ملخص: يمكن لطرح الأفكار أو الإعراب عن المخاوف أمام مدرائك تعزيز سُمعتك، شرط أن يكون مديرك المشغول على استعداد للإصغاء إليك. ويعرض المؤلفان بحثاً يقترح أن الأشخاص الذين يحجبون آراءهم وإسهاماتهم إلى حين يجرون دراسة شاملة عليها وتصبح ذات صلة بجدول أعمال وحدتهم لتحظى بالقبول سيلقون آذاناً صاغية وتزداد فرصهم في الحصول على الترقيات وزيادات في الرواتب. بمعنى ممارسة الصمت الاستراتيجي (strategic silence).
أظهر العديد من البحوث التي أُجريت على مدى عقود أنه عندما يطرح الموظفون أفكاراً جديدة أو يعربون عن مخاوفهم، فعادة ما يفشلون في كسب تقدير رؤسائهم واهتمامهم، على اعتبار أنها أفكار مزعزعة أو مضيعة للوقت. وقد يعتبرها المدراء نقداً ضمنياً لأنفسهم حتى.
ويُعتبر التحدث عن القضايا المتعلقة بالعمل بالتالي خطوة قد تنطوي إما على مخاطر وإما على مكافآت. فإذا طرحت فكرة قيّمة أو أعربت عن شاغل ما وتقبّله مديرك منك، فسيقدّر لك اهتمامك ويكافئك عليه. لكنك إن أثرت قضية مشتتة أو مزعزعة، فقد يعاقبك عليها.
وحددنا في بحثنا الأخير مع أبورفا ساناريا وسرينيفاس إيكيرالا من المعهد الهندي للإدارة في بنغالور (IIMB) عاملاً رئيسياً يجعل بعض الموظفين أفضل من غيرهم في كسب المصادقة على أفكارهم، ألا وهو طرحها في الوقت المناسب، أي حجب مخاوفهم أو أفكارهم إلى حين يجدون اللحظة المناسبة لطرحها. أي أنهم يمارسون ما نطلق عليه الصمت الاستراتيجي.
غالباً ما يقلّل الموظفون من أهمية ممارسة الصمت الاستراتيجي لاعتقادهم أن طرح الأفكار أو القضايا بمجرد أن تخطر على بالهم سيجعلها تبدو أكثر واقعية وستمنح المدراء وقتاً كافياً لدراستها. لكنهم ينسون مع ذلك مدى سوء فكرة الإعراب المسبق عن أفكارهم للمدراء الذين غالباً ما يكونون منشغلين بالتعامل مع عشرات القضايا التي تتنافس لكسب انتباههم والذين يفتقرون إلى القدرة أو الصبر على معالجة الأفكار أو المخاوف التي يتلقونها في الأوقات غير المناسبة.
ووجدنا في أربع دراسات استخدمت منهجيات نوعية واستقصائية بالإضافة إلى تجارب شملت مئات الموظفين ومدرائهم أن الموظفين الذين يحجبون المشكلات حتى يحين الوقت المناسب هم أشخاص صريحون بحسب رأي مدرائهم وقادرون على تقديم مساهمات قيّمة ويحصلون على قدر أكبر من التقدير والثناء والمكافآت نتيجة لذلك.
فوائد انتظار التوقيت المناسب
وضّحنا في دراسة نوعية أولية معنى التوقيت المناسب. حيث طلبنا من نحو 150 موظفاً في أكثر من 26 قطاعاً في الولايات المتحدة تذكر مناسبة أرادوا فيها طرح مشكلة أو فكرة ما على مدرائهم، لكنهم حجبوها بداية. وطلبنا منهم شرح سبب حجبهم لها وما حدث عندما طرحوا تلك الفكرة أو الشاغل في النهاية. واكتشفنا بعد ترميز ردودهم ثلاثة عوامل أساسية محفزة للصمت الاستراتيجي أطلقنا عليها اسم المحفزات الثلاثة:
الملاءمة
قد يحجب الموظفون القضايا إذا كانت لا تتناسب مع جدول الأعمال الحالي لوحدتهم. على سبيل المثال، توصّلت إحدى مديرات الأنظمة في إحدى دراساتنا إلى فكرة حول عمليات دمج أنظمة قواعد البيانات، لكنها آثرت عدم طرحها إلى حين الانتهاء من مشروع كبير آخر لعدم امتلاك الشركة القدرة على معالجتها لأشهر.
الاستعداد
يمكن للموظفين التراجع عندما لا يكونون مستعدين لتقديم أفكارهم، وعندما يكونون بحاجة إلى وقت لجمع بيانات إضافية حول المشكلة، أو التفكير في حل ما، أو التخطيط لكيفية عرض أفكارهم. تحدّث أحد مستشاري التقاعد في عيّنتنا عن "فكرة توصّل إليها حول كيفية زيادة الإيرادات من خلال الترويج لمنتج جديد للزبائن". لكنه حجب الفكرة بداية من أجل البحث عن المزيد من الإجابات للأسئلة التي توقّع أن يطرحها عليه مديره.
الاستجابة
قد يتبنى الموظفون نهج الصمت الاستراتيجي عندما يتولّد لديهم إحساس بأن مدراءهم قد لا يكونون في وضع يتقبّلون فيه الآراء والأفكار الجديدة وينتظرون إلى حين يتمتعون بالقدرة الإدراكية للإصغاء إليهم. على سبيل المثال، أجّلت إحدى الموظفات في مجال التغذية في العيّنة إخبار مديرها أنها تتولى مسؤوليات إضافية من زملائها لاعتقادها أن مديرها يشعر بالضغط و"لديه الكثير من المهام".
ووجدنا أيضاً أن 88.7% من الموظفين الذين لجؤوا إلى تأخير طرح أفكارهم لواحد على الأقل من تلك الأسباب تلقوا ردود فعل إيجابية من مدرائهم عندما طرحوها في النهاية مقارنة بـ 61.1% فقط من الموظفين الذين طرحوا مشكلاتهم أمام مدرائهم دون ممارسة الصمت الاستراتيجي. وأجرينا اختباراً آخر على هذه النتيجة في ثلاث دراسات متابعة.
ففي استقصاءين ميدانيين، أبلغ موظفون من مجموعة واسعة من الشركات والقطاعات في الهند عن عدد المرات التي عبّروا فيها عن أفكارهم أو مخاوفهم وعدد المرات التي مارسوا فيها الصمت الاستراتيجي. ثم طلبنا من مدرائهم المباشرين تقييم هؤلاء الموظفين استناداً إلى مدى قيمة تلك المساهمات وفائدتها بالإضافة إلى إجراء تقييم عام لأداء الموظف واحتمالية حصوله على ترقيات وزيادات في الراتب.
ووجدنا أن تقييمات المدراء لجودة آراء الموظفين ومستويات أدائهم كانت أعلى بالنسبة للموظفين الذين مارسوا الصمت الاستراتيجي؛ وعلى النقيض من ذلك، لم تحظَ آراء الموظفين الذين نادراً ما مارسوا الصمت الاستراتيجي على أي قيمة أو كسبوا أي مكافآت على الأداء.
أخيراً، أجرينا تجربة عبر الإنترنت مع 742 مهنياً عاملاً من الولايات المتحدة، حيث طلبنا منهم المشاركة في سيناريو إداري والتفاعل مع موظف يطرح أفكاراً قد تكون ذات صلة بجدول أعمال معين. ووجدنا أنه عندما يولي الموظف اهتماماً بالتوقيت المناسب لطرح مشكلاته، أي حجب القضايا الأقل صلة، منح المدراء تقييمات أعلى لجودة مساهماته وأدائه مقارنة بالموظفين الآخرين الذين لم يعيروا فكرة التوقيت المناسب لإثارة القضايا أي أهمية.
وتُظهر النتائج التي توصلنا إليها مجتمعة أن المدراء يمنحون تقديرهم ومكافآتهم للموظفين الذين يمارسون الصمت الاستراتيجي. لذا في المرة القادمة التي تتولّد لديك فيها فكرة ما، تحقق من العوامل المحفزة للصمت الاستراتيجي الثلاثة. فإذ ما لم تكن مشكلتك ذات صلة ولم تكن مستعداً لطرحها أو لا تتوقع أنها ستلقى آذاناً صاغية، فلا تتسرع في عرضها. وإذا لم تستوف فكرتك أحد تلك الشروط، فستقل احتمالية تنفيذها. لكنك إذا أجّلتها إلى حين استيفاء الشروط كلها، فستحظى حينئذ بالقبول وتعود فكرتك بالنفع على مسارك المهني.