إليك هذا المقال الذي يتحدث عن طرق إنجاز العمل في الشركات تحديداً. يشغل بال الشركات منذ أكثر من 30 عاماً ما إذا كان ينبغي لها تحقيق المركزية أم اللامركزية في عملياتها. ولكن في هذه الأيام أصبح هذا الأمر موضع خلاف أكثر من ذي قبل. فكل مؤسسة في الأساس مؤسسة "موزَّعة الأعمال" تمتلك العديد من الخيارات المختلفة لكي تنجز أعمالها. وقدرتنا على "تحرير" العمل من المؤسسة وتوزيعه على أفضل الموردين، في أي مكان من العالم، يستحدث قائمة جديدة من متطلبات قادة الشركات.
وللنجاح في عالم العمل الجديد هذا، ينبغي على القادة التركيز على أمرين. الأول هو الفهم الأمثل لمصادر العمل الثمانية المختلفة، والثاني هو المواءمة بين مصالح هذه المصادر لبناء ثقافة موحدة. بعبارة أخرى، القادة بحاجة إلى "استخدام الثقافة باعتبارها وحدة البناء الجديدة". صاغت هذه العبارة زميلتي لينا ناير رئيس قسم الموارد البشرية في شركة "يونيليفر" (Unilever)، فتناولت بهذا الكلام جوهر الرابط الذي يجمع هذه الخيارات المتنوعة من العمل معاً.
طرق إنجاز العمل في الشركات
هناك ثمانية مصادر يحتاج قادة الشركات إلى التنسيق بينها وسبر أغوارها، وهي:
- الموظفون: ما زال هذا المصدر هو الرئيس لإنجاز طرق إنجاز العمل في الشركات بنجاح، والتوظيف عادة ما يكون إما بدوام كامل أو جزئي.
- المتعاقدون المستقلون: وهو خيار عمل شائع منذ الثورة الصناعية الثالثة، كما أن هؤلاء المتعاقدين المستقلين يلعبون دوراً حيوياً في زيادة عدد الموظفين.
- العاملون المستقلون: مصدر للعمل ينمو بسرعة، وهم عادة ما يضطلعون بالمهام والمشاريع قصيرة الأجل.
- الممولون الخارجيون: مَعلم آخر من معالم الثورة الصناعية الثالثة، وعادة ما تتم الاستعانة بمصادر خارجية لأداء عمليات كاملة لأسباب متعلقة بالكفاءة و/أو التمايز العمالي.
- إقامة تحالفات مع شركات ناشئة وشركات أخرى: وهذه وسائل متزايدة الأهمية فيما يتعلق بتقاسم المخاطر المحتملة والحصول إلى إمكانات جديدة.
- المتطوعون: يُستخدَم هذا المصدر للتعهيد الجماعي بهدف الابتكار أو الترويج للعلامات التجارية في وسائل التواصل الاجتماعي.
-
- الروبوتات: لهذا النوع تأثير مماثل لتأثير الذكاء الاصطناعي على الأعمال ولكن في المجالات التي تتطلب جهداً بدنياً.
ولكن متى يكون من المنطقي الاستمرار في الاستعانة بالموظفين لإنجاز العمل بدلاً من اللجوء إلى العاملين المستقلين؟ وكيف يمكننا الاستفادة بشكل أمثل من أتمتة العمليات الروبوتية في أداء المهام الذهنية ذات الطبيعة التكرارية والمحكومة بنُظم معينة وتؤدَّى بشكل مستقل؟ من العناصر بالغة الأهمية لتحقيق النجاح هو فهم أهمية السرعة فيما يتعلق بالقدرة والتكلفة والإنتاجية ومخاطر كل خيار من خيارات العمل، أثناء تنسيق بيئة العمل التي تضم بطبيعة الحال جميع الخيارات، بحيث يكون إنتاج المنظومة ككل أكبر من إنتاج مجموع الأجزاء.
خلق هدف موحد
بتفاعل المؤسسات مع المصادر المتعددة لإنجاز العمل، أصبحت المواءمة بين هدف ورسالة المؤسسة تنطوي على تحديات متزايدة.
إذن كيف يمكن أن تسمو فوق مجرد بناء علاقة نمطية مستقلة مع الممول الخارجي، بحيث إذا تلقى موظف تابع للممول مكالمة من عميل لديك، يتمكن من توصيل رسالة مؤسستك وهدفها؟ وكيف يمكنك الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد علاقة تبادلية لمرة واحدة مع مطورة برمجيات عالية المستوى لدرجة أن تكون على استعداد لأداء ما هو أكثر من المتفق عليه وأن تختار أيضاً العمل لدى مؤسستك في مشاريع أخرى في المستقل؟
يكمن الجواب في الإشراف على المجموعة المثلى من الخبرات التي يمتلكها كل نوع من المواهب. وهذا يعني إدراك الغاية الكبرى لكل مزود عمل، والمواءمة بينها وبين رسالة مؤسستك وهدفها. بالنسبة إلى الموظفين، غالباً ما تعتمد الشركات على أدوات كالرواتب والمزايا وفرص التطوير لكسب ثقتهم وتوجيه سلوكهم. أما بالنسبة إلى الشركاء المتحالفين وموردي تقنيات الذكاء الاصطناعي والعاملين المستقلين، فهذا يتطلب حلول خلاقة أخرى، إليكم بعض منها:
- بناء علاقات مع العاملين المستقلين والمتعاقدين المستقلين بحيث تتجاوز حدود مجرد الالتزام بدفع المقابل المادي. فمثلاً أعادت إحدى الشركات التقنية الكبرى، التي تستخدم المئات من العاملين المستقلين كل يوم، النظر في تحديد تجارب المواهب العاملين لديها بحيث تتجاوز علاقات المعاملات النمطية مع هذا العدد الضخم من المواهب. فقد قال رئيس قسم الموارد البشرية في هذه الشركة: "هؤلاء الأفراد يختارون العمل معنا كل يوم، ولكن كيف يمكننا ضمان اختيارهم العمل لدينا مرة أخرى عندما نحتاج إليهم في المستقبل؟"، ولضمان ذلك قدمت الشركة لهؤلاء الأفراد إمكانية الحصول إلى فرص التعلم والتطوير وأيضاً وفرت لهم مزايا كتلك التي تُمنح "للموظفين" مثل الرحلات التابعة للشركة. وهذا مكّن الشركة من خلق أكثر من مجرد علاقة تبادلية مع العاملين المستقلين، كما سمح لهم بأن يشعروا أنهم جزء من الشركة.
- يجب التفكير في مدى تأثير بيئة خيارات العمل الأوسع نطاقاً على أصحاب المصلحة في المؤسسة. أدركت شركة عالمية للسلع الاستهلاكية، وهي تستعين على نطاق واسع بممولين خارجيين باعتبارهم طرف ثالث، أن معظم المعاملات بين زبائنها وموظفيها كانت تتم بالاستعانة بالموظفين التابعين للممولين الخارجيين أو بروبوتات الدردشة. فقد تعاونت فرق الموارد البشرية والتواصل المؤسسي بالشركة مع هذا الطرف الثالث، وفي كل تعامل كان يتم التركيز على عبارات وكلمات محددة تعكس جوهر رسالة الشركة وأهدافها. والآن يشعر الموظفون التابعون للممولين الخارجيين بمدى عمق التواصل مع الزبائن والموظفين الذين يتعاملون معهم.
- إعادة تصميم العمل لخلق أوجه تعاون مُثلى بين الإنسان والآلة، مع الارتقاء بمهارات المواهب الذين تمت أتمتة وظائفهم. من أجل خلق هدف أكثر جذباً، أعادت شركة كبيرة للنفط والغاز صياغة رسالتها لتكون واحدة من الشركات التي تعمل على التطور المستدام للمجتمعات النائية حيثما ركزت ثقافتها وخبرات مواهبها على ضمان "السلامة والرفاهة واحتفاظ مواهبها بأهميتهم" (بما في ذلك الموظفين والمتعاقدين المستقلين على السواء). فأدى ذلك إلى بذل جهود لاستخدام الروبوتات لاستبدال الأعمال "الملوِثة والمملة والخطرة" التي كان يقوم بها العاملون البشريون، وتحسين مهارات موظفيها بنقلهم من أداء الأعمال اليدوية إلى تشغيل الأجهزة الجديدة وضبطها وصيانتها.
في السابق، كانت ثقافة المؤسسات محصورة ضمن حدود جدرانها، وقائمة على تقاسم الخبرات فيما بين مجموعة متشابهة إلى حد ما من الموظفين. أما اليوم، أصبحت ثقافة المؤسسات تعتمد أساليب جذابة توائم الاهتمامات المختلفة لمجموعة واسعة من مزودي الأعمال ذوي الخلفيات المتنوعة. كما أصبحت تجارب المواهب هي جوهر الثقافة المؤسسية المطلوبة لتنسيق العمل في تلك المؤسسات "ذات الأعمال الموزَّعة".
اقرأ أيضاً: