عندما يؤمن كبار المدراء الماليين بحاجة الشركات إلى وضع أهدف الشركة وأن تكون مسؤولة اجتماعياً، وعندما تعلن رابطة المائدة المستديرة للأعمال أن هدف الشركات يجب أن يتمثل في "خلق قيمة لجميع أصحاب المصلحة"، حينها يمكن القول إن هدف الشركة أصبح معمماً في وصف الشركة. ثمة إجماع آخذ في الظهور على أن أفضل مَن يخدم المجتمع والمستثمرين المتنوعين هي الشركات التي تركز على خلق قيمة مستدامة وتحترم المصالح المشروعة لجميع أصحاب المصلحة وليس فقط مصالح حاملي الأسهم. ولكن كيف يمكن أن توضع هذه المُثل العليا موضع التنفيذ؟ فتحمُّل الموظفين والمجتمعات المضيفة العبء الأكبر للآثار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة الحالية يزيد من الشعور بأن تمكين نظام حوكمة الشركات لسوق الأسهم قد قوََّض العدالة الاقتصادية.
وضع أهدف الشركة
إذا كانت الشركات والمؤسسات الاستثمارية جادة بشأن تكوين ثروات مستدامة بشكل مسؤول وعادل بالنسبة إلى جميع أصحاب المصلحة بالشركة، إذن يجب عليها مطابقة الخطب السامية حول هدف الشركة مع الخضوع للمساءلة. وهذا سيتطلب شكلاً جديداً للحوكمة يجعل التزامات الشركة بتحقيق هدفها قابلة للتنفيذ.
ولكن لكي يصبح شكل الحوكمة هذا فعالاً، يجب أن يتطلب الوفاء بشرطين. أولاً، يجب على الشركات أن تتوخى الوضوح بشأن هدفها. فينبغي لمجلس إدارة كل شركة أن ينشر "بياناً بالهدف" شاملاً لجميع أصحاب المصلحة؛ بحيث يحدد المساهمة الإيجابية للشركة في المجتمع والخطوات التي ستتخذها لتجنُّب تأثيرها السلبي على المجتمع. ويجب أن يأخذ رئيس مجلس الإدارة أو عضو مستقل بارز ولجنة الحوكمة زمام المبادرة في صياغة هذا البيان. وأيضاً يجب أن يكون البيان مميزاً وفريداً وليس عاماً للغاية لدرجة تجعله ينطبق على جميع المنافسين في المجال. (تقدم شركة الأسهم الخاصة السويدية "إي كيو تي" (EQT) مثالاً على ذلك في "بيان الهدف" المنشور في تقريرها السنوي لعام 2019 [صفحة 111]).
تتمثل الخطوة الثانية في أن تعتمد الشركات نظام التقارير المتكاملة الذي يسمح للمستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين بتقييم نجاح الشركة في تحقيق هدفها. على سبيل المثال، شركة "فيليب موريس إنترناشيونال" (Philip Morris International) أصدرت بياناً بالهدف مؤخراً (الصفحات 3-5 في بيان الوكالة لعام 2020) للتخلص تدريجياً من السجائر وإحلال منتجات منخفضة المخاطر محلها. ولكن هذا المثال المثير للدهشة سيجعل حتى المتفائلين من بيننا يتساءلون: كيف سنعرف أن شركة "فيليب موريس إنترناشيونال" والشركات الأخرى تفي بوعودها؟
الخبر الجيد هو أن هناك مقاييس تتيح للجمهور إخضاع الشركات للمساءلة فيما يتعلق بالوفاء بهدفها المعلن، حيث إن وضع أطر عمل للشركات للإبلاغ عن أدائها فيما يتعلق بالقضايا المادية المتعلقة بالبيئة والمجتمع والحوكمة مثل المسؤولية البيئية والمعاملة المنصفة للعاملين، بطريقة تجعلها مدمجة بفاعلية في إقرارات المحاسبة المالية، أصبح يلقى قبولاً. فالشركات الكبرى أصبحت تعتمد معايير المبادرة العالمية لإعداد التقارير (GRI) ومعايير مجلس المعايير المحاسبية للاستدامة (SASB) وتوصيات لجنة الإفصاح المالي المتعلق بالمناخ (TFCD)، ما يسرِّع الانتقال إلى نُظم التقارير المتكاملة.
ولكن حتى مع الاعتماد واسع النطاق لبيان الهدف والاستخدام المتزايد لأُطر التقارير المتكاملة للإبلاغ عن التقدم الذي تحرزه الشركات فيما يتعلق بوضع الهدف التجاري، لا تزال هناك خطوة أخيرة بالغة الأهمية، ألا وهي: جعل التزام الشركة بهدفها قابل للتنفيذ. وفي هذه الحالة، يلزم تحديد شكل جديد للحوكمة.
في غالبية الولايات الأميركية اليوم، يسمح القانون بشكل صريح لمدراء الشركات بالاهتمام بمصالح أصحاب المصلحة ولكن نادراً ما يحدث ذلك في الواقع. والسبب بسيط: ليس لدى مجالس إدارة الشركات في أي من تلك الولايات واجب "إلزامي" تجاه التصرف بطريقة منصفة ونزيهة مع العاملين والبيئة والمجتمع. وفي أفضل الأحوال، فإن مجالس إدارة الشركات والمدراء الذين يلبون احتياجات فئة واحدة فقط، أي حملة الأسهم، "قد" يوجهون اهتمامهم إلى أصحاب المصلحة الآخرين طالما يمكنهم فعل ذلك، مع إشباع سوق الأسهم المتعطشة للعوائد الفورية. في ولاية ديلاوير القضائية الرائدة، يمكن للإدارة معاملة أصحاب المصلحة الآخرين بطريقة جيدة طالما أن هذا يعود بمنافع منطقية على حاملي الأسهم. ولكن في قضية شركة "ريفلون" (Revlon) الشهيرة، (شركة "ريفلون" ضد شركة "ماك أندروز آند فوربس هولدينغز" (MacAndrews & Forbes Holdings)، 506 A.2d 173 (Del. 1986))، كل ما يهم في بيع الشركة هو من المشتري الذي سيدفع أعلى سعر. فشواغل أصحاب المصلحة يتم تجاهلها.
ولذلك، من الناحية العملية، جميع الشركات العامة الأميركية تقريباً تحكمها قواعد تمنح صلاحيات لحاملي الأسهم فقط، ولا تمنح أي شيء لأصحاب المصلحة الآخرين. وبالنظر إلى الصلاحيات المتزايدة للمؤسسات الاستثمارية وتراجُع نفوذ العاملين في العقود الأخيرة، ليس من المستغرب أن تنخفض بشكل حاد الحصة السابقة للعاملين الأميركيين من المكاسب الناتجة عن زيادة ربحية الشركة. وليس من المستغرب أيضاً أن العديد من الشركات الكبرى سعت إلى تحقيق أرباح مرضية في سوق الأسهم من خلال ممارسة سلوكيات غير أخلاقية ومتهورة أدت إلى إلحاق أضرار بالمستهلك وبالبيئة.
إذن كيف يمكن الخروج من هذا المأزق القانوني؟
هناك ابتكار حديث يقدم إجابة معقولة عن هذا السؤال. في السابق كان هناك اتجاه يركز على هدف الشركة وقد تجاوز مرحلة الكلام المنمق إلى إيجاد شكل من أشكال الكيانات التجارية؛ ألا وهو شركة المنافع، وهذا الشكل يعزز بقوة القانون فكرة أنه ينبغي أن يكون للشركة هدف إيجابي وأن تلتزم بعدم التسبب في أي ضرر وأن تسعى إلى تكوين ثروات بشكل مستدام وأن تعامل جميع أصحاب المصلحة بالقدر نفسه من الاحترام.
بموجب النظام القانوني الرائد لولاية ديلاوير الذي يسمح للشركات باعتماد هذا النموذج، يجب أن يكون لشركات المنافع بيان هدف وأن تولي الاهتمام الواجب للمجتمع والبيئة وجميع أصحاب المصلحة بالشركة. حتى في حالة بيع الشركة، يجب على أعضاء مجلس الإدارة حماية مصالح العاملين والمستهلكين والمجتمعات التي تخدمها الشركة، ولا يمكنهم بيعها لمشتر عديم الرحمة فقط لأنه قدّم أعلى سعر. ليس هذا فحسب، حيث إن النظام القانوني يسمح لحاملي الأسهم، مثل صناديق الاستثمار المسؤولة اجتماعياً والمستثمرين العالميين كصناديق المؤشرات، بمقاضاة الشركات لدفعها إلى احترام هدفها وتحقيقه والالتزام بواجباتها تجاه أصحاب المصلحة.
وهذا النموذج يُعد معتدلاً لأنه لا يمنح أصحاب المصلحة الآخرين حقوق الإنفاذ ولكنه يعتمد على وجود حاملي الأسهم الذين يهتمون بالمسؤولية الاجتماعية بشكل كبير ويحترمون أصحاب المصلحة الآخرين. كما أن النموذج ينص على إجراءات قوية للحماية من التعامل الإداري الذاتي الذي تتنافر فيه المصلحة والواجب، ما يُعد ضرورياً لجميع أصحاب المصلحة. ولكن بتعديل "مبدأ ريفلون" (Revlon rule) وفرض واجب "إلزامي" تجاه أصحاب المصلحة وتمكين حاملي الأسهم من مقاضاة الشركة في حال عدم أداء واجباتها الإلزامية، فبذلك يضفي النموذج معنى حقيقياً على هدف الشركة. وبالمثل، من خلال اشتراط أن تعتمد شركات المنافع العامة مقاييس لقياس أدائها استناداً إلى بيان هدفها وتقديم تقارير بالنتائج، فإن النظام القانوني بذلك ينشئ تدفق المعلومات اللازم لكفالة المساءلة. ومن ثمّ فإن نموذج ولاية ديلاوير لشركات المنافع يتضمن أول خطوتين ذكرناهما ويُلزم بالخطوة الثالثة بالغة الأهمية التي تتمثل في أن يكون من واجب الشركات الوفاء ببيان هدفها واحترام أصحاب المصلحة والمجتمع.
التأثير السلبي للوباء الذي نواجهه في الوقت الحالي على أصحاب المصلحة في الشركات، كالعاملين والدائنين ومجتمعات الشركة، يؤكد على قيمة نموذج ولاية ديلاوير لشركات المنافع. فالقيود قصيرة الأجل لقانون "المساعدة والإغاثة والأمن الاقتصادي في ضوء فيروس كورونا" (CARES Act) المفروضة على عمليات إعادة شراء الأسهم والمكاسب والتعويضات التنفيذية للشركات التي تحصل على تمويل فيدرالي، هي محاولات مفهومة لمعالجة أعراض المشكلة. ولكن المشكلة الأساسية ستتم معالجتها على نحو أفضل من خلال إجراء إصلاحات دائمة تتطلب من الشركات الكبيرة التي تتلقى إعانات مالية حكومية أن تتحول إلى شركات منافع. وهذا سيضعنا على الطريق صوب بناء نظام اقتصادي أكثر إنصافاً وأقل خطورة يحترم القيمة الجوهرية للعاملين والمجتمعات (ذوي الأهمية البالغة للنظام الرأسمالي) ويركز على تحقيق النمو المستدام المسؤول بيئياً.
هناك شيء واحد فقط يجب أن يحدث من أجل وضع أهدف الشركة وليصبح نموذج شركات المنافع هو الشكل السائد لحوكمة الشركات في أسواق رأس المال الأميركية: يجب أن تُظهر رابطة المائدة المستديرة للأعمال والمؤسسات الاستثمارية الرئيسية دعمها وتأييدها له. فإذا كانت رابطة المائدة المستديرة للأعمال تدعم تحوُّل شركاتها العامة إلى هذا النموذج، سيصبح شعارها "ثق بنا فنحن نهتم بك" هو شعار القادة المسؤولين الذين لديهم التزامات قابلة للتنفيذ تجاه الآخرين. ولكن لا يمكن لقادة الشركات النجاح ما لم تتحدث المؤسسات الاستثمارية، مثل "بلاك روك" (BlackRock) و"فيديليتي" (Fidelity) و"ستيت ستريت" (State Street) و"فانغارد" (Vanguard)، ومؤسسات كمجلس المؤسسات الاستثمارية (Council of Institutional Investors)، أيضاً عن هدف الشركة وقيمة أصحاب المصلحة. فقد أثبتت تلك المؤسسات وكبار المستثمرين الآخرين أن تأثيرهم على الانتخابات يمكن أن يحرك الأسواق. ولذلك إذا دعموا الشركات العامة في تحولها إلى شركات منافع، يمكن حينها أن يتغير نظام حوكمة الشركات إلى الأفضل وبشكل سريع.
وبذلك فالأمر لا يتعلق بما إذا كانت هناك طريقة معقولة من أجل وضع أهدف الشركة أو ليصبح هدف الشركة ذا مغزى، ولكن يتعلق بما إذا كانت الجهات الفاعلة القوية التي تهيمن على حوكمة الشركات الأميركية ستتحد معاً لتحقيق ذلك.
اقرأ أيضاً: