ملخص: الحضور القوي في مكان عملك ليس ترفاً، بل ضرورة. يفتح حضورك اللافت في مكان عملك، وحصولك على التقدير الذي تستحقه، أبواب فرص جديدة تدفع عجلة مسيرتك المهنية بقوة إلى الأمام. ولكن، ينبغي لك ألا تغيّر طباع شخصيتك حتى تحقق ذلك. وحتى إن كنت انطوائياً، ما يزال بمقدورك استغلال ما لديك من نقاط قوة. في هذا المقال، تستعرض الكاتبة 5 استراتيجيات تدعم بها حضورك في مكان العمل: 1) المبادرة بالتعبير عن الرأي في الاجتماعات. 2) التخلص من الضغط. 3) عدم الانتقاص من الذات. 4) الاستفادة من التواصل غير المتزامن. 5) إظهار الامتنان.
مؤخراً، صارحني أحد القراء، قائلاً: "أفضّل أن أكون عبقرياً ولكن في الكواليس". إذا كنت انطوائياً؛ أي تشعر براحة أكبر في التركيز على أفكارك الداخلية وتفضّل تجديد نشاطك في عزلتك، فربما ينتابك هذا الشعور. يثمّن العديد من الانطوائيين العمق والتفكير في عملهم أكثر من الصخب وحب الظهور. ويرضون بالإسهام دون تلقي التقدير المستمر أو الدخول في دائرة الضوء.
وهو طبع محبب إلى النفس، لكنه لا يخلو من مزالق، خاصة في بيئة العمل المعاصرة، التي يزداد اعتمادها على نموذج العمل عن بُعد، فأن تكون "بعيداً عن العين" غالباً ما يعني أن تصبح "بعيداً عن العقل والقلب". فربما تجاهلوك عند الترقية لأن أحد كبار المدراء لم يسمع بك أو بإنجازاتك. أو ربما ظنوا أن طبعك الهادئ هو افتقاد للشغف بالعمل. وهي تجارب تنبهك على حقيقة أن العمل بجد ليس كافياً لتأكيد ذاتك في بيئة العمل التنافسية المعاصرة. وأنت بحاجة إلى ضمان أن يعرف الجميع بجهودك ويقدرونها حق قدرها، حتى تفتح لنفسك باب فرص سانحة ودعم جديد.
وأقصد بالحضور القوي في مكان العمل أن تطمئن إلى أن المهام التي تنهض بها ومهاراتك التي تستخدمها وإنجازاتك التي تحققها محل تقدير وثناء الآخرين داخل مؤسستك. وأنا هنا لا أتحدث عن تفاخر أو تباهٍ، فالحضور القوي اللافت يتحقق بمشاركة المستجدات والمعلومات والتعريف بالنجاح بنهج استراتيجي يستحوذ على انتباه زملائك ويعود بالفائدة عليهم، من خلال ربط تقدمك دائماً بالسعي إلى تحقيق غايات مدرائك أو مؤسستك.
وأنا أتفهم هذا، خاصةً أنني انطوائية الطبع: ربما لم تتعلم من قبل كيفية التعامل مع هذا النمط من المناصرة الذاتية، أو أنك خفت اكتسابه من الأساس، وهذا أسوأ. لكن تفويت فرص الظهور وتأكيد الذات يعني أن تخسر الثناء الذي تستحقه والذي يعزز ثقتك بذاتك، فضلاً عن التخلي عن الصلاحيات، والتخلي عن المكاسب المالية كذلك.
وليس عليك أن تكون شخصاً صاخباً ومنفتحاً على الجميع حتى تثبت وجودك بينهم. وسوف أعرض عليك فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكنك تطبيقها إذا كنت تفضل اتباع نهج أهدأ في تعزيز حضورك، يعتمد على ما لديك من نقاط القوة؛ مثل التفكير العميق والتيقظ والقدرة على تكوين روابط قوية مع أي زميل.
1. المبادرة بالتعبير عن الرأي في الاجتماعات
الاجتماعات فرصة ذهبية لإثبات ذاتك شخصياً أمام صنّاع القرار. فعندما تتحدث أو تقدم رؤى أو تقترح حلولاً في أثناء تلك الاجتماعات، فإنك تُظهر لهم مدى فهمك للأعمال وقدرتك على التفكير الناقد ومؤهلاتك لتولي دور قيادي. لكن الانطوائي ميال إلى التأمل في النفس، وبالتالي قد ينزوي في خلفية مشهد الاجتماعات، أو يفرط في تحليل ما يسمعه وتصنيفه، أو يبالغ في التفكير لفترة طويلة في طريقة طرحه لرأيه ومضمونه، أو يذعن لهيمنة الشخصيات ذات السلطة في قاعة الاجتماعات.
فإن سبق لك التأخر في طرح رأيك خلال أي اجتماع، منتظراً "اللحظة المناسبة" للمشاركة، فتأكد أنك أضعت فرصتك. وكلما انتظرت، زادت صعوبة التدخل، وقبل أن تدرك ذلك، تجد أن جميع الأفكار الجيدة مطروحة بالفعل على مائدة الاجتماع. ومع تقدم سير الاجتماع، يتزايد قلقك، وتشتد عقدة لسانك.
وبمقدورك الفكاك من أسر هذه الدائرة بتحدي نفسك أن تكون ثاني أو ثالث المتحدثين في الاجتماع. وهو خيار يساعدك في التغلب على حاجز المشاركة الأولي، الأصعب غالباً. كما أنك تعرض رأيك وتوضح وجهة نظرك في البدايات، عندما يكون انتباه الجميع قوياً. وبكسر هذا الحاجز، تقترب أكثر من الشعور بمزيد من الراحة والاستعداد لمشاركة أكبر.
2. التخلص من الضغط
لا تتطلب قوة الحضور في مكان العمل دائماً أن تتوصل إلى أفكار مبتكرة تعجب زملاءك أو أن تمتلك كل الحلول. وهذا أمر رائع إن تحقق، ولكن من المفيد كذلك أن تعزز مكانتك بوصفك عنصراً مشاركاً نشطاً وموجهاً جيداً للحوار. فغالباً ما يكون كل من الحضور والمشاركة في الحوار أجدى من الانتظار لتقديم رؤية نموذجية تلفت الأنظار ولكن متأخراً.
ويمكنك أن تجعل حضورك ملموساً بالمشاركة المدروسة دون أن تكون محور اهتمام الحضور. كما أن طرح الأسئلة التي تحفز على التفكير بدرجة أعمق، ومشاركة الاقتراحات التي تبني على ما طرحه الآخرون، أو حتى الاهتمام بالنقاط التي قدمها الزملاء وتلخيصها لضمان الإجماع عليها، يساعدك في قطع شوط طويل نحو تعزيز مكانتك. على سبيل المثال:
- تطوير وجهة نظر طرحها زميل. "إضافةً إلى ما ذكره جيمي، أعتقد أن.."
- اطرح أسئلة توضيحية مثل: "ما دور التضافر بين الإدارات في هذا المشروع؟"
- فكّر في نقاش سابق: "يرجعنا هذا إلى ما ناقشناه في الأسبوع الماضي بشأن.."
- اقترح موارد. "نشرت هارفارد بزنس ريفيو مقالاً يدعم هذه الفكرة ويقدم رؤية أعمق".
3. عدم الانتقاص من الذات
هل ترددت يوماً أمام مديرك، واعترفت له قائلاً: "ليس هذا ما تبحث عنه.." عند تسليم مهمة ما؟ أو ربما تقول لزميلك في أثناء عصف ذهني: "قد تبدو هذه فكرة سيئة، ولكن.."؟ لا بد من اختيار التوقيت والمكان المناسبين لتهدئة التوقعات وتلطيف المقترحات، لكن الانطوائي يميل عادة إلى التقليل من أهمية أفكاره وإنجازاته.
ولكن اعتيادك استخدام عبارات تستبعد دورك، مثل "لستُ خبيراً في هذا الأمر"، يدفع الآخرين إلى التقليل من معرفتك وقدراتك، ويشير دون قصد إلى أنك لست مصدراً موثوقاً أو قائد فكر في مجالك، حتى لو كان العكس هو الصحيح. وهذا ما يضعف، بمرور الوقت، من صلاحياتك وتأثيرك.
ولتغيير طريقة تلقيهم لرسائلك، ابتعد عن العبارات التي تنتقص من ذاتك واعتمد لغةً أشد حزماً. على سبيل المثال:
- لا تقل: "قد يكون هذا صحيحاً، ولكن.."، قل: "من شأن نهج آخر أن.."
- لا تقل: "سأطرح هذه الفكرة فحسب.."، قل: "أود أن أقترح.."
- لا تقل: "أعتذر إن كان ما سأقوله خارج الموضوع.."، قل: "على سبيل توسيع نطاق منظورنا.."
- لا تقل: "لم أبحث في هذا الأمر كثيراً.."، قل: "أفكاري المبدئية هي.."
- لا تقل: "هذا رأيي فحسب.."، قل: "وفق ما فهمته.."
فهذا الإطار الإيجابي الواثق لمشاركتك يشجع الآخرين على احترام أفكارك والاعتراف بخبراتك.
4. الاستفادة من التواصل غير المتزامن
على نقيض الحوار في الوقت الفعلي الذي يتطلب ردوداً فورية، يسمح التواصل غير المتزامن بمشاركة متأنية متأملة، ويناسب الشخص الانطوائي تماماً. إنها فرصة لتنظيم أفكارك والتعبير عن رؤاك دون ضغط الردود الفورية.
فكّر في جدوى صياغة رسالة إخبارية شهرية أو ربع سنوية، توزعها على مدرائك أو على جميع إدارات مؤسستك. فهي بمثابة منصة مفيدة لك، لأنها تبقي أصحاب المصلحة على اطلاع بمستجدات العمل من خلالك. وعبرها، يمكنك تسليط الضوء على إنجازات فريقك، والتعريف برؤيتك واقتراح أفكار جديدة، وكل هذا في قالب احترافي مدروس. ويمكنك أن تقدم على خطوة مميزة، تتمثل في المتابعة الهادفة، فبمقدورك، على سبيل المثال، أن تبادر بعد اجتماع للفريق بإرسال رسالة إلكترونية إلى مديرك، تقترح عليه فيها: "بعد إمعان الفكر في تفاصيل حوارنا، أعتقد أن الخطوة [كذا] يمكن أن تمثل خطوة فعالة علينا أخذها في الاعتبار". ففي هذه البادرة دلالة على اهتمامك الجاد بعملك.
5. عبّر عن امتنانك
يجد الانطوائي نفسه في أغلب المواقف عالقاً بين ميله إلى التواضع ونفوره من الأضواء ورغبة مُلحة في الظهور والحضور وإثبات الذات. فهو حائر؛ يرتاح إلى تواضعه الفطري، ويدرك أهمية الترويج لنجاحه والتعريف به. وهنا، يتمثل الحل النزيه لهذه المعضلة في التعبير عن الامتنان. فعندما تُلبس إنجازاتك ثوب التواضع والامتنان، تحافظ على أصالتك وصدقك مع نفسك وتضمن ألا يغفل أحد عن إنجازاتك في العمل فيقدّرها حق قدرها.
وتعبّر عبارات مثل "إنه لشرف كبير أن أقود تنفيذ هذه المبادرة" عن استعدادك الجاد لتولي المسؤولية. وعندما تقول: "أنا ممتن لإتاحة هذه الفرصة لي للمشاركة في تنفيذ هذا المشروع، حيث يمكنني الاستفادة من مهاراتي في [كذا]"، فأنت تؤكد دورك في نجاح فريق العمل. وإن أرسلت رسالة مفادها: "يشرفني تقدير نتائج عملنا والثناء عليها في حضور عملائنا"، فأنت تعبّر عن مشاعر مخلصة صادقة تعزز قيمتك لدى المؤسسة.
اِعلم أن الحضور القوي في مكان عملك ليس ترفاً، بل ضرورة. يفتح حضورك اللافت في مكان عملك، وحصولك على التقدير الذي تستحقه، أبواب فرص جديدة تدفع عجلة مسيرتك المهنية بقوة إلى الأمام. ولكن، ينبغي لك ألا تغيّر طباع شخصيتك حتى تحقق ذلك. وحتى إن كنت انطوائياً، ما يزال بمقدورك استغلال ما لديك من نقاط قوة.