يسلك العديد من القادة الطموحين طرقاً تقليدية بغية الوصول إلى القمة في دنيا الأعمال؛ وذلك بسلوك مسار تولي المناصب القيادية في شركة كبيرة، أو تسلق سلّم الشراكة في شركة استشارية أو استثمارية، أو تأسيس شركة خاصة بهم. فماذا عن ريادة الأعمال والاستحواذ في الشركات؟
هناك مسار مهني آخر انتشر في السنوات الأخيرة: وهو شراء وإدارة مشروع موجود بالفعل – أو ما نطلق عليه "ريادة الأعمال من خلال الاستحواذ". سُجل رقم قياسي لهذا النوع من التعاملات في الولايات المتحدة خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2016، وذلك طبقاً لموقع BizBuySell، وهو سوق لبيع الشركات الصغيرة على الإنترنت.
نقوم في كل عام بتدريس برنامج عن هذا المسار في ريادة الأعمال في كلية هارفارد للأعمال، والذي يسلكه عشرات الطلاب، وغير الطلاب كذلك. ومن بين هؤلاء توني باوتيستا الذي قام بعدة مغامرات في عالم إدارة الاستثمار وتطوير الأعمال قبل أن يستحوذ على شركة فايل سيف تيستنج (Fail Safe Testing) وهي شركة تقوم باختبار معدات قوات الإطفاء المحلية، وكذلك جريج أمبروزيا والذي خدم كضابط في الجيش الأميركي قبل أن يقوم بالاستحواذ على شركة سيتي وايد بيلدنغ سيرفيسيز (City Wide Building Services) وإدارتها، وهي شركة متخصصة في تنظيف النوافذ للمباني التجارية، وأخيراً جينيفر برواس وهي مهندسة نالت شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وتملك وتدير حالياً شركة سيستمز ديزاين ويست ( Systems Design West) والتي تقوم بإدارة عملية التحصيل لسيارات الإسعاف وغيرها من مقدمي خدمات الطوارئ بالقرب من سياتل. (توضيح: نحن مستثمرون ومدراء في الشركات الثلاث). دخل طلاب آخرون في البرنامج في مجال الرعاية الطبية المنزلية، والسياحة للأماكن غير التقليدية وتأجير الآلات الموسيقية والبرامج الجاهزة المتخصصة والصناعة.
اقرأ أيضاً: تصرف كرائد أعمال داخل مؤسستك
تتوقف ملائمة ريادة الأعمال من خلال الاستحواذ للمرء على مزاجه والأمور التي يفضلها. غير أن معظم الأفراد الذين قمنا بالتدريس أو تقديم المشورة لهم أو تتبعنا مشوارهم المهني، قد وجدوا أن الأمر له كان مجزياً على الصعيد الشخصي والمهني والمالي. وربما تمثّلت أكبر فائدة له في أثره الفوري. فبدلاً من عبور دهاليز البيروقراطية داخل الشركات والكد في وضع خطط العمل والنماذج الأولية، يتولى الشخص مسؤولية مؤسسة قائمة وموجودة بالفعل ويقوم فوراً باتخاذ قرارات مؤثرة. كان هذا الأمر من الأشياء الجذابة بالنسبة لبراوس التي تقول "أنا أتوق لتحمل المسؤولية، ولذا لم يعجبني أن أقوم بعمل يومي روتيني. لقد اخترت الموقع القيادي الذي أرغب في الوصول إليه، وقد وصلت إليه بالفعل".
ومن الفوائد الإضافية لهذا الأمر، التمتع بنمط حياة أكثر مرونة مما قد يكون ممكناً في شركة جديدة ناشئة أو في شركة كبيرة. فعندما يعمل المرء في مشروع مستقر لا يحتاج للعمل فترات ليلية أو في عطلات نهاية الأسبوع إلا نادراً. ولأنك المدير، فمن حقك أن تفعل ما يحلو لك: فلو أردت أن تغادر باكراً للعودة إلى عائلتك أو لحضور مناسبة اجتماعية، فلا ضير في ذلك.
غير أن الاستحواذ على الشركات الصغيرة وإدارتها لا يخلو من التحديات الخاصة به. ولذلك يجب عليك أن تتأكد من أن الأمر يناسبك، لتباشر بعدها بالبحث والتفاوض على الصفقة ونقل الإدارة بصورة منظمة. ومن خلال أبحاثنا حول العديد من الشركات ومن قاموا بشرائها، طورنا خريطة طريق تتعامل مع كل تلك الخطوات.
نقاط تؤخذ في الاعتبار عن الحديث عن ريادة الأعمال والاستحواذ
يحتاج المرء من أجل النجاح في ريادة الأعمال من خلال الاستحواذ إلى امتلاك مهارات إدارية أساسية: كفهم الأمور المالية والبراعة في القيادة وإدارة الآخرين والقدرة على اتخاذ القرار. ليس ذلك فحسب، بل تحتاج كذلك لصفات أخرى أيضاً.
الثقة والقدرة على الإقناع تعدّان من الخصال الهامة، حيث يتطلب الدور الذي تقوم به أن تتواصل مع أناس لا تعرفهم وأن تبث روح التفاؤل فيهم – وكذلك في الوسطاء الماليين والمستثمرين والبائعين والموظفين والمستهلكين الذين ينتقلون مع الشركة. يقول أمبروزيا من شركة سيتي وايد بأنه شعر بالارتياح من الدور الذي يقوم به والفضل في ذلك يعود لخبرته العسكرية والتي تضمنت قيادة مجموعات مختلفة من الجنود (ومنهم العديد من الجنود الذين يكبرونه سناً) في مهام قتالية في أفغانستان.
المثابرة أمرٌ ضروري أيضاً. فعندما يسعى المرء لشراء شركة ما، فقد يعثر على فرصة كبيرة، ويتوصل كذلك لاتفاق مع مالكها حول السعر والشروط ثم يعمل لشهور كي يتم الصفقة - ليتفاجأ في اللحظة الأخيرة بانهيارها. حينها يحتاج المرء للتمتع بالقوة كي يتمالك نفسه ويعاود الكرّة. كما أنه بمجرد أن تصبح المالك، سيكون عليك أن تتقدم بالشركة للأمام وتضمن كذلك أن تخرجها من عثراتها.
وعلاوةً على ما سبق، وربما كان ذلك هو أكثر النقاط أهمية، يجب أن تكون حريصاً على التعلّم. فخلال عملية البحث عليك أن تتعرف بسرعة على صناعات وقطاعات وشركات غير مألوفة. وعندما تعثر على هدف مثير للاهتمام، ستحتاج إلى أن تصبح مُلماً بالمجال الذي يعمل به. وبصفتك المالك والمدير التنفيذي، سيتوجب عليك أن تطور خبراتك المتعلقة بكافة جوانب العمل في الشركة، وأن تتمتع دوماً بالفضول، وأن تدرك كذلك أن في مقدورك، بل وينبغي أن تكون على قدر الوظيفة التي تضطلع بها. يعلق باوتيستا قائلاً: "لا يمكن لشيء أن يحضّرك لامتلاك شركة سوى امتلاك شركة فعلاً، فلا يمر يوم دون أن تقع أمور مثيرة".
اقرأ أيضاً: كيف تتغير جغرافية انتشار الشركات الناشئة والابتكار؟
من المهم كذلك أن نتأمل في الأمور التي يضّحي بها جميع رواد الأعمال عند اختيارهم امتلاك مشروعٍ مستقل: هل تفكر بالمكاسب أكثر من الخسائر؟ على سبيل المثال، ستتمتع بالاستقلالية المهنية والقدرة على اتخاذ القرارات وحدك، غير أن ذلك يصاحبه قدرٌ كبيرٌ جداً من التوتر. وسوف تتخلى كذلك عن رفاهية العمل في مؤسسة أكبر وأكثر تنظيماً، حيث تمتلك قدرةً أكبر للحصول على رأس المال وعلامة تجارية أكثر شهرة تفتخر بها وكذلك دعم الزملاء والمدراء والمجموعات الوظيفية مثل الموارد البشرية والبحث والتطوير. وبطبيعة الحال، سوف يرتبط دخلك مباشرة بأدائك، حيث تؤتي كل خطوة إيجابية تقوم بها مع موظفيك بثمارها بالنسبة لك ولمستثمريك. ولكن هناك جانب سلبي: سوف تتأثر بدرجة أكبر نتيجة الأخطاء ودورات الهبوط مما سيكون عليه الأمر لو كنت مجرد موظف في شركة.
يقول باوتيستا "تصبح أنت والشركة كيان واحد، ومن تتقاسمون الحلو والمر". بينما يصِف أمبروزيا الأمر بأنه "مبهج وباعث على التوتر في الوقت نفسه"، ويزيد ذلك حتى عما عاصره في الجيش. حيث يوضح ذلك قائلاً: "عندما تقود القوات تكون هناك فترات يسودها تحدٍ كبير ثم فترات للراحة. ولكن عندما يضطلع المرء بوظيفة المدير التنفيذي، فإن "الإحساس بالمسؤولية تجاه فعل الصواب نحو العملاء والموظفين والمستثمرين لا يتوقف أبداً".
ومن ثم، عليك أن تفكر ملياً فيما أنت مُقدم عليه. أما إن قررت، بعد التمعن في كل ما سبق، بأنك تمتلك المهارة والرغبة في أن تصبح مالكاً لمشروع صغير، فعندها تكون مستعداً لبدء عملية البحث.
البحث
على الرغم من أن من يطمحون لأن يصبحوا رواد أعمال غالباً ما يشعرون بالقلق من ارتكاب الأخطاء بعد الاستحواذ على شركة ما، إلا أن العديد منهم يفشلون في واقع الأمر في مرحلة تسبق ذلك بكثير. وطبقاً لبحث أجراه فريق من جامعة ستانفورد، فإن ربع عمليات البحث عن استحواذ تنتهي دون إتمام عملية شراء ناجحة. وفي حالاتٍ أخرى، يسمح الناس للعواطف أو الرغبة في إتمام الأمر على وجه السرعة بأن تقودهم إلى شراء شركات سيئة (أو شركات لا تناسبهم) أو المبالغة في قيمة ما يشترونه. لقد ركزنا على تجنب تلك النتائج في عملنا أثناء توجيه المشورة لطلابنا وكذلك عندما نقوم بالاستثمار بأنفسنا. وفيما يلي مقترحاتنا في هذا الشأن. سواء كنت تعمل بمفردك أو مع شريك، ينبغي عليك أن تتفرغ للبحث بدوام كامل لمدة تتراوح من ستة أشهر إلى سنتين. قد يبدو ذلك مبالغاً فيه، لكن الفترة الطويلة ضرورية للحصول على التمويل من المستثمرين وللتعرف على عمليات الاستحواذ المحتملة واختيار الأفضل من بينها بصورة دقيقة والتفاوض مع البائعين. ستوصلك الخطوات السابقة إلى العثور على بائع يوافق على إتمام الصفقة بسعر معقول. ثم ستحتاج إلى ثلاثة شهور أخرى على الأقل للقيام بعملية البحث والتقصي اللازمة عن الملكية والمستندات ومن بعدها إتمام الصفقة.
يُعد إنشاء صندوق لتمويل البحث أكثر الطرق المشهورة لتوفير رأس المال الكافي لتغطية النفقات الضرورية، وكذلك نفقات معيشتك خلال تلك الفترة. تشتمل تلك العملية على أن تعرض على من يمكنهم مساندتك (معارفك الأثرياء أو من يعملون في مجال الاستحواذ على الشركات الصغيرة) عقداً مبدئياً للاستثمار في عملية استحواذ محتملة مقابل سعر جيد. قام باوتيستا وأمبروزيا وباروس بعمليات البحث باتباع تلك الطريقة. وكان هدفهم من ذلك ليس فقط الحصول على المال، بل وكذلك على مستشارين يمكنهم مساعدتهم خلال عملية إتمام الصفقة، وذلك لأن أياً منهم لم يكن يمتلك خبرة في عمليات الدمج والاستحواذ.
اقرأ أيضاً: السؤال البسيط الذي يمكنه إنجاح الشركة الناشئة أو إفشالها
وهناك بديل آخر يتمثل في التمويل الذاتي. وينبغي أن تخفض من النفقات حتى تتمكن من تحقيق ذلك، فأحد طلابنا أنفق 25,000 دولار فقط خلال عملية البحث التي دامت 14 شهراً، ويرجع ذلك جزئياً لتمكنه من العيش مع أهل زوجته، مع الحد كذلك من عدد الصفقات المحتملة التي قام بدراستها. تكمن الميزة في هذا المسار في قدرتك على التوصل لاتفاق أفضل مع المستثمرين عندما تقوم بجمع المال في مرحلة الاستحواذ.
يبدأ البحث بعملية العثور على الصفقات المحتملة وتصفية عددها. نوصي بالتركيز على الشركات التي تدرّ إيرادات سنوية تتراوح ما بين 5 إلى 15 مليون دولار سنوياً وتدفق نقدي يتراوح ما بين 750,000 إلى 3 ملايين دولار. تتوافر في هذا النطاق مشروعات صغيرة بأسعار منخفضة بدرجة كافية كي تحصل مع مستثمريك على عائد ممتاز حتى لو نمت الشركة ببطء. تجاهل الشركات الناشئة التي تكبر بسرعة هائلة وفرص المشروعات التي تنطوي على مخاطرات، حيث ينبغي أن تبحث عن مؤسسات مستقرة (تكون في العادة غير جذابة) تدرّ أرباحاً عاماً تلو الآخر مع احتمال أن تظل على هذا الحال - وهو ما نسميه الربحية المستدامة. وبالرغم من تمتع تلك المشروعات بالقوة إلا أن بمقدورك إضافة الكثير من القيمة إليها من خلال تطبيق أفضل الممارسات الإدارية التي قد لا يعرفها الملاك الحاليين أو التي قد لا يكون لديهم الطاقة الكافية لتطبيقها.
يمكن للمرء خلال عملية البحث التقليدية أن يصادف عمليات استحواذ محتملة يومياً - من خلال إحالات من معارفك أو من الوسطاء أو من خلال تواصلك المباشر مع مُلاك الشركة. يمكن أن يصل إجمالي تلك العمليات المحتملة إلى الآلاف في غضون عام أو اثنين، ولذا ينبغي أن نستبعد معظمها وبسرعة. نوصي بأن تقوم بتقييم كل واحدة طبقاً للمعايير الخمسة التالية:
- هل الشركة رابحة؟
- هل هي شركة قائمة؟
- هل أرباحها وتدفقها المالي تصل إلى الحدود المرغوبة فيها؟
- هل لديك المهارة لإدارتها؟
- هل تناسب نمط حياتك (الموقع، وساعات العمل، والحاجة للتنقل، إلخ)؟
إذا كانت إجابتك عن جميع الأسئلة السابقة بنعم، فعليك أن تسأل نفسك سؤاليْن إضافييْن تتطلب الإجابة عنهما بعض الوقت للبحث والتقصي:
- ما مدى استدامة ربحية الشركة؟
- هل المالك جاد في عملية البيع؟
تتضمن العلامات الدالة على استدامة الربحية وجود قاعدة ثابتة من العملاء وسمعة جيدة واندماج قوي مع نظم العملاء، وتحمّل العملاء لتكلفة مرتفعة عند تحولّهم لشركة أخرى، مع وجود عدد قليل من المنافسين أو عدم وجودهم كليةً. افحص القوائم المالية بعناية وأبحث عن الشركات ذات هامش الأرباح العالي والمعدّل المنخفض بالنسبة لخسارة العملاء.
