة خاصة بالشركة على النحو الذي يحدده القانون والنظام الأساسي للشركة. يتباين تعريف حقوق الملكية وممارستها بشكل كبير بين الشركات، وخصوصاً بين الدول. وتتبع هيكلية المساهمة الأكثر شيوعاً مبدأ “صوت واحد للسهم الواحد”، حيث تقدم كل حصة من ملكية الأسهم نسبة تصويت مناسبة للمالك. وعلى أي حال، تمتلك الكثير من الشركات عدة فئات من الأسهم التي تعطي لبعض المساهمين (عادة المؤسسين وأسرهم) حقوق تصويت أكبر. لقد شهد قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة على وجه التحديد ازدياداً في عدد الشركات التي تمتلك فئات تصويت متعددة، ما يثير مخاوف إزاء ملاءمة هذه السيطرة على التصويت مع حقوق الأقلية أو المساهمين غير المسيطرين في مثل هذه الشركات.

اقرأ أيضاً: دَع فريقك يُجري ذلك النقاش المحتدم

كما طرأت تغييرات كبيرة على طبيعة المساهمة وتركز الملكية، خصوصاً في أسواق رأس المال في الولايات المتحدة وأوروبا. ويتمثل أحد الاتجاهات العلمانية في نمو صناديق المؤشرات وصناديق النقد المتداولة (ETFs) وغيرها من صناديق الاستثمار السلبي. بين عامي 2007 و2017 في الولايات المتحدة، تدفق أكثر من 1.3 مليار دولار إلى المستثمرين السلبيين مع تدفق خارجي مشابه تقريباً من الصناديق المشتركة التقليدية للأسهم المدارة باستمرار. وفي غضون الفترة نفسها، ارتفعت نسبة ممتلكات المساهمين العشرة الكبار في شركات الولايات المتحدة الخمسمائة الكبرى التي يتألف منها مؤشر وكالة التصنيف العالمية “ستاندرد آند بورز 500” من 21% إلى نحو 30%، وهو تغير يُعزى بدرجة كبيرة إلى الملكية الكبيرة للمستثمرين السلبيين. يثير التحول في الملكية تساؤلات حول دور مستثمري أسهم البورصة السلبيين في الإشراف على الشركات التي يمتلكون فيها حصصاً كبيرة جداً. ويظهر المالكون السلبيون الكبار وغيرهم، خصوصاً صناديق التقاعد، مشاركة أكبر في الشركات. ومن مقاييس هذه المشاركة تقديم أكثر من 700 مقترح من المساهمين كل عام خلال اجتماعات المساهمين السنوية للتأثير على الشركات لتنفيذ مجموعة من الأنشطة، خصوصاً فيما يتعلق بمكافآت المسؤولين التنفيذيين وحقوق المساهمين والمخاوف البيئية والاجتماعية. لكن شكل هذه المشاركة يتطور مع قيام كل من المستثمرين والشركات بتطوير أدوات للمشاركة.

ارتفاع الملكية السلبية واكبته زيادة في نشاط المستثمرين في الصناديق التحوطية الذين يأخذون حصصاً كبيرة في الشركات ويدفعونها لتبني استراتيجيات وهيكلية رأسمال تفضّلها تلك الصناديق. بين عامي 2005 و2017، كانت تجري بين 200 و300 حملة عامة كل عام ضد الشركات المدرجة في بورصة الولايات المتحدة، دون احتساب كثير من الجهود المماثلة التي نظِّمت بشكل خاص. وخلال هذه الفترة، أقيم عدد متزايد من الحملات في أجزاء أخرى من العالم أيضاً، وخصوصاً في أوروبا، لكن أيضاً في آسيا. ويُنتقد هؤلاء الناشطون في أغلب الأحيان بسبب إجبار الشركات على اتخاذ خطوات قصيرة الأجل مثل زيادة عمليات إعادة شراء الأسهم أو فصل بعض أقسام الشركات كشركات مستقلة، مع أنّ الأدلة التجريبية على نتائج النشاط مختلطة مع أدلة التكاليف والفوائد. وبشكل عام، فإنّ زيادة تركز الملكية ومشاركة المساهمين ونشاط الصناديق التحوطية تشير إلى عصر تأثير أكبر للمساهمين على الشركات. وتثير هذه التطورات أسئلة عن مساءلة المساهمين، وخصوصاً الذين يسعون إلى التأثير على أنشطة الشركات، وعن النموذج السائد لزيادة القيمة المضافة للمساهمين كهدف لحوكمة الشركات الجيدة.

كما تثير هذه التطورات أسئلة حول مسؤوليات المؤسسات الاستثمارية تجاه قطاع التجزئة أو الأفراد المستثمرين الذين يعتبرون المالكين أو المستفيدين الفعليين من ممتلكات المؤسسات. وعلى الرغم من أنّ المؤسسات الاستثمارية تعتبر نفسها مشرفة على الشركات التي تستثمر فيها وموكلة من زبائنها ومستثمريها، يتساءل بعض المعلقين فيما إذا كانت هذه المؤسسات تستطيع أداء الدورين، أو أي منهما، بفعالية في ضوء وجود مصالح متضاربة متجذرة ونظراً لطبيعة نموذج العمل قليل التكلفة للمستثمرين السلبيين. اعتماد الكثير من المؤسسات الاستثمارية على شركات المشورة بالوكالة لتوجيه تصويتها فيما يتعلق بالمسائل المهمة الخاصة بالشركات أثار أيضاً تساؤلات حول قدرة هذه المؤسسات على العمل كمشرفة وعن تأثيرها على المستشارين بالوكالة الذين لا يمتلكون بأنفسهم حصصاً في الأصوات التي يقترحونها. نظام التصويت بالوكالة والعمليات التي يُسمح فيها للمساهمين بتقديم مقترحات لتصويت المساهمين أصبحت أيضاً مثار جدل، حيث يقول البعض إنّ معيار المقترحات المسموح بها يتعين أن يكون فضفاضاً، بينما يقول آخرون إنه يتعين أن يكون صارماً. وقد بدأت الهيئات الرقابية والمشرعون وغيرهم في الولايات المتحدة والولايات القضائية الأخرى بدراسة هذه المسائل عن قرب.

وفي هذا السياق، تُنصح مجالس الإدارة والمدراء بامتلاك فهم شامل لقاعدة المساهمين في شركاتهم ونهج مدروس لمشاركة المساهمين. كما أنّ عليهم الاستعداد للمواجهة مع المستثمرين النشطين، ويتعين أن تحقق ترتيبات الحوكمة الشاملة لديهم توازناً مناسباً للقوة في أوساط المساهمين والمجلس والإدارة.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء:

  • شهدت العقود الأربعة الماضية زيادة كبيرة في حقوق المساهمين وقوتهم في دول كثيرة، لكن ما مقدار القوة الذي يتعين أن يمتلكه المساهمون، وإلى أي حد يتعين أن يختلف ذلك المقدار في أوساط أنواع مختلفة من المساهمين، وما هو توازن القوة المقبول بين المساهمين والمجالس والإدارة؟
  • هل مجلس إدارة شركتك على معرفة بالمساهمين في الشركة وهل يمتلك نهجاً فعالاً يتعلق بمشاركة المساهمين؟
  • هل تستطيع المؤسسات الاستثمارية ومدراء الأصول أن يكونوا مشرفين فعالين بالنسبة لمالكي الأصول الذين يستثمرون أموالهم؟
  • ما الذي يفسر الزيادة في تركز المساهمة ودوران الأسهم خلال العقود الأخيرة؟
  • كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الاستثمار ودور مختلف أنواع المستثمرين، النشطين والسلبيين والمستثمرين على المدى الطويل والمدى القصير، في حوكمة الشركات؟

مجلس الإدارة

تكوين مجالس الإدارة ودورها

مجلس الإدارة هو الهيئة الإدارية في الشركة. بموجب القانون، تؤول إلى المجلس صلاحيات إدارة أعمال الشركة وشؤونها، ويتمتع أعضاء المجلس بمسؤولية ائتمانية للتصرف بما يحقق مصلحة الشركة ومساهميها. وبالتالي، فإنّ المجالس هي هيئات جماعية بالمفهوم التقليدي يتشارك أعضاؤها الصلاحيات والمسؤولية، ويتمتعون بمسؤولية فردية وجماعية على حد سواء.

تضع المجالس عادة أغلب صلاحياتها في يد فريق تنفيذي يقوم على تنفيذ العمليات اليومية لأعمال الشركة. وعلى أي حال، يتعذر تفويض بعض واجبات المجالس، وتتباين المجالس على نحو واسع في حد مشاركتها في الأعمال. وتتضمن الوظائف الأساسية للمجالس عادة اختيار الرئيس التنفيذي ومراقبته وتقديم الاستشارات له ومكافأته، ومتابعة الهيكلية المالية للشركة وإعلان الأرباح، واتخاذ قرارات بشأن المعاملات المهمة والتغييرات في التحكم، ومراقبة التقارير المالية للشركة والضوابط الداخلية، والإشراف على استراتيجية الشركة وأدائها وإدارتها للمخاطر وامتثالها للمعايير القانونية والأخلاقية ذات الصلة. ويُفترض أحياناً أنّ إمكانية الفصل بدقة بين الحوكمة والإدارة، لكن هذا غير ممكن. حتى مجلس الإدارة الذي يركز دائماً على مسائل الحوكمة عالية المستوى قد يجد نفسه يُجرّ إلى مشاكل إدارية عندما تكون الشركة في خضم أزمة أو ضائقة.

وتتباين هيكلية مجالس الإدارة وقيادتها مثل عمليات اختيار أعضائها بشكل كبير بموجب القوانين والأعراف في مختلف الولايات القضائية. ويكمن أحد الفروق الواضحة والتي تلاحظ كثيراً بين المجالس الوحدوية أو ذات الدرجة الواحدة، مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة، والمجالس ذات الدرجتين مثل تلك الموجودة في ألمانيا، حيث تمتلك الشركات عادة مجلس إدارة ومجلس إشراف على حد سواء. في الولايات المتحدة، يتولى فرد واحد عادة قيادة الشركات ويعمل بصفة الرئيس والرئيس التنفيذي لها، بينما في ولايات قضائية أخرى، تكون أدوار الرئيس والرئيس التنفيذي في أغلب الأحيان منفصلة ويؤديها أفراد مختلفون. وفي بعض الولايات القضائية، مثل فرنسا وهونغ كونغ، من المعتاد أن يجري انتخاب المدراء لفترات تمتد على مدى عدة سنوات وفي مواعيد متفاوتة، في حين يجري التصويت سنوياً على جميع المدراء في ولايات قضائية أخرى. تلزم القوانين والأعراف في بعض الولايات القضائية المجالس بضم عدد معين من المدراء الذين ينتخبهم الموظفون أو مجموعات تأسيسية أخرى، أو تطالبها بامتلاك توليفة معينة من الممثلين عن المساهمين والموظفين. وتتباين إجراءات ترشيح المدراء أيضاً، كما هو الحال بالنسبة لأدوار لجان المجلس وتركيبتها، على الرغم من أنّ الكثير من الولايات القضائية تلزم المجالس بتأسيس لجان للتدقيق والمكافآت والترشيح مع أغلبية على الأقل من المدراء المستقلين.

اقرأ أيضاً: حيلة ذهنية يمكن أن تفيدك في النقاشات الصعبة

على الرغم من هذه الفروقات، شهدت العقود القليلة الماضية العديد من الاتجاهات في تركيبة مجالس الإدارة تشمل مختلف الولايات القضائية. ويتمثل أحدها في الحضور المتزايد للمديرات اللواتي يُشترط الآن في بعض الدول أن يمثلن 40% من الأقل من مجموع أعضاء مجلس الإدارة، بخلاف ما كان عليه الوضع في السابق. تبقى النسبة الإجمالية من المديرات متدنية نسبة إلى أعدادهن في القوة العاملة، لكن يبدو أنّ وتيرة إضافة المديرات آخذة في التسارع، وتشير الدراسات الاستقصائية إلى أنّ إضافتهن إلى المجالس عادت بالفائدة عليها. ويتمثل أحد الاتجاهات المشتركة بين الأقاليم في زيادة نسبة المدراء “المستقلين”، حيث لا تجمعهم روابط تجارية أو أسرية مع الشركة أو إدارتها، وبالتالي يُفترض أن يمتلكوا قدرة أكبر أو أكثر موثوقية لإطلاق أحكام موضوعية. على مدار العقد الماضي، أصبحت المجالس أكثر استقلالاً، وأصبح المدراء المستقلون أكثر ميلاً للاجتماع في جلسات “تنفيذية” بمعزل عن أعضاء الإدارة في المجلس. وعلى مستوى العالم، تسعى المجالس عالية الأداء إلى تحسين كفاءتها من خلال التقييم المنتظم لنفسها والإحلال الوظيفي، وعبر إضافة أعضاء جدد يتمتعون بمجموعة متنوعة من المهارات ووجهات النظر والمؤهلات.

وعلى الرغم من النظرة العامة إلى وظيفة المجالس على أنها تحسنت في العقود الأخيرة، تبقى ثمة تساؤلات حول قدرة المجالس، وخصوصاً في الشركات العامة الكبيرة، على أداء الأعمال المتوقعة منها. التفسيرات المتبارزة حول الواجب الائتماني للمجالس تزيد هذا التحدي تعقيداً. في عام 2018، على سبيل المثال، أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن تشريعات جديدة توضح واجبات أمناء صناديق المعاشات التقاعدية لمراعاة المخاطر والفرص البيئية والاجتماعية والإدارية في عملية الاستثمار.  وعلى سبيل المقارنة، أصدرت وزارة العمل الأميركية مؤخراً نشرة تحث وكلاء صناديق المعاشات التقاعدية على توخي الحذر اللازم في مراعاة العوامل البيئية والاجتماعية والإدارية عند اتخاذ قرارات تخص الاستثمار. وعلى الرغم من أنّ هذه البيانات كانت موجهة تجاه وكلاء صناديق المعاشات التقاعدية بدلاً من مدراء الشركات، إلا أنّ المشكلة الأساسية يواجهها مدراء الشركة أيضاً، وسيكون هذا على الأرجح مصدر التوتر المستمر في السنوات القادمة.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء:

  • مع زيادة تعقيد الشركات، زادت الاحتياجات في أروقة مجالس الإدارة، لكن هل مجلس إدارة شركتك مستعد لأداء المهمة المتوقعة منه اليوم؟
  • من يتعين أن يعمل في مجالس الإدارة وهل يمتلك مجلسكم التركيبة المناسبة؟
  • هل وضع مجلسكم عمليات لضمان استمرار فعاليته وتجديده؟
  • هل الآليات القائمة لمحاسبة المدراء كافية؟
  • كيف من المحتمل أن يتطور تفسير واجبات وكلاء المدراء من ناحية العناصر والإطار الزمني الذي سيؤخذ بعين الاعتبار؟

الإدارة

اختيار قادة الشركات ومكافأتهم

الشركات هي مؤسسات معقدة تعتمد وظيفتها على القيادة والإدارة اليومية. وربما يكون ضمان إيجاد هذه القيادة والإدارة أهم وظيفة لمجلس إدارة الشركة. وتتضمن هذه الوظيفة مهام معينة مثل تعيين الرئيس التنفيذي للشركة، وتقييم أداء المسؤولين التنفيذيين، واتخاذ القرارات بشأن أجور التنفيذيين، إضافة إلى التخطيط لتعاقب التنفيذيين، وفي بعض الأحيان إزالة مسؤول تنفيذي من منصبه.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت وظيفة المجلس أكثر صعوبة جزئياً بسبب ازدياد صعوبة وظيفة الرئيس التنفيذي. وبينما أصبحت الشركات أكبر وأكثر تعقيداً، وتسارعت وتيرة التغيير، فقد أصبحت قيادة الشركة حافلة بالتحديات أكثر من أي وقت مضى. علاوة على الضغوط التنافسية وقوى السوق، يواجه قادة الشركات اليوم مجموعة من القوى المعادية التي تتراوح بين نشاط المستثمرين المتصاعد وأسواق رأس المال المتقلبة، والتنوع الاجتماعي والثقافي المتزايد، والتحديات الاجتماعية والبيئية المتراكمة، وحالة عدم اليقين التي تكتنف الأحوال السياسية والتنظيمية، والتكنولوجيات المزعزعة التي تغير وجه القطاعات على مستوى العالم. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنّ متوسط فترة ولاية الرؤساء التنفيذيين المغادرين في شركات الولايات المتحدة الكبرى كان 10.8 سنوات في عام 2017، حيث ارتفع من 7.2 في عام 2009، وفقاً لمؤسسة كونفرنس بورد العالمية (The Conference Board). وعلى أي حال، تلجأ مجالس الإدارة باستمرار إلى أطراف خارجية بدلاً من مرشحين داخليين لتعيينهم في منصب الرئيس التنفيذي، خصوصاً في القطاعات التي تشهد تغييراً مزعزعاً، وقد طرأت زيادة كبيرة على نسبة تعاقب الرؤساء التنفيذيين التي تعزى إلى حالات السقوط الأخلاقية، على الرغم من أنها صغيرة، في السنوات القليلة الماضية.

وقد أدى تزايد الطلب على قادة الشركات إلى تعزيز أهمية تخطيط الإحلال الوظيفي وأثار أسئلة حول الصفات المطلوبة في التنفيذيين اليوم. يقول الكثير من المعقبين إنّ النماذج التقليدية عفا عليها الزمن، وإنّ الشركات اليوم بحاجة إلى قادة أكثر تنوعاً ويتسلحون بمجموعة واسعة من المهارات والقدرات. وفي واقع الأمر، فإنّ الغالبية العظمى من الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبيرة هم من الذكور، وكانت 4.8% فقط من الشركات المدرجة على مؤشر “فورتشن 500” تمتلك رئيسات تنفيذيات في عام 2018. وبينما تبين بعض المؤشرات أنّ المجالس تصبح أكثر يقظة إزاء الإحلال الوظيفي، إلا أنّ دراسة استقصائية أجرتها شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” عام 2018 على المدراء في الولايات المتحدة وجدت أنّ ثلثهم فقط رأوا أنّ شركاتهم تقوم بعمل ممتاز على صعيد تخطيط الإحلال الوظيفي لأصحاب المناصب التنفيذية العليا.

من أصعب المهام التي يقوم بها مجلس الإدارة تطوير باقة مكافآت مناسبة للرئيس التنفيذي والإدارة العليا. وفي العادة، تُكلف لجنة المكافآت (أو المرتبات) في المجلس بهذه المهمة. تحديد طريقة الدفع وكيفية الدفع يمثل تحدياً كبيراً. لقد شهدت العقود القليلة الماضية زيادة كبيرة في أجور الرؤساء التنفيذيين بالمقارنة مع أداء الشركات وأجر الموظفين العاديين. وحسب معهد السياسة الاقتصادية (Economic Policy Institute) الأميركي فإنّ النسبة في الأجور بين الرئيس التنفيذي والعامل في أكبر 350 شركة في الولايات المتحدة ازدادت من 20-1 في عام 1965 إلى 312-1 في عام 2017. وعُزيت هذه الزيادة إلى زيادة نسبة الأجور الممنوحة للرؤساء التنفيذيين والمرتبطة بالأسهم، إلى جانب التطبيق الواسع لمعايير قياس مرجعية تزيد الأجور مع سعي كل مجلس إدارة إلى ضمان أن يكون أجر رئيسها التنفيذي أعلى من المتوسط لمجموعة نظيرة مختارة. ويدافع بعض المعلقين عن الزيادة في أجور التنفيذيين كما يبررها تعقيد وظيفة الرئيس التنفيذي وصعوبتها أو حسب العائدات المتحققة للمساهمين، فيما يراها آخرون زيادة غير مستحقة ومفرطة وغير عادلة. وقد سنّت بعض الولايات القضائية قوانين للشفافية “Say-on-Pay” تعطي المساهمين حق التصويت الدوري على أجور التنفيذين. وتختلف هذه القوانين في تفاصيلها لكن الأدلة الموجودة حتى اليوم تشير إلى أنها كانت تمتلك القليل من التأثير على مستويات أجور التنفيذيين، ناهيك عن بطء معدل الزيادة في ولايات قضائية قليلة. ويتطلب أحد الجهود المبذولة مؤخراً لكبح الزيادة في أجور الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة أن تقوم الشركات بالكشف عن نسبة الأجور بين الرئيس التنفيذي والموظف المتوسط على أساس سنوي. في عام 2018، تضمنت بيانات الوكالة في معظم الشركات العامة في الولايات المتحدة هذه النسبة لأول مرة.

وتمثل التحدي الآخر بالنسبة للمجالس في تحديد مقاييس الأداء ووضع أهداف للمكافآت المتغيرة وفقاً للعلاوات السنوية وبرامج الحوافز طويلة الأمد. وعلى الرغم من الانتقادات لنمط “الأجر مقابل الأداء” الذي يشكل اللبنة الأساسية لهذه البرامج، بما فيها دراسات تربط الأهداف الضخمة بسلوكيات قصيرة الأمد ومدمرة وتنطوي على مخاطرة عالية جداً، يستمر هذا النمط في تشكيل الطريقة التي تتعامل بها المجالس مع أجور التنفيذيين. تشير تقارير شركة “آي إس إس” (ISS) للمشورة بالوكالة إلى أنّ إجمالي العائد للمساهمين يبقى المقياس الرائد الذي تستعمله مجالس الشركات المدرجة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” لبرامج الحوافز على المدى الطويل. وتشمل المقاييس الأخرى شائعة الاستخدام الأرباح والإيرادات والمبيعات ومقاييس التدفق النقدي.

وفي الوقت نفسه، يضع عدد أكبر من المجالس الأهداف باستخدام مقاييس غير مالية ذات صلة بالابتكار أو الجودة أو الثقافة أو غيرها من أبعاد استراتيجية الشركة، بما فيها الأداء الاجتماعي والبيئي. يصعب قياس مدى انتشار هذه التدابير، ولكن يبدو أنها تحظى بالقبول. وجدت دراسة أعدتها مؤسسة “سيريس” غير الربحية (Ceres) المتخصصة في الاستدامة عام 2017، وشملت 600 من كبرى الشركات الأميركية، أنّ نحو 8% من الشركات ربطت أجور التنفيذيين بمقاييس الاستدامة بما يتجاوز الامتثال للقانون، مقارنة بـ 3% فقط في عام 2014. تشتمل التعديلات الأخيرة على قانون حوكمة الشركات الفرنسي (Afep-Medef Corporate Governance Code) على توصية بدمج المعيار المرتبط بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية للشركات في خطط مكافآت المسؤولين التنفيذيين.

يشير المنتقدون للنظام السائد لاختيار قادة الشركات وتقييمهم ومكافأتهم إلى الطبيعة المغلقة لعملية الاختيار، ومحدودية مقاييس الأداء المعيارية، والتأثير غير المبرر للتنفيذيين الذين تُستخدم تنبؤاتهم الخاصة لتحديد الأهداف، والتعقيد المفرط للكثير من الخطط، والمكافآت الضخمة وأحياناً المخالِفة الممنوحة حتى لأولئك الذين يفشلون على نحو واضح في الوظيفة. وسواء كانت هذه الانتقادات صحيحة أم عارية عن الصحة، فإنها تثير مجموعة أسئلة يتعين على كل مجلس إدارة أخذها مراعاتها في تنفيذ مسؤوليته لضمان تطبيق القيادة والإدارة الفعالة.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء:

  • ما نوع المدراء الذين يتعين على مجالس الإدارة تعيينهم كرؤساء تنفيذيين في شركات اليوم، وكيف يتعين على المجالس تقييم هؤلاء القادة ودفع مكافآت لهم؟
  • هل يمتلك مجلس إدارة شركتك عملية فعالة لتعاقب التنفيذيين؟
  • كم مقدار القيمة التي تنشأ من خلال أنشطة الشركات ويتعين توزيعها للمساهمين وفريق القيادة بالمقارنة مع الموظفين العاديين في الشركة؟
  • هل أنت راضٍ عن برنامج مكافآت المسؤولين التنفيذيين في شركتك؟
  • ما هي السمات والمهارات التي سيطلبها قادة الأعمال المستقبليون؟

تخصيص الموارد واستراتيجيتها

الاستثمار من أجل الحاضر والمستقبل

تؤدي الشركات الكثير من الوظائف في المجتمع، ومنها تعبئة رأس المال النقدي وتخصيصه لفرص الاستثمار. عادة يعمل كبار المدراء مع أعضاء آخرين في المؤسسة لتنفيذ هذا النشاط، فيما يؤدي مجلس الإدارة دوراً إشرافياً. ولكن في بعض الحالات تقع مسألة اتخاذ القرارات فيما يخص كيفية استخدام موارد الشركة على عاتق مجلس الإدارة، سواءً بموجب القانون أو اللوائح الداخلية للشركة، ومن الأمثلة على ذلك الموافقة على استثمار كبير أو إعلان الأرباح أو الموافقة على إعادة شراء الأسهم. من الناحية النظرية، يقوم المدراء ومجالس الإدارة بتخصيص الموارد بطريقة ترتقي باستراتيجية الشركة، والتي تعتبر بحد ذاتها نتيجة لعملية تتطلع إلى المستقبل وتحدد فرصاً تستحق العناء وتقوم بتحليلها في ضوء قدرات الشركة المميزة وفي ظل التغيرات المتوقعة في السوق والمشهد التنافسي والبيئة الاقتصادية والسياسية والتنظيمية والاجتماعية على نحو واسع. تجري عملية تخصيص الموارد الداخلية للشركة داخل سياق أسواق رأس المال التي تقرر فيها الأنواع المختلفة من المستثمرين أيضاً كيفية تخصيص مواردها وفيما إذا كانوا ينوون شراء أسهم الشركة أو بيعها.

عندما يُنجز تخصيص موارد الشركة كما يجب، تكون الشركات قادرة على التطوير وتجديد نفسها مع مرور الوقت، بالتزامن مع إنتاج تدفق مستمر من المنتجات والخدمات التي تلبي احتياجات زبائنها وتدفق مستمر من الأرباح التي يمكن إعادة استثمارها في الأعمال أو دفعها للمساهمين. ومن الناحية العملية، يعتبر تخصيص الموارد عملية بالغة الصعوبة، خصوصاً عندما يتضمن ذلك مقارنة الأعمال مع سمات استراتيجية مختلفة أو استثمارات ذات مدى زمني طويل أو مشاريع ابتكارية لا تنطوي على عوائد مؤكدة. تزداد الصعوبة تعقيداً بالضغوط من المساهمين مع اختلاف الأهداف والأطر الزمنية ودرجات تحمل المخاطر. ونتيجة لذلك لا يولي الكثير من المدراء اهتماماً بالغاً للتعقيدات الاستراتيجية والإنسانية عند اتخاذ قرارات تتعلق بتخصيص الموارد، ولكن يعتمدون على أدوات مالية معيارية مثل تحليل التدفق النقدي المخصوم. ولم تكن التكاليف والفوائد للأطراف الأخرى، التي يطلق عليها اسم “العوامل الدخيلة”، جزءاً من هذا التحليل. وبالتالي، فإنّ العوامل مثل زيادة انبعاثات الكربون أو المخاطر المحتملة على الزبائن أو الموظفين لا تؤخذ بعين الاعتبار عادة في اتخاذ هذه القرارات.

وفي الدراسات الحديثة، تخضع هذه العملية وتخصيص الموارد الناشئ عنها للفحص الدقيق. وكما بينت تقارير عديدة، أصدرتها مؤسسات مثل معهد “آسبن” (The Aspen Institute) ومنظمة “إف سي إل تي غلوبال” (FCLTGlobal) ومؤسسة كونفرنس بورد العالمية وغيرها، تمثل أحد أهم دواعي القلق في “تحقيق المكاسب السريعة”، أي فكرة أنّ المدراء والمجالس يبالغون في تركيزهم على تحقيق عائدات على المدى القصير على حساب الاستثمار في المستقبل. ويقال إنّ المجالس والمدراء، في ظل ضغط أسواق رأس المال، يستثمرون بنسبة قليلة جداً في الأشخاص والأبحاث والابتكار، ويولون اهتماماً قليلاً جداً للتكاليف البشرية والبيئية والاجتماعية على المدى الطويل في قراراتهم المتعلقة بتخصيص الموارد، ويكرسون وقتاً قليلاً جداً لفهم كيف يمكن لتطور الاتجاهات الصغرى أن يؤثر على الاستراتيجية المستقبلية، ومستعدون كثيراً لخفض النفقات الهادفة إلى تلبية الاحتياجات المستقبلية، مثل التدريب والبحث والتطوير وبناء العلامة التجارية، من أجل تعزيز الأرباح الحالية والإيفاء بتوقعات المستثمرين على المدى القصير. وفي الواقع، تشير الأبحاث الأكاديمية إلى أنّ الكثير من المدراء مستعدون للتخلي عن فرص الاستثمار المربحة إذا كان اغتنام هذه الفرص يعني عدم الإيفاء بتوقعات المحللين للأرباح الفصلية، حتى بهامش بسيط. جرت الإشارة إلى زيادة عمليات إعادة شراء الأسهم في السنوات الأخيرة كدليل إضافي على الانحياز اتجاه المساهمين على المدى القصير وانحسار إعادة استثمار الشركات على الرغم من انقسام الآراء الأكاديمية حول هذه النقطة.

وبغض النظر عن الحكم على أهمية تحقيق المكاسب السريعة بصفة عامة، وهو ما يبقى أيضاً مثاراً للجدل بين الأوساط الأكاديمية، تشير الدراسات الاستقصائية إلى أنّ حدة التوتر بالنسبة للكثير من المجالس والمدراء بين التوقعات على المدى القريب والاحتياجات على المدى البعيد. وتعتبر هذه التوترات إلى حد ما متأصلة في وظيفة الحكم، لكن النقاش حول تحقيق المكاسب السريعة يشير إلى أنّ قد يكون من الأفضل إدارة التوترات والتخفيف منها نوعاً ما من خلال إشراف أفضل على الاستراتيجية، ووضوح أكثر للأطر الزمنية، وتحسين للتواصل مع المستثمرين. يعتبر مشروع الجسر التابع لمؤسسة التحالف من أجل الرأسمالية الاحتوائية (The Coalition for Inclusive Capitalism’s Embankment Project)، الذي يسعى لوضع مقاييس من شأنها أن تسمح للشركات بالتعبير بشكل أفضل عن قدرتها على خلق القيمة على المدى الطويل، أحد الجهود الكثيرة التي ركزت على هذه المسألة. لكن الجدل يشير أيضاً إلى الحاجة لمزيد من الابتكار الجذري في كيفية تطوير الشركات للاستراتيجية وتخصيص الموارد. وتكمن الخطوة الأولى بالنسبة للشركات على هذا الصعيد في فهم هذه العمليات على نحو أفضل، إضافة إلى الأطر الزمنية التي توجهها، والمدى الذي يسمح لها بمراعاة العوامل البشرية والبيئية والاجتماعية. وتطرح هذه الأمور تساؤلات حول حكم الأعمال يُتوقع أن تتعامل معها مجالس الإدارة والتنفيذيون على نحو متزايد.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء:

  • ما مدى شيوع تحقيق المكاسب السريعة لدى الشركات، وهل تستثمر الشركات بما يكفي في المستقبل؟
  • كيف يقوم مجلس إدارة شركتكم بتحديد المدى الزمني الذي يستخدمه في وضع الاستراتيجية وتنفيذ الاستثمارات؟
  • إلى أي مدى يمكن لضغوط أسواق رأس المال وطرق التقييم التقليدية أن تؤثر على كيفية تخصيص الموارد؟
  • إلى أي مدى يسأل مجلس إدارة شركتك المدراء عن الأثر البشري والبيئي والاجتماعي لقرارات الاستثمار بالغة الأهمية؟

أداء الشركات

تحديد أداء الشركات وقياسه

يُتوقع من أعضاء مجلس الإدارة بوصفهم وكلاء أن يقوموا بمراقبة أداء الشركة عن كثب. لكن ما هو أداء الشركة وكيف يتعين تقييمه؟ يبحث مقدِّمو رأس المال، المستخدمون النموذجيون، عن معلومات الأداء حتى يتمكنوا من المقارنة بين الفرص لتحديد الاستخدام الأفضل لرأسمالهم وضمان الإشراف المستمر والفعال على استثماراتهم. وقد يمتلك المستخدمون الآخرون أهدافاً أخرى، فمثلاً، يريد مُقرض ضمان دفع الفائدة ورأس المال في الموعد المحدد أو يقوم مركز الشركة بتخصيص الموارد لأقسام مختلفة. ويحتاج مجلس الإدارة نفسه هذه المعلومات لتقييم نجاح استراتيجية الشركة أو اتخاذ قرار بشأن مكافآت المسؤولين التنفيذيين. وقد يكون لدى آخرين مثل عميل محتمل أو موظف احتياجات أخرى. وهذا التنوع في مصادر الطلب على معلومات أداء الشركة يعني أنه ما من تعريف واحد لأداء أو نظام قياس بسيط سيكون كافياً.

عندما يتعلق الأمر بالأداء المالي للشركات، ينظر المستثمرون عادة إلى مقاييس أسعار الأسهم (مثل إجمالي العائد للمساهمين) والأرقام المحاسبية (مثل العائد على الأسهم أو العائد على الأصول). وقد أصبح إجمالي العائد للمساهمين، وهو مقياس مباشر لمدى استفادة المساهمين، أحد المحددات بالغة الأهمية لمكافآت المسؤولين التنفيذيين، خصوصاً في الولايات المتحدة. ويعتبر إجمالي العائد للمساهمين مقياساً معيارياً سهلاً للأداء النسبي في الشركات ومع مرور الوقت. وعلى أي حال، إذا كانت أسعار الأسهم تتأثر بانحياز المستثمرين، وخصوصاً أولئك المساهمين على المدى القصير، فإنّ إجمالي العائد للمساهمين أقل فائدة كمقياس لخلق القيمة على المدى الطويل، وهو مقياس معياري مضلل من الضروري تقييم أي مقياس للأداء عليه. لا تتأثر القياسات المستندة إلى مقاييس محاسبية كثيراً بهواجس آفاق المستثمرين لكنها ذات صبغة رجعية وهي عرضة للتلاعب الإداري. وعلاوة على ذلك، تعتبر القواعد المحاسبية (التي يشار إليها باسم المبادئ المحاسبية المتعارف عليها) بطيئة في مواكبة التغيرات السريعة في تعقيدات الأعمال والتكنولوجيا والتنظيم. ونتيجة لذلك، يلجأ عدد أكبر من المدراء إلى مقاييس بديلة (غير المبادئ المحاسبية المتعارف عليها)، مثل الدخل المعدّل أو العائد النقدي التشغيلي على الأصول، في محاولة لتحسين وصف الجوانب الفريدة للعمل التي لا تلاحظها المقاييس التقليدية.

يزيد اختلاف المدى الزمني لتقييم الأداء من تعقيد التحدي. ويطلب الكثير من المساهمين تقييماً دورياً وتقارير حول الأداء، لكن الدورات التشغيلية ودورات الاستثمار لا ترتبط بشكل مناسب مع السنوات أو الفصول. ما هو المدى المناسب إذن؟ في معظم الولايات القضائية، تلزم الشركات المدرجة في البورصة بالإبلاغ عن أدائها المالي سنوياً، وفي الكثير من الحالات بشكل فصلي أو كل نصف عام على الأقل. لكن المستخدمون الآخرون، مثل مجالس الإدارة، يمتلكون خياراً لقياس (وتعويض) الأداء على مدار فترات أطول. وبالاعتراف أنّ ما من مقياس واحد (سواء كان مستنداً إلى أسعار الأسهم أم المقاييس المحاسبية الموجزة) أو مدى زمني كافياً للاستفادة من مخرجات الأعمال، فقد اعتمدت بعض الشركات نهج لوحة معلومات قائمة على أفكار مثل بطاقة الأداء المتوازن، على سبيل المثال، لقياس المخرجات المؤقتة بدلاً من الأهداف النهائية. ويقيس هذا النهج المؤشرات قصيرة الأجل التي من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج إجمالية أفضل. على سبيل المثال، يمكن لشركة تعتمد على استراتيجية من التفوق التكنولوجي على المدى الطويل أن تقيس المخرجات الفورية وتكافئها، مثل تقديم براءات الاختراع أو توظيف أصحاب المهارات المعرفية وتدريبهم. ويتطلب هذا النهج من المدراء أن يقوموا بتطوير نظرية سببية لدوافع الأداء، وقياس إنجازات دوافع الأداء المحلية وتحفيزها، ما يتعين أن يقود في النهاية إلى نجاح على المدى الطويل.

وتُطالب الشركات، إلى جانب قياس الأداء المالي، بقياس أدائها الاجتماعي والبيئي على أبعاد مختلفة تتراوح بين التنوع والاندماج، وخصوصية الزبائن وظروف سلسلة التوريد، وحقوق الإنسان والانبعاثات الكربونية. يُعزى هذا الطلب جزئياً إلى المستثمرين وآخرين يعتقدون أنّ الأداء الاجتماعي والبيئي للشركة مرتبط، سببياً أو غير ذلك، بأدائها المالي على المدى الطويل، وجزئياً إلى من يعتقدون أنّ الأداء الاجتماعي والبيئي مهم في حد ذاته أو مطلوب كأحد المسائل المتعلقة بمواطنة الشركات للأداء السليم لوظيفة المجتمع والاقتصاد بشكل عام. وعلى الرغم من بعض الدراسات الأكاديمية الهادفة إلى بيان الفوائد المالية للأداء الاجتماعي أو البيئي القوي، إلا أنّ الأدلة العامة على العلاقة غير حاسمة ومن المستبعد حل المسألة من خلال دراسات أكاديمية نظراً لوجود الكثير من طرق قياس هذه الأنواع المختلفة من الأداء والعناصر الكثيرة التي تؤثر على كيفية أداء الشركات حسب كل واحد منها. وثمة جهود واعدة أكثر تقوم بدراسة العلاقة بين عوامل اجتماعية وبيئية معينة، يشار إليها غالباً بعوامل “الاستدامة”، والأداء المالي. يسعى “مجلس المعايير المحاسبية للاستدامة” (Sustainability Accounting Standards Board)، على سبيل المثال، إلى تحديد أي العوامل البيئية والاجتماعية ذات أهمية مالية على أساس كل قطاع على حدة.

ويبقى قياس أداء الشركات مجالاً مثيراً للابتكار والنقاش، من ناحية المقاييس المناسبة وأفق القياس الملائم على حد سواء. وتقوم الشركات بالتجربة مع إفصاح كبير عن الاستراتيجية ودوافع النجاح على المدى الطويل مع الاعتراف أنّ المستثمرين والمساهمين الآخرين يفضلون في أحوال كثيرة المقاييس الموجزة والمخرجات على المدى القصير كوسيلة لتحديد المشاكل في مراحل مبكرة. ما الطريقة الأفضل لتحديد أداء الشركات وقياسه، وفي أي إطار زمني، هي أسئلة من الدرجة الأولى يتعين أن تكون مطروحة على جدول أعمال جميع مجالس الإدارة.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء:

  • كيف يتعين على المجالس والآخرين تقييم أداء الشركات، على مدار أي فترة زمنية، ولصالح من، ومن أي وجهة نظر، وبأي مقاييس؟
  • ما مدى الأهمية التي توليها شركتك لأسعار أسهمها بالمقارنة مع هدف إنجاز الأهداف الاستراتيجية أو تفعيل المقاييس أو مواطنة الشركة؟
  • هل تدمج شركتك التداعيات على الأطراف الأخرى والمجتمع في تقييم أداء الشركة؟

الرقابة على الشركات

مخاطر الرقابة وضمان المساءلة

تحظى مسؤولية المجلس المتمثلة في الرقابة على المخاطر التي تواجه الشركة باعتراف واسع في مجال النقاشات في حوكمة الشركات حول العالم، لكن التفسيرات لما تتطلبه هذه المسؤولية تتباين على نحو كبير. كان يُنظر إلى هذا الأمر عادة على أنه محدود جداً. فمثلاً، وفقاً لقوانين ولاية “ديلاوير” الأميركية التي تعتبر موطناً لأكثر من 60% من شركات “فورتشن 500“، كانت مجالس الإدارة مسؤولة مبدئياً فقط عن التعامل مع مخالفات القانون التي تعرف عنها، وكان التركيز بشكل رئيس على المحاسبة والتقارير المالية وانتهاكات مكافحة الاحتكار. وفي التسعينات، زادت الواجبات حيث أُلزمت المجالس بضمان إعداد الإدارة لأنظمة معلومات وتحكم لمراقبة مثل هذه الانتهاكات، مع التشديد على سوء السلوك المالي والمحاسبي. وعلى الرغم من التغير الطفيف الذي طرأ منذ ذلك الحين على الواجبات القانونية للرقابة المنوطة بمجالس الإدارة، إلا أنّ التوقعات العامة تطورت باستمرار مع نمو الأعمال وزيادة تعقيدها، وتبعات فشل الشركات بعيدة الأثر.

وفي الواقع، يُتوقع من المجالس اليوم أن تقوم بالرقابة على قائمة المخاطر الكبيرة والمتزايدة باستمرار. غداة الأزمة المالية لعام 2008، حملت مجالس إدارة المصارف والمؤسسات المالية المسؤولية عن عدم الانتباه بما فيه الكفاية للمخاطر المالية المفرطة. وأثار احتدام الشكاوى السلوكية التي قُدِّمت مؤخراً ضد كبار قادة الشركات أسئلة حول رقابة المجالس لسلوك المسؤولين التنفيذيين وباغت العديد من المجالس على حين غرّة. وعلى جبهة أخرى، فقد عانت شركات مختلفة من انتهاكات خطيرة للأمن السيبراني أظهرت عدم جاهزيتها وتسببت في أضرار كبيرة على سمعتها، بينما وقعت شركات أخرى في فخ الشواغل المتعلقة بخصوصية البيانات وهي تواجه ردود فعل سلبية على المستوى السياسي ومن المستخدمين. وتعتبر الكوارث البيئية والإساءات بحق العمال في سلسلة التوريد وإساءة معاملة الزبائن أمثلة أخرى على نوع جديد من مشاكل إدارة المخاطر التي تستحوذ على اهتمام مجالس الإدارة.

لقد خلقت القائمة الممتدة من المخاطر تحدياً للممارسات التقليدية للرقابة الداخلية وهي تختبر قدرة المجالس على تقديم الرقابة الملائمة. منذ الأزمة المالية، حظيت وظائف المراجعة الداخلية وإدارة المخاطر باهتمام بالغ ومهم، خصوصاً في المصارف والمؤسسات المالية. تمتلك الآن جميع المصارف الكبيرة في الولايات المتحدة لجنة مخاطر تابعة لمجلس الإدارة ووظيفة رئيس لشؤون المخاطر، ما يعبِّر عن إدراك أنّ وجود وظيفة قوية ذات علاقة بالمخاطر هو مهم على نحو استراتيجي للنمو والربحية المستدامين. وبالمثل، فقد اعتمدت مجالس الإدارة في قطاعات أخرى بروتوكولات رقابة جديدة للمخاطر أو قامت بتوسيع نطاق صلاحيات لجنة المراجعة بحيث تتجاوز المسائل المتعلقة بالضوابط الداخلية والمراجعة التقليدية لتشمل أيضاً الرقابة على المخاطر الأخرى. وقامت بعض المجالس، كما هو الحال مع مجالس إدارة المصارف مثلاً، بتأسيس لجنة خاصة للمخاطر، بينما أوكلت مجالس أخرى تصنيفات محددة من الرقابة على المخاطر للجان أخرى مختلفة، مثل توكيل المخاطر المرتبطة بالسلوك للجنة الأخلاقيات والامتثال، أو المخاطر المرتبطة بسلسلة التوريد للجنة الاستدامة. وقد سعت مجالس الإدارة لتعليم نفسها حول الخطر السيبراني وجعلت الفضاء السيبراني مجالاً محدداً من رقابة المجلس.

الحالات المتكررة من مشاركة الموظفين على نطاق واسع في سلوكيات متهورة أو غير قانونية، مثل فضائح القروض العقارية التي أدت إلى الأزمة المالية لعام 2008 أو فضائح انبعاثات الديزل في العديد من شركات السيارات الكبرى، خلقت حالة من الاعتراف المتزايد بأنّ الثقافة التنظيمية هي أحد العوامل الأساسية لجلب المخاطر. وقادت هذه الرؤية إلى جهود من هيئات رقابية ومؤسسات مهنية مختلفة لتعليم مجالس الإدارة حول الثقافة التنظيمية. وتكشف تقارير صادرة عن مجموعات مثل مجموعة الثلاثين (G30) ومجلس إعداد التقارير المالية (Financial Reporting Council) في المملكة المتحدة والرابطة الوطنية لمدراء الشركات (NACD) في الولايات المتحدة عمّا توصلت إليه عقود من الدراسات الأكاديمية، وهو أنّ ثقافة المؤسسات والمخاطر المرتبطة بها لا يمكن فهمها بمعزل عن العوامل الأخرى أو إدارتها بمفردها من خلال آليات الرقابة والامتثال التقليدية نظراً لكونها ظاهرة متعددة الأوجه تنشأ من عوامل متعددة. ومن بين العوامل الأهم: القدوة التي يرسمها قادة الشركة، ونموذج عمل الشركة واستراتيجيتها، والأنظمة المختلفة لصناعة القرارات، وتعيين الموظفين وتحفيزهم، ومكافأة الأداء. وبالتالي، يتطلب خطر الرقابة من المجالس أن تذهب إلى ما هو أبعد من أنشطتها الرقابية وأن تطور طرقاً جديدة لقياس نبض المؤسسة. تجري هذه المهمة بمساعدة التقدم في علم البيانات والقدرات الحاسوبية التي تسمح باستخدام أدوات الامتثال الرقمي والإمكانات التحليلية التنبؤية للمساعدة في إدارة المخاطر، وخصوصاً في المصارف والمؤسسات المالية.

يدرك معظم المدراء اليوم أهمية الرقابة الصارمة، إلا أنه من غير الواضح فيما إذا كانت مجالس الإدارة، بشكلها وطريقة عملها الحالية، ترتقي إلى مستوى المهمة. زيادة حجم الشركات وتعقيدها، والمجموعة الواسعة من المجالات التي تنطوي على مخاطر، والصعوبة التي تلمسها الشركات في الحصول على المعلومات المطلوبة لتطبيق رقابة فعالة، جميع هذه الأمور لا تبعث على إجابة إيجابية على هذا السؤال. وللتأكد تقوم مؤسسات أخرى، بعضها داخلية وبعضها خارجية، بتوفير الرقابة. كبار المستثمرين والمستشارون بالوكالة والهيئات الرقابية ووسائل الإعلام والمنظمات غير الربحية والجمهور، جميعهم تقع على عاتقهم أدوار محددة. وعلى أي حال، ثمة ما يثير الشك في أنّ بعض هذه المؤسسات يمكن أن تكون بديلة للمجالس، وقد يقال بالفعل إنّ هذه المؤسسات يمكن أن تكون فعالة فقط إذا كانت مجالس الإدارة نفسها فعالة. في السنوات القادمة، يمكن أن تتوقع المجالس ممارسة المزيد من الضغط لتعزيز إمكاناتها في الرقابة على المخاطر بالتزامن مع تحقيق الابتكار الريادي المطلوب للنمو والربحية المستدامين.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء حول النقاشات في حوكمة الشركات لديهم:

  • يُتوقع من مجالس الإدارة تدريجياً تجاوز دورها التقليدي كجهة رقابة على الضوابط المحاسبية والمالية، وأن تتولى التأكد من وجود أنظمة للحماية ضد جميع المسائل المتعلقة بسوء السلوك والاختلالات الثقافية والخروقات الأمنية والخلل في مسؤولية الشركة. لكن ما مدى جدية هذه التوقعات، وما المعايير التي يتعين على مجلس الإدارة استخدامها لمراقبة سلوكيات الشركة وتقييمها؟
  • هل يمتلك مجلس إدارة شركتك الهيكليات والعمليات والمعلومات اللازمة للقيام بمسؤولياته المتعلقة بالرقابة؟
  • ما دور الأطراف الأخرى في ضمان اتباع الشركة لسلوكيات مسؤولة وحماية المستثمرين والزبائن والموظفين والجمهور من الإصابات والأضرار الناجمة عن أعمال الشركة وانبعاثاتها؟

التقارير المقدمة من الشركات

تحديد معايير الإبلاغ عن البيانات والإفصاح عنها

تؤدي مجالس الإدارة دوراً مهماً في ضمان حصول المستثمرين والجمهور على معلومات دقيقة في الوقت المحدد حول أنشطة الشركة وأدائها. في بعض الجوانب، مثل التقارير المحاسبية والمالية، تُنظَّم عمليات الإفصاح وتوحَّد على مستوى عال، ويتمثل دور المجلس، على الرغم من أنه يمارسه من خلال لجنة المراجعة، إلى حد كبير في ضمان أنّ تقارير الشركة تلتزم بالمعايير ذات الصلة، وأن يوفر خيارات السياسة المحاسبية وفقاً لهذه المعايير. وفي جوانب أخرى، مثل الإفصاح عن صحة الرئيس التنفيذي أو استثمارات مستقبلية محتملة أو جهود الشركة على صعيد الاستدامة، يجب أن تعتمد مجالس الإدارة على حكمها الخاص على الأعمال وتقييمها لأهمية المعلومات في اتخاذ قرار بشأن فيما إذا كان الإفصاح مناسباً أم لا وتحديد موعده. وفي السنوات الأخيرة، واجهت مجالس الإدارة ولجان المراجعة مجموعة متزايدة التعقيد من التحديات المتعلقة بالإبلاغ عن البيانات والإفصاح عنها.

ونشأت إحدى المجموعات من التحديات التي تدور حول النقاشات في حوكمة الشركات على إثر عولمة تدفقات رأس المال. قبل عام 2002، طلبت الهيئات الرقابية حول العالم من الشركات المحلية الإبلاغ عن أدائها المالي باستخدام ما كان يعرف محلياً بمعايير الإبلاغ المالي والمحاسبي الخاص بالدولة، مثل المبادئ المحاسبية المتعارف عليها في الولايات المتحدة (US GAAP). وفي عام 2002، اعتمد الاتحاد الأوروبي المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS) الصادرة عن مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) كمعيار عام لجميع الشركات المسجلة في الاتحاد الأوروبي. وبحلول عام 2018، كانت 166 دولة قد اعتمدت المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية، ولو كان ذلك بدرجات متفاوتة، وأصبحت مؤسسة “آي أيه إس بي” (IASB) مؤسسة وضع المعايير المحاسبية المعترف بها في معظم دول العالم. وعلى الرغم من استمرار إلزام الولايات المتحدة للشركات المدرجة في البورصة المحلية باتباع المبادئ المحاسبية المتعارف عليها هناك في إعداد التقارير المالية، إلا أنّ الشركات غير الأميركية المدرجة في بورصة الولايات المتحدة يُسمح لها باستخدام أي من المعيارين. في إطار جهوده المتواصلة، عمل مجلس معايير المحاسبة المالية (FASB) في الولايات المتحدة مع مجلس معايير المحاسبة الدولية من أجل تكييف المبادئ المحاسبية المتعارف عليها في الولايات المتحدة مع المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية، إضافة إلى تطوير مجموعة مشتركة من المعايير المحاسبية العالمية التي تمكن المستثمرين من المقارنة بين التقارير المالية للشركات من مختلف أنحاء العالم. وفي الفترة الانتقالية، تواجه مجالس الإدارة والمراجعين مشاكل معقدة تنشأ عندما تقوم شركة، على سبيل المثال، من الشركات التي تعد تقاريرها بموجب المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية بالاستحواذ على شركة تعد تقاريرها بموجب المبادئ المحاسبية المتعارف عليها في الولايات المتحدة.

وقد برزت مجموعة أخرى من التحديات المتعلقة بموضوع النقاشات في حوكمة الشركات من شيوع ربط القيمة بسعر السوق أو محاسبة القيمة العادلة لعدد متزايد من أنواع الأصول. وعلى النقيض من النظام المحاسبي السابق للتكاليف، المنهجية السائدة لقياس القيمة، تهدف محاسبة القيمة العادلة إلى قياس قيمة موارد الشركة والقيمة التي نشأت باستخدام أسعار الأسواق الحالية. صممت محاسبة القيمة العادلة كوسيلة لجعل أرقام البيانات المالية أكثر ملاءمة للوقت وأكثر صلة، خصوصاً القيم التي تشير إلى الأوراق المالية القابلة للتداول التجاري والكثير من المنتجات المالية الجديدة التي طُوّرت في السنوات الأخيرة لإدارة المخاطر، مثل الصناديق التحوطية والعقود الآجلة والعقود المستقبلية واتفاقيات المبادلة وعقود الخيارات. وعلى أي حال، تعطي محاسبة القيمة العادلة للمدراء حرية تصرف أكبر لتحديد القيم، وخصوصاً عندما لا تكون أسعار الأسواق متاحة على الفور، وبالتالي تلقي عبئاً أكبر على المراجعين ولجان المراجعة للتأكد من صدق الأرقام المبلغ عنها.

وثمة قضايا مماثلة حول النقاشات في حوكمة الشركات تعود إلى ظهور نماذج عمل جديدة تنشأ من الابتكارات السريعة في عالم التكنولوجيا. وربما تكون التحديات أكثر وضوحاً في العلوم الطبية (مثل نمو قطاع التكنولوجيا الحيوية) والتكنولوجيا الرقمية (بدءاً من الإنترنت وبتسارع وتيرتها مع نمو الحوسبة المتنقلة والسحابة والذكاء الاصطناعي وثورة علم البيانات). وتتفوق نماذج العمل الجديدة التي تستند إلى هذه التكنولوجيات، أي المنصات الإلكترونية والمنتجات المكدّسة المستضافة في السحابة وغيرها، على تطور مقاييس الأداء التي تجسّد قيمتها الاقتصادية الحقيقية. استجابت الشركات من خلال إنتاج المقاييس والإبلاغ عن البيانات المالية التي يقال إنها تعكس صورة أعمالها بشكل أفضل، ولكنها غير منسجمة مع مقاييس الإبلاغ التقليدية. بينما قد يكون للمقاييس غير التقليدية ما يبررها إلا أنها تمنع الفوائد من قواعد القياس الموحدة، وتصعِّب وصول المستخدمين إلى استنتاجات مفيدة، وتدعو مجالس الإدارة ولجان المراجعة إلى توخي مزيد من الفحص النافي للجهالة.

وبالتوازي مع هذه التحديات الجديدة، فقد واجهت الشركات طلبات متزايدة لتوفير أنواع مختلفة من المعلومات غير المالية، وخصوصاً عن أثرها الاجتماعي والبيئي. وتتراوح هذه الطلبات بين دعوات لأنواع مختلفة من الإفصاح، مثل الإفصاح عن المخاطر المرتبطة بالمناخ أو المعادن المؤجِّجة للنزاعات في سلسلة التوريد أو الإنفاق السياسي أو نسب الأجور المختلفة، والدعوات إلى تقارير دورية شاملة حول الأداء الاجتماعي والبيئي للشركات. وعلى مدار العقود القليلة الماضية، تطورت المسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي تدعى أيضاً بـ “تقارير الاستدامة”، من نشاط مخصّص تنفذه قلة مختارة من المشركات إلى ممارسة روتينية في الكثير من الأعمال الكبيرة في العالم. وعلى الرغم من عدم وجود إطار مفوّض بشكل قانوني لتقديم مثل هذه التقارير، اعتمدت الكثير من الشركات على المعايير التي وضعتها المبادرة العالمية لإعداد التقارير (GRI) التي تغطي مجموعة واسعة من المواضيع من حقوق الإنسان والمساواة في مكان العمل إلى الامتثال البيئي، وجهود مكافحة الفساد، وخصوصية الزبائن. شكّل تعدد مواضيع الاستدامة حافزاً لجهود مختلفة لتضييق المجال وتنظيمه. وربما كان أكثرها طموحاً هو الدفع من أجل نظام إبلاغ متكامل، أطلقه المجلس الدولي للإبلاغ المتكامل (IIRC) في عام 2009. وضع المجلس الدولي للإبلاغ المتكامل إطار عمل للتقارير يدمج المعلومات المالية وغير المالية من خلال نموذج خلق قيمة يستند إلى ستة “رؤوس أموال”: المالي والبشري والاجتماعي والثقافي والطبيعي والمصنّع.

اقرأ أيضاً: ثماني طرق لترويض نقاش خارج عن السيطرة

ويشير التاريخ الطويل للمبادئ المحاسبية المتعارف عليها في الولايات المتحدة إلى أنه قد يتطلب الأمر وقتاً قبل أن تصبح الاستدامة أو الإبلاغ المتكامل معياراً يحظى بقبول واسع كجزء من عملية ممارسة الأعمال التجارية. وفي غضون هذا الوقت، ستواجه مجالس الإدارة والشركات قرارات صعبة فيما يتعلق بالإبلاغ والإفصاح في المسائل المالية وغير المالية على حد سواء. وعلى الرغم من وضوح مزايا الشفافية، وأهمية توفر معلومات دقيقة في الوقت المناسب لأداء الأسواق والمجتمعات وظيفتها على نحو فعال، إلا أنّ التجمع والإبلاغ عن معلومات على مستوى الشركة قد يكون مكلفاً. ومع استمرار تزايد المطالبات بإبلاغ وإفصاح أكثر، ستجد الشركات صعوبة في العثور على طرق استجابة تتسم بكفاءة وفائدة أكبر عند الحديث عن النقاشات في حوكمة الشركات الناجحة.

أسئلة لمجالس الإدارة والمدراء حول النقاشات في حوكمة الشركات:

  • تستمر الشركات ومجالس الإدارة في المطالبة بتوفير المزيد من المعلومات الجيدة حول أنشطتها، لكن ما حجم عمليات الإبلاغ والإفصاح الأفضل وما نوع هذه العمليات؟

  • ماذا الذي يتعين على الشركات والمجالس ومستشاريهم أن يفصحوا عنه وما هي المعايير التي يتعين أن تحكم هذا الإفصاح؟

  • ما تقييمك لممارسات الإبلاغ عن البيانات والإفصاح عنها في شركتك؟

  • كيف يمكن تعزيز الشفافية دون المخاطرة ببيانات قيِّمة على الصعيد التنافسي أو خلق حالة من عدم الإنصاف في السوق؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .