هل أنت مؤهل للالتحاق بالعمل في شركة ناشئة؟

10 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما أنهيت دراستي في كلية إدارة الأعمال، حصلت على عرضين للعمل، كان الأول من “بوسطن كونسلتينغ جروب” التي عملت فيها قبل التحاقي ببرنامج ماجستير إدارة الأعمال، وهو الاختيار الأمثل لموظف شاب يبحث عن وظيفة ثابتة ذات دخل جيد. أما العرض الثاني فكان من شركة ناشئة ممولة برؤوس الأموال المغامرة (أو ما تسمى برؤوس الأموال الجريئة)، لا تزال في جولتها التمويلية “أ”، ولا يعمل فيها سوى 30 موظفاً، وترغب في تحويل الإنترنت إلى بيئة عمل آمنة، وهو خيار أكثر مجازفة. ولكنني قبلت العرض الثاني ولم أندم على قراري هذا مطلقاً.

عملت في السنوات التي تلت ذلك في ثلاث شركات ناشئة. وبصفتي مستثمراً مغامراً (جريئاً)، استثمرت في أكثر من مائة شركة أخرى، تعلمت خلالها الكثير من الدروس التي لا تقتصر على كيفية تأسيس شركة، وما يتطلبه ذلك من جمع الأموال، وإيجاد الزبائن المبدئيين، وتوظيف فريق العمل، بل عرفت أيضاً معنى الانضمام إلى شركة ناشئة والإسهام في النهوض بها لتتحول إلى مؤسسة كبيرة ناجحة. كان المنضمون الجدد- وهم الموظفون من رقم 2 إلى الموظف رقم 2,000- يعملون جنباً إلى جنب مع المؤسسين لتطوير أفكارهم وتحويلها إلى أعمال حقيقية.

إنّ تحقيق مثل هذه القفزة نادراً ما يكون سهلاً، فمقارنةً بالمؤسسات القائمة، يصعب تصور أوضاع الشركات الناشئة. ما المهام التي يجب القيام بها؟ ما أنسب نقاط الدخول؟ وكيف تعرف ما إذا كانت تتوافر لدى الشركة إمكانيات النجاح، وهل هي المكان المناسب لك؟

تخلو الشركات الناشئة من التراتبية أو المسارات الإدارية الواضحة، لكنها تحتاج- من مراحل تكوينها الأولى حتى المراحل الأكثر نضجاً- إلى مدراء جيدين لإنشاء الأقسام وإدارتها بفاعلية، مثل: أقسام التسويق، وتطوير المنتجات، والمبيعات. ويمكن للمرء أن يجني العديد من المكاسب الشخصية والمهنية من خلال التحاقه بالعمل في هذه المؤسسات الشابة، ففي كلّ مقابلة أجريتهاـ تقريباً- مع المنضمين إلى الشركات الناشئة كانوا يؤكدون لي مدى تقديرهم الكبير لما توفره لهم وظائفهم من استقلالية وإبداع ونمو، وهي المقومات اللازمة لتحقيق الأهداف.

تمثل الشركات الناشئة تجارب عملاقة، فكلّ مبادرة فيها لا بدّ أن تحمل جديداً.

لذلك، فمن المهم لكل من يمتهنون قطاع الأعمال- بدءاً من الحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال حديثاً، مروراً بالمسؤولين التنفيذيين المبتدئين، وصولاً إلى القادة المتمرسين- أن يُحسِنوا فهم أسلوب عمل هذه الشركات، وأن يضعوا تصورات ملموسة لما يمكنهم تقديمه للإسهام في نجاحها، وتحقيق قفزة نوعية إن بدا لهم الوضع مناسباً.

تقييم مدى ملاءمتك

إذا أردت العمل في شركة ناشئة، فعليك القيام بثلاثة أشياء ربما لم تتعلمها في المدرسة أو في الوظائف التي شغلتها في الشركات الكبرى، ألا وهي: إدارة عدم اليقين، تجاوز الحدود، والتفكير وكأنك مالك الشركة.

إدارة عدم اليقين.

تمثل الشركات الناشئة تجارب عملاقة، فكلّ مبادرة فيها لا بدّ أن تحمل جديداً. وتُوضَع كلّ فرضية فيها موضع الاختبار واحدةً تلو الأخرى، وغالباً ما تكون هناك حالة من المرونة في الألقاب والحدود الوظيفية والأدوار والمسؤوليات، ويعمل فيها الفريق ككتلة واحدة، فيخترع ويبدع وينتقل من هدف إلى آخر، وكل هذا دون وجود دليل إرشادي يهتدي به أعضاء الفريق في عملهم. وفي ضوء هذه الدينامية التنظيمية التي تتواصل حتى مراحل متقدمة من عمر الشركة، لا بدّ لكل فرد يعمل في شركة ناشئة من أن يشعر بالارتياح مع هذا القدر الكبير من الغموض وعدم اليقين.

تخطي الحدود.

كان والدي رائد أعمال، وأذكر أنه كان كلما واجهته عقبة، كاضطراره- مثلاً- إلى الوقوف في طابور طويل لدخول متحف شهير، كان يبحث عن طريقة للتغلب عليها، ليس بتجاوز دور غيره في الطابور، بل باختبار الفرضيات، فقد يتساءل، مثلاً: “ألا يمكننا تصميم نظام أكثر كفاءة؟ كيف يمكننا التغلب على هذه العقبة وتسريع هذه العملية؟”. هذه النزعة الإيجابية إلى طرح التساؤلات، بدلاً من الاستسلام السلبي، هي أساس النجاح في الشركات الناشئة. وإذا أردت العمل في إحدى هذه الشركات يجب أن تكون من هذه النوعية من الأشخاص الذين يبحثون دائماً عن حلول للمشكلات، ويجعلون تلك الحلول أكثر فعالية وكفاءة، بحيث تكون قابلة للتكرار، ثمّ يستمرون في التكرار انطلاقاً من هذه النقطة.

فكّر كأنك مالك الشركة.

يعني قبولك العمل في شركة ناشئة أنك ستكون مطالباً باستثمار كل جهودك على المستوى العاطفي، وذلك لأن روح المهمة والمغامرة في الشركات الناشئة أكبر بكثير من نظيرتها في الشركات التقليدية، وجهودك ترتبط مباشرة وبوضوح بقيمة الشركة ونجاحها. لذلك يجب ألا يقتصر اهتمامك كلّه على عملك وحده، بل عليك الاهتمام بجميع جوانب العمل في الشركة. كان مقياس والدي لالتزام الموظفين يتضمن وجود دبوس افتراضي على السجادة بالقرب من المكتب الأمامي لشركته، وكان يطالب الموظفين- أياً كان مركزهم الوظيفي- بالتوقف والتقاط الدبوس ورميه خارج الشركة. قد تمر في أي شركة كبيرة بجانب الدبوس وتقول لنفسك: “شخص آخر، ربما القائم بأعمال النظافة، سيلتقط الدبوس ويرميه بعيداً”، بعكس ما يجب حدوثه في الشركات الناشئة. إذ يجب أن يفكر الجميع في المؤسسات الريادية وكأنهم أصحاب العمل، ويسأل كلٌ منهم نفسه دائماً: “ما الذي يمكنني عمله شخصياً لجعل هذا المكان أكثر روعة؟”.

اختيار الشركة المناسبة

إذا شعرت بأنك الشخص الملائم للعمل لدى شركة ناشئة، فالخطوة التالية لديك هي اختيار الشركة المناسبة لك. ونصيحتي هي التعامل مع هذا القرار المصيري بشكل منهجي، وذلك من خلال أربع خطوات.

اختر مجالاً مناسباً.

ابحث أولاً عن مجال تحبه ويثير شغفك، وهذا يعني أن توجه لنفسك سلسلة من الأسئلة: “هل أفضّل عملاً يركز على المستهلكين أم الشركات؟ ما نوعية العملاء الذين أفضل خدمتهم؟ ما أكثر علامة تجارية أعجبتني؟ ما المواقع الإلكترونية أو التطبيقات أو الموضوعات المفضلة لديّ للقراءة عنها؟ يمكن لمثل هذه الأسئلة أن تجبرك على التفكير بشكل واقعي ملموس. على سبيل المثال: إذا كان “تريب أدفايزر” (TripAdvisor) هو تطبيقك المفضل، فمن الواضح أنك تحب السفر ويجدر بك البحث عن شركة ناشئة تعمل في هذا القطاع. عند مطالعتك صحيفةً أو موقعاً إلكترونياً أو مجلةً، فما الذي تقرؤه على الفور وبكلّ دقة وتمعن؟ إذا كنت تميل إلى تخطي هذه العناوين البارزة بشأن العمل الإعلامي، مثلاً، فلا يَحسُن بك الانضمام إلى خدمة فيديو جديدة عبر الإنترنت. وإذا كنت تتعمق في متابعة أخبار المركبات ذاتية القيادة أو الواقع الافتراضي والواقع المعزز لأنك ترى أنها موضوعات محفزة فكرياً، فيجدر بك التركيز على هذه المجالات. وأقترح أن يقتصر نطاق بحثك على ثلاثة مجالات فقط، وإلا أصبح نطاق البحث أوسع من اللازم.

اختر المدينة المناسبة.

لا يستطيع كل شخص الانتقال إلى أي مكان للعمل فيه، أما هؤلاء الذين يتمتعون بهذه المرونة، فإنني أنصحهم بالتأني والتفكير مليّاً في المكان الذي يرغبون في العيش فيه. فإن لم تكن تقيم حالياً في مركز ريادي، مثل وادي السيليكون أو نيويورك أو بوسطن أو لوس أنجلوس أو برلين، يجب عليك التفكير في الانتقال إلى أحد هذه المراكز- ليس فقط من أجل الوظيفة التي توشك على توليها، بل لتهيئة نفسك للعديد من الوظائف التالية المرتقبة، لأن حياة الشركات الناشئة يمكن أن تتصف بشيء من المرونة وعدم الاستقرار بحيث يصعب التنبؤ بها. وما هذه المراكز الرئيسية إلا مجتمعات ضيقة، غالباً ما تكون عبارة عن تجمعات للجامعات المحلية، وشركات التكنولوجيا الكبرى، وشركات رأس المال المغامر، ورواد الأعمال الناجحين. ولكلٍّ منها مزاياه وعيوبه، وعاداته وأجواؤه. فعلى سبيل المثال: تمزج لوس أنجلوس بين وسائل الإعلام والترفيه والتكنولوجيا مع توافر مزايا الشواطئ الخلابة وأسلوب الحياة المفعم بالحيوية. أما بوسطن فهي أفضل ملتقى في العالم للرعاية الصحية وتقنية المعلومات، وتمثل بيئة أكثر مهنية. في حين تتميز مدن أخرى بالتطور في مجال الأمن السيبراني في العالم، أو توافر مصادر الطاقة. اكتشف المكان الذي تريد الاستقرار فيه وبناء شبكة علاقاتك، فبمجرد أن يختار الأشخاص المجتمع الذي توجد فيه الشركة الناشئة، يميلون إلى الاستقرار فيه. وقد يصبح زملاء العمل في الشركة التي التحقت بها شركاءك في تأسيس شركة أخرى.

اختر المرحلة المناسبة.

عندما أصف المراحل المختلفة للشركة الناشئة، كثيراً ما أستخدم التعبير المجازي “تعبيد الطرق”. فهناك مرحلة الغابة، التي لا تمتلك فيها أدنى فكرة عن أنسب المسارات، حيث تكون محاطاً بالأغصان المتشابكة بصورة فوضوية، فتمسك بمنجل وتضرب بها هنا وهناك لتتعرف على المسار الأمثل للطريق. يستخدم الكثيرون مصطلح “ما قبل الإنتاج/ ملاءمة السوق” لوصف هذه المرحلة الأولية. وفي مرحلة تمهيد التربة يكون الطريق وعراً ومتعرجاً، لكنه واضح المعالم على كل حال، ويتمثل هدفك في هذه المرحلة في تسويته بأسرع ما يمكن. وهكذا تكون قد انتهيت من تطوير منتج واضح المعالم، واستطعت تحديد السوق التي يجب طرحه فيها، وأنت تعكف حالياً على التوصل إلى نموذج عملك والتصدي للتحديات المبكرة التي تقف في طريق النمو. أما في مرحلة الطريق السريع، فإنك تُسرع بالسير على طريق مستقيم مفتوح. وتعمل على تحسين العمليات التشغيلية تدريجياً بالتوازي مع التنفيذ وتوسيع نطاق العمل والتكرار. إذا كنت شخصاً مجازفاً وتحب الاستكشاف، فإن مرحلة الغابة تناسبك تماماً. يجب عليك تركيز نطاق بحثك على الشركات في مراحلها التأسيسية أو في جولتها التمويلية “أ”. أما إذا كنت شخصاً يستمتع ببناء النظم، فابحث عن الشركات في مراحلها التمويلية اللاحقة. وإذا كنت تحب التطوير والتشغيل، وتريد مزيداً من الاستقرار وراتباً أعلى، فإن شركة في مرحلة انطلاقها السريع قبل الاكتتاب أو بعده مباشرة هي خيارك الأنسب.

اختر فائزاً.

تعتبر هذه الخطوة التي تتمثل في اختيار الشركة التي تعتقد أنها ستحقق نجاحاً هائلاً وستمنحك بالتالي فرصاً كبيرة للنمو، هي الأصعب في الحصول عليها بشكل صحيح. فحتى أكثر المستثمرين خبرة وذكاءً في العالم يجانبهم الصواب في هذه الخطوة في معظم الأحيان. وفي حين يتمتع هؤلاء المستثمرون بميزة الاحتفاظ بعدد من الشركات في جعبتهم، فإنك ملزم باختيار شركة واحدة فقط للعمل فيها. فكيف يمكن لوافد دخيل أن يحدد الفائزين المحتملين في مجال أو سوق أو مرحلة محددة؟ ثمة طريقة لمعرفة ذلك، وتتمثل في سؤال مجموعة من المطلعين على بواطن الأمور. ابحث عن أفضل ثلاثة من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة والمستثمرين المؤسسين ومحامي الشركات الناشئة وصائدي المواهب في محيطك الجغرافي المستهدف، واطلب منهم تسمية أهم ثلاث شركات ناشئة في المجال والمرحلة اللذين وقع اختيارك عليهما. قم بإجراء اختبارات مكثفة على الشركات المدرجة في قوائمهم بعد دمجها معاً، وذلك من خلال البحث عن المزيد من الأدلة على مدى نجاحها وقوة الدفع فيها. سيتعين عليك إجراء الفحص النافي للجهالة بطريقتك الخاصة، وذلك باستخدام المعايير البسيطة التي نستخدمها نحن أصحاب رؤوس الأموال المغامرة، وهذه المعايير هي:

  • الفريق. هل يبدو الفريق المؤسِّس مقنعاً؟ هل يستطيع أعضاؤه صياغة رؤية تلهمك وتلهم الآخرين من حولهم؟ هل يتصفون بالنزاهة؟ هل ترغب في العمل معهم مرة أخرى في شركتهم الجديدة؟
  • السوق. هل تعمل الشركة في سوق ضخمة، بمعنى أن إيراداتها المحتملة تتجاوز مليار دولار؟ هل تواجه نوعاً من الزعزعة التي قد تؤدي إلى إتاحة فرصة أمام دخول منافسين جدد؟ ما مدى ازدحام السوق؟ وهل تتمتع هذه الشركة الناشئة بميزة مستدامة تعطيها الأفضلية على منافسيها؟
  • نموذج العمل. هل المناسيب الاقتصادية للوحدة، أي نسبة صافي الدخل إلى التكاليف لكل زبون أو وحدة منتج مغرية؟ هل يمكن للشركة الإفصاح عن القيمة العمرية للعميل وتكلفة الاستحواذ لكل زبون ومقارنتها؟ هل يشمل نموذج عملها تأثيرات الشبكة؟ أي هل ستزداد القيمة مع اتساع شبكة المستخدمين؟ إذا كان لدى الشركة زبائن بالفعل، هل يبدون مخلصين ويوفرون إمكانات للنمو، أم أنها تخسرهم باستمرار؟

ناقش هذه المشكلات مع المستشارين الذين طلبت منهم النصح ومع غيرهم من المتمرسين في التعامل مع العديد من الشركات الناشئة الذين تثق في رأيهم. وإذا كنت على علاقة بالمؤسسين أو القادة الحاليين للشركات التي تفكر في العمل فيها، فاطرح عليهم هذه الأسئلة مباشرة، وكوّن وجهة نظرك الخاصة وفقاً لما تراه في السوق.

وبشكل عام، فإن مجتمع الشركات الناشئة لا يبخل بوقته ويبذله لمن يشاء بسخاء منقطع النظير.

عادةً ما تفرز هذه الخطوات الأربع المتمثلة في اختيار المجال المناسب والمدينة المناسبة والمرحلة المناسبة والفائزين المحتملين، قائمة قصيرة موجهة يمكنك التركيز عليها.

تسويق نفسك

يتمثل التحدي التالي في تهيئة نفسك، بحيث تغري الشركات الناشئة الموجودة على قائمتك بتوظيفك، ولذلك ستحتاج إلى القيام بشيئين بصورة متقنة:

رتب لتعارف حميمي.

تعج الكثير من الشركات الناشئة بأشخاص لديهم شبكات اجتماعية واسعة، ومهمتك هي تحديد الأطراف الرئيسية الفاعلة في الشركات التي تريد العمل فيها وإيجاد طرق للتواصل معهم. هناك مواقع مثل “كرانشبيز” (Crunchbase) و”ماترمارك” (Mattermark) تسرد معلومات قيمة عن الشركات الناشئة، بما في ذلك أهم مسؤوليها التنفيذيين، كما أن البحث على موقع “لينكد إن” يمكن أن يساعدك على إيجاد موظفين آخرين. ابحث بعد ذلك عن معارف مشتركين، أو أصدقاء الأصدقاء الذين قد يوفرون لك فرصة للتواصل مع هؤلاء الأشخاص. ومن خلال هذه الشبكات وقواعد البيانات قد تتمكن من تحديد “مدخل”. اطلب من جهات الاتصال التي عثرت عليها، ليس تقديمك فقط، بل التمس منهم أيضاً الحصول على بعض التأييد بناءً على ما أخبرتهم به عن حماسك أو خبرتك أو غيرها من مزاياك، فهذا النوع من الاستقصاء أفضل كثيراً من استخدام البريد الصوتي الفاتر في كل مرة.

كما يعتبر أصحاب رؤوس الأموال المغامرة والمستثمرون المؤسسون قنوات رائعة للتواصل، وغالباً ما يسعدون بتمرير السيرة الذاتية لمدير مؤهَّل قد يكون ذخراً لإحدى الشركات التي في محافظهم الاستثمارية. وبشكل عام، فإن مجتمع الشركات الناشئة لا يبخل بوقته ويبذله لمن يشاء بسخاء منقطع النظير، فهو يتمتع بثقافة “رد الصنيع” التي تستطيع فيها الوصول إلى أي شخص تقريباً بشيء من المثابرة. وإنني أنصح في الواقع بأن ترفع سقف طموحاتك. اكتب قائمة بـ 10 أشخاص تريد التعرّف بهم ولقاءهم وجهاً لوجه لمدة 30 دقيقة، ثم حاول اللحاق بهم دون مطاردة أو إزعاج. حتى إذا تبين لك أن هذه الوظيفة لا تناسبك، فسوف تساعدك مثل هذه اللقاءات على تأسيس شبكة علاقات، كما ستؤدي إلى تكوين روابط وعلاقات ذات قيمة أكبر.

عبر عن الطريقة التي يمكنك المساهمة بها.

تُدار الشركات الناشئة بأسلوب رشيق، ولهذا فإنها على استعداد للاستعانة- فقط- بأولئك الأشخاص القادرين على تحقيق نجاحهم والذين لديهم تصورهم الخاص حول أعمالهم. ولذلك لا تتوانَ عن بذل كل جهد ممكن قبل الاجتماع بالإدارة، اقرأ كل ما تستطيع قراءته على الإنترنت حول متطلبات عملك، وتحدث مع اثنين من الأصدقاء أو الزملاء ممن يتعاملون مع الشركة كزبائن. حاول تجربة المنتج أو الخدمة بنفسك وحلل نموذج العمل، ثم قم بتطوير أفكار للتحسين واعرضها في اجتماعك أو مقابلتك مع الإدارة. وإذا كنت متخصصاً في التصميمات، يمكنك توصي بإجراء تعديلات بسيطة على شكل المنتج لجعله أكثر جاذبية. وفي حال كنت خبير تسويق فقد تقترح حملة أو رسالة جديدة. أما إذا كنت متخصصاً في التمويل فقد تستخلص بعض مؤشرات الأداء الرئيسية للشركة في مخطط بياني لاستخدامه كجزء من مراجعات الأداء الشهرية.

وإلى جانب الترويج لنفسك، تذكر أن تشارك من يقومون بإجراء المقابلة معك في حوارات غنية المحتوى حول عملهم. يمتلك معظم الرؤساء والمسؤولين التنفيذيين للشركات الناشئة مدونات أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لذا يتعين عليك البدء بالتعليق على تغريداتهم أو منشوراتهم على موقع “لينكد إن”. وإذا سبق لك حضور مؤتمرات أو فعاليات التعريف بالشركة أو ملتقياتها، أو أي من فعاليات قطاع الأعمال التي ألقوا فيها عروضاً تقديمية، فاسأل عن القضايا التي تناولتها تلك الفعاليات. أظهِر لهم أن أحد إسهاماتك التي يمكنك تقديمها هو الاستماع والتعلم باستمرار.

أخيراً، اذهب وكأنك تحمل ما تقدمه لهم من المنافع والأشياء المفيدة، وهو شيء لا يجيده إلا القليلون. صحيح أنك أنت من يبحث عن الوظيفة، ولكن يمكنك تغيير هذه الصورة التقليدية للعلاقة بتقديمك مساعدة فورية، كخبرة أو مشورة أو جهات اتصال، مثلاً، دون انتظار المعاملة بالمثل. اسألهم: “كيف يمكنني تقديم المساعدة؟ ما الصعوبات التي تواجهونها؟” ربما تحتاج الشركة إلى مصمم وأنت تعرف أحد المصممين الرائعين. قم بالاتصال، وسوف يُنظر إليك على الفور كشخص يضيف قيمة بالفعل.

تحقيق القفزة

بعد أن حصلت إرين وارين على ماجستير إدارة الأعمال من “كلية بابسون”، سلكت المسار التقليدي من خلال التحاقها بوظيفة للمبتدئين في قسم التسويق بإحدى الشركات الكبيرة، ولكنها ضاقت ذرعاً بعملها هذا بعد مرور خمس سنوات، وعندما عرضت عليها الشركة ترقية تتطلب نقلها إلى موقع آخر، أبدت رفضها التام وقررت إجراء تغيير.

ورغم أن وارن لم تكن على دراية بأي شيء يخص الشركات الناشئة، ورغم خشيتها تحمّل جرعة أكبر من اللازم من المخاطر بوصفها أماً لأطفال صغار، فإنها لم تتردد بشأن العمل الجاد واجتياز الكثير من التقلبات والتعقيدات. (فقد كانت مع ذلك عضوة في فريقي تزلج أولمبيين أميركيين). وكان لديها شغف ببعض الخدمات الجديدة ذات التوجه المزدوج عبر الإنترنت، بما في ذلك برنامج “يو بروميس” (Upromise) للمدخرات الجامعية، والذي كانت قد استخدمته بنفسها من قبل. وعندما علمت أن الشركة تبحث عن مدير لاستقطاب الأعضاء في مقرها ببوسطن كانت سعيدة وفي غاية الحماسة، فالقطاع، والدور، والمدينة كلها تتطابق مع هدفها وتناسب ما تبحث عنه.

بحثت وارن من خلال أصدقائها وشركات التوظيف، حتى استطاعت إقناع أحد معارفها الذي كانت تربطه علاقة صداقة مع الرئيس التنفيذي للتسويق بمساندتها، وتأمين مقابلة لها. وبعد ذلك، وبدلاً من حضور الاجتماع خالية الوفاض، كانت لديها اقتراحات مميزة بجعل رسالة التسويق أكثر متعة وتحسين تجربة المستخدم. وكان شعورها بالحماسة والاندماج يضاهي شعور أقدم الموظفين، وحصلت في نهاية المقابلة على الوظيفة. وبعد بضع سنوات عندما استحوذت شركة “سالي ماي” (Sallie Mae) على الشركة، انتقلت وارن للعمل رئيساً تنفيذياً للتسويق في شركة ناشئة أخرى.

ليس من السهل دخول عالم الشركات الناشئة وارتقاء السلم الوظيفي فيها على نحو ما جرى مع وارن من السلاسة. ولكن إذا أجدت تحقيق القفزة بطريقة استراتيجية، من خلال تقييم مدى ملاءمتك، واختيار الشركة المناسبة، وتقديم نفسك بطريقة فاعلة، فسوف تُكافأ بإنجاز مهني وشخصي يصعب تحقيقه في شركة تقليدية كبيرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .