قد يبدو بناء علاقة مع مدير جديد أمراً صعباً، ولا سيما إذا كان يتبنّى أسلوب الإدارة التفصيلية في عمله. وتتحدث الكاتبة في هذا المقال مع خبيرتين اثنتين حول ما يجب فعله في مثل هذا الوضع المُحبط. تتمثّل الخطوة الأولى في فهم السبب الذي يدفع مديرك إلى ممارسة الإدارة التفصيلية، إذ قد تكون لديه نوايا صادقة في تقديم المساعدة والدعم، لكن الطرق التي يختارها لا تتوافق مع أسلوبك أو توقعاتك. وبمجرد أن تفهم دوافع مديرك وتحصل على تقييم لأدائك، ركز على إظهار مصداقيتك. لكن إذا لم تلاحظ أي تغيير على الرغم من جهودك الحثيثة، خاصة إذا كنت تعتقد أن مديرك يقوّض أداءك عن قصد، فلا حل أمامك بحسب رأي الخبيرتين سوى البحث عن وظيفة جديدة، سواء داخل مؤسستك أو خارجها.
يعرف أي شخص عمل في ظل إدارة تفصيلية شعور التدقيق الشديد والرقابة المتواصلة والتدخل المستمر؛ إنه صراع يومي يجعل أي موظف يعمل تحت إشراف دقيق وقيود صارمة يشكك في قدرته على اتخاذ القرارات ويشعره بالتهميش والإقصاء. بعبارة أخرى، إنه وضع خانق.
تقول الأستاذة في كلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك، جوليانا بيلمير، إن نفورنا من الإدارة التفصيلية في العمل يُعزى إلى سبب أساسي متأصل فينا؛ وتُضيف: "تقدير الاستقلالية هو أحد الجوانب الأساسية للطبيعة الإنسانية، إذ يرغب الجميع في أداء أعمالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة دون أن يكون هناك شخص يراقبهم أو يتدخل في قراراتهم".
وقد يمثّل العمل مع مدير جديد يمارس الإدارة التفصيلية تحدياً خاصاً بحسب الرئيسة التنفيذية لشركة فاير ميموز (Fire Memos)، أوكتافيا غوريديما، التي ألّفت كتاب "استعدي وأصرّي وغيّري مسارك: استراتيجيات مهنية أساسية للنساء ذوات التمثيل الناقص" (Prep, Push, Pivot:Essential Career Strategies for Underrepresented Women). وتقول: "لن تكون مضطراً إلى بناء علاقة عمل جديدة فحسب، بل تطوير سجل إنجازات جديد أيضاً، إذ قد يبدو سجل إنجازاتك السابق غير ذي جدوى لمديرك".
لكن على الرغم من أن العمل لصالح مدير تفصيلي أمر مُحبط ومُزعج، فثمة بعض الاستراتيجيات التي يمكن تطبيقها لتحسين العلاقة معه بحسب غوريديما، التي تقول: "توقع احتياجات مديرك، وواصل أداء عملك بإتقان، وتتبع تقدمك، وحافظ على تركيزك على أهدافك الرئيسية".
وإليك كيفية تحقيق ذلك بحسب الخبيرتين.
افهم نوايا مديرك
من الصعب إظهار التعاطف تجاه شخص يجعل حياتك أصعب، لكن تحث بيليمر على إبداء المشاركة الوجدانية مع المدير التفصيلي بالفعل، إذ تقول: "لا يمتلك المدراء التفصيليون معظمهم نوايا سيئة، إنهم لا يعرفون فقط كيفية مساعدة الآخرين بفعالية". وتُضيف أن المدير الجيد يقدم "مساعدة قائمة على التمكين"؛ أي دعماً يحسّن أداء الموظف في العمل، ويشجعه على النمو، ويتيح له أن يصبح أكثر استقلالية. من جهة أخرى، يعرقل المدير التفصيلي تطور الموظف من خلال تدخلاته المستمرة، وتقديم ما تُطلق عليه "المساعدة غير المفيدة" التي "تقوّض قدرة الموظف على أداء عمله في الحاضر وفي المستقبل".
وبالتالي، تتمثّل الخطوة الأولى في فهم السبب الذي يدفع مديرك إلى ممارسة الإدارة التفصيلية. هل سلوك مديرك العام محترم ومتفهّم؟ قد يكون لدى مديرك نوايا صادقة في تقديم المساعدة والدعم، لكن الطرق التي يختارها لا تتوافق مع أسلوبك أو توقعاتك. هل من طبعه الاهتمام بالتفاصيل والعمل بضمير يقظ؟ قد تكون الإدارة التفصيلية سمة شخصية لديه. هل يشغل منصب المدير للمرة الأولى؟ ربما يشعر بعدم الثقة بالنفس. وتقول بيليمر: "بمجرد أن تتأكد من نوايا مديرك الحسنة، يمكنكما العمل معاً على تعديل العمليات واقتراح حلول لتحسين الوضع". من ناحية أخرى، إذا كانت نوايا مديرك تقوّض أداءك، فعليك حينها التفكير في استراتيجية إنهاء الخدمة. (وسنتحدث عن ذلك فيما بعد).
مارس التأمل الذاتي
إذا كنت تشعر بأن مديرك الجديد يمارس تدقيقاً إضافياً على عملك مقارنة بالآخرين، فمن الضروري أن تمارس بعض التأمل الذاتي. تقول غورديميا: "ما هي التقييمات التي تتلقاها؟" فكر في التعليقات أو الملاحظات التي قدمها مديرك أو التقييمات التي تلقيتها حول أدائك وابحث عن أي أنماط متكررة. وتقول بيلمير: "قد يكون سلوكك هو الذي يحفز مديرك على ممارسة الإدارة التفصيلية، وليس العيب في شخصيته". وتضيف: "قد يساعدك التعامل مع المشكلات التي تدفع مديرك إلى ممارسة الإدارة التفصيلية على تقليل التوتر في العلاقة".
التمس التقييمات (وقدّمها).
تحدث إلى مديرك حول أدائك وكيفية تحسين التعاون بينكما. تقول غوريديما: "احرص على أن تكون مستمعاً نشطاً وغير متحيز". واستخدم الأسئلة المفتوحة لتعرف أولويات مديرك وتفضيلاته وتوضح أي نقاط مبهمة لديك". وتقول بيليمر: "تذكر أن التقييمات هي محادثة ذات اتجاهين". لا تلم الآخرين ولا تذكر كلمة "الإدارة التفصيلية"، إذ قد "تُفسّر على أنها انتقاد شخصي، وتثير ردود فعل دفاعية".
بدلاً من ذلك، ركز على السلوكيات المحددة وأثرها في عملك. وتنصح بيلمير بأن تقول شيئاً من قبيل: "كان لدي موعد نهائي لتسليم العمل الأسبوع الماضي لصالح شركة جونز بروجيكت (Jones Project)، وتبادلنا عدة رسائل إلكترونية قبل الموعد النهائي، لكنها كانت مُحبطة وأثرت سلباً في قدرتي على التركيز وإكمال المشروع بكفاءة. ما هو التغيير الذي يمكننا إحداثه لضمان حصولي على ثقتك في تقدمي، مع السماح لي بالتركيز على عملي في الوقت نفسه؟".
طور علاقة ثقة مع مديرك من خلال توقع احتياجاته
بمجرد أن تفهم دوافع مديرك وتحصل على تقييم لأدائك، ركز على إظهار مصداقيتك. تقول غوريديما: "يخشى المدير التفصيلي غالباً من إهمال شيء مهم أو الإغفال عنه، لكن إذا كنت منتظماً وموثوقاً في الطريقة التي تؤدي بها عملك، فستنجح في كسب ثقته".
تنطبق النصائح الشائعة للتفاهم مع مدير جديد هنا: راعِ الطريقة التي يفضّلها مديرك للتواصل، هل يفضّل التواصل عبر منصة زووم، أم سلاك، أم الهاتف؟ كن مرناً ومبدعاً في تلبية توقعاته. وطوّر نظاماً لتتبع المهام التي تعمل عليها وأبقِ مديرك على اطلاع دائم به. وتضيف غورديميا أن هذه العادة الخاصة تزداد "أهميتها عندما تعمل لصالح مدير تفصيلي، فهي تتيح لك تقييم نتائجك بنفسك والحضور إلى الاجتماعات الفردية وأنت على أتم الاستعداد". وتقول بيلمير إن توقع احتياجات مديرك ومعالجة مخاوفه بصورة استباقية يحافظ على رضاه، ويعود عليك بالنفع أيضاً، كما أنه يساعدك على استعادة السيطرة والحصول على مزيد من الاستقلالية في عملك.
اطلب النصح والمؤازرة من موجه
تقول بيليمر: "عندما تواجه مشكلة مع مديرك أو حول ديناميات الفريق، فقد يكون وجود موجه يُلقي الضوء على المشكلات ويقدّم الإرشاد مفيداً". ولهذا السبب، تقول إنه من المهم بناء علاقات مع موجهين خارج دائرة الإشراف المباشر، إذ قد تمنحك نصائحهم وجهة نظر وأفكاراً جديدة حول كيفية تكييف نهجك. قد تساعدك مشورتهم أيضاً في التفكير في إمكانية تصعيد المشكلة إذا كان أثرها سلبياً في فريقك. وتقول: "إذا تراجع نتاج عملك وانخفضت معنوياتك، فعليك أن تعبّر عن ذلك لشخص تثق به في المؤسسة.
طوّر آليات للتأقلم
لن يتغير سلوك مديرك التفصيلي بين عشية وضحاها. وحتى عندما تلاحظ تحسناً في سلوكه، فقد تظل لديه بعض العادات التي تزعجك. وتنصح بيلمير بفصل الجانب الشخصي عن الجانب المهني. بعبارة أخرى، ركز على الصفات الإيجابية لمديرك في أثناء تعاملك مع أسلوب إدارته الذي يسبب لك الضغط والإجهاد. وتضيف: "قد تجد نفسك في موقف تشعر فيه بأنك تحب شخصية مديرك، لكن أسلوب إدارته يقودك إلى الجنون. لذا، حاول في تلك الحالات استغلال الروابط الخارجية التي تجمعكما لبناء علاقة عمل أفضل".
توصي غوريديما بالتركيز على الجوانب الإيجابية في العمل، مثل تطوير المهارات، وبناء العلاقات الشخصية والمهنية، واكتساب الخبرة. وتنصح أي موظف ببذل قصارى جهده ليحافظ على رفاهته ويضع حدوداً صحية في العمل. وتقول: "احرص على التركيز على العمل خلال ساعات الدوام، والاستمتاع بوقتك الشخصي بعد انتهائه".
فكّر في الخيارات الأخرى
إذا لم تلاحظ أي تغيير على الرغم من جهودك الحثيثة، خاصة إذا كنت تعتقد أن مديرك يقوّض أداءك عن قصد، فلا حلّ أمامك بحسب رأي الخبيرتين سوى البحث عن وظيفة جديدة، سواء داخل مؤسستك أو خارجها. فكر في رضاك الوظيفي العام، وفرص النمو في المنصب الحالي، وأثر الإدارة التفصيلية في صحتك النفسية وتطورك المهني. وفكر فيما إن كانت فوائد البقاء في منصبك الحالي تفوق التحديات التي تواجهها. تقول غوريديما إن العمل لصالح مدير تفصيلي أمر صعب، لكنها تحث على "عدم السماح للتجربة بالتأثير سلباً فيك، إذ لن تكون هذه التحديات العامل الذي يحدد مسارك المهني".
نصائح سريعة
- قيّم أسلوب الإدارة التفصيلية التي يمارسها مديرك. هل أسلوبه مبني على نوايا حسنة؟ هل يواجه صعوبة في تقديم مساعدة فعالة؟ إذا كان يواجه صعوبة بالفعل، فقد تكون هناك فرصة للتعاون معاً لتعديل كيفية تنفيذ العمليات وتحسين العلاقة المهنية بينكما.
- فكر في أي جوانب محتملة تواجه فيها صعوبات تقوّض أداءك، وتُسهم في زيادة التدخل والمراقبة من جانب مديرك، مثل تفويت المواعيد النهائية أو ارتكاب الأخطاء.
- تجنب وصف مديرك بالمدير التفصيلي، بل احرص على تحسين آليات التعاون بينكما من خلال التحدث إليه حول السلوكيات التي يمارسها وأثرها في عملك.
- احرص على إظهار المصداقية بأن تكون متسقاً في سلوكك وأن تُبدي أنك شخص أهل للثقة وقادر على التكيف مع تفضيلات مديرك؛ فذلك يساعد على إرساء الثقة ويتيح لك استعادة بعض السيطرة على جوانب عملك.
- تواصل مع موجهين خارج دائرة الإشراف المباشر للحصول على إرشادات وآراء حول المشكلة التي تواجهها؛ إذ يمكن للموجه مساعدتك على تعديل نهجك أو تصعيد المشكلة عند الضرورة.