كشفت استراتيجية شركة المراعي الاستثمارية الطموحة للسنوات الخمس المقبلة 2024 – 2028، التي بلغت أكثر من 18 مليار ريال سعودي، عن سر النمو المستمر للشركة عبر أكثر من 45 عاماً، وتعزيز دورها المتنامي لتحقيق الأمن الغذائي المستدام محلياً وإقليمياً وفقاً لمستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
وجاءت الاستراتيجية الجديدة بهدف توسيع أعمال المراعي خلال السنوات الخمس المقبلة والمنتهية في ديسمبر/كانون الأول 2028 لتعزيز مسيرة النمو المستمر، وزيادة المبيعات، وتحسين الأداء المالي عبر قطاعات الشركة المختلفة، إذ تنوعت الخطة بين الاستثمار في القطاعات الرئيسية (الألبان والعصائر والمخبوزات) بنحو 5 مليارات ريال سعودي، والتوسع في قطاع الدواجن باستثمار قدره 7 مليارات ريال سعودي، وتخصيص مليار ريال سعودي للدخول في قطاعات غذائية جديدة واعدة، ودعم تطوير التكنولوجيا والابتكار وتسريعهما من خلال استثمار نحو مليار ريال سعودي، وتطوير سلسلة التوريد وقدرات المبيعات لدعم خطط التوسع المحلية والإقليمية باستثمار يبلغ 4 مليارات ريال سعودي. إن المراعي منذ تأسيسها عام 1977 وهي تواصل النمو عبر الدخول في أسواق جديدة أو التوسع في مصانعها، ومن منطلق رؤية المملكة 2030 فالشركة واحدة من الشركات الداعمة للاقتصاد الوطني وتطوير المحتوى المحلي ومساهم مهم جداً في الأمن الغذائي بتوفير منتجات ذات جودة عالية.
وتتكون الاستراتيجية الاستثمارية الجديدة من شقين داخلي وخارجي، أما الشق الداخلي فسيكون عبر التوسع في المصانع الحالية وبناء مصانع جديدة لتكون رافداً مهماً لخلق وظائف لأبناء المملكة وبناتها. وسيكون تمويل الاستراتيجية من التدفقات النقدية للشركة وطرق التمويل المتاحة عند الحاجة. أما الشق الخارجي في الاستراتيجية فهو التوسع في الأسواق الحالية، حيث تعمل المراعي في أسواق الخليج ومصر والأردن، وتمتلك الخبرة في التوسع بأسواق جديدة، وتدرس عدة أسواق حالياً، وتراقب أسواق شمال إفريقيا والعراق لتكون أسواقاً واعدة فيها فرص للتوسع.
مكانة رائدة
لقد عزّزت شركة المراعي مكانتها خلال العام 2023 لتحل في المرتبة الـ 11 ضمن أكبر شركات إنتاج الأغذية والمشروبات على مستوى العالم، وذلك بفضل النمو المباشر القوي، والنهج الاستباقي في اغتنام فرص الدمج والاستحواذ. وشكّل النمو اللافت الذي حققته المجموعة شهادة ملموسة على التنفيذ الدقيق لاستراتيجيتها المدروسة والمُحكمة، ومستوى التميز التشغيلي، والإدارة المالية الحكيمة، ودرجة الابتكار في المنتجات والأسواق، إلى جانب الالتزام الراسخ تجاه أصحاب المصلحة جميعهم. ومن خلال تميزها المستمر وأدائها القوي في تقديم الأطعمة والمشروبات المغذية واللذيذة اللذين أهّلاها للفوز بالعديد من الجوائز المرموقة، واصلت شركة المراعي دعم أهداف الأمن الغذائي وتعزيزه في المملكة العربية السعودية، وتوسيع القدرات، وإطلاق المنتجات الجديدة، وتعزيز الحضور الجغرافي للشركة.
بدأت قصة المراعي للنمو والتوسع في قطاع الغذاء منذ أكثر من 45 عاماً لتصبح رائدة إنتاج وتوزيع الأغذية والمشروبات في السعودية والخليج العربي ومصر والأردن، لتتجاوز قيمتها السوقية حالياً 57 مليار ريال سعودي، وتضم أكثر من 46 ألف موظف و180 ألف رأس من أبقار هولشتاين وإنتاج يصل إلى مليار و500 مليون لتر من الحليب سنوياً؛ إنها شركة المراعي (Almarai) التي تُعدّ إحدى كبرى الشركات في المنطقة العربية في مجال صناعة الأغذية وأشهرها، إذ تضم محفظة منتجاتها نحو 670 منتجاً متنوعاً يحمل 25 علامة تجارية متنوعة، وبحجم إنتاجي يصل إلى 3.5 مليارات كيلوغرام سنوياً.
ميزة تنافسية
يكمن السر في توليفة متكاملة من العناصر التي جعلتها تحوز ميزة تنافسية يصعب تقليدها، على غرار الموارد الطبيعية التي تتمتع بها المملكة، ورُؤية قادة الشركة المتوافقة مع رؤية المملكة 2030 في تحقيق تطوّر مستدام، وبرامج تدريب وتأهيل عالية الجودة للموظفين، وغيرها من عناصر تحقيق السبق التنافسي، غير أن استراتيجية التوسّع نفسها التي اتبعتها الشركة على مدار عقود من الزمن تستحق أيضاً الدراسة، إذ لا تنفك الشركة عن التوسّع والتطوير، وهذا ما كشفت عنه خطة المراعي الاستراتيجية الاستثمارية للسنوات الخمس المقبلة المنتهية في ديسمبر/كانون الأول 2028 لتعزيز مسيرة النمو المستمر، وزيادة المبيعات، وتحسين الأداء المالي عبر قطاعات الشركة المختلفة.
ونظرياً، يُمثل التوسع الطريق المنطقي الذي يقضي باستخدام الأرباح المحققة لتحقيق المزيد من الأرباح، على أن يصب ذلك في مصلحة العميل واقتصاد البلد، وتُعد استراتيجيات النمو (Growth Strategies) الأداة التي تلجأ إليها الشركات عندما تتخذ قرار التوسع، سواء كان هذا التوسع في مجال نشاطها الحالي، أو عبر مجالات نشاط أو صناعات أخرى في سبيل التنويع (Diversification)، لكن قبل الخوض في تفاصيل التوسّع، تجدر الإشارة إلى أن اختيار أسلوب التوسّع الملائم يكون من صلاحية الإدارة العليا في الشركة ضمن الاستراتيجية الكليّة (Corporate Strategy)، التي تتمحور أساساً حول تسيير محفظة أعمال الشركة، إذ تُعنى بتحديد التوجهات العامة للاستثمار، وتطوير المجالات الحالية أو الخروج منها، كما تُعنى بكيفية تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ هذه الخيارات واستغلال الروابط التي تنشأ بين مختلف النشاطات أو المجالات. ترتبط الاستراتيجية الكلية ارتباطاً وثيقاً برسالة الشركة. على سبيل المثال، تنشط شركة المراعي السعودية في صناعة الغذاء وبالتحديد في قطاعاتها المختلفة ومنها الألبان، والمخبوزات والتمور، وتغذية الأطفال، والعصائر الطبيعية والمأكولات البحرية، والآيس كريم. وتُعنى الاستراتيجية الكلية في هذه الحالة بالروابط والتآزر الحاصل بين مختلف هذه الميادين، واتساق محفظة الأعمال في مُجملها، يمكن حصر استراتيجيات التوسّع في نوعين رئيسيين:
1. التوسع الداخلي: هو النمو الذي تعتمد فيه الشركة على مواردها الخاصة، دون اللجوء إلى مساعدات خارجية، ومن أدواته توظيف متخصصين أو خبراء أو موظفين جدد، والحصول على تمويل إضافي، والاعتماد على الابتكارات التي يكون مصدرها الشركة نفسها. من إيجابيات هذا النمو عدم الحاجة إلى موارد مالية ضخمة، والحفاظ على ثقافة الشركة وهويتها. اعتمدت شركة المراعي هذا الطريق في التوسع عبر إطلاق العديد من المنتجات المبتكرة، بعد دراسة احتياجات الأسواق المستهدفة وأذواق المستهلكين بعناية، وقد نالت جائزة أفضل المنتجات ابتكاراً لمنتجات حمّص المراعي، وعسل المراعي الطبيعي، ودجاج اليوم المتبَّل، بحسب دراسة للشركة الرائدة في تحليل السلوك الشرائي للمستهلكين إزاء منتجات الشركات المختلفة حول العالم، نيلسن أي كيو (Nielsen IQ). وفيما يلي مثالان آخران عن النمو أو التوسع الداخلي:
- تنتج شركة المراعي نحو مليار و800 مليون قطعة من المخبوزات سنوياً، وتهدف إلى زيادة هذا العدد عبر ضخ المزيد من الاستثمارات، إذ أعلنت مؤخراً عن خطة استثمارية بقيمة 405 ملايين ريال استثمارات في هذا القطاع لزيادة إنتاج المخبوزات الطازجة وتقديم الجديد منها والدخول في قطاع المخبوزات المجمدة في السعودية وأسواق أخرى.
- احتلت علامة "اليوم" الصدارة في السوق السعودية، فقد بلغت الحصة السوقية لشركة المراعي في قطاع الدواجن الطازجة في سوق المملكة العربية السعودية 34%، إذ تنتج المراعي من خلال 4 مزارع دواجن عملاقة أكثر من 250 مليون دجاجة سنوياً، مع خطة الشركة لمضاعفة هذا الإنتاج إلى أكثر من 450 مليون دجاجة سنوياً بحلول عام 2026.
2. التوسع الخارجي: هو النمو الذي تعتمد فيه الشركة على مصدر خارجي، ويكون هذا المصدر عادة شركة أخرى، سواء كانت تنتمي إلى الصناعة نفسها أو لصناعة أخرى، ويُعتمد فيه على عمليات الاندماج والاستحواذ. من إيجابياته أنه لا يتطلب فترة زمنية طويلة؛ ومن سلبياته أنه يتطلب أموالاً معتبرة، ويكون محفوفاً بالمخاطر. وفيما يلي بعض الأمثلة عن توسّع شركة المراعي عبر عمليات الاستحواذ:
- العصائر الطبيعية والمشروبات: تتمتع السوق السعودية بطلب عالٍ على المشروبات والعصائر الطبيعية، لذلك حرصت المراعي على تنويع إنتاجها من المشروبات وابتكار منتجات جديدة، ليشمل العلامات التجارية فارمز سيليكت (Farm's Select) لإنتاج فئة العصائر الممتازة، وعلامة ريفرش (Refresh) ومنتجات العصائر مع الحليب بالعلب الكرتونية، إضافة إلى مجموعة واسعة من منتجات القهوة والشاي المثلجين، وكذلك منتجات الحليب العالي البروتين والعديد من أنواع بدائل الحليب لتلبية احتياجات المستهلكين الذين يفضلون منتجات بدائل الألبان. وصلت إيرادات القطاع في عام 2023 إلى 1.555 مليون ريال سعودي، وبلغت حصتها السوقية 42.7% من السوق السعودية، ويصل إنتاج شركة المراعي إلى أكثر من 550 مليون عبوة عصير سنوياً، وقد استحوذت في مطلع 2023 على شركة الألبان والعصائر العالمية لزيادة إنتاجها.
- اللحوم الحمراء: سعت المراعي إلى الدخول في قطاع اللحوم الحمراء منذ سنوات، إذ رصدت استثماراً مبدئياً قيمته 250 مليون ريال لدخول هذه السوق، وفي 2019 استحوذت على شركة بريمير للصناعات الغذائية المحدودة، وهي شركة متخصصة في إنتاج اللحوم والدواجن وتوزيعها، وفي 2021 أطلقت علامتها التجارية بريميير شيف (premier chef). وتقف بين الشركتين قصة نجاح حول كيفية التوفيق بين عمليات الشركتين ضمن سلسلة قيمة موحّدة. فقد كان لدى شركة بريمير للصناعات الغذائية أوجه قصور على مستوى كل من الإدارة التشغيلية والمالية والحوكمة، وكانت شركة خاسرة عندما جرى الاستحواذ عليها. وبعد عام من الاستحواذ، حقق التحول في مسارات أعمال الشركة نجاحاً ملحوظاً، وتحولت من شركة محمّلة بخسائر قيمتها 13.9 مليون ريال سعودي في عام 2019 إلى شركة تحقق أرباحاً قدرها 10.3 ملايين ريال سعودي في عام 2022.
- المخبوزات: كان أول الأسواق الجديدة التي فكّرت المراعي في الدخول إليها بعد قطاع الألبان هو قطاع المخبوزات، فاستحوذت على شركة المخابز العربية (Western Bakeries) في عام 2007، وافتتحت مصنعاً للمخبوزات بقيمة 856 مليون ريال، واستحوذت أيضاً في عام 2022 على بيك مارت الإمارات وبيك مارت البحرين، لتحقق أداءً قوياً من خلال علامتيها التجاريتين لوزين (L'usine) وسفن دايز (7DAYS) في قطاع المخبوزات، إذ تجاوزت الإيرادات في عام 2022 ملياري ريال سعودي، ليصبح ثاني أكثر قطاعات الشركة إسهاماً في هوامش ربح المجموعة بعد قطاع الألبان. علماً بأنه خُصص وفقاً للخطة الاستراتيجية الاستثمارية للشركة في السنوات الخمس المقبلة مبلغ 5 مليارات ريال لتعزيز فئات المنتجات الأساسية الحالية التي تشمل المخبوزات ومعها الألبان والعصائر.
- الدواجن: عندما سار الاستحواذ على نحو جيد في قطاع المخبوزات، بحثت المراعي عن سوق أخرى جذابة، ووقع اختيار القادة على قطاع الدواجن، فلم تكن هناك غير شركة واحدة متاحة وهي شركة هادكو (Hadco) ليجري الاستحواذ عليها عام 2009. وعلى الرغم من أن أداءها كان جيداً، لم تكن على مستوى شركة المراعي نفسه من حيث مقاييس الجودة، ما دعا الشركة إلى استثمار أكثر من 6 مليارات ريال لتحويل هادكو إلى العلامة التجارية للمراعي "اليوم" (Alyoum)، وفقاً للرئيس التنفيذي السابق لشركة المراعي، جورج شوردريه، خلال حديثه في الفيلم الوثائقي عن رحلة المراعي. وفي الخطة الاستراتيجية الجديدة للسنوات الخمس المقبلة، خصصت الشركة نحو 7 مليارات ريال للتوسع في الدواجن.
تجدر الإشارة إلى أن شركة المراعي تعتمد أيضاً على التكامل الرأسي أو العمودي، بحيث تُعد أكبر شركة متكاملة رأسياً في العالم في مجال الألبان، ومعنى ذلك أنها تتحكم في مصادر الألبان التي تستخدمها في منتجاتها، ولا سيما الأبقار والمزارع وشركات التوريد المختلفة التي تسبق مرحلة التصنيع ضمن سلسلة القيمة.
التوسع الجغرافي
حينما تسعى الشركة إلى استكشاف الفرص المحتملة في أسواق جديدة، فإن هناك العديد من نماذج العمل التي تُمكّنها من ذلك، مثل إطار العمل "ماراكا" (MARACA) الذي يتكون من ثلاثة مقاييس ينبغي أخذها في الحسبان عند تقييم السوق المحتملة، وهي توافر السوق؛ أي حجم السوق مقارنة بالأسواق الأخرى، أو عدد العملاء المحتملين والإيرادات المقدّرة المحتملة، والتحليلات المحوسبة آنياً؛ أي كيفية وصف أداء شركتك في سوق معينة مقارنة بأهم أسواقك في الوقت الفعلي، واستقطاب العملاء؛ أي مدى صعوبة تلبية الاحتياجات المحددة في تلك السوق.
ويمكن تطبيق هذا النموذج على توسع المراعي الجغرافي، إذ عمدت إلى اختيار أسواقها الخارجية بعناية، فاختارت أسواقها الأولية المجاورة بعناية من حيث الجغرافيا (نموذج أوبسالا)، والقرب الثقافي النفسي، والاختلافات الهيكلية بين الأسواق، ليكون توسعها الأول في منطقة الخليج العربي، ثم مصر والأردن، لتقدم المراعي اليوم منتجاتها إلى أكثر من 110,000 محل تجزئة في 7 دول، لخدمة أكثر من 150 مليون مستهلك. وقد خصصت شركة المراعي، في استراتيجيتها الجديدة، 4 مليارات ريال لتطوير سلسلة التوريد وقدرات المبيعات لدعم خطط التوسع المحلية والإقليمية.
استطاعت المراعي عبر هذه الاستراتيجيات الفعّالة أن تكون إحدى الشركات الرائدة في قطاع الأغذية والمشروبات، فنالت جائزة العلامة التجارية الأكثر اختياراً في السعودية على مدار 10 أعوام في عام 2022 وجائزة العلامة الأكثر أهمية في السعودية في عام 2023 من شركة كنتار للأبحاث (Kantar)، كما صُنفت ضمن أفضل 10 شركات عالمية للألبان من حيث قيمة العلامة التجارية، إلى جانب تحقيقها إجمالي إيرادات بقيمة 19.6 مليار ريال سعودي في عام 2023.