وخلال 12 شهراً، قام أمبروزيا بدراسة ما يزيد عن 7,500 مشروعاً مختلفاً من الشركات المتخصصة في الجزارة حتى الحلويات. وقد عبّر عن اهتمامه بـ 26 شركة وتلقى ردوداً إيجابية من اثنتين منها قبل أن يدخل في مفاوضات حصرية مع البائع الذي اشترى منه في نهاية الأمر شركته الحالية. قام باوتيستا بدراسة مئات من الصفقات المحتملة (حيث كان في الغالب يضغط على الوسطاء للحصول على معلومات عن الصفقات الواعدة)، ثم وضع قائمة مختارة من 15 مشروعاً، وقام بزيارة خمسة أو ستة منها قبل الوصول إلى مبتغاه. وبالنسبة لباروس، فإنها تقر بمصادفتها "للكثير من الشركات التي لا قيمة لها" قبل أن تعثر على واحدة "متميزة".
عند قيام المالك بإشراك وسيط في عملية البيع، فإن ذلك يعد دلالة جيدة على أنه مستعد للبيع. ولكن من المحتمل أن يتراجع الناس عن البيع في اللحظة الأخيرة. ولمنع تلك المخاطرة، عليك تكريس بعض الوقت في مرحلة مبكرة قدر الإمكان لدراسة دوافع البائع المحتمل. هل هو على وشك التقاعد؟ هل حدث تغيّر جذري في حياته يتطلب منه التخلي عن الشركة؟ هل هو فقط يتحسس نبض السوق؟ كما يجب دراسة توقعاته: ما هو السعر الذي يطلبه؟ هل يسعى للحصول على ربح كبير - أم التخلص من مشروعٍ سيئ؟ عليك كذلك أن تتأكد من أنك تحدثت مع جميع الملاك، فقد لا يهتم شخصٌ آخر له حصة من الملكية بالبيع بالدرجة نفسها للشخص الذي تحدثت معه. وحتى عندما تقوم بفحص تفاصيل أكثر دقة في المشروعات التي تطابق المعايير الأساسية للشراء، ينبغي عليك الاستمرار في النظر في عروض جديدة لربما انهارت الصفقة التي ترغب بها.
المفاوضات
ربما قضيت يوماً واحداً فقط في النظر في الصفقة حتى الآن، ولكن لو كنت لا تزال مهتماً بها، فعليك أن تكرس الآن وقتاً أكبر بكثير لعملية البحث والتقصي الأولي الضروريين: وهي فترة تعلم سريع للتحضير لتقديم العرض. وفي تلك المرحلة تختبر مزاعم البائع الأولية وتتوثق من المعلومات التي جعلت المشروع يجذب انتباهك. فإن كان لديك اعتقاد بأن لدى الشركة العديد من العملاء المخلصين مع قولها بوجود معدل منخفض لتحول العملاء لوجهة أخرى، تأكد إن كانت تلك الأعمال التي تقوم على المستهلكين هي أعمال صحية في حد ذاتها؟ وإن كنت ترى التدفق النقدي ثابتاً وقوياً، تأكد كيف كان وضع الدفاتر المالية خلال فترة الركود السابقة؟ وما مدى قوة الممارسات التجارية الحالية للشركة (بالنسبة للتحكم في الجودة والتحصيل وسياسة الاسترداد والدفع والمزايا التي يتمتع بها العاملون)؟ والخلاصة: ابحث عن أي سبب قد يدعوك لعدم الاستحواذ على هذه الشركة.
استخدم البيانات المالية السابقة للشركة لتوقّع الأرباح في المستقبل والعائد الذي ستحققه على استثمارك. سوف تسمح لك تلك الحسابات بتقييم الشركة بأكبر قدر ممكن من الدقة، ومن ثم الوصول إلى سعر تقوم بعرضه على البائع، والذي يتراوح في العادة ما بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف الأرباح الحالية قبل احتساب الفوائد والضريبة والاستهلاك والإطفاءات. اطلب التمويل من البنوك وشبكة مستثمريك لجمع المال المطلوب لعملية الاستحواذ. ينبغي أن تكون مستعداً لتوفير معلومات عن الشركة والقطاع الذي تعمل فيه، وكذلك تفاصيل عن عمليات البحث والتقصي الضرورية التي قمت بها فيما يتعلق بالملكية والمستندات، إضافة إلى توقعاتك المالية وشروط الصفقة التي تقترحها.
عند المنافسة ضد أطراف أخرى مهتمة بشراء الشركة، عليك إقناع البائع بأنك المشتري الأفضل بالنسبة له. واجه باوتيستا منافسة من صناديق استثمار كانت على استعداد لدفع قدر أكبر من المال لشراء شركة فايل سايف مما سيدفعه هو ومستثمريه، غير أنه فاز بالصفقة من خلال التأكيد للمالك على أنه حريص جداً على الشركة، وسيحافظ على إنجازات المؤسِس.
في حالة قبول عرضك – أو قبوله بعد مفاوضات – سوف تدخل في مرحلة البحث والتقصي التأكيدي للوضع المالي والقانوني والتشغيلي للشركة، حيث سيكون بمقدورك الاطلاع على سجلات الشركة بصورة كاملة. سيكون أمامك تسعين يوماً للعمل مع محاسبك ومحاميك لفحص وجود أي تناقضات أو مؤشرات سلبية (من الأفضل أن تنتظر حتى الوصول إلى هذه المرحلة للاستعانة بالمحترفين من خارج فريقك حتى لا تضطر لتحمّل كلفتهم في حالة فشل الصفقة، حيث يزيد احتمال ذلك في المراحل المبكرة من العملية). يمكن لتلك المرحلة أن تكون محطّمة للأعصاب لكل من البائع والمشتري، ومن هنا فمن الضروري التحلي بالصبر والهدوء.
اقرأ أيضاً: لماذا تفشل برامج ريادة الأعمال حينما يتعلق الأمر بالمهندسين؟
يتذكر أمبروزيا قائلاً: "كنت دائما أحاول أن أخبر البائع بوجود تقدم". كما هدّد البائع براوس بالتراجع عندما قامت الشركة بتوقيع عقد كبير مع عميل جديد قبل عشرة أيام من الموعد المحدد لإتمام الصفقة، غير أن براوس ومستثمريها تمكنوا من إعادة البائع لمائدة المفاوضات من خلال إعادة التفاوض على بعض الشروط. وتقول "كان العيش في ظل التردد في تلك الفترة أمراً صعباً، لكننا لم نكن مستعدين لخسارة الشركة بسبب ذلك".
التحوّل إلى قيادة الشركة
عليك التركيز بعد إتمام الصفقة على ثلاث مهام: تعريف نفسك إلى كل المدراء والموظفين، والاجتماع بالأطراف الخارجية ذات المصلحة، وتعريف الجميع بخطة انتقال الملكية، والتحكم في التدفق النقدي.
عند مقابلة زملائك الجدد، عليك أن تطمئنهم بأنك لن تقوم بأي إجراءات تغييرات فورية. على العكس، شاركهم في أهدافك الشاملة بالنسبة للشركة – على سبيل المثال الوصول إلى خدمة ممتازة للعملاء والالتزام بالجودة وبيئة العمل المرضية – وشجعهم على الاستمرار في التركيز على عملهم. اترك لهم الفرصة كذلك لتوجيه الأسئلة إليك، ولكن لا ينبغي أن تشعر بأنه ينبغي أن يكون لديك إجابة قاطعة عن كل شيء. ومن الإجابات الجيدة أن تقول "أرغب في معرفة المزيد عن هذا الموضوع قبل اتخاذ القرار".
في اليوم الذي أعلن فيه أمبروزيا شراءه لشركة سيتي وايد، وقف بين العاملين لديه والبالغ عددهم خمسين تقريباً وألقى خطاباً من ثلاثة أجزاء: لقد اشترى الشركة لأنها بالفعل شركة عظيمة، ووظائف الجميع في مأمن، كما أنه يتطلع للتعلم منهم. ثم التقى بمدراء شركته حيث حدّد ما يتوقعه منهم (والذي يتمثل بشكل أساسي في تدوين مسؤولياتهم الحالية)، ثم أخبرهم كذلك بما يمكنهم أن يتوقعونه منه. ولقد حرص أيضاً على أن يؤكد قيادته للشركة من الصفوف الأمامية – حيث شمّر عن ساعديه ونظّف النوافذ مع فرق التنظيف الليلية والصباحية.
ينبغي أن تقوم بالمنهج الاستباقي ذاته بالنسبة لعملائك ومورّديك ومجتمعك الجديد. سترغب كل تلك الأطراف المعنية في لقاء المدير الجديد وسيقدم الكثير منهم أفكاراً مفيدة عن كيفية تحسين أداء الشركة. قام اثنين من رواد الأعمال ممن نعرفهم بزيارة كل العملاء الرئيسيين بمجرد أن سنحت لهم الفرصة بذلك، ولقد أخبرونا بأن جميع الأفكار المتعلقة بالمنتجات والخدمات الجديدة جاءت من تلك الاجتماعات الأولى.
في حالة وجود اتفاق خاص بانتقال الإدارة مع المالك السابق، يجب أن تكون واضحاً مع الموظفين والعملاء فيما يتعلق بالطريقة التي سيتم بها ذلك. وَضّح الطريقة التي سيتم بها اتخاذ القرار في الوقت الراهن ولمن ينبغي رفع أنواع معينة من الطلبات أو الأسئلة.
وعلاوة على مسألة الإدارة، ينبغي أن يكون للتدفق النقدي أولويةً كبرى. إذ يعتبر نفاد السيولة أكثر المشكلات الشائعة التي تواجه الشركات الصغيرة في ظل وجود إدارة جديدة، وفي حالات كثيرة تحمل الشركة ديناً لتمويل الاستحواذ عليها تسديده.
يعتبر نفاد السيولة أكثر المشكلات الشائعة التي تواجه الشركات الصغيرة في ظل وجود إدارة جديدة، وفي حالات كثيرة تحمل الشركة ديناً لتمويل الاستحواذ عليها تسديده.
ولذلك، استحدث عملية يتم من خلالها الحصول على موافقتك على جميع المدفوعات قبل تنفيذها، مع مراجعة أرصدة حسابات المديونية مرة على الأقل كل أسبوع. ينبغي كذلك أن تطبّق توقعاً للتدفق النقدي المتداول عن تسعين يوماً مقبلة.
سوف تكون الأسابيع التي تلي عملية إتمام الصفقة مثيرة ومشحونة بالمشاغل ومليئة بالتعلم. وسوف يتحتم عليك العمل على أشياء مختلفة لا يتسع لها يوم عملك. يوضح باوتيستا ذلك بقوله "يعتبر الأمر صدمة للجميع، حيث تشعر بالخوف من أن يستقيل جميع موظفيك، وفي الوقت نفسه يخشون جميعاً أن تقوم أنت بفصلهم. كما أنك تصبح مسؤولاً عن كل شيء منذ اللحظة الأولى. وأذكر التفكير في أنني كنت شاباً في الثامنة والعشرين من العمر يدير شركةً فيها خمسين شخصاً".
يعترف كلا من أمبروزيا وبراوس كذلك بالتحديات المبكرة التي واجهتهما في الأشهر الأولى من توليهم المسؤولية، فقد رحل عدد من الموظفين الكبار والصغار بشكل طوعي أو غير طوعي، ويعود ذلك جزئياً لإدخال المدراء الجدد المزيد من النظام والمحاسبة لشركاتهم. ويقول باوتيستا بأنه اضطر للتخلي عن عدد من العملاء القدامى ممن لم يحققوا له ربحاً فعلياً، كما تعرضت الشركة لمشكلة في الرواتب تسبّبت في الشعور بالضيق بالنسبة له وللموظفين.
غير أن تلك الأنواع من المعاناة أثناء نمو الشركة هي من الأمور الحتمية عند الحديث عن موضوع ريادة الأعمال والاستحواذ في الشركات. فإذا كنت قد عالجت عملية الاستحواذ بصورة مدروسة ثم بدأت في تطبيق الإدارة الرشيدة، فسوف تبدأ الأمور في الاستقرار. ثم تتمكن بعدها من التركيز على تنمية شركتك الصغيرة إلى شركة متوسطة الحجم – أو حتى شركة كبيرة الحجم.
اقرأ أيضاً: كيف انتقل مهندس مصري في شركة جوجل من مأساته إلى إطلاق مشروع شبه مستحيل؟