أصبحت إدارتا تجربة العملاء وتجربة الموظفين اليوم قوتين محركتين للأعمال، فكل منهما تؤدي على نحو مستقل إلى إنشاء علاقات قيّمة مع كل من الموظفين والزبائن، ولكن عندما تتم إدارتهما معاً تولدان ميزة تنافسية فريدة ومستدامة. ولذلك يجب على الشركات أن تفكر بإدماج الإدارتين وتعيين "رئيس تنفيذي لتجربة العملاء" من أجل قيادة الجهود المشتركة في المؤسسة بأكملها.
لقد أصبحت إدارة تجربة العملاء أسلوباً جديداً للتسويق، فهي تؤثر في مفاهيم العلامة التجارية وتؤثر على أداء الشركة بقوة، تماماً كما أثرت أساليب التسويق التقليدية في السابق، مثل الإعلانات عبر وسائل الإعلام والأسعار الترويجية. فإدارة تجربة العميل الجيدة ترفع احتمالات أن يوصي العميل بالشركة خمسة أضعاف وتزيد من احتمالات أن يشتري منها مجدداً في المستقبل. تقول "شركة فورستر للأبحاث التسويقية": "إن 76% من التنفيذيين يقولون إن تحسين إدارة تجربة العملاء هو أولوية عليا أو حاسمة وإن كثيراً من الشركات قد أسس منصباً ضمن المستويات الإدارية العليا من أجل مراقبتها".
ولكن لا يمثل العميل إلا نصف معادلة التجربة، فإدارة تجربة الموظف تتمتع بأهمية مساوية ويمكن إغفالها في كثير من الأوقات. إذ يتأثر أداء الشركة بصورة كبيرة بتجربة الموظف، التي تتمثل بمجموع التفاعلات التي تدور بين الموظف والشركة بدءاً من عملية التوظيف وصولاً إلى مقابلة التسريح. وهي تتضمن أكثر من وظائف الموارد البشرية بكثير، وتشمل المنشآت والاتصالات الداخلية، وتقنيات المعلومات وحتى المسؤوليات الاجتماعية للشركة. وتبين أبحاث أجرتها شركة "غالوب" أن وحدات العمل ضمن الربع الأعلى من تقييمات التزام الموظفين تفوقت في أدائها على وحدات الربع الأدنى بنسبة 10% في تقييمات العملاء و22% في الأرباح و21% في الإنتاجية، وأنها شهدت نسبة أقل من الدوران الوظيفي للموظفين وتغيبهم عن العمل وحوادث السلامة بينهم. وقامت الشركات، التي صنفها باحثو "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)" ضمن الربع الأعلى لتقييمات إدارة تجربة الموظفين، بتطوير المزيد من الابتكارات الناجحة، ما أدى إلى زيادة كمية أرباح ابتكاراتها لتعادل ضعفي أرباح الشركات ضمن الربع الأدنى، بالإضافة إلى أن صافي نقاط الترويج المعدل حسب القطاع كان أعلى مرتين أيضاً.
وتوضح هذه النقطة الأخيرة الرابط الحيوي بين العملاء والموظفين وحاجة الشركات إلى الاهتمام بإدارة التجربتين معاً. فالشركات التي تركز على إدارة تجربة الموظفين أكثر من إدارة تجربة العملاء ستجد نفسها في نهاية المطاف تعمل مع موظفين ذوي نوايا حسنة لا يملكون أدنى فكرة عن كيفية خدمة العميل، أو موظفين سعداء وراضين ولكنهم لا يحققون النتائج المطلوبة. والشركات التي تركز على إدارة تجربة العملاء أكثر من إدارة تجربة الموظفين ستعاني من تكاليف العمل بسبب نسب الدوران الوظيفي المرتفعة ونقص التفكير الإبداعي، أو قد يستيقظ أحد قادتها صباحاً ليجد الأخبار تتحدث عن شركته لأن موظفاً ساخطاً قرر أن ينشر مقطع فيديو عن ظروف العمل الرهيبة التي يجب على الموظفين تحملها.
وما لا يدركه كثير من الشركات هو أن تجربة الموظفين الرائعة تؤدي إلى تجربة رائعة للعملاء أيضاً، ووفقاً لتقرير مجموعة "تيمكين" (Temkin Group)، فإن الشركات الرائدة في إدارة تجربة العملاء (النسبة المئوية من الشركات التي تعتبر معدلات تجربة العملاء فيها فوق المتوسط) تملك احتمالات لاكتساب معدلات "جيدة" أو "جيدة جداً" لالتزام الموظفين أكثر بخمسة أضعاف من الشركات ضعيفة الأداء (الشركات التي تحقق معدلات متوسطة أو أدنى من المتوسطة من تجربة العملاء). تقول دايان غيرسون، رئيسة قسم الموارد البشرية في شركة "آي بي إم"، إن التزام الموظفين في شركتها يفسر ثلثي معدلات تجربة العملاء فيها.
فالإدارة العليا تحتاج إلى وجود قيادة ماهرة قادرة على تحقيق التكامل والتوافق بين تجربتي العملاء والموظفين، وهذه القيادة هي الرئيس التنفيذي للتجربة أو ما يرمز إليه اختصاراً (CXO)، وهو القائد المسؤول عن إدارة تجربة العملاء وإدارة تجربة الموظفين وهو الذي يساعد المؤسسة على تطوير القوة المشتركة للإدارتين معاً وإطلاقها. وقد قامت بعض الشركات بتعيين رئيس تنفيذي للتجربة من أجل تحفيز تجربة العملاء، ولكن يجب أن يترأس مدير التجربة الحقيقي إدارتي تجربة العملاء وتجربة الموظفين على حد سواء وأن يحمل مسؤولية إنشاء رابط داعم مشترك بينهما. ولذلك، يحمل من يشغل منصب الرئيس التنفيذي الذي نشير إليه في مقالتنا على عاتقه قيادة الجهود الموجهة إلى العملاء والموظفين معاً.
وإذا فرّقت المؤسسة بين قيادة تجربة العملاء وقيادة تجربة الموظفين سيتنامى الانفصال بين وظائف إدارتي تجربة العملاء وتجربة الموظفين حتى إذا كانت هذه الوظائف جزءاً من الفريق التنفيذي. وفي الحقيقة، يمكن للموظفين أنفسهم تحقيق التجربة التي يعيشونها للعملاء، وهذا ما سيحصل. وإذا كانت الشركة راغبة بتحقيق تجربة حدسية سلسة قائمة على التقنية للعملاء مثلاً، فهي لن تصل إلى هذا الهدف إذا كان كل تعاملها مع الموظفين على الورق فقط، بطيء وبيروقراطي. ولكن عندما يكون هناك توافق بين إدارة تجربة العملاء وإدارة تجربة الموظفين، وإذا كان الموظفون يختبرون تجربة العملاء أولاً، فسيدركون كيف سيكون شعور العملاء تجاه هذه التجربة ومدى قيمتها بالنسبة لهم، وسيعرف الموظفون كيفية البدء بتحقيقها من خلال عملهم وقراراتهم هم.
أضف إلى ذلك أن الفصل بين وظائف التجربتين يؤدي إلى التنافس بينهما على الموارد والاهتمام، وهذه نتيجة مؤسفة ولكنها متوقعة. بينما نجد أن توحيد إدارتي التجربتين في قسم واحد، أو على الأقل وضع القسمين تحت إدارة قائد واحد، سيتيح للشركات الاستفادة من التعاون بينهما. ويمكن استخدام أداة تخطيط رحلة العملاء في تصميم تجربة الموظفين، أو ربط منصة تواصل داخلية بمنصة رعاية العملاء، ويمكن أيضاً تطبيق برنامج تطوير الموظفين من أجل زيادة وعي العملاء وفهمهم، وبالتالي رفع مهارات القوة العاملة مع رفع قوة تجربة العملاء في آن.
كيف سيبدو ذلك عملياً؟ لاحظت بعض الأنماط بناء على بحث أجريته من أجل كتابي الأخير حول كيفية دمج الشركات بين العلامة التجارية والثقافة وتحقيق التوافق بينهما. فالرئيس التنفيذي للتجربة الذي يقود الشركة كي تركز أكثر على العملاء والموظفين يكون مسؤولاً عما يلي:
- فهم الموظفين للعملاء بشكل أفضل.
- فهم قادة الشركات للموظفين بشكل أفضل.
- التحفيز التصميم المدروس والمنظم للتجارب وإيصالها لكل من العملاء والموظفين.
- إنشاء تواصل بين إدارتي تجربة العملاء وتجربة الموظفين ودعم التكامل الذي تتطلبانه سواء كان تقنياً أو من أي نوع آخر.
- دعم وجهات نظر العملاء والموظفين في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية في الشركة.
- قياس أثر تجربة العملاء على الموظفين وأثر تجربة الموظفين على العملاء وأثر التجربتين على مؤشرات الأداء الرئيسة في الشركة.
خذ مثلاً كيف أدت دونا موريس دورها على أكمل وجه في منصب نائب الرئيس التنفيذي لتجربتي العملاء والموظفين في شركة "أدوبي". حيث ركزت على العناصر الثلاثة التي تشكل العلاقات بين العملاء والموظفين: الجذب والانخراط (الاستبقاء) والتطوير. ومن أجل تيسير الانخراط، أعدت موريس محطات استماع يستمع فيها الموظفون إلى آراء العملاء مباشرة، سواء على الإنترنت أو شخصياً في أحد مكاتب "أدوبي"، ومعرفة قصص نجاحاتهم والتحديات التي يواجهونها. فتمكنت بذلك من زيادة التزام الموظفين عن طريق مساعدتهم على فهم زبائن "أدوبي" على نحو أفضل، بالإضافة إلى أن الموظفين تمكنوا بواسطة هذا الفهم من تطوير أدوات وحلول تلبي احتياجات العملاء بصورة أفضل، وبالتالي رفع انخراط العملاء.
كما أنها قادت تطبيق برنامج التعويض الذي ربط كل الموظفين بالعملاء، وكان هذا البرنامج عبارة عن خطة قصيرة الأمد للتحفيز النقدي مبنية على أداء أرباح الشركة ومقاييس نجاح العملاء وتصنيفاته. جعل هذا البرنامج مشاركة الموظفين في إدارة تجربة العملاء ملموسة أكثر، كما أنتج توافقاً وتعاوناً في القوى العاملة لأن الجميع كانوا يعملون لتحقيق الأهداف نفسها.
عن طريق توحيد إدارتي تجربة العملاء وتجربة الموظفين وتحقيق التوافق بينهما تحت إدارة رئيس تنفيذي واحد، تضع الشركة القيمة في محور وظائفها التي تركز على الأشخاص خارج الشركة (العملاء) وداخلها (الموظفين) على حد سواء.