رؤية 2030 ودورها في صناعة القادة

3 دقائق
المملكة العربية السعودية
shutterstock.com/abu_zeina

ونحن نعيش اليومَ الوطنيَّ الثالثَ والتسعينَ منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز آل سعود طيّب الله ثراه، لا بد لنا أن نستذكر حجم التغيرات والتطورات الهائلة التي مرَّت بها المملكة منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا. ولعل المنعطف الأكثر تأثيراً على تاريخ المملكة العربية السعودية ونموها وتطورها كان في أبريل/نيسان من عام 2016، حينما قرر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رسم طريق لاستدامة تقدم المملكة وضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة والحالية، بوضع رؤية 2030 الطموحة والمهمة والتي تجعل المملكة في مصافّ الدول الرائدة عالمياً في شتى المجلات، وتستهدف تحويل المملكة العربية السعودية إلى اقتصاد متنوع ومتطور، وتحسين مستوى حياة المواطنين والمقيمين، وتعزيز التعاون والتفاعل العالمي. وذلك من خلال العمل على ثلاث ركائز رئيسية:

  1. اقتصاد مزدهر: تهدف المملكة إلى تحويل اقتصادها من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متنوع ومتطور يعتمد على الصناعة والخدمات والتكنولوجيا والسياحة والزراعة.
  2. وطن طموح: تتطلع المملكة إلى تحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين من خلال توفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية والإسكان والثقافة والترفيه والرياضة.
  3. مجتمع حيوي: تهدف المملكة إلى بناء مجتمعات حيوية ومتوازنة ومستدامة تعتمد على القيم الإسلامية والتقاليد العربية وتشجع على التعايش السلمي والتعاون والتفاعل.

وبما أن القادة هم جزء أساسي من تغيير أي مجتمع وتطوره، فإن تحقيق هذه الرؤية يحتاج إلى قادة متمكّنين وذوي مهارات شخصية ومهنية عالية. تجري صناعة هذا النوع من القادة من خلال توفير بيئة عمل محفِّزة ومثيرة للإبداع والابتكار، وتوفير فرص التعليم والتدريب والتطوير المهني، وتقديم الدعم اللازم والتحفيز للقيادات الواعدة والمتميزة. وبالتالي، سيكون للقادة دور مهم في تحقيق رؤية 2030 لضمان ازدهار المملكة واستدامتها.

وهنا يجب التوضيح أن القيادة نظام مختلف عن الإدارة لكن تكمل إحداهما الأُخرى، ولكل منهما وظيفتها الخاصة وأنشطتها المميزة، وكلتاهما ضرورية للنجاح في بيئة عالم الأعمال التي تزداد تعقيداً وتتغير باستمرار، فالإدارة تتمحور حول التعامل مع التعقيدات، في حين تسعى القيادة للتماشي والتكيف مع التغيرات المحيطة.

وعليه، عملت المملكة على العديد من المبادرات والخطط التي تركّز على صناعة قادة ملمّين بكل جوانب رؤية 2030، لا يعملون على تحقيقها فقط بل يمثلون المملكة في كل المحافل الدولية وفي جميع مجالات الحياة وفي أرقى المنابر العالمية وأقواها وأكثرها تأثيراً. ويتضمن بعض هذه المبادرات والخطط ما يلي:

  1. برنامج التوطين: بدأ الحديث عن ضرورة توطين الوظائف في المملكة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتسارعت الحاجة لوجود خطط في هذا الإطار مع مطلع العقد الثاني من هذا القرن، لمواكبة تغيرات سوق العمل ومتطلباتها المستقبلية، فانبثق عن رؤية 2030 برنامج التوطين الذي يهدف إلى زيادة نسبة التوطين في الوظائف الحكومية والخاصة في المستويات القيادية والمستويات الأُخرى، وذلك من خلال تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها وتوفير الفرص الوظيفية لها وفق آليات منظَّمة ومدة زمنية محددة.
  2. برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي: يهدف هذا البرنامج إلى توفير فرص الدراسة والتدريب في الخارج للطلاب والموظفين السعوديين، وذلك لتطوير مهاراتهم وزيادة معرفتهم وتعزيز قدراتهم الفنية والعلمية. وتعمل وزارة التعليم مع الجهات الأُخرى على رفع كفاءة الابتعاث الخارجي سنوياً ليشمل جامعات عالمية مرموقة وتخصصات مطلوبة في المملكة وفي السوق العالمية ككل، بما يتماشى مع رؤية 2030. ويتكون هذا البرنامج من عدة مسارات بدأ العمل عليها منذ أكثر من سنتين منها:
  • مسار النخبة
  • مسار إمداد
  • مسار البحث والتطوير
  • مسار واعد
  1. برنامج تطوير القيادات: لم تعد كلمة "قائد" مرتبطة بمَن يعتلي رأس الهرم الوظيفي فقط، كما لا تقتصر كلمة "قيادة" على وصف قدرات فردية لشخص يدير مؤسسة أو شركة أو حتى دولة، بل باتت منهجاً ومدرسة تتطور وتنتشر لتصبح ثقافة إدارية.

وعليه، تهدف المملكة من خلال برنامج تطوير المهارات إلى تدريب القيادات الواعدة والمتميزة في المؤسسات الحكومية والخاصة وتأهيلها، وتزويدها بالمهارات اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسات التي تعمل بها بما يتماشى مع رؤية 2030. هذا البرنامج متصل بكل وزارة وهيئة حكومية وحتى بالقطاع الخاص والقطاع غير الربحي. فعلى سبيل المثال:

  • أكاديمية تطوير القيادات الإدارية التابعة لمعهد الإدارة
  • برنامج القيادة المقدَّم من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات
  • برنامج تطوير القيادات في الجهات الحكومية التابع لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية
  • وحدة تطوير القيادات التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود
  • برنامج إعداد القيادات التنفيذية المقدَّم من جامعة الملك سعود
  • برامج إعداد القادة 2030 من مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية "مسك"
  • "مديرو المستقبل" برنامج تطوير القيادات التابع لشركة المراعي
  1. برنامج التعليم والتدريب المستمر: يعتبِر القادة مثل ثيودور روزفلت أن التعلّم شكل من أشكال المتعة الشخصية وطريق إلى النجاح المهني، وهذا النوع من التعلم ليس مجرد قرار بل يجب أن يصبح عادة، وعلى هذا الأساس فإنه يتطلب صقلاً متأنياً، لذا يعمل برنامج التعليم والتدريب المستمر على تطوير مهارات العمل والتحديث المستمر للمعرفة، وذلك من خلال توفير الفرص التدريبية والتعليمية المستمرة للموظفين والقادة. ويمكن أن يتوفر مثل هذا البرنامج في جميع المؤسسات والجامعات الحكومية والخاصة. فعلى سبيل المثال، تقدِّم جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل نموذجاً متكاملاً في التعليم المستمر وخدمة المجتمع من خلال توفير دورات تدريبية في شتى المجالات لتطوير القيادات والأفراد بلغات مختلفة.

وبالإضافة إلى هذه المبادرات، فإن المملكة العربية السعودية تعمل على تطوير البيئة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتكنولوجية، وذلك من خلال توفير الدعم والتشجيع على الابتكار وريادة الأعمال، وتطوير البنية التحتية والخدمات العامة، وتحسين مستوى حياة المواطنين والمقيمين وتعزيز التعاون والتفاعل العالمي من خلال العمل الجاري والدؤوب على مشاريع عملاقة يجب الانتهاء منها بحلول عام 2030.

تُدرك المملكة أن التحوَّل يعني السعي لتنفيذ استراتيجية متعددة الأبعاد من أجل خلق أفُق جديدة للنمو وبناء أفراد قادرين على كتابة قصص نجاح من خلال قيادة جهود التغيير.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي