الصفتان الرئيسيتان للفرق الأفضل في حل المشاكل

4 دقائق
مهارة حل المشاكل لفرق العمل

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن مهارة حل المشاكل لفرق العمل بشكل صحيح. تخيّل نفسك فراشة على جدار مركز تدريب في إحدى الشركات، حيث يشارك فريق إداري مؤلّف من 12 شخصاً في جلسة مخصصة لتنفيذ الاستراتيجية. ويحاول الفريق حلّ مشكلة جديدة غامضة ومحيّرة. الميسّرون يراقبون التمرين وهو يسلك مساراً معتاداً قبل أن يتعرقل فجأة ويقف المشاركون في حيرة من أمرهم. في تلك اللحظة، تطلب موظفّة أدنى رتبة الكلام، وتقول: "أعتقد أنّي أعرف ما علينا فعله". حينها يتنفّس الفريق الصّعداء ويأخذ إرشاداتها بحماسة. ولكن على الرغم من أنّها تملك الحل، إلاّ أنها أثناء إعطاء التوجيهات لزملائها، ترتكب خطأ واحداً فتتعرقل العملية من جديد. لا ينبس الفريق ببنت شفة، إلا أنه تبدو عليه خيبة الأمل. أما الموظفة فتتبخّر ثقتها، وعلى الرغم من أنّها بالفعل تعلّمت شيئاً مهمّاً إلاّ أنها تتوقف عن المساهمة مجدداً. ويعلن الفريق الاستسلام.

ماذا حدث؟

في مقالة سابقة بعنوان "الفرق تحلّ المشاكل أسرع حين تتّسم بتنوّع معرفي أكبر"، عرضنا نتائج بحث خلصنا فيه إلى أنّ الفرق التي تتمتّع بتنوّع معرفي عال، تقدّم أداء أفضل في هذه الأنواع من التحدّيات. فضمن هذه الفرق، لاحظنا مزيجاً من السلوكيات المختلفة لحلّ المشاكل مثل التعاون وتحديد المشاكل وتطبيق المعلومات والحفاظ على الانضباط وكسر القواعد وابتكار مقاربات جديدة. وتبيّن أنّ هذه التقنيات إذا ما اجتمعت كلّها في فريق واحد تجعله أكثر فعالية من الفرق التي تضم عدداً كبيراً من العناصر الذين يعتمدون واحدة منها، كأن يميلوا فقط إلى كسر القواعد أو الحفاظ على الانضباط على سبيل المثال.

اقرأ أيضاً: بحث: عندما يعمل الموظفون في فرق متعددة يمكن للمدراء الجيدين الحصول على تأثيرات مضاعفة

ولكن في حالة فريقنا الإداري، أظهر أعضاؤه الـ12 مقاربة متنوعة معرفياً. فما الذي حصل إذاً؟ عدنا إلى بياناتنا لنعثر على الإجابة. في هذا الفريق كما في الفرق الضعيفة الأداء، لاحظنا مساهمة لنسبة أقل من الأعضاء وفترات أطول بين اختبار الأفكار وتكراراً أكبر للأخطاء ذاتها. ولاحظنا أنّ المجموعات التي قدّمت أداء أفضل هي التي تعاملت مع الأخطاء بفضول وتحمّلت بشكل مشترك مسؤولية النتائج. وبالنتيجة، تمكّن المشاركون من التعبير عن أنفسهم وعن أفكارهم من دون خوف من العقاب الاجتماعي. وبالتالي، شكّلوا من خلال تفاعلهم بيئة آمنة نفسياً.

والأمان النفسي هنا هو الإدراك بأنّنا لن نعاقب أو نتعرّض للمهانة إذا عبّرنا عن أفكارنا أو طرحنا أسئلة أو عرضنا مخاوفنا أو ارتكبنا أخطاء. وهي خاصية تفاعل ديناميكية ناشئة قد تنهار في أي لحظة كحسرة سيئة في التوقيت. فمن دون سلوكيات ترسي مستوى من الأمان النفسي في المجموعة، لن يتعاون الناس بالكامل وعندها تنتفي قوّة التنوّع المعرفي للمجموعة كما يزيد القلق بين الأعضاء ويسود السلوك الدفاعي.

السؤال إذاً، هو كيف يمكن إرساء الأمان النفسي عبر مجموعة متنوّعة معرفياً؟

المؤسسة التوليدية المنتجة (The Generative Organization)

في الأشهر الـ12 الماضية، طلبنا من 150 مسؤولاً تنفيذياً رفيع المستوى من مؤسسات مختلفة حول العالم تقييم مؤسساتهم من حيث التنوّع المعرفي والأمان النفسي ومدى قدرتها على توقّع التحديات والفرص والاستجابة لها. أي بمعنى آخر مدى قدرتها على التكيّف.   

وليس مفاجئاً، أن تكون القدرة على التكيّف مرتبطة بشكل وثيق بمستويات عالية من التنوّع المعرفي والأمان النفسي. أطلقنا صفة "توليدية" على هذه المؤسسات (أي التي تتعلّم من التجارب وتخرج باستراتيجيات جديدة)، وصنّفنا المؤسسات ذات الأداء الضعيف بأنّها معارضة (تنوّع معرفي كبير وضعف في الأمان النفسي) ومتماثلة (تنوّع معرفي ضعيف وأمان نفسي عالي) ودفاعية (ضعف على المستويين).

اقرأ أيضاً: بحث: عندما تكون الفرق الصغيرة أفضل من الكبيرة

طلبنا أيضاً من المدراء الـ150 أنفسهم اختيار خمس كلمات (من لائحة من أكثر من 60 كلمة) تعبّر بأفضل طريقة عن السلوكيات والمشاعر المهيمنة في مؤسستهم. ولتحديد ما هي السلوكيات المرتبطة بالفرق الأفضل والأسوأ أداء، قابلنا الكلمات المختارة مع مستويات الأمان النفسي التي أظهرتها المجموعة وتنوعها المعرفي.

الجدول التالي يظهر أبرز السلوكيات السائدة التي ذكرتها كلّ مجموعة:

الفرق المتنوعة والآمنة نفسياً

في الأجواء التوليدية المنتجة، وجدنا نوعين من السلوك مرتبطين بالتعلّم: الميل إلى التجارب والثقة. وهما مرتبطان بمستوى عال من التفاعل. والملفت أنّ صفة "حازم" التي قد تبدو للوهلة الأولى مفاجئة، وردت على ألسنة المشاركين. فهؤلاء كانوا يحاولون الإشارة إلى الثقة في التعبير عن الأفكار وتحليلها. فصفة "حازم" بدت مرتبطة بالثقة في الإصرار على التعبير عمّا يعتقد المرء أنّه أمر مهم. والأجواء الآمنة نفسياً تتيح هذا النوع من الصراحة من دون أن يعتبر ذلك تصرّفاً استفزازياً. ومن الملاحظ أننا رصدنا المزيد من المشاعر الإيجابية في الجو التوليدي والمنتج والمتماثل.

على النقيض من ذلك، وجدنا في أجواء أخرى، كلمات مرتبطة بالتحكّم والإكراه. وهي سلوكيات تغيب بشكل واضح عن الوسط التوليدي والمنتج. كما رأينا مشاعر سلبية أكثر أيضاً.

السلوكيات المهمّة فعلاً

الفضول والبحث عن الإجابات وخوض التجارب وتحقيق الإفادة حول مهارة حل المشاكل لفرق العمل هي السّمات السلوكية التي سنختارها. ولكن في الوقت نفسه علينا أن نبتعد عن الهرمية وتقديم التوجيه والتحكّم والتقليد. فالسلوكيات الإيجابية في البيئة المنتجة ليست هي المهمّة فقط بل أيضاً غياب السلوكيات السلبية.

مثلاً يوصف السلوك الهرمي بأنّه من السلوكيات الخمس الأكثر هيمنة في 40% من الوقت في البيئات غير المنتجة، بحسب الاستطلاع. وقد ذُكر هذا السلوك في 15% من الوقت فقط على أنّه الأول في البيئة المنتجة. ولا يعود ذلك إلى أنّ المؤسسات في البيئة المنتجة لديها بنية مسطّحة (الهرمية موجودة في معظم المؤسسات) بل لأن الهرمية لا تتحكّم بالتفاعل بين موظفيها.  ولاحظنا أنّ "متحكّم" ذكرت 33% من الوقت كسلوك رئيسي في الوسط غير المنتج مقارنة بـ10% فقط في الوسط المنتج. أما "توجيهي" فذكرت 24% من الوقت في الأول مقارنة بـ5% في الثاني.

عندما نفشل في إرساء تفاعل جيّد، نخسر فائدة التخاطب بين الأشخاص الذين يرون الأمور بطريقة مختلفة. والنتيجة هي غياب الفهم العميق، وسيطرة الخيارات الأقل إبداعاً، وتراجع الالتزام المهني وزيادة القلق والرفض، وانخفاض الروح المعنوية والرفاه.

فالبيئة الآمنة نفسياً تقود إلى التنوّع المعرفي وتدفع العقليات المختلفة إلى خوض الرحلة الصعبة والمضطربة لتنفيذ الاستراتيجية.

اقرأ أيضاً: انضباط الفرق يؤدي إلى الأداء الجيد في العمل

يحدد اختيار الناس لتصرّفاتهم نوعية التفاعل في ما بينهم والثقافة الناشئة عن ذلك. ولا يحتاج القادة إلى التفكير فقط في التصرّفات والسلوكيات التي يجب اعتمادها، بل أيضاً في السلوكيات التي يجب الابتعاد عنها. إنهم بحاجة إلى تعطيل أنماط السلوك غير المفيدة والالتزام بإرساء روتين جديد. فمن أجل تهيئة الأرضية للتنفيذ الناجح للاستراتيجية، يحتاج الجميع إلى تعزيز الأمان النفسي والحفاظ عليه من خلال مبادرات حسن نيّة والتجاوب المستمر. ولا يستطيع الناس التعبير عن اختلافهم المعرفي إذا شعروا أنّه من غير الآمن القيام بذلك. فإذا ركّز القادة على رفع جودة التفاعل في فرقهم، فلا شك أنّ الشركة ستحقق الأداء الفعّال والرفاه بسبب اتقان مهارة حل المشاكل لفرق العمل بطريقة صحيحة.

اقرأ أيضاً: العلم الحديث في بناء فرق عظيمة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